عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2008, 12:37 PM رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: كتاب "الرحيق المختوم" ..والذي يتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..

البعوث والسرايا بعد الرجوع من غزوة الفتح
وبعد الرجوع من هذا السفر الطويل الناجح أقام رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم بالمدينة يستقبل الوفود، ويبعث العمال، ويبث الدعاة، ويَكْبِتُ من بقيفيه الاستكبار عن الدخول في دين اللّه ‏.‏ وهاك صورة مصغرة من ذلك‏.‏
المصدقون‏‏
قد عرفنا أن رجوع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلىالمدينة كان في أواخر أيام السنة الثامنة، فما هو إلا أن استهل هلال المحرم من سنة 9 هـ، وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المُصَدِّقين إلى القبائل، وهذه هيقائمتهم‏:‏
1 ـ عُيَيْنَةُ بن حصن إلى بني تميم‏.‏
2 ـ يزيد بن الحُصَيْن إلى أسْلَم وغِفَار‏.‏
3 ـ عَبَّاد بن بشير الأشهلي إلى سُلَيْم ومُزَيْنَةَ‏.‏
4 ـ رافع بن مَكِيث إلى جُهَيْنَة‏.‏
5 ـ عمرو بن العاص إلى بني فَزَارَة‏.‏
6 ـ الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب‏.‏
7 ـ بشير بن سفيان إلى بني كعب‏.‏
8 ـ ابن اللُّتِْبيَّة الأزدي إلى بني ذُبْيَان‏.‏
9 ـ المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ـ وخرج عليه الأسود العنسي وهوبها‏.‏
10 ـ زياد بن لبيد إلى حضرموت‏.‏
11 ـ عدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد‏.‏
12 ـ مالك بن نُوَيْرَة إلى بني حَنْظَلَة‏.‏
13ـ الزِّبْرِقَان بن بدر إلى بني سعد ـ إلى قسم منهم‏.‏
14 ـ قيس بن عاصم إلى بني سعد ـ إلى قسم آخر منهم‏.‏
15 ـ العلاء بن الحضرمي إلى البحرين‏.‏
16 ـ علي بن أبي طالب إلى نجران ـ لجمع الصدقة والجزية كليهما‏.‏
لم يبعث هؤلاء العمال كلهم في المحرم سنة 9 هـ، بل تأخر بعث عدةمنهم إلى اعتناق الإسلام من تلك القبائل التي بعثوا إليها‏.‏
السرايا‏
وكما بعث المصدقون إلى القبائل، مَسَّتِ الحاجة إلى بعث عدة منالسرايا مع سيادة الأمن على عامة مناطق الجزيرة، وهاك لوحة تلك السرايا‏:‏
1ـ سرية عيينة بن حصن الفزاري ـ في المحرم سنة 9 هـ ـ إلى بني تميم،، وسببها‏:‏ أن بني تميم كانوا قدأغروا القبائل، ومنعوهم عن أداء الجزية‏.‏
2ـ سرية قُطْبَة بن عامر إلى حي من خَثْعَم بناحية تَبَالَة، بالقربمن تُرَبَة في صفر سنة 9 هـ ،فشن الغارة جميعاً، وقتل قطبةمع من قتل، وساق المسلمون النَّعَم والنساء والشاء إلى المدينة‏.‏
3ـ سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كِلاَب في ربيع الأولسنة9هـ‏.‏ بعثت هذه السرية إلى بني كلاب ؛ لدعوتهم إلى الإسلام، فأبوا وقاتلوا،فهزمهم المسلمون، وقتلوا منهم رجلاً‏.‏
4ـ سرية علقمة بن مُجَزِّرِ المُدْلِجي إلى سواحل جُدَّة في شهرربيع الآخر سنة 9هـ في ثلاثمائة‏.‏بعثهم إلى رجال من الحبشة،كانو يقومون باعمال القرصنةبالقرب من سواحل جدة ، فلما سمعوا بمسير المسلمين إليهم هربوا‏.‏
5ـ سرية على بن أبي طالب إلى صنم لطيئ يقال له‏:‏ الفُلْس ـ ليهدمهـ في شهر ربيع الأول سنة 9 هـ‏.‏ بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في خمسينومائة، على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة علىمحلة آل حاتم مع الفجر، فهدموه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبيأخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام، ولما جـاءوا إلى المدينة استعطفت أخـت عـدي بـن حاتم رسول اللّه صلىالله عليه وسلم، قائلـة‏:‏ يا رسول اللّه، غاب الوافد،وانقطع الوالد، وأنا عجوزكبيرة، ما بي من خدمة، فمُنَّ على، منّ اللّه عليك‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏من وافدك‏؟‏‏)‏قالت‏:‏ عدي بن حاتم،‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏الذي فر من اللّه ورسوله‏؟‏‏)‏ ثم مضي، فلما كانالغد قالت مثل ذلك، وقال لها مثل ما قال أمس‏.‏ فلما كان بعد الغد قالت مثل ذلك،فمن عليها، وكان إلى جنبه رجل ـ تري أنه على ـ فقال لها‏:‏ سليه الحِمْلان فسألتهفأمر لها به‏.‏
ورجعت أخت عدي بن حاتم إلى أخيها عدي بالشام، فلما لقيته قالت عنرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها، ائته راغباً أوراهباً، فجاءه عدي بغيرأمان ولا كتاب‏.‏ فأتي به إلى داره، فلما جلس بين يديه حمداللّه وأثني عليه، ثم قال‏:‏ ما يُفِرُّكَ‏؟‏ أيُفِرُّك أن تقول‏:‏ ‏(‏لا إله إلااللّه‏؟‏ فهل تعلم من إله سوى اللّه‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا‏.‏ ثم تكلم ساعة ثم قال‏:‏‏(‏إنما تفر أن يقال‏:‏ اللّه أكبر، فهل تعلم شيئاً أكبر من الله‏؟‏‏)‏ قال‏:‏لا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصاري ضالون‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فإنيحَنِيف مسلم، فانبسط وجهه فرحاً، وأمر به فنزل عند رجل من الأنصار، وجعل يأتي النبيصلى الله عليه وسلم طرفي النهار‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق عن عدي‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لماأجلسه بين يديه في داره قال له‏:‏ ‏(‏إيه يا عدي بن حاتم، ألم تكن رَكُوسِيّا‏؟‏‏)‏قال‏:‏ قلت‏:‏ بلي، قال‏:‏ ‏(‏أو لم تكن تسير في قومك بالمِرْبَاع‏؟‏‏)‏‏.‏قال ‏:‏قلت‏:‏ بلي‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فإن ذلك لم يحل لك في دينك‏)‏‏.‏ قال‏:‏ قلت أجل واللّه‏.‏قال‏:‏ وعرفت أنه نبي مرسل، يعرف ما يُجْهَل‏.‏
غـــزوة تبـــوك في رجب سنة 9هـ
إن غزوة فتح مكة كانت غزوة فاصلة بين الحق والباطل، لم يبق بعدهامجال الظن في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عند العرب، ولذلك تغيرت الامور، ودخل الناس في دين اللّه أفواجاً ـ ـ وانتهت المتاعب الداخلية، واستراح المسلمونلتعليم شرائع اللهّّ، وبث دعوة الإسلام‏.‏
سبب الغزوة
ان قوة الرومان تعرضت للمسلمين سابقا وكان بداية التعرض بقتل سفير الرسول صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن عميرالأزدي ـ على يدي شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبيصلى الله عليه وسلم إلى عظيم بُصْرَي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بعد ذلكسرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطداماً عنيفاً في مؤتة، ولم تنجح في أخذالثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهموبعيدهم‏.‏
وكان قيصريدرك اثر معركة مؤتة على المسلمين وعلى القبائل العربية التي تطمح بالاستقلال عنالرومان ،ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا كان خطراً يتقدم ، ويهددالثغور الشامية التي تجاور العرب، فكان يري أن القضاء يجب على قوة المسلمين قبل أنتتجسد في صورة خطر عظيم لا يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القلاقل والثورات فيالمناطق العربية المجاورة للرومان‏.‏
ونظراً إلى هذه المصالح، لم يقض قيصر بعد معركة مؤتة سنة كاملة حتىأخذ يهيئ الجيش مـن الرومـان والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهزلمعركة دامية فاصلة‏.‏
الأخبار العامة عن استعداد الرومان وغَسَّان‏
وكانت الأنباء تترامي إلى المدينة بإعداد الرومان ؛ للقيام بغزوةحاسمة ضد المسلمين، حتى كان الخوف يحيط بهم فلا يسمعون صوتا الا وظنوه زحف الرومان ، وهذا يدل على خطورة الموقف الذي كان المسلمن يواجهونه بالنسبة للرومان ، ويزيد ذلك تأكداً ما فعله المنافقون حينما سمعوا الأنباء، فبرغم ما رآه هؤلاء المنافقون من نجاح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في كل الميادين، طفق هؤلاء المنافقون يأملون في تحقق ما كانوا يتربصونه من الشر بالإسلام وأهله‏.‏ ونظراً إلى قرب تحقق آمالهمأنشأوا وكرة للدس والتآمر، في مسجد الضِّرَار، أسسوه تفريقاًبين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله، وعرضوا على رسول اللّه صلى الله عليهوسلم أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين فلا يفطنوا ما يؤتي به فيهذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، ، فيصير وكرةمأمونة لهم، ولكن رسول اللّه صلى الله عليه وسلمأخر الصلاة فيه ـ إلى قفوله من الغزوة ـ لشغله بالجهاز، ففشلوا وفضحهماللّه، حتى قام الرسول صلى الله عليه وسلم بهدم المسجد بعد القفول من الغزو، بدل أنيصلي فيه‏.‏
ظروف :‏
و كان ما يزيد الطين بلة أن الوقت كان فصل القيظ الشديد، وكانالناس في عسرة وجدب من البلاء ، وكانت الثمار قد طابت، فكانوا يحبونالمقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال ، ومعهذا كله كانت المسافة بعيدة، والطريق وعرة صعبة‏.‏
الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر القيام بإقدام حاسم‏
كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الظروف بنظر أدق من ذاك ، إنه كان يري أنه لو تواني وتكاسل عن غزو الرومان ، وتركهم ليجوسوا خلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الإسلام، وتزحف إلى المدينةسيكون له أسوأ أثر في سمعةالمسلمين العسكرية، فالجاهلية التي هلكت بعد هزيمتها في حنين ستحيا مرة أخري، والمنافقون الذين يتربصون بالمسلمين،ويتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق سيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم منالخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية ضد المسلمين من الأمام، وهكذا يخفق كثير منالجهود التي بذلها هو أصحابه في نشر الإسلام، وتذهب المكاسب التي حصلوا عليها بعدحروب دامية ودوريات عسكرية متتابعة متواصلة‏.‏‏.‏‏.‏ بغير جدوي‏.‏
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعرف كل ذلك جيداً، ولذلك قررالقيام ـ مع ما كان فيه من العسرة والشدة ـ بغزوة فاصلة يخوضها المسلمون ضد الرومانفي حدودهم، ولا يمهلونهم حتى يزحفوا إلى دار الإسلام‏.‏


الإعلان بالتهيؤ لقتال الرومان‏‏
،أعلن الرسول القتا ل وابلغ الصحابة بالتهيؤ، وبعث إلى القبائل وأهل مكة يستنفرهم‏.‏ ، ونزل جزء من سورة براءة لحضهم علىالجهاد و رغبهمرسول اللّه في بذل الصدقات، وإنفاق كرائم الأموال في سبيلاللّه‏.‏
المسلمون يتسابقون إلى التجهز للغزو‏‏
ولم يسمع المسلمون صوت رسول اللّه يدعو إلى قتال الروم إلا وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة ،وأخذت القبائل تهبط إلى المدينة من كل صوب ، ولم يرض أحد أن يتخلف عن الغزوة ـ إلا الذين في قلوبهم مرض وإلا ثلاثة نفر ـ حتى كان يجيءأهلالحاجة والفاقة يستحملون رسول اللّه ؛ ليخرجوا إلى قتالالروم، فإذا قال لهم‏:‏ ‏{‏لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْتَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ‏}‏[‏التوبة‏:‏92‏]‏‏.‏
كما تسابق المسلمون في بذل الصدقات، كان عثمان بنعفان قد جهز عيراً للشام، مائتا بعير بأقتابها ا، ومائتا أوقية، فتصدق بها،ثم تصدق بمائة بعير بأحلاسها ، ثم جاء بألف دينار فنثرها في حجره صلى اللهعليه وسلم، فكان رسول اللّه يقلبها ويقول‏:‏ ‏(‏ما ضَرَّ عثمانما عمل بعد اليوم‏)‏ ، ثم تصدق وتصدق حتى بلغ مقدار صدقته تسعمائة بعير ومائة فرسسوى النقود‏.‏
وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضة، وجاء أبو بكر بماله كلّهولم يترك لأهله إلا اللّه ورسوله ـ وكانت أربعة آلاف درهم ـ وهو أول من جاءبصدقته‏.‏ وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال كثير، و طلحة وسعد بن عبادةومحمد بن مسلمة، كلهم جاءوا بمال‏.‏ وجاء عاصم بن عدي بتسعين وَسْقًا من التمر،وتتابع الناس بصدقاتهم ‏.‏ وبعثت النساء ما استطعن من مَسَك ومعاضد وخلاخل وقُرْطوخواتم‏.‏
ولم يمسك أحد يده، إلا المنافقون{‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَالْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَإِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ‏}‏‏[‏التوبة‏:‏ 79‏]‏‏.‏

الجيش الإسلامي إلى تبوك‏‏
وهكذا تجهز الجيش، فاستعمل رسول اللّه علىالمدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، وقيل‏:‏ سِبَاع بن عُرْفُطَةَ، وخلف على أهله علىبن أبي طالب ، وغَمَصَ عليه المنافقون، فخرج فلحق بالرسول ، فرده وقال‏:‏ ‏(‏ألا ترضى أن تكون مني بمنزلةهارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏.‏
وتحرك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم الخميس نحو الشمال يريدتبوك، وبسبب كبر الجيش ـ ،لم يستطع المسلمون أن يجهزوهتجهيزاً كاملاً، بل كانت في الجيش قلة شديدة من الزاد والمراكب، فكانثمانية عشر رجلاً يعتقبون بعيراً واحداً، وربما أكلوا أوراق الأشجار حتى تورمتشفاههم، واضطروا إلى ذبح البعير ـ مع قلتها ـ ليشربوا ما في كرشه من الماء، ولذلكسمي هذا الجيش جيش العُسْرَةِ‏.‏
ومر الجيش الإسلامي في طريقه إلى تبوك بالحِجْر ـ ديار ثمود الذينجابوا الصخر بالواد، أي وادي القُرَى ـ فاستقي الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسولاللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تشربوا من مائها ولا تتوضأوا منه للصلاة، وماكان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئاً‏)‏، وأمرهم أن يستقوا منالبئر التي كانت تردها ناقة صالح رسول الله‏.‏
تكونوا باكين‏)‏، ثم قَنعَ رأسه وأسرع وفي الصحيحين عن ابن عمر قال‏:‏ لما مر النبي صلى الله عليه وسلمبالحجر قال‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أنبالسير حتى جاز الوادي‏.‏
واشتدت في الطريق حاجة الجيش إلى الماء حتى شكوا إلى رسول اللّه،فدعا اللّه، فأرسل اللّه سحابة فأمطرت حتى ارتوي الناس، واحتملوا حاجاتهم منالماء‏.‏
وكان دأب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الطريق أنه كان يجمع بينالظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع التقديم وجمع التأخيركليهما‏.‏
الجيش الإسلامي بتبوك‏‏
عسكرالجيش الإسلامي بتبوك، ، وهو مستعد للقاء العدو، وقامرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيهم خطيباً، فخطب خطبة بليغةا ، حتى رفع معنوياتهم، وأما الرومانوحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب، فلم يجترئواعلى التقدم واللقاء، ، فكان لذلك أحسن أثرإلى سمعة المسلمين العسكرية ، وحصل بذلكالمسلمون على مكاسب سياسية كبيرة ، لعلهم لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناكاصطدام بين الجيشين‏.‏
جاء يُحَنَّةُ بن رُؤْبَةَ صاحب أيْلَةَ، فصالح الرسول صلى اللهعليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جَرْبَاء وأهل أذْرُح، فأعطوه الجزية، وكتب لهمرسول اللّه كتاباً فهو عندهم، وصالحه أهل مِينَاء على ربعثمارها، وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أُكَيْدِرِدُومَة الجَنْدَل في أربعمائة وعشرين فارساً، ـ فتلقاه خالد في خيله، فأخذه وجاء بهإلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه، وصالحه ، وأقر بإعطاء الجزية، فقاضاه مع يُحَنَّة على قضيةدُومَة وتبوك وغيرهم‏.‏
وأيقنت القبائل أن اعتمادها على الروم قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين، وهكذا توسعت حدود الدولةالإسلامية، حتى لاقت حدود الرومان مباشرة الرومان
الرجوع إلى المدينة‏‏
ورجع الجيش الإسلامي من تبوك منتصرا، ، وكفيالله المؤمنين القتال، وفي الطريق عند عقبة حاول اثنا عشر رجلاً من المنافقين الفتكبالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه حينما كان يمر بتلك العقبة كان معه عمار يقودبزمام ناقته، وحذيفة ابن اليمان يسوقها، وأخذ الناس ببطن الوادي ‏.‏ فبينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وصاحباه يسيران إذسمعوا وكزة القوم من ورائهم، قد غشوه وهم ملتثمون، فبعث حذيفة فضرب وجوه رواحلهمبمِحْجَن كان معه ، فأرعبهم اللّه، فأسرعوا في الفرار ، وأخبر رسولاللّه بأسمائهم، وبما هموا به، فلذلك كان حذيفة يسمي بصاحب سر الرسول ، وفي ذلك يقول اللّه تعالي‏:‏ {‏وَهَمُّواْ بِمَا لَمْيَنَالُوا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏74‏]‏‏.‏
ولما لاحت للنبي صلى الله عليه وسلم معالم المدينة من بعيد قال‏:‏‏(‏هذه طَابَةُ، وهذا أحُدٌ، جبل يحبنا ونحبه‏)‏، وتسامع الناس بمقدمه، فخرج النساءوالصبيان والولائد يقابلن الجيش بحفاوة بالغة ويقلن‏:‏
طلع البـدر علينا ** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ** ما دعا للع داع
وكانت عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك ودخوله في المدينة في رجبسنة 9هـ ، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوماً، أقام منها عشرين يوماً في تبوك،والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوبًا‏.‏ وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلى اللهعليه وسلم‏.‏


المُخَلَّفون‏‏
وكانت هذه الغزوة اختباراً شديداً من اللّه،امتاز به المؤمنون من غيرهم، حيث يقول‏:‏{‏مَّا كَانَاللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَالْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏}‏‏[‏ آل عمران‏:‏179‏]‏‏.‏ فقد خرج لهذهالغزوة كل من كان مؤمناً صادقاً، حتى صار التخلف أمارة على نفاق الرجل، فكان الرجلإذا تخلف وذكروه لرسول اللّه قال لهم‏:‏ ‏(‏دعوه، فإن يكن فيهخير فسيلحقه اللّه بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه‏)‏، فلم يتخلف إلا من حبسهمالعذر، أو الذين كذبوا اللّه ورسوله من المنافقين ‏.‏ نعم كان هناك ثلاثة نفر من المؤمنينالصادقين تخلفوا من غير مبرر، وهم الذين أبلاهم اللّه، ثم تاب عليهم‏.‏
ولما دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد، فصليفيه ركعتين ثم جلس، فأما المنافقون فجاءوايعتذرون ، و يحلفون له، فقبل منهم علانيتهم، وبايعهم،واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللّه‏.‏
وأما النفر الثلاثة من المؤمنين ـ وهم كعب بن مالك،ومُرَارَة بن الربيع، وهلال بن أمية ـ فاختاروا الصدق، فأمر رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم الصحابة ألا يكلموا هؤلاء الثلاثة، وجرت ضد هؤلاء الثلاثة مقاطعة شديدة ، حتى تنكرت لهم الأرض ،وبلغت بهم الشدة إلى أنهم بعد أن قضوا أربعين ليلة من بداية المقاطعة أمروا أنيعتزلوا نساءهم، حتى تمت على مقاطعتهم خمسون ليلة، ثم أنزل اللّه توبتهم‏:‏ ‏{‏وَعَلَىالثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَارَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَاللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏118‏]‏‏.‏
وفرح المسلمون، و الثلاثة فرحاً شديدا ، وكان أسعد يوم من أيام حياتهم‏.‏
وأما الذين حبسهم العذر فقد قال تعالى فيهم‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءوَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌإِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 91‏]‏‏.‏ وقال فيهمرسول اللّه حين دنا من المدينة‏:‏ ‏(‏إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً، ولاقطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العُذْرُ‏)‏، قـالوا‏:‏ يا رسول اللّه، وهــمبالمدينة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏وهم بالمدينة‏)‏‏.‏

أثر الغزوة‏‏
وكان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين على جزيرةالعرب، فقد تبين للناس أنه ليس لأي قوة من القوات أن تعيش في العرب سوي قوةالإسلام، وبطلت بقايا أمل وأمنية كانت تتحرك في قلوب بقايا الجاهليين والمنافقينولذلك لم يبق للمنافقين أن يعاملهم المسلمون بالرفق واللين، وقد أمراللّه بالتشديد عليهم، حتى نهي عن قبول صدقاتهم، وعن الصلاة عليهم، والاستغفار لهموالقيام على قبرهم، وأمر بهدم وكرة دسهم وتآمرهم التي بنوها باسم المسجد، وأنزلفيهم آيات افتضحوا بها افتضاحاً تاماً، لم يبق في معرفتهم بعدها أي خفاء، كأنالآيات قد نصت على أسمائهم لمن يسكن بالمدينة‏،
و يجدر بنا الذكر ان اهم نتائج هذه الغزوة تتابعالوفود وتكاثرها بلغ إلى القمة بعد هذه الغزوة‏.‏

نزول القرآن حول موضوع الغزوة‏
نزلت آيات كثيرة من سورة براءة حول موضوع الغزوة، نزل بعضها قبلالخروج، وبعضها بعد الخروج ـ وهو في السفر ـ وبعض آخر منها بعد الرجوع إلى المدينة،وقد اشتملت على ذكر ظروف الغزوة، وفضح المنافقين، وفضل المجاهدين ، وقبولالتوبة من المؤمنين الصادقين، الخارجين منهم في الغزوة والمتخلفين، إلى غير ذلك منالأمور‏.‏
بعض الوقائع المهمة في هذه السنة
وفي هذه السنة وقعت عدة وقائع لها أهمية في التاريخ‏:‏
1 ـ بعد قدوم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من تبوك وقع اللعان بينعُوَيْمِر العَجْلاني وامرأته‏.‏
2 ـ رجمت المرأة الغامدية، التي جاءت فاعترفت على نفسها بالفاحشة،رجمت بعدما فطمت ابنها‏.‏
3 ـ توفي النجاشي أصْحَمَة، ملك الحبشة، في رجب، وصلي عليه رسولالله صلاة الغائب في المدينة‏.‏
4 ـ توفيت أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فيشعبان، فحزنعليها حزناً شديداً، وقال لعثمان‏:‏ ‏(‏لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها‏)‏‏.‏
5 ـ مات رأس المنافقين عبد اللّه بن أبي بن سَلُول بعد مرجع رسولاللّه صلى الله عليه وسلم من تبوك، فاستغفر له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وصليعليه وقد نزل القرآن بعد ذلك بعدم الصلاة عليه
‏.‏
العبر والعظات والفوائد
1-نلاحظ ان في مرحلة السرايا والبعوث انجز الرسول( صلى الله عليه وسلم)
دعوة ربه وكانت تسير الدعوة بشكل دفاعي مع الشكل السلمي
2- دخل الرسول( صلى الله عليه وسلم) في هذه المرحلة بقتال اولئك الذين بلغتهم الدعوة ففهموها ولكن استكبروا عن الايمان واللاذعان لها حقداًََ
3- الاثر النفسي الرائع الذي خلفته غزوة مؤتة في نفوس المسلمين حيث لم يعبئوا بأعداد الروم والمشركين الهائلة وقدموا أنفسهم للشهادة الوحد تلو الآخر
العبر والعظات بغزو تيوك
1-حكمة الله عز وجل في هذه الغزوة بان يكتفي من جهاد المسلمين بالجهد العظيم الذي بذلوه والمشقات الجسمية التي تحملوها وبذاك برهنوا على صدق إيمانهم بالله ومحبتهم له
2-أهمية الجهاد بالمال وتسابق المسلمين لتجهز للغزوة كل حسب استطاعته
3-تبين رسول الله للمسلمين كراهة دخولهم ديار الأمم التي أهلكها الله بكفرهم
4- تبين هذه الغزوة مشروعية اخذ الجزية من اهل الكتاب
4- افتضاح أمر المنافقين وإظهار مدى خطورتهم على المسلمين إذ كان في هذه الغزوة تميز المنافقين عن الصادقين
5- جواز الجمع بين الصلوات
6- موقف رسول الله الشديد مع المسلمين الذين تخلفوا عن الغزوة وما يدل ذلك الا على تكريمهم وتشريفه بقبول التوبة من الصادقين
7- الأثر الكبير الذي تركته غزوة تبوك في بسط نفوذ المسلمين على جزيرة العرب و كثرة تتابع الوفود بعد هذه الغزوة






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس