عرض مشاركة واحدة
قديم 03-27-2011, 01:35 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي مفهوم الجاهلية في الشعر الجاهلي 2

مفهوم الجاهلية في الشعر الجاهلي 2
مفهوم الجاهلية في الشعر الجاهلي
محمد الناصر

ملخص ما سبق نشره :
انتهت المقالة الأولى إلى الكلام عن الحروب في الجاهلية ، فتحدث
الكاتب عن أسباب الحروب ، وعن أثرها على موضوعات الشعر المختلفة ، فبيّن أن الحرب وما يكتنفها من موضوعات كانت من أهم دواعي الشعر ، فالفخر نما في ظل الحروب والمعارك ، وآخر ما استشهد به على ذلك ، أبيات من معلقة عمرو ابن كلثوم وهاهو يستأنف بحثه حول ذلك .
( فالمعلقة جميعها صياح شديد على هذا النحو الذي يرفع قبيلته تغلب على
كل قبائل نجد شرقيّها وغربيّها ، فكل من حدثته نفسه منهم بقتالها كان مصيره
الهلاك والدمار ، ويقول : إن حياتهم سلسلة من الحروب .. واعترف لأعدائه
بشجاعتهم ، فهم يقتُلون ويقتل منهم من قومه ، فثيابهم جميعاً ملطخة بالدماء..)[1].
وهناك كثير من الشعراء وصفوا خصومهم بالشجاعة وتسمى قصائدهم
بالمنصفة .
المُنْصِفات من القصائد :
من ذلك قول المفَضَّل النُّكْري يصف موقعة بين عشيرته من بني نُكْرة ابن
عبد القيس وعشيرة عمرو بن عوف يقول : [2]
وكم من سيد منا ومنهم بذي الطَرْفاء منطقه شهيق
فأشبعنا السباع وأشبعوها فراحت كلها تِئِقٌ يفوقُ
فأبكينا نساءهم وأبكوْا نساءً ما يسوغ لهن ريقُ
وصف مثير للمعركة ، فيه إنصاف للخصوم ، ورجولة تبتعد عن الادعاء
الفارغ ، تعجز عن هذه الرجولة جعجعة الجاهلية الحديثة ، وفي كل شرٌ .
ومن المنصفات أيضاً قصيدة للعباس ابن مرداس يصف فيها حرباً شديدة
وقعت بين قومه بني سليم وبين قبيلة مراد ، وكان الشاعر رئيسهم عندما غزا مراداً
بقيادة عمرو بن معد يكرب ... وفيها إنصاف للخصوم وشجاعتهم منها : [3]
فلم أرَ مثل الحيِّ حياً مصبِّحاً ولا مِثْلَنا -لما التقينا- فوارسا
فإنْ يقتلوا منا كريماً فإننا أبأنا به قتلى تُذِل المعاطسا
وهذا الشعر الذي يشيد بالأمجاد والانتصارات ، جعل شعر الحماسة من أروع
الموضوعات ، ولعله استغرق كثيراً من القصائد الجاهلية ، فهم يتغنون ببطولتهم
وأنهم لا يرهبون الموت (ويرتفع هذا الغناء بل هذا الصياح في كل مكان بحيث
يخيل إلينا أنه لم يكن هناك صوت سواه ، ولعل ذلك ما دفع أبا تمام إلى أن يسمي
مجموعته من أشعارهم وأشعار من خلفوهم باسم الحماسة .. فهي ديوانهم الذي
يسطر تاريخهم ومناقبهم ومفاخرهم ومن قرأ الأصمعيات والمفضليات يجد هذا الفخر
وما يطوي فيه من حماسة يدور على كل لسان) [4] .
ونختم حديثنا عن المنصفات من خلال شعر الحماسة والفخر بقول الحصين
بن الحمام المري عندما يندد بخصمه ، ويصفه بالجبن ، ويحاول أن ينصفه ،
ويصور لنا المعركة ، وشدة البأس فيها ، وأنهم مع خصومهم كانوا يعزون بعضهم ،
وتسود بينهم المودة والوئام : [5]
ولما رأيت الود ليس بنافعي وأنْ كان يوماً ذا كواكب مظلماً
يُفَلِّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزةٍ علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما
وجوه عدو والصدور حديثة بودٍ فأودى كل ود فأنعما
نطاردهم نستنقذ الجرد كالقنا ويستَنقذون السمهري القوّما
لقد كان هذا الشعر من فخر وحماسة ، يصور الذكريات الدامية ،
والانتصارات الغاضبة للعرب في جاهليتهم ، وكانت لذة النصر تحرك المشاعر ،
وشدة الغيظ والحقد تلهب النفوس .

الهجاء يشارك في المعارك :
ولقد حاول الشعراء أن يهاجموا خصومهم ، وأن يتهموهم بالجبن والفرار
والهزيمة ، ولم يسلم الأشراف ولا السادة من اتهامهم بالعار والخزي ، وكان تأثير
الهجاء عنيفاً على النفوس قوياً على المهجوّين ، وكثيراً ما بكى بعض السادة من ألم
الهجاء ، فقد بكى علقمة بن عُلاثة وعبد الله بن جدعان ، ومخارق بن شهاب وهم
من أشراف قومهم وسادة قبائلهم [6] .
وكان اللسان ينكأ بهجائه في الأعداء نكأ السيوف والرماح ، وكان المتحاربون
وكذلك الشعراء يتبارون في أيهم يكون أنفذ سهماً ، حتى لا تقوم للشريف وقبيلته
قائمة . ومن هنا اقترن الهجاء عند عبد قيس بن خُفَاف البُّرحُمِيِّ بالسيف والرمح إذ
يقول : [7]
فأصبحتُ أعددت للنائبا تِ عِرضاً بريئاً وعضباً صقيلاً
ووقع لسانٍ كحد السنان ورمحاً طويل القناة عسولا
وكأنما أصبح همّ الهاجي أن يضرب عدوه الضربة القاضية . بل لكأن مناقبه
كانت تؤذيهم فكانوا يلطخونه بالعارٍ ، ومن هنا لا نعجب إذا وجدنا شاعراً يهجو
النعمان بن المنذر ، ويتهمه أنه لم يولد لِرِشدة ، وأنه ليس سليل المناذرة إنما هو
سليل صائغ بالحيرة ، يقول عبد قيس بن خفاف البرجمي أيضاً : [8]
لعن الله ثم ثنى بلعن اب ن الصائغ الظلوم الجهولا
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ثم لا يرزأ العدو فتيلا
الرثاء :
ولقد بكى الشعراء صرعى المعارك بكاء مراً ، وندبت النساء الثكلى ، وكن
مازلن ينحن على القتيل حتى يُثأر له ، والخنساء كانت تخرج إلى عكاظ تندب
أخويها ، وهند بنت عتبة كانت تنوح على أبيها . وكانت النسوة يشققن جيوبهن ،
ويلطمن الوجوه ، ويقرعن صدورهن ، ويعقدن مأتماً من العويل والبكاء ، ومن أكثر
النساء بكاءً ونشيجاً الخنساء حيث تبكي أخاها صخراً ، ومن رائع ما ندبته به وقد
قتل في إحدى المعارك : [9]
قدىً بعينك أم بالعين عُوّارُ أم ذرَّفَتْ أنْ خلت من أهلها الدارُ
كأن عيني لذكراه إذا خطرتْ فيضٌ يسيل على الخدين مِدْرار
تبكي خُناسُ وما تنفك ما عمرت لها عليه رنينٌ وهي مقتار
وإنَّ صخراً لتأتم الهداةُ به كأنه علمٌ في رأسه نارُ
ويرثي أبو دؤاد الإيادي من أودى من شباب قبيلته وكهولهم فيقول في قصيدته : [10]
لا أُعِذُّ الإقتار عُدْماً ولكن فَقْدُ من قد رزئتهُ الإعدام
ويستمر يبكي فيهم الرؤوس العظام وخلالهم وصفاتهم ... ويقول : إنهم
أصبحوا هاماً وصدى ...
سلط الدهرُ والمنونُ عليهمْ فلهم في صدى المقابر هامُ
فعلى إثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سَقام
وأروع الرثاء ما ندب به الأبطال في حومات القتال ، لأن الشعراء في بكائهم
وفي تعداد مناقب الموتى يثيرون الأحقاد ويشحذون العزائم ويهيجون القبيلة للحرب
ويدعون إلى الأخذ بالثأر . [11]
فهذه أم ندبة ترثى ابنها وتلوم زوجها حذيفة على قبول الدية : [12]
حذيفة لا سلمت من الأعادي ولا وفيت شر النائبات
أتقتلُ نُدبةً قيسٌ وترضى بأنعام ونوق سارحات
أما تخشى إذا قال الأعادي : حذيفة قلبه قلب البنات
فخذ ثأراً بأطراف العوالي وبالبيض الحداد المرهفات
وإلا خلني أبكي نهاري وليلي بالدموع الجاريات
لعلّ منيتي تأتي سريعاً وترقبني سهام الحادثات
أحبّ إلى من بعل جبان تكون حياته أردا الحياة
والمهلهل بن ربيعة الذي عرف بمراثيه لكليب يعدد مناقب أخيه ويذكر عزته
وعزمه .. يندبه كقائد للخيل يوم المعركة : [13]
أضحت منازل بالسلان قد درست تبكي كليباً ولم تفزعْ أقاصيها
الحزم والعزم كانا من صنيعته ما كل آلائه يا قوم أحصيها
القائد الخيل تردي في أعنتها زهواً إذا الخيل لَجَّتْ في تعاديها
وشعر الرثاء الباكي كثير ، كثرة القتلى والمعارك الدامية . هذه هي الجاهلية
قتال ، وغزو وحرب ، وبكاء وحماس ومفاخر ومنافرة .

المنافرات :
مفردها منافرة ، وسميت هكذا لأنهم كانوا يقولون عند المفاخرة : إنا أعز نفراً .. ونافر معناه حاكم في النسب [14] . وقد كثرت المفاخرات والمنافرات في
الجاهلية ، إذ يزعم كل فريق أنهم أكثر عدداً وأعز نفيراً ، وكان غالب مفاخراتهم
منافراتهم بالشجاعة والكرم والوفاء وذكر سادتهم وشجعانهم وأشرافهم ، وقد ذكر
صاحب بلوغ الأرب نماذج كثيرة من هذه المنافرات كمنافرة يمن ومضر ، ومنافرة
الأوس والخزرج ، ومنافرة عامر ابن الطفيل مع علقمة بن عُلاثة ، ومنافرة هاشم
وأمية [15] .
ومن أشهر المنافرات منافرة عامر بن الطفيل مع علقمة بن علاثة تنافرا على
رئاسة قومهما وذهبا إلى هرم بن قطبة الفزاري فقال لهما هرم :
إنكما قد تحاكمتا عندي وأنتما كركبتي البعير الأدرم [16] الفحل تقعان
الأرض وليس منكما واحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه وكلاكما سيد كريم . ولم
يفضل واحداً منهما على صاحبه كيلا يجلب بذلك شراً بين الحيين ونحر الجزر
وفرق على الناس .
وعاش هرم حتى أدرك خلافة عمر رضي الله عنه فقال : يا هرم أى
الرجلين كنت مفضلاً لو فعلت ؟ قال : لو قلت ذلك اليوم عادت جذعة ولبلغت
شَعَفات هجر . فقال أمير المؤمنين : نعم مستودَع السر أنت يا هرم مثلك فليستودع
العشيرة أسرارهم ، وقال فيه الأعشى :
حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الباهر
لا يأخذ الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر [17]
وهكذا تجد أن هذه المنافرات تجسد لنا تلك العقلية التي تعتز بالعدد والكثرة ،
والشجاعة والكرم ، وأن المنافر وقبيلته أفضل القبائل . ومن هنا عاب القرآن هذا
الشأن فقال تعالى :
] أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ [ والله لا يحب كل مختال فخور .

طريقة المقاتلة وأدوات القتال :
لقد أسهب الشعر الجاهلي في وصف دقائق الحرب ، طرقها وأدواتها
وأوقاتها [18] .
وقد كان قتالهم بالكر والفر أحياناً ، وقد يتخذون وراءهم حواجز من الظعائن
أو الإبل يرجعون إليها ، وعرفرا أحياناً الحروب المنظمة . وكانت المبارزة تسبق
الحرب في بعض الحالات قال عنترة : [19]
سأخرج للبراز خَلَّي بالٍ بقلب قُدً من زُبَرِ الحديد
وفى غزوة أحد تقدم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالراية متحدياً
المشركين وخرج إليه أبو سعيد بن أبي طلحة ليبارزه فضربه علي وصرعه [20] .
وقد أغاروا بالليل والنهار ، وربما كان أكثر الغارات ليلاً والقوم رقود وكانوا
يمتنعون عن القتال في الأشهر الحرم وفي ذلك حكمة بالغة في أمة اعتادت شنَّ
الغارات ، واعتادت السطو والسلب ، حيث يتمكن العقلاء من محاولات الصلح حتى
لا يسترسلون في التفاني وليتمكن الإنسان من قضاء حاجاته وأمور معاشه .
كان العرب في جاهليتهم يحرصون على أدوات القتال ، يحملونها لا تفارقهم
وافتخروا بأنواعها ، وجودتها ، فبها يغيرون ، ويثأرون ويغنمون ، لقد تحدثوا في
شعرهم عن السيوف والرماح والدروع بأنواعها ، وعن السهام والقسي بأشكالها ،
وفاخروا بالخيول الأصيلة ، فهذا عنترة يفتخر بأن وسادَه درعه وسيفه ، وبأن مقيله
ظهر حصانه : [21]
أيا عبل ما كنت لولا هواك قليل الصديق كثير الأعادي
وحقك لازال ظهر الجواد مقيلي وسيفي ودرعي وسادي
ومن أهم وسائلهم الخيول إذ أعزوها إعزازاً عجيباً ، وافتخروا بها لأنها
وسيلة الكر والفر ، وعرف العرب بالمحافظة على أنسابها [22] ، وعدم الخلط بين سلالاتها ، وكان إطلاق الأسماء على الخيل عادة معروفة ؛ ليميزوا بين الأصيل والهجين ، وقد ذكر صاحب أنساب الخبل [23] أكثر من مائة فرس من أفراس الجاهلية والإسلام مع نسبتها إلى أصحابها من ذلك أعوج ، كان سيد الخيل المشهورة ، كان لملك من ملوك كندة ، والغرب والوجيه ولاحق والمذهب وكتوم .






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس