عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2008, 01:10 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: أي بني .. خذ عني بعضا مني متجدد



(1)
أي بُني:

الذي بتُّ أشفق عليه من نفسه، وأُريده أن يكون له غَلَبةٌ عليها في الشدة والرخاءِ، في
المكره والمنشط، في السَّقم والعافية فلا يُعْثِره طمعٌ، ولا يستذلُّه أملٌ، ولا يستدرجه
سرابٌ يبني بالطاعة، ويسعَدُ بالمعروف، وتُحزنه المعصية ويُنْهزه إلاَّ الرجاءُ فيما عند
الله ، ولا يضعف همته إلا الأملُ فيما عند الناس، وهو في منزلة بين المنزلتين، بين
الرجاء في رحمة ربه يرجوها، وبين الخشية من عذاب الله يَحذَرُه.

وقفت على باب الله فأعزني، ونظرت في وجوه الناس مستبصراً فعلمت أن أحسَنَ
الحُسْن أن لا ترى عِزَّتك إلا في الخضوع إليه، وإن لا ترى غناك إلا في الافتقار إليه،
وأن لا ترى قوتك إلا بتفويض أمرك كلِّه إليه.

فخُذ عني ما علَّمَتْني السنون، ولا تبخل عن نفسك أن تُصْغي إلى كلماتي، فتصيب بها
خيراً يدني إليك البعيد، ويسهِّل عليك الشديد، وتجمع بها بين الطارف والتَّليد، والله
سبحانه من قبلُ ومن بعدُ إليه الأمر كلُّه، وهو الفعَّال لما يريد.

ولست أملك لك من أمرك إلا دعواتٍ -أرجو الله أن تكون طيِّبات صالحات مقبولات-
أتقرَّب بها إلى ربي، وأرجو بها إدناءَ رحمته، بأن أكون بشفاعة نبيِّه يوم لا تكون
الشفاعة إلا بإذنه، فلتصغ إليها، ولتحفظ منها ما استطعت، فإنها -وربِّي- من خير ما
كتبتُ وسطَّرت، مشت معي عقود حياتي، وأخذت عليَّ طرائق نفسي، وأظهرتني على
سرِّي وعلانيتي، وأسلمتني إلى الرضا بما قضى فيَّ ربي، فلا زلت -أي بُني- في عافية
الرضا الإلهي.

فَدُرْ مع القرآن حيث دار، واقْفُ أثر المصطفى بهديه وسنته حيثما سار، واجْثُ بشكر
النعمة التي أنعم الله بها عليك، على ركبتيك في الليل والنَّهار، وضَعْ جبهتك الصابرة
على التراب الذي خلقك منه وسوَّاك، طلباً لرضاه، وسعياً في نوالِ حُبِّه، وأخذاً بكلِّ ما
تعلم أنه يقرِّبُك إليه، فلا تبخَل عن ذاتك بما لو رآك الناس فيه، لعلموا أن الفضل الرَّاجيَ
يُلْتمس عندك، ويُطلب في ردائك، ولا يُنال إلا من مثلك، فتفوز بذلك فوزاً عظيماً،
وتعلِّمُهم من ذلك ما لم تكن تعلم أنَّ أيسرَ العمل الموافق لرضا الله وحبه، خيرٌ وأرفعُ
قدراً، وأجلبُ لعافية الصلاح في الناس من مئات الكتب والرسائل النافعة التي تُكتَب
وتُؤلَّف، إذ العلم لا يكون إلا بالعمل، ولا خيْرَ في علمٍ لا يتبعه عمل يكون أحسن منه،
فمن أراد أن يكون له حظٌّ من فضلٍ، فليصبر على كل صالح عمل ولو اشتدّ وحَمُز، فإنَّ
أحبَّ الأعمال أحُمزُها وأصدقُها وإن قل.

وحسنٌ منك -أي بُني- أن لا يكون منك إيثار ما أنت فيه -على ما هو فيه- على الماضي
الذي انقضى وذهب بما هو فيه، وعلى ما هو فيه، فلعلَّ حاضرك يبيِّت لك بمستقبله
سوءاً وأنت لا تدري، ولعلَّ ماضيك انقطع بخير وأنت لا تعلمه، ولكن؛ ارضَ بالحاضر،
واحذر أن تعصي الله فيه، بجلٍّ ظاهر، أو بدقٍّ خفيٍّ، وأرضَ بالماضي، واندمْ على ما
كان من معصيةٍ فيه، فالرضا يبعث في قلبك الخير، ويحضُّك على تولِّيه والحرص على
معناه كلِّه، أينما كان وحيث وكيف كان، فلا تضيِّعْه بأن لا ترضى، فقدر الله يحكم كل
خلقٍ وأمرٍ.

وحين أكتب إليك أي بُني، فإنما أُفضي إليك من ذاتي إلى ذاتي، فليس يصلح إيمان العبد
المؤمن، إلا بما أودع الله قلبه -وهو يعلمه- من حبِّ الخير لإخوانه ما يحبُّه لنفسه،
فهل لك أي بُني أينما كنت وفي أيَّة بقعةٍ من بقاع الأرض، أن تصغي لحديثي إليك، فكلُّ
كلمةٍ فيه، وكلُّ جملة من جمله، وكلُّ معنى، كلُّها تظهر تلك الكلمة، أو تنبتُه هذه
الجملة، وما هيَ كلُّها مجتمعةً ومنفردةً، إلا من حصاد العمر، وتجربةِ الأيام، وجني
النظر المتأمِّل الواقف عند أمر الله ونهيه، فخذ بأحسنه لأحسنك، ودع ما يثقل عليك إن
كان غير موثوق إلى دين الحق، يكن لك إن شاء الله ردءاً في غدوِّك وأصيلك،
وصبحك وعَشِيِّك، وحين تظهر وتروح، فلا تعجل على نفسك بتركه والزهد فيه، واحمد
المولى سبحانه على ضراءَ مسّتك، كما تحمده على سرَّاءَ أنعم الله بها عليك، واصبر
على ما أصابك، وزيِّن قلبك بالتقوى، وأقبل على ربك بالطاعة والصدق، وإياك أن
يخالطك الرضا بما صنعت، وكن على وجلٍ من تزيين النفس والشيطان أنك قد أحسنت،
واجعل قبلة قلبك السماءَ، وأدم دعاءَه بقولك: «اللهم رضِّني بقضائك، وقنِّعني بعطائك،
وأخلف لي في كلِّ غائبةٍ خيراً».


(2)
أي بُني:

لا تشرب الماء إلا علاًّ.
ولا ترد طعاماً أُكل منه.
ولا تلبس قميصاً لبسه غيرك.
ولا تساكن فخوراً، ولا خوَّاناً ولا أثيماً.
ولا تُصاحب جباناً، ولا بخيلاً، ولا جحوداً.
ولا تجالس من يرى لنفسه فضلاً عليك، ولا ممارياً غثَّ الحديث، ولا ثقيلا تستمسج كلامه، ولا مفاخراً بفعال غيره، ولا ودوداً بأهل المعاصي، ولا باراً بأخلاءِ السوءِ، ولا لاتَّـاً بمغراف غيره، ولا عائباً على الناس ما لا يراه فيه وهو الأحقُّ به، ولا حائماً حول أعراض الناس بمكاره اللسان، ولا مُنَقِّباً عن عيوب الآخرين، وعيوبك لو وُزِّعت عليهم لكفتهم، ولا تتمنَّ نعمةً أصابها حاسرٌ.


(3)
أي بُني:

خير لك، وليكن أحبَّ إليك، أن تستدفئ بالمزن المثقلة بالماء في الشتاء، وأن تسبترد بلهيب الشمس في الصيف، وأن تفترش الشوك اليابس القوي في ليل ونهار، وأن تكتحل بالرَّماد المحمَّى، وأن تأكل طحين الزجاج، وأن تشرب الماءَ الملح الأجاج، من أن تضع مختاراً غلَّ الذُّل في عنقك، أو أن تأكل سحتاً خبيثاً، أو أن تصيب حراماً يشينك عند الله في سر أو علانية، في الدنيا أو في الآخرة.








آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس