عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2011, 02:38 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

(3) الخطوات المتتالية لكي تنعقد المجموعة الاستشارية:
أ ـ توضيح عام:
كان محددًا للمجموعة الاستشارية، أن تنعقد في كانون الثاني/ يناير 1977، ولكن تأجل الموعد إلى آذار/ مارس، وأُجِّل مرة أخرى إلى نيسان/ أبريل، ثم انعقدت فعلاً في أيار/ مايو. وفي شباط/ فبراير (بعد "نجاح الاتصالات السرية "وقبيل رحلة فانس المُثبِّطة للآمال) قال وزير الاقتصاد إن "الدول الصديقة في أوروبا واليابان، بالإضافة إلى أمريكا والدول العربية، سوف تعقد اجتماعًا يرأسه البنك الدولي للإنشاء والتعمير؛ لتنسيق معونتها لمصر في تمويل مشروعاتها للتنمية، وتقديم الدعم النقدي المباشر لها" (28) ولكن هذه الصياغة كانت أقرب إلى مفهوم "الكونسورنيوم" الذي يعني أن دولاً معينة تتدخل بالتزامات محددة لمساعدة دولة ما في تسديد ديونها وإقراضها قروضًا ميسرة، ولذا صحح القيسوني هذا الأمر في مناسبة تالية، وقال إننا بصدد مجموعة استشارية، "فنحن لم نصل بعد إلى حد الدخول في مثل هذا الكونسورتيوم". والهدف من المجموعة مجرد "تبادل الرأي في الخطوات التي تُتبع لإصلاح المسار الاقتصادي وإنارة الطريق أمام مصرَ؛ للإسراع في خُطَا تقدمها، وأمام الدول والمؤسسات المشتركة معها لدعم وتبرير تعاونها مع مصر" (29).
وهذا الكلام ـ حتى قبل سبْر أغواره الحقيقية ـ كافٍ لإثارة الاعتراض، فهو إعلان بأن إدارة الاقتصاد المصري وتحديد مساراته المستقبلية أصبح شركة بيننا وبين آخرين (وآخرين أقوَى منا). ولكنَّ المسألة مع ذلك أخطرُ، والقريبون من الصورة، كانوا في منتهى الفزع من هذه المجموعة الاستشارية، واضطر كاتب حكومي إلى كشف الانقسام الحادث داخل الجهاز التنفيذي حول الموضوع، فكتب قبيل اجتماع باريس أن "البنك الدولي هو الذي طرح الفكرة على المسئولين في مصر"، وتعددت الآراء في القاهرة حول الفكرة؛ "ففي مواجهة الرأي الرسمي بأن المجموعة الاستشارية هي مجرد "نادي الأصدقاء"، كان هناك "رأي يقول إن تكوين هذه المجموعة قد يعيد إلى الأذهان قصة (صندوق الدَّين)، وهو صندوق تكوّن عندما كانت نصف أطيان مصر مرهونة لديون الخديو إسماعيل، ثم بيعت حصة مصر في قناة السويس في صفقة مريبة، وأعلنت بعد ذلك لجنة تحقيق - تكونت من الأجانب - إفلاسَ الدولة بأسرها بسبب تراكم ديون الخديو، وقد تغلب الرأي المؤيد "لنادي الأصدقاء" على الرأي المعارض؛ لأن الأخير لا يستند في الواقع إلا على مخاوف نظرية، أو على جمود لا يعود على مصر وشعبها بأي خير" (30).
إلا أن المجموعة الاستشارية ليست أبدًا ناديًا للأصدقاء لتبادل الرأي، في صراحة وندية، حول ما ينفع لمصر، وما لا ينفع؛ فالمضمون الحقيقي للقاء هذه المجموعة، هو إعلان صندوق النقد والبنك الدولي (ومن خلفهما الإدارة الأمريكيةـ الإسرائيلية) أن الدولة المصرية قد همدت مقاومتها، فتم ترويضها، وقبلت كل السياسات والتغييرات اللازمة لضمان خضوعها. وحضور "الأصدقاء" - دون الالتزام بأي شيء- هو مجرد نوع من اعتماد كل الأطراف المعنية لهذا الإعلان، بعد أن يشهدوا العرض بأنفسهم؛ فممثلو الدولة المصرية يتكلمون أمامهم، ويناقشون معهم تمامًا كما لقنهم المروِّض، ويعترفون بأنهم أخطئُوا في الماضي حين حاولوا التمرد، وأنهم يستحقون من "الأصدقاء" أقسى العقوبات إن أعادوا الكَرَّة.
هذا التشخيص مقصود منه أن يعبر عن مضمون المجموعة الاستشارية بدقة علمية. وبسبب التعثر في تحقيق هذا المضمون؛ تأجل اجتماع المجموعة عدة مرات، وخلال ما يقرب من ستة أشهر. فالاجتماع مفروض أن يسبقه إذعان من الحكومة المصرية، لتعليمات صندوق النقد الدولي، وينبغي أن تحصل الحكومة من الصندوق على شهادة بأنها أذعنت فعلاً، وتنفذ تعليماتِ الصندوق بجدية وتحت إشرافه، وباختصار: لا بد من خطاب نوايا واتفاق مساندة.
أيضًا يسبق الاجتماع إذعانٌ من الحكومة لتعليمات البنك الدولي فيما يتعلق بمفاهيم واستراتيجية التنمية، أي إعلان سياسة يعتمد من مجلس مديري البنك. وكانت التقديرات أن يتم ذلك كله خلال 1976؛ ولذا حدد أول كانون الثاني/ يناير موعدًا للمجموعة الاستشارية، وحين تعثرت المحاولات في تحقيق النتائج الكاملة ـ كما أوضحنا في الفصل السابق ـ وتشكلت المجموعة الاقتصادية الجديدة لتكون "أكثر تفاهمًا"، كان العام قد أوشك أن ينصرم، وأدى التأخر في التوصل إلى اتفاق مع الصندوق إلى تأجيل المجموعة الاستشارية إلى آذار/ مارس، وبعد هبَّة كانون الثاني/ يناير، وإعادة المفاوضات للتدرج في تنفيذ ما كان مطلوبًا، تأجلت المجموعة مرة أخرى إلى نيسان/ أبريل ثم أيار/ مايو. ومفهومٌ أن المفاوضات كانت تتم باستمرار تحت الضغوط المتزايدة: ضغوط الدور السياسي الأمريكي المرتقب، وضغوط الوضع الاقتصادي (وخاصة الديون والمتأخِّرات).
وسبق أن نقلنا عن القيسوني (في بداية الفصل بيان 17 كانون الثاني/ يناير) الخطوات المتتابعة التي كان الصندوق قد أملاها لتحقيق الهدف، عبر توفير السيولة النقدية لسداد المتأخرات، ولتحويل القروض القصيرة الأجل إلى قروض طويلة الأجل. وقد تمت كل الخطوات فعلاً. فقط تأخرت بعض الشيء. ونتيجة لأحداث كانون الثاني/ يناير وما استلزمته من مباحثات مطولة مع الصندوق؛ تغير أيضًا ترتيب المشاهد في السيناريو؛ فقد كان مفروضًا أن تُعلن قرارات الموازنة، ثم يستكمل الاتفاق مع بعثتي الصندوق والبنك في القاهرة، وبعد ذلك يتوجه القيسوني إلى دول الخليج، ثم يختم اتصالاته بزيارة واشنطن. ولكن بعد مباحثات القاهرة مع بعثة الصندوق في أواخر شباط/ فبراير، وبعد مباحثات واشنطن مع البنك الدولي في الفترة نفسها تطلب الأمر أن ينتقل القيسوني مباشرة، وقبل أية زيارات أخرى، إلى مقر القيادة في واشنطن (أول آذار/ مارس)؛ حيث استكمل مباحثاتِه مع كبار المسئولين في الحكومة الأمريكية عن مختلف النواحي المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية، وتم "تبادل الرأي" بإسهاب كما يقول القيسوني، وامتدت المحادثات إلى ويتيفين وكبار المسئولين في الصندوق، وأيضًا مع مكنمارا وكبار معاونيه في البنك الدولي. وبالمناسبة يلاحظ أن المسئول المصري الذي تولى المباحثات التمهيدية مع البنك الدولي لم يكنْ محمدٌ محمود الإمام وزير التخطيط المصري (والذي لم يكن مَرضيًّا عنه)، ولكن تولَّى العملية عبد الرازق عبد المجيد (وكان نائبًا لرئيس هيئة استثمار المال العربي والأجنبي، بدرجة نائب وزير)، وقُبَيل انعقاد المجموعة الاستشارية، كان عبد الرازق عبد المجيد قد حلَّ رسميًّا محل الإمام.
المهم، أسفرت هذه المباحثاتُ خلال ستة أيام، عن توقيع نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، على خطاب النوايا وقُدِّم إلى الصندوق، وعلى إعلان السياسة وقُدِّم للبنك الدولي. وبعدها أصبح بوسْع القيسوني أن يبدأ الجولة (أو الجولات) في دول الخليج (20 آذار/ مارس). ونعرض نتائج هذه الجهود الآن، كما تبلورت في وثائق رسميَّة، كلها سرية.
ب ـ خطوة خطاب النوايا (النص بالمُلحق التابع للفصل): يحسن أن نلقي الآن نظرة على خطاب النوايا الذي أُلزمت به الحكومة المصرية. وسبق أن ذكرنا أن خطاب النوايا الذي توقعه أية حكومة، وتقدمه إلى مجلس إدارة الصندوق يعتبر نوعًا من الاتفاقية السرية، وتحظر مناقشتها أو الإفصاح عن فحواها، إلا في دائرة ضيقة جدًا من أعلَى مستويات الدولة، وقد حدث هذا بالتالي مع خطاب النوايا الذي وقَّعه عبدُ المنعم القيسوني، فبعض الوزراء لم يطلع على الخطاب، وفي مجلس الشعب، أثار حلمي مراد الموضوع، فقال: "إن صندوق النقد الدولي قدم قرضًا لمصر بناء على خطاب نوايا قُدِّم له من حكومة مصر، وبمحض إرادتها (!) يتضمن اتباع سياسة اقتصادية معينة، وإنني أقول إنه كان من الواجب على الحكومة، أن تُحيط مجلس الشعب علمًا بهذه السياسة".. إذ "أخشى أنه في سبيل الحصول على هذا القرض، نكون قد قََدَّمنا سياسة اقتصادية ترضي صندوق النقد الدولي، كان يجب علينا مناقشتها بالمجلس أولاً؛ حتى تطمئن قلوبنا؛ ذلك لأن التزاماتِنا يجب أن تقوم على أسس نرتَضيها جميعًا؛ لذا أرجو إيداع خطاب النوايا أمانة اللجنة الاقتصادية؛ حتى نطلع عليه" (31).
وواضحٌ من الكلام، أن عضو مجلس الشعب (رغم وزنه الاقتصادي والسياسي) لم يكن على بينة من بروتوكولات الصندوق، ولم يكن على بينة من طبيعة التطورات التي ذوت باستقلالنا الاقتصادي. إلا أن القيسوني رد يومها: "إننا بكل سرور نودِعُ هذا الخطاب أمانةَ المجلس، ولكن الذي أستطيع أن أقوله الآن ليطمئن قلبُنا، هو أننا لم نضعْ في خطاب النوايا أية نقطة لم تناقَش في هذا المجلس". ولم يكن الرد
إلا محاولة لإغلاق الموضوع؛ إذ لم يحدث أن أُودِعَ خطاب النوايا في أمانة المجلس، وحين كشف حلمي مراد هذه الحقيقة بعد عدة أشهر؛ اضطرت الحكومة ـ على ما نعلم ـ إلى إرسال خلاصة خطاب النوايا (ولم ترسل النص الكامل) إلى رئيس المجلس؛ كي يطلع عليها العضو صاحب السؤال بصفة شخصية، وفي مكتب رئيس المجلس. ونفس الأمر تكرر مع جهات أخرى في الدولة كان مفروضًا أن تطلع على نص خطاب النوايا بحكم مسئوليتها. وعلى ذلك،
لم نكن – بدورنا - أسعدَ حظًا، ولم يتحْ لنا إلا الاطلاعُ على خلاصة الخطاب (32). ولكن رغم أن النص الذي نعتمد عليه في عرضنا هنا، قد حُذفت منه بعض النقاط الأكثر خطورة، فإنه يكفي مع ذلك لإعطاء صورة هامة، وهو - على أية حال - نص رسمي، وعلى مستوى عالٍ من السرية، إن الخطاب في جوهره يعترف بسوء الأوضاع، ويطلب المعونة، ويؤكد التزامه ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعه الصندوق، وبالجدول الزمني الذي ارتضاه. ولا بد من التذكير هنا بمذكرة بول ديكي (الفصل الثامن) التي فصلت قائمة المطالب الحاسمة والعاجلة التي تقدم بها الصندوق في أواخر 1976.

* ففي مجال سعر الصرف وسياسة التجارة الخارجية:
أوضح خطاب النوايا، أنه تم حصر الصادرات والواردات السلعية التي تتم بالسعر الرسمي في النطاق الذي سبق أن قرره عمليًّا الصندوق. كذلك المتحصلات والمدفوعات غير المنظورة، وأيضًا التزم خطاب النوايا بتعليمات الصندوق فيما يتعلق بالقروض؛ حيث يقتصر التعاملُ بالسعر الرسمي على القروض المقدمة لغير المشروعات والودائع التي تتسلمها الحكومةُ أو البنك المركزي، وحتى لا ينطبق هذا بأثر رجعي؛ أضاف أن سداد الديون السابقة على 1977 يستمر بالسعر الرسمي. والتزم خطاب النوايا بتعديل قانون 43 وفق مطلب الصندوق والمستثمرين، فيما يتعلق بسعر التحويل (هذا قرار لم تكن الحكومة قد أعلنت نيتها في إصداره) وسيطلب من البنوك التجارية أن تكون جميع الحسابات التي تتضمن أصولاً أو خصومًا بالنقد الأجنبي - مُقوَّمة بسعر السوق الموازية، في موعد غايته أول كانون الثاني/ يناير 1978.. (ويعني كل هذا أن الحكومة قد التزمت فعليًّا بإجراء خفض لسعر الجنيه، و"إن تجنبت مظهر الانخفاض الفوري" كما قال ديكي في مذكراته)، وأعلن الخطاب أنه تم تنفيذ فكرة الصندوق في وضع قائمة مفتوحة للسلع التي يمكن عن طريق السوق الموازية، دون أية قيود على الصرف الأجنبي، وبدء بتسعة وعشرين سلعة تزداد بالقدر الذي تسمحُ به إمكانيات النقد الأجنبي، على أن لا ترفع منها أيةُ سلعة سبق إضافتها. مع التوسع في السوق الموازية وتعديل سعرها ثلاث مرات خلال 1976، ومع خفض الهامش بين أسعار الشراء وأسعار البيع، ليس في النية تخفيض الدولار عن 70 قرشًا أو إعادة أية معاملات من السوق الموازية إلى السعر الرسمي (وهذا طبعًا تأكيد بأن طريق الانفتاح اتجاه واحد، ولا يمكن الرجوع فيه، رغم أنه يمكن اقتراض أن بعض الظروف الطارئة قد تتطلب ذلك ولو جزئيًّا).
* أُنهِي العملُ خلال السنوات الثلاث الماضية، باتفاقيات دفع ثنائي مع 15 دولة، 9 منها خلال عام 1976، ومن المتوقع إنهاء العمل بخمس اتفاقيات أخرى مع أعضاء بالصندوق بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر 1977.
* التحرير الداخلي واللامركزية:
استعرض الخطاب ما تحقق من إلغاء المؤسسات العامة والانتقال تدريجيًّا إلى الإدارة بالأهداف، ويراعَى في ميزانيات الشركات اعتبارًا من عام 1977 تحويل معيار الإدارة بالتدريج من أهداف الإنتاج إلى اعتبارات الربحية، وللشركات الآن حريةُ القيام باستثمارات التجديدات والتطوير، كما أُعطِيت لها سلطة تحديد مستويات الإنتاج والأسعار لكثير من المنتجات. والتزمت الحكومة برفع أسعار المنتجات الصناعية الرئيسَة لتغطي الزيادة في تكاليف إنتاجها؛ بسبب تحويل واردات مستلزمات الإنتاج إلى السوق الموازية، وكذلك بسبب زيادة الفوائد والنفقات الناتجة عن الإجراءات الأخرى. أما عن قطاع الزراعة، فقد التزمت الحكومة برفع أسعار المُنتجين للتناسب مع الأسعار الدولية، وإلى مستويات تضمن حوافزَ كافية للمزارعين.


* السياسة المالية:
* أشار الخطاب إلى ميزانية عام 1977 باعتبارها خطوة أولى في اتجاه التصحيح، ومع ذلك سوف تُتخذ إجراءاتٌ أخرى خلال العام؛ لتزداد تدريجيًّا قوة المركز المالي. ومن المتوقع أن تتم خلال هذا العام الموافقةُ على القانون المعدل لضريبة الدخل، الذي يوحد بصورة جزئية جداولَ ضريبة الدخل، ويحسِّن متحصلات الأرباح الرأسمالية وضريبة الملكية. وقال الخطاب إنه تم اختصار نظام المسحوبات المؤقت الذي تسحب بموجبه الواردات من الجمارك قبل سداد الرسوم؛ تمهيدًا لإلغائه نهائيًّا.
* السياسة النقدية والائتمانيَّة:
* التزمت الحكومةُ بزيادات أخرَى في أسعار الفائدة وصولاً إلى المستويات الدولية.
والتزمت ببرنامج محدد للائتمان لعام 1977، ويتضمن الحد من زيادة الأصول المحلية للجهاز المصرفي (فيما عدا تمويل القطن) والتي بلغت 3958.7 مليون جنيه في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1976؛ بحيث لا تتجاوز 400 مليون جنيه في 30 حُزيران/ يونيو 1977 و500 مليون جنيه في 29 أيلول/ سبتمبر 1977، 600 مليون جنيه في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1977 و700 مليون جنيه في 30 آذار/ مارس 1978. كذلك فإن صافي المطلوبات من الحكومة التي بلغت 3803.8 مليون جنيه من 31 كانون الأول/ ديسمبر 1976، لن تزيد بأكثر من 225 مليون جنيه في 30 حُزيران/ يونيو 1977 و175 مليون جنيه في 29 أيلول/ سبتمبر 1977، و350 مليون جنيه في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1977، و400 مليون جنيه في 30 آذار/ مارس 1978.
وإذا تم الحصول على التمويل الخارجي المتوقع في شكل قروض نقدية للحكومة؛ ستنخفض تبعًا لذلك الحاجة إلى الائتمان المصري. ونظرًا للضغط الموسمي الواضح لاحتياجات تمويل القطن؛ فإنها لن تتجاوز 10 مليون جنيه في 30 حزيران/ يونيو 1977، و30 مليون جنيه في أيلول/ سبتمبر 1977 و200 مليون جنيه في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1977، أو 90 مليون جنيه في 30 آذار/ مارس 1978.
(يلاحظ هنا أيضًا أن الحكومة تلتزم بخطة ائتمانية
لم تُعرض على مجلس الشعب، ورغم الإلحاح في طلبها).

* سياسة الدَّين الخارجي والمتأخِّرات:
التزمت الحكومة بأن يقتصرَ استخدام التسهيلات المصرفية خلال الفترة من أول نيسان/ أبريل إلى 30 حزيران/ يونيو 1977 على 450 مليون دولار، و700 مليون دولار في الفترة المنتهية في 30 أيلول/ سبتمبر 1977 و900 مليون دولار في الفترة المنتهية 31 كانون الأول/ ديسمبر 1977. (كان مجموع الالتزامات في نفس التاريخ عام 1976 حوالي 1350 مليون دولار). ويرتفع الرقم إلى 1100 مليون دولار تقريبًا مع نهاية آذار/ مارس 1978.
وبشكل عام، التزم خطاب النوايا بألا يزيد الدَّينُ العام (بكافة مكوناته) عن أكثرَ من 1000 مليون دولار في الفترة من 31 كانون الأول/ ديسمبر 1976 إلى 30 حُزيران/ يونيو 1977، و1500 مليون دولار حتى 30 أيلول/ سبتمبر، و2000 مليون دولار حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 1977 و2500 مليون دولار حتى 31 آذار/ مارس 1978.
ومن الممكن تعديل هذه الحدود العليا وقت المراجعة النصفية (أي المراجعة الرسمية والدورية لتطورات الموقف مع الصندوق كل ستة أشهر) أو قبل ذلك، إذا قُدِّم إلى مصرَ ائتمانٌ إضافي بشروط مرضية.
(هذه المعدلات والحدود لم تعلَن داخل مصر، والأسس التي حسبت وفقًا لها لا نعرفها، وبالتالي يتعذَّر تحليلها ومناقشتها بشكل محدد. ولكن يكفي أن نقول إن تحديد سقف للديون المصرفية بمعرفة الصندوق، مع بقاء السياسات الاقتصادية على حالها، أو مع مزيد من تدهورها على الأصح، يجعل هذا التحديد أداة ضغط إضافية في يد الصندوق؛ لأن السياسات الانفتاحية من شأنها ـ في تلك الفترة ـ استمرار العجز الكبير في ميزان العمليات الجارية، والالتزام في هذه الحالة بالحد من اللجوء إلى التسهيلات المصرفية، يتطلب توفر قروض نقدية ميسرة يملك مفتاحها الصندوق).
وقد التزمت الحكومة بتوصية الصندوق لإنشاء وحدة لتسجيل وتحليل الدين الخارجي بالبنك المركزي، وقالت إنها ستزاول نشاطها بحلول 31 آذار/ مارس 1977. (كان مفروضًا أن تنشأ هذه الوحدة عام 1976 تحت ضغط الصندوق).
وبالنسبة للمتأخرات، التزمت الحكومة بألا تتجاوز 500 مليون دولار خلال الفترة من أول أيار/ مايو إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1977، وستكون قد خُفِّضت في نهايتها إلى ما لا يتجاوز 250 مليون دولار. وخلال الفترة من 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1977 إلى 30 نيسان/ أبريل 1978 لن يُسمح لها أن تتجاوز ما يعادل 250 مليون دولار، على أن تُلغَى تمامًا في نهاية هذه الفترة.
ولا تعتزم الحكومةُ خلال فترة سريان التسهيلات الائتمانية (المُقدَّمة من الصندوق وفقًا لترتيبات المساندة) إدخال أية أنظمة لأسعار الصرف المتعددة، دون موافقة الصندوق، أو تضع قيودًا جديدة، أو تزيد القائم منها فعلاً على المدفوعات والتحويلات الخاصة بالمعاملات الدولية الجارية، أو تعقد اتفاقات دفع ثنائية جديدة مع أعضاء الصندوق، أو تفرض قيودًا جديدة، أو تزيد القائم منها فعلاً على الواردات لأسباب تتعلق بميزان المدفوعات.
(كافة هذه السياسات، ومواعيد تنفيذها باليوم، تعكس صرافة الالتزام، وكل هذه الأمور لم تكن معلنةً، والنقطة الأخيرة تمثل اعترافًا صريحًا بوصاية الصندوق الكاملة على كل ما يتعلق بإدارة التجارة الخارجية وسياسة النقد الأجنبي).
* وأطرف ما في خطابات النوايا، أنها تمعِن في محاولة إخفاء حقيقة أن صندوق النقد الدولي هو صاحب المضمون والصياغة، فكل البنود تنص على أن الحكومة ستفعل كذا وستقرر كيت؛ بحيث تحفظ ماء الوجه أو مظهر السيادة للحكومة صاحبة الخطاب، وبحيث يبدو مجلسُ إدارة الصندوق حين يوافق، أنه يوافق على سياسات تنتوي الحكومة ـ من تلقاء نفسها ـ أن تتخذها.. ولكن التمادي في إخفاء الحقيقة ـ بعد حد معين ـ يصبح مُثيرًا للسخرية؛ فقد طلب من الحكومة المصرية أن تكتب في خطاب النوايا أنها تستحق العقاب من الصندوق إذا أخلت بالتزاماتِها السابقة!
في رسالة بول ديكي، كان الرجل صريحًا في أن الصندوق هو الذي سيبادر إلى منع المعونة، وستتبعه مصادر المعونات في هذا الإجراء (أو هذا العقاب) إذا لم تنفذ الحكومة المصرية تعليماتِه، ولكن في وثيقة رسمية ـ كخطاب النوايا ـ كان لا بد أن يسجل أنه حتى في موضوع العقوبات، فإن الحكومة المصرية هي التي تطلب ذلك، وبمحض إرادتها.
ويقول النص الخاص بذلك: إنه إذا لم يُراعَ خلال فترة سريانُ التسهيلات الائتمانية ما جاء في الفقرات التي أشرت إليها في العرض السابق بالأرقام من (1) إلى (6) "لا يجوز لمصر أن تطلب الشراء بموجب تسهيلات تؤدي إلى زيادة حيازة الصندوق من الجنيهات المصرية عن الشريحة الائتمانية الأولى، إلا بعد التوصل إلى اتفاق مع الصندوق بشأن الظروف التي توجب مثل هذا الشراء". (زيادة حيازة الصندوق من العملة المحلية لبلد ما تعبير عن استخدامها لموارد الصندوق، أي عن موافقتِه على إقراضها).
وينص البند التالي على ضمان استمرار وانتظام الوصاية؛ إذ "تستعرض مصر مع الصندوق في موعد أقصاه 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1977 التقدم الذي أحرزته في تنفيذ البرنامج، وتتشاور معه خلال فترة سريان التسهيلات، بشأن الإجراءات التي قد تكون ملائمة بناء على طلب مصر
أو طلب مدير الصندوق إذا لم يُلاحظ (إخلالٌ) بالمبادئ الواردة في الفقرة السابقة".

ثم يضيف النص: إنه "أثناء فترة التسهيلات، وعندما تكون حيازة الصندوق من الجنيهات المصرية أعلى من الشريحة الائتمانية الأولى؛ تتشاور مصر مع الصندوق من وقت لآخر، فيما يتعلق بسياسات ميزان مدفوعات مصر".
* * *
العرض السابق للنص الرسمي (المتاح) لخطاب النوايا يعني التالي:
ليس صحيحًا ما صرَّح به القيسوني، من أن كل السياسات الواردة في خطاب النوايا مما سبق إعلانه، وبالتحديد فإن النقاط من (1) إلى (6) التي اعتبر الصندوق أن الإخلال بأية واحدة منها يستوجب العقاب الشديد، لم يحدثْ أن أُعلِنت ونوقشت كما أشرنا أثناء العرض.
ومع ذلك فإن كشف النقاب هنا عن هذا الخطاب بعد عدد من الأعوام، قد يجعل البعض يتساءل: هل يستحق الأمر كل هذا التكتم والإخفاء؟ والتساؤل طبعًا في غير موضعه. وللتوضيح ينبغي أن نذكر أولاً بأن أسرار دولة ما أو أية مؤسسة، لا تقتصر على مجموعة من الأرقام الخام، فأهمُّ من ذلك سر العلاقات المتشابكة بين هذه الأرقام (أو المتغيرات)، وأسلوب تحركها وتفاعلها معًا ـ كنسق ـ حاليًا وفي الفترة المقبلة، ويعني هذا أن الخطط أو السياسات التي تتعامل بهذه الأرقام، هي سر لا يقل في أهميته (بل يزيد) عن سر الأرقام ذاتها. في القطاع العسكري على سبيل المثال، لم يعد عدد الجنود وأنواع التسليح السر الأعظم، ولكن يكمُن السر الأعظم في أساليب التنظيم والتدريب، وفي خطط القتال، وأساليب إدارة العمليات.. إلخ. وفي الجانب الاقتصادي يمكن أن نقول الشيء نفسه.
وبهذا المفهوم يمكن أن نقول إن خطاب النوايا ـ حتى من حيث الأرقام والمعلومات الخام ـ كان يحمل الكثير مما يجهله الاقتصاديون والسياسيون الوطنيون، ويحمل (وهذا الأهم) سياسات مرتبة، كان ممكنًا أن تقاوَم وتُغيَّر لو عرفها المعارضون مسبقًا، وينبغي أن نتذكر هنا أنه حدث خلال الفترة الماضية، أن نفَّذت الحكومة المصرية أغلب ما التزمت به، وبالتالي لم تعُد النوايا الواردة في الخطاب (كأرقام وسياسات) سرًا، ولكنها كانت سرًا مغلقًا في آذار/ مارس 1977. وهذا هو شأن كل الأسرار، فهي أسرار فقط في وقتها.
ولكن أهم سر يحرص الصندوق وأصدقاؤه على إخفائه؛ سواء في خطاب النوايا، أو في غيرها من الوثائق والمراسلات، هو: كيف تُصنع السياساتُ في الدول التابعة؟ ومن صاحب القرار الفعلي؟ لقد أصبح معروفًا في مصر الآن أن الهيئات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد، تلعب دورًا ما في السياسة الاقتصادية؛ من خلال المشاورات التي تتم بين الحين والآخر. ولكن باستثناء القلة التي تولت مسئوليات عالية في القطاع الاقتصادي، لا يوجد من يعرف حقيقة ومدى هذا الدور. وخطاب النوايا وغيره، يكشف جزءًا هامًا من الصورة، إنه يكشف أن القرارات التي تتخذها الحكومة أحيانًا بغتة، والتي تبدو في أحيان أخرى تصرفاتٍ عفوية متناثرة، هي في الحقيقة جزء من خطة متكاملة، موضوعة بإحكام، ومحدد تنفيذ مراحلها باليوم. ويكشف أن الحكومة المصرية لم تعد صانعة السياسة الاقتصادية، ولكنها منفذة للسياسة الاقتصادية التي وضعت في الخارج، ويكشف أنها في تنفيذ هذه الخطة تخضع للمتابعة والتفتيش والعقاب.
هذا هو السر الأعظم الذي تودُّ الهيئات الدولية، وتود الحكومة التابعة، أن تخفيه، ويتطلب الإخفاء أول ما يتطلب، منع تداول الوثائق الفاضحة؛ مثل خطاب النوايا. وينبغي أن نشهد بأن الهيئات الدولية تمكنت بالفعل من أن تقضي حوائجها بالكتمان، نجحت هذه الهيئات ومن يتعاونون معها في مواراة الميكانيزم الحقيقي لاتخاذ القرارات الاقتصادية، والدليل الواضح على النجاح هو أن الغالبية الساحقة من المشتغلين بالسياسة، بل والمقربين من مركز السلطة،
لا يعلمون ما وصلنا إليه من تبعية، وأن هناك الآن سلطة فعلية وسلطة شرعية، كما كان يقال أيام الاستعمار البريطاني. كان ممدوح سالم ـ مثلاً أو القيسوني (وكلاهما مهيب الطلعة) يتكلم بتؤدَّة ووقار، فيتناقش المؤيدون والمعارضون معهما كما لو كان أيهما قد قرر ما يقول. يتحدث القيسوني عن برنامج تحركاته لمحاصرة الأزمة الاقتصادية، فيتصور الجميع أنه صاحب البرنامج، ويتحدث ممدوح سالم عن الدعم، فيتناقش الناس معه حول ما يبقى من الدعم وما يُلغَى، ولا يعلم واحد منهم أنه لا يملك خفض سعر كيلو الشاي قرشًا واحدًا!

* * *
لا ننسى أننا عرضنا ما أسمته الحكومة: "خلاصة خطاب النوايا". ولكن يبدو من صياغة النص الذي عرضناه، أن تعبير خلاصة لا يُقصد منه أن النص عبارة عن مُلخص عام لخطاب النوايا، فالاحتمال الأقرب أن المقصود هو أن النص غير كامل، أي حُذفت منه أجزاء معينة، نتناول ما علمناه عنها في فقرة تالية.
ج ـ خطوة إعلان السياسة: كان خطاب النوايا انتصارًا هامًا لأعداء مصر، وكان في الأساس محددًا لأسلوب نشاطها الاقتصادي. وكان مفروضًا أن تلحق بخطاب النوايا - وعلى ضوئه - وثيقة أخرى مع البنك الدولي يمتد أفقها الزمني إلى مدى أبعدَ، وتعالج هيكل وبنية التنمية المطلوبة، والوثيقة "إعلان سياسة"، مع البنك ـ كما يقول عنوانها ـ هي: استراتيجية التنمية لمصر ـ الإصلاحات الاقتصادية وأهداف النمو (1976 ـ 1980) ـ إعلان سياسة (33).
ولا شك أن فهم الهدف أو النظرة المستقبلية للبنك، يجعلنا أكثر إدراكًا لسياسات "الإصلاح الاقتصادي" التي يتولاها الصندوق، ويباركها البنك باعتبارها الخطوة الأولى الضرورية للتحرك نحو مفاهيمه في التنمية. وقد أوضحنا باستمرار ترابط الجهود بين التوأَمين: الصندوق والبنك. وكما كان الصندوق يتقدم نحو فرض "إصلاحه" خطوة خطوة، فإن البنك كان أيضًا لا يتوقع فرض تصوراته في قفزة واحدة. وقد أشرنا إلى تحفظاته عام 1974 حول ورقة تشرين الأول/ أكتوبر، وانعكاساتها في أساليب التنمية والانفتاح، وقد استطاع البنك منذ ذلك التاريخ أن يحقق نجاحات هامة ـ جنبًا إلى جنب مع الصندوق ـ في تعديل الأوضاع وفق رؤيته ومصالحه. وإذا كان الصندوق قد تمكَّن في خطاب النوايا من انتزاع انتصار هام، فإن البنك الدولي لم يكن أقل نجاحًا في إعلان السياسة.
* سمع الحديث في عام 1974، عن خطة خمسية تبدأ بعد تنفيذ الخطة الانتقالية، وكان وزير التخطيط د. إسماعيل صبري. ثم أعلن عن إطار الخطة الخمسية، وبشكل مبدئي، بمناسبة عرض خطة 1976 (تشرين الثاني/ نوفمبر 1975) وقدمت هذه على أنها خطة السنة الأولى في الخطة الخمسية 1976 ـ 1980. وكان وزير التخطيط د. إبراهيم حلمي عبد الرحمن (34). وحين ولِي الوزارةَ د. الإمام، لم تكن الخطة الخمسية قد أُعدَّت، وفي مشروع خطة 1977 أعيد طرح نية إنشاء خطة خمسية، قيل إنها ما زالت تحت الإعداد، والأهداف الرئيسَة (35) لم تكن تختلف تقريبًا عن الإطار الذي سبق أن قدمه إبراهيم حلمي:
فزيادة الإنتاج خلال الخطة تبلغ نحو 55.5 % أي بمعدل سنوي متوسط يصل إلى 9 % كما تبلغ الزيادة المُستهدَفة للناتج المحلي الإجمالي نحو 59.5 %، أي بمعدل 9.7 % (زيادة الإنتاج عند إبراهيم حلمي 56.4 % ـ والناتج المحلي 60.9%). وهذه المعدلات تقرُب من ضعف المعدلات المتحققة خلال السنوات الخمس السابقة على هذه الخطة (70/ 1971 ـ 1975).
قدرت استثمارات الخطةُ الخمسية بنحو 8020 مليون جنيه أي نحو 2.6 مثل حجم الاستثمارات المحققة خلال الفترة 70 ـ 1975 (وكان إجمالي الاستثمار المستهدَف في مشروع إبراهيم حلمي 8000 مليون جنيه).
وقد استهدفت الخطة زيادة الصادرات السلعية بحوالي 131 %، وكانت قد جمدت تقريبًا في السنوات الخمس السابقة على الخطة (70 ـ 1975)، كما استهدفت خفض نسبة الزيادات في الواردات السلعية من 72 % في السنوات الخمس السابقة على الخطة إلى نحو 67 % خلال فترة الخطة ـ والزيادة المستهدفة في فائض ميزان الصادرات والواردات غير المنظورة؛ نتيجة للزيادة الكبيرة في حصيلة قناة السويس وتشغيل خط الأنابيب (سوميد).
زيادة الاستهلاك النهائي بنسبة 37.1 %، أي بمعدل سنوي قدره 6.5 %، الأمر الذي يعني انخفاض نسبة الاستهلاك النهائي إلى الناتج من 93 % في عام 1975 (إبراهيم حلمي كان يقول إنه 102.2%) إلى نحو 80.1 % في عام 1980 (التقدير المقابل لإبراهيم حلمي 76 %).
إيجاد فرص عمالة جديدة تُقدر بنحو 1232 ألف فرصة عمل مع الزيادة في حجم الأجور بنسبة 47% وفي متوسط الأجر السنوي للمشتغل بنحو 28.2 %.. إلخ.
* المهم.. ظل الكلام مكررًا وغير محدد، بل ومُثيرًا للدهشة؛ فخطة 1977 قدمت أيضًا باعتبار أنها خطة السنة الثانية من الخطة الخمسيَّة 76 ـ 1980 التي لم توضع بعدُ! إلا أن المسألة ـ وإن كانت طريفة ـ لا تُعد لُغزًا؛ فالتخطيط لمدى متوسط ـ بقدر معقول من الثقة ـ لم يكن ليتحقق إلا في ضوء الاعتبارات التالية كما قال د. الإمام بحق:
ما تسفر عنه الاتصالات الجاريةُ حاليًا مع المجموعة الاستشارية الدولية والهيئات العربية المالية، والتي سوف تحدد حجم الموارد الأجنبية المُتاحة لاستثمارات الخطة الخمسيَّة.
إن مجموعة الإجراءات المطروحة لتصحيح المسار الاقتصادي، سوف تكون لها آثارها على تحديد المتغيرات الاقتصادية الرئيسَة في الخطة الخمسيَّة"(36).
وانتظار من تسفرُ عنه الاتصالات، مسألةٌ مفهومة في ظروف جعلت الاعتماد على التمويل الخارجي أساسَ الاستثمار، أما حسمُ السياسات فيما يُسمَّى بتصحيح المسار الاقتصادي، فإنه يترتب في الواقع وبالضرورة ـ على العامل الأول، على الاتصالات، فالمُمَوِّلون الخارجيون أصبحوا في وضع من يُحدد السياسات.
وبالفعل، تحقق هذا في إعلان السياسة الذي سجَّل في أول فقرة منه، نقدًا صريحًا لمفاهيم ورقة تشرين الأول/ أكتوبر التي تشبث بها الإمام. "فالتنفيذ البطيء لسياسة الانفتاح الاقتصادي الجديدة، والاستجابة المحلية والخارجية المحددة- بالنسبة لأهدافها المُعلنة ـ هي في الأساس نتيجة الوعي الجزئي بمستلزمات هذه السياسة، حين شرع في إدخالها عام 1973. فقد عُولجت السياسة الاقتصادية الجديدة عمومًا بنظرة ضيقة، باعتبارها دعوة للاستثمار الخاص؛ أجنبي ومحلي؛ للمشاركة بفاعلية أكثر في جهود البلاد للتنمية. وهذه المشاركة كفيلةٌ بتحقيق الانفتاح لقطاع الصناعة المتمتع بالحماية، والذي تسيطر عليه الدولة؛ بهدف رفع مستواه التكنولوجي، واستخدام المزايا النسبيَّة والجغرافية لمصر بالنسبة للموارد البشرية والطبيعية، وقد أعلن عددٌ من الإجراءات التشريعية لهذا الغرض.
إلا أن سياسة الانفتاح ـ إذا نُظِر إليها بمنظور أرحبَ ـ تعكس نقطة تحول أساسية في الإدارة الاقتصادية لمصر،
ولا تكفي معها الإجراءات التشريعية؛ فعدد من التغيرات المؤسسية والتنظيمية، والسلوكية في الواقع، تصبح ضرورية من أجل تحقيق الآمال التي تمثلها "السياسة الاقتصادية الجديدة". وقد سرد (إعلان السياسة) تطورات المرحلة السابقة على الانفتاح (من وجهة نظر الهيئات الخارجية)، وأوضح أنه على ضوء هذه الخلفية، يصبح صعبًا أن نتصور استجابة مؤثرة ومباشرة لسياسة الانفتاح، دون جهود حازمة وموجهة، لتدعيم وإعادة صياغة النظام الاقتصادي.

* * * *
* في السياق الحالي، سنقتصر على إشارة سريعة إلى المفاهيم والسياسات التي أصبحت مسلمات والتزاماتٍ ـ في إعلان السياسة ـ إذ لا يعنينا الإطار المحدد والمعدلات المستهدفة للخطة الخمسية في تلك الوثيقة؛ لأنها تعدلت بعد ذلك على يد الخطة 1978 ـ 1982، وما تلاها. وكان طبَعيًّا أن يتضمَّن إعلان السياسة تأكيدًا لبعض الالتزامات الواردة في خطاب النوايا. وهذه لا داعي لتكرارها.
حدد إعلان السياسة الصعابَ الهيكلية التي تهدِف الخطة الخمسية إلى التغلب عليها بأنها ـ أساسًا ـ العجز في ميزان المدفوعات، وما ترتب عليه من تسهيلات مصرفية ومتأخرات، بالإضافة إلى التخلف في الهياكل الارتكازية الذي يحدُّ من القدرة الاستيعابية للاقتصاد المصري. وهذا التحديد يتفق تمامًا مع تصورات السياسة الأمريكية، والتي عبَّر عنها البنكُ الدولي بصراحة. وترتب على ذلك ـ كما يقول الإعلان ـ أنه "تجري إعادة ترتيب أساسية للأولويات، في نطاق التحضير لخطة السنوات الخمس للتنمية".. و"تتضمن إعادة ترتيب الأولويات، تحويراتٍ كبيرةً في اتجاه وأساليب الإدارة الاقتصادية؛ لتحقيق عدد من الأهداف". وأول الأهداف تحقيق تغيُّر هيكلي في نمط الاستثمارات، وتسترشد الحكومة في ذلك بالسياسات التالية:
تجميع استثمارات الحكومة نحو إنهاء المشروعات التي يجري العملُ بها.
تركيز الاستثمارات العامة في قطاعات محددة، وفي عدد محدد من المشروعات؛ حتى يُسمح للقطاع الخاص بدرجة أعلَى من حرية النشاط.
اهتمام أكبر بقطاع الزراعة مع إعطاء أفضلية للمشروعات ذات العائد السريع، في الأراضي الزراعية القائمة، والاستغلال الاقتصادي للأراضي التي استُصلِحَت فعلاً، بدلاً من المشروعات البعيدة المدَى لمزيد من الاستصلاح.
الاهتمام بتحسين وتوسيع تسهيلات الهياكل الارتكازية.
تقديم التشجيع الضروري للاستثمارات الخاصة (المحلية والأجنبية) والمحافظة على الجو الملائِم للاستثمار.
تدعيم طاقة الإنشاء برفع مستواها التكنولوجي؛ حتى تعجل تنفيذ المشروعات القائمة؛ فطاقة الإنشاء كانت نقطة الاختناق، وخاصة في برنامج تحسين الهياكل الارتكازية، وقد تزيد في تأثيرها عن نُدرة الاعتمادات، (يهدف هذا الكلام إلى فتح قطاع الإنشاءات أمام الاستثمار الأجنبي، بعد أن كان ممنوعًا ـ المؤلِّف).
(أ) تحقيق خطة شاملة للمساعدات الخارجية للتنمية، تحدد الموضع الذي يمكن أن تُستخدَم فيه هذه المساعدةُ بأقصى فاعلية، وكذلك الشكل الزمني للاستخدام المُتسق مع احتياجات مصرَ من النقد الأجنبي، ومع الموارِد المحلية المتاحة (وتضع الخطة طبعًا المؤسساتِ الدولية ذات العلاقة بالجهات المُقدمة للمساعدات، وتلتزم الخطة بالأولويات التي تحددها هذه المؤسسات ـ المؤلف).
وقد حَدد إعلانُ السياسة الهدفَ الثاني، بأنه إعادة صياغة سياسة الأسعار/ الدخول، وتسترشد الحكومة هنا بترشيد الاستهلاك العام والخاص، من خلال تسعير مناسب، وسياسات مالية وسياسات أخرَى، ومن خلال حمايةِ الدخول الأدنَى، بإجراءات أقل تبديدًا من النظام الحالي لدعم الأسعار، وأخيرًا من خلال التسوية التدريجية بين الأسعار المحلية والدولية (باستثناء الأجور) والتعبئة المتسارعة للموارد المحلية؛ من أجل التنمية في إطار من الثبات النقدي.
والهدف الثالث: تحسين ميزان المدفوعات؛ بحيث
لا يتجاوز العجز في الحساب الجاري، قيمةَ السلع الرأسمالية المستوردة عام 1980، ويرتبط هذا بالخفض المستمر في استخدام تسهيلات المُقرضين القصيرة الأجل، وتحسين الشكل الزمني للدَّين الخارجي، ويتطلب هذا برنامجًا حازمًا لإدارة الدَّين تقودُه أعلَى المستويات. (ومفهوم ذلك - كما سيجيء- الموافقةُ على إشراف جهات خارجية على إدارة الدين، وعلى إدارة الاقتصاد القومي بالتالي).

ومن السياسات الضرورية لتحسين ميزان المدفوعات، التوسع في السوق الموازية، ومداومة الحوار والتعاون الاقتصادي مع الأقطار العربية والغربية، والمنظمات الدولية، وينبغي أن تتخذ هذه العملية "طابعًا مؤسسيًّا" (37). (وهذه مسألة هامة جدًّا وخطيرة، وتحققت بشكل جوهري خلال 1977 ـ المؤلف).
* إن الأمر يتطلب برنامجًا يشمل تحسين عجز ميزان المدفوعات حتى 1980 ـ الإصلاح النقدي ـ التوسع في السوق الموازية ـ تحرير عمليات التجارة الخارجية من أية تدخلات إدارية - الاتجاه إلى إنهاء الاستيراد بالتمويل الذاتي- الحد باطراد من اتفاقيات التجارة الثنائية. ولكن "الإنجاز الناجح لبرنامج الإصلاح السابق ذكره في دائرة التجارة الخارجية، يتأثر - إلى حد كبير - بالقدرة على التغلب على القصور الحالي في مواردَ النقد الأجنبي. وينبثق الجانب الأخطرُ من هذا القصور، من تراكُم الخصوم القصيرة الأجل التي كان ينبغي على مصر أن تعتمد عليها أثناء الأعوام الثلاثة الأخيرة".. "وكنتيجة لذلك؛ فإن معدل خدمة الدين لمصر يظل ـ خلال الأعوام القليلة القادمة ـ من بين أعلى المعدلات في العالم". وقدَّر إعلانُ السياسة احتياجاتِ مصر الإجمالية من النقد الأجنبي خلال فترة السنوات 77 إلى 1980 بحوالي 13.1 بليون دولار.
"وعلى ذلك، فإنه برغم الهبوط المُستَهدَف في حساب العجز الجاري لمصر، فإن عاملاً ضاغطًا رئيسًا، يمكن أن يقوض تحقيق هذا الهدف، وهو حجم احتياجات النقد الأجنبي في عام 1977 وحدَه. ويرجع هذا الانتفاخ إلى ثلاثة عناصرَ رئيسة.
أولا: حجم حساب العجز الجاري في 1977 الذي يعكس الحاجة إلى مستوَى أعلى من الواردات، مقارنًا بعام 1976 حين هبطت الواردات الحقيقية بأكثرَ من 25% من الواردات المطلوبة لذلك العام؛ بسبب ندرة النقد الأجنبي، وقد نتج عن هذا، تدهورُ كبيرٌ في توافر مدخلات الإنتاج والسلع الرأسمالية، وكذلك انخفاض في مستوى المخزون من معظم السِّلَع.
ثانيًا: فإن جزءًا هامًا من ودائع السنة الواحدة المودَعة بالبنك المركزي، يُستحَق عام 1977.
ثالثًا: فإن المديونية القصيرة الأجل، ارتفعت بحدة؛ بسبب الانخفاض الحاد في تدفق رأس المال عام 1976، ونتج عن ذلك تراكُم متأخرات يبلغ حوالي 450 مليون دولار (38).
وقد سجل إعلان السياسة على ضوء كل ذلك "أن الخطة الخمسية، تعتمد - إلى حد كبير - على تدفق رأس المال الخارجي. وللحقيقة، سيصبح لازمًا في المراحل الأولى توليدُ جزء كبير من المكون المحلي لإنفاق التنمية عن طريق المساعدة الخارجية، إذا أردنا تجنب معدل غير مقبول من التضخم، ومع استمرار التنمية، ومع بداية ظهور تأثير استراتيجية الخطة التي حددت فيما سبق، سيتحول العبء تدريجيًّا إلى الجهود الخاصة للبلاد. ومن الضروري - على أيَّة حال - التوصلُ إلى التزام مبكر، أو على الأقل إدراك حجم وتكوين المساعدة التي يمكن أن تتوقع مصرُ تسلُّمَها من الأقطار الأخرى والوكالات الدولية، بأقصَى سرعة ممكنة. إن توافر مثل هذا الإدراك، سيُمكِّنُ مصر من التخطيط للمشروعات، وتنفيذ السياسات بدرجة أكثر واقعية (39). (وهذا الأمل كان دائمًا خلف دعوة 1976 من أجل مشروع مارشال. والتي تمخَّضت عن المجموعة الاستشارية).
وبالنسبة لما أُسمِي بآفاق التنمية وأهداف النمو، نُشير إلى ما جاء في إعلان السياسة حول تقييم الإمكانيات المُحتَملة لمصر على النحو التالي:
تملك البلادُ سوقًا محليًّا واسعًا، ومخزونًا من اليد العاملة الماهرة، وأجورًا منخفضة نسبيًّا، وموادَّ خامًا زراعية ومعدنية، وموقعًا جغرافيًّا حاكمًا، يجعلها قاعدة طبيعية للصناعات التي نرغب في تزويد السوق الإقليمي النامي بها. (المقصود أنها تملك مزايا نسبية مشجعة للشركات العابرة الجنسية؛ كي تُستثمَر بها ـ المؤلف).
يُتوقَّع أن يرتفع دخلُ قناة السويس باضطراد، وبمعدل متسارع؛ تبعًا لإتمام برنامج التوسُّع في القناة وطاقتها المتزايدة.
تُقدر الآفاق المتطورة لإنتاج البترول في مصر (بواسطة شركات البترول) بأنها تصل إلى مليون برميل/ يوم مع حلول 1980، ويرتفع هذا كثيرًا عن احتياجات الاستهلاك المحلي، ويولِّد فائضًا كبيرًا للتصدير.
الزيادة الكبيرةُ في مُتحصِّلات السياحة، والتي وصلت إلى 350 مليون دولار، يُتوقع أن ترتفع بحِدَّة؛ نتيجة زيادة الطاقة الفندقية خمسة أضعاف عام 1980.
الإمكانيات الزراعية المحتملة الناتجة عن استخدام الأرض الحالية بشكلٍ أكثرَ كثافة، مع اهتمام أكبرَ بالمحاصيل ذات القيمة العالية، وبالاستغلال الاقتصادي لحوالي مليون آكَر من الأرض المُستَصلحة فِعلا.
التدفُّق المتزايد لتحويلات المصريين العاملين بالأقطار العربية الأكثر ثراءً في المنطقة (600 مليون دولار حاليًا)" (40).
(يُلاحظ أن الآفاق والآمال، ترتبط في الصناعة بالاستثمار الأجنبي في صناعات تصديرية، وفي زيادة إنتاج البترول، وفي الزراعة - بالاستثمار الأجنبيّ لاستغلال الأراضي الجديدة التي أنفقت الدولةُ مئاتِ الملايين من الجنيهات لاستصلاحها واستزراعها، وبنت السد العالي من أجلها،
أو بمجهودات القطاع الخاص المُتناثرة في الأراضي القديمة، والقطاعات الأخرى التي تتعلق بها أقصى الآمال هي: قناة السويس/ السياحة/ تحويلات المصريين العاملين في الخارج في الأقطار النفطيَّة).







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس