عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2011, 02:20 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة

أولاً – الإطار السياسيّ العام:
(1) هكذا بدأ العام الجديد (العام الثاني من الانفتاح) بجو سياسي يقوم على:
معارضة شعبية متسعة ومتصاعدة، تتضمَّن بوادر رفض لنتائج التدخل الأمريكي، في الناحية الاقتصادية بالتحديد، وقلقًا لدى الإدارة الأمريكية من هذه النُذُر للمعارضة، ومن توتر العلاقات مع دول المنطقة العربية، وخاصة مع محور القاهرة – الرياض. وقد عبرت الولايات المتحدة عن هذا القلق بمواصلة حملة التهديد؛ فأذاع كيسنجر تصريحه المشهور، بأن إجراء عسكريًّا سيكون محتملاً إذا هدد العالم الصناعي بالحنق الفعلي من خلال النفط (1). وأيَّد الرئيس الأمريكي هذا التصريح (2). وتوالت الأنباء المسربة إلى المجلات الأمريكية عن المناورات العسكرية، والخطط المُعدة لغزو الأقطار النفطية (3).
ومن ناحية أخرى، وعدت الحكومة الأمريكية بمواصلة "قوة الدفع"، أو "الخطوة خطوة". وفي أول يناير وقع الرئيس الأمريكي على قرار يسمح بإنفاق جزء من اعتمادات القروض والمنح المخصصة لمصر، وكان هذا يعني أنه أصدر أخيرًا قرارًا بتقديم الدفعة الأولى (150 مليون دولار) كما نذكر، فإن الاعتماد الكلي كان لا يتجاوز 250 مليون دولار. وكان الهدف الأساسي دعم عمليات التعمير.
(2) وقد واجهت القيادة السياسية المصرية هذا الموقف على النحو التالي: في مواجهة الضغوط الاقتصادية والمعارضة الداخلية، بعث السادات برسالة إلى مجلس الشعب ومجلس الوزراء، مثلت نقدًا حادًّا لمفاهيم وممارسات الانفتاح السائدة. وكانت الرسالة تعبِّر عن شعور عميق بالأزمة، فبدأت بهذه الكلمات: "لقد عودتكم – حتى في أصعب الساعات – على مواجهة التحديات التي أمامنا بصدق وصراحة". وبدلاً من أحاديث التفاؤل السابقة، اعترف الرئيس بأن مصر تجتاز "مرحلة صعبة"، وأن الاستقرار الاقتصادي لا ينفصل عن الاستقرار السياسي؛ إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان إذا كان قلقًا على رزقه، قلقًا على مستقبله، قلقًا على إمكانياته المادية، أو ما يُتاح له من سلع وخدمات (...) إن شعبنا قادر على مواجهة المرحلة الصعبة التي يمر بها وهي مرحلة التحرير والتنمية، على أساس المساواة في التضحيات. وتقع على الحكومة المسئولية الأولى في توفير السلع الضرورية للاستهلاك الشعبي في حدود الإمكانيات المتاحة. وليكن معروفًا تمامًا أنه ليس متاحًا لنا أن نُغرق الأسواق بالسلع. وفي هذا الشأن يجب عدم التردد في توزيع أية سلعة ضرورية بالبطاقات؛ لضمان عدالة التوزيع في حدود الكمية المُتاحة". وأضاف السادات أنه يعتقد "أن النظام الضرائبي يحتاج إلى نظرة جديدة لتصبح الضريبة هي الأداة الرئيسية السليمة؛ لتحقيق أهدافنا الاجتماعية من تذويب الفوارق بين طبقات، ومن توفير متطلبات الحياة الكريمة لأوسع جماهير شعبنا" (4).
كان اتجاه الرسالة إحياء لمنطق ورقة أكتوبر، ومخالفًا لتطلعات من انتفخوا بالانفتاح، ولكل ما درجت أجهزة الإعلام على إشاعته طوال عام 1974. ولكن هذه الفئات المروجة والمستفيدة بالانفتاح نمت أظافرها وأنيابها؛ ولذا تعرض اتجاه الرسالة، ومطلبها بسياسة ضريبيّة جديدة؛ لمعارضة واضحة من مجلس الشعب، واضطر سيد مرعي (رئيس المجلس آنذاك) إلى التصريح "بأن الرسالة ليست توجيهًا ملزمًا، وإنما تعطي خطوطًا عريضة لتوجيه سياسة يناقشها المجلس والحكومة"، وأكد عبد العزيز حجازي (رئيس مجلس الوزراء في تلك الفترة) نفس المعنى، وقال "إن الموضوعات مطروحة كلها للمناقشة، ولم يؤخذ فيها قرار قط". وفي أول مواجهة لمناقشة الرسالة بدا رئيس مجلس الوزراء مذعورًا ومتراجعًا أمام معارضيه، فقال إنه يخشى أن تنشر الصحف مانشيتات حول إجراءات ضريبيَّة جديدة "فالرسالة لا تثير ضرائب جديدة". بل وقال "إن العطاء هو عطاء الله"!(5) لكن الرسالة لم تقتلها فقط أصوات المعارضين، فقد صدرت تعليمات من القيادة السياسية بتأجيل نشرها (نشر نص الرسالة في 4 فبراير)، ويمكن أن نفترض هنا – للتفسير – حدوث تدخل سياسي من الحكومة الأمريكية.
وبالنسبة للتهديدات الأمريكية، معروف أنها أثارت ردود فعل متباينة في المنطقة العربية. وفي القاهرة كانت الأوضاع لا زالت تسمح بأن يصرح السادات بأن كيسنجر أخطأ حين تحدث بهذا الأسلوب "لتتذكروا في هذا الصدد الفشل المؤسف الذي مني به العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. فهل يعتقدون أننا سنقف مكتوفي الأيدي، أمام تدخل عسكري أمريكي؟ لقد أنذرت الولايات المتحدة في هذا الشأن، بأن العرب سيشعلون النيران في آبار البترول، إذا ما تعرَّضوا لعدوان مُسلَّح" (6).
وفي انتظار الوعد الأمريكي بمواصلة "قوة الدفع"، حاول السادات أن يحافظ على ما أقامه من جسور مع السوفييت في أواخر عام 1974، فصرح بضرورة "تفادي أية مواجهة مع أيٍّ من الكبار". وقال "إنني مقتنع تمامًا بالأسباب التي أدت إلى عدم إتمام زيارة الزعيم السوفيتي بريجنيف في موعدها المحدد من قبلُ، وإنني واثقٌ من أننا سوف نصفِّي نهائيًّا ما قد يكون باقيًا من رواسبَ قديمة، عندما تتم زيارة بريجنيف في المنطقة، وستفتح صفحة جديدة" (7). ولكن حدث أن تغير هذا الموقف بعد أيام، فعاد إلى إعلان الموافقة الصريحة على وجهة النظر الأمريكية "فمن هنا إلى جنيف إذا استطاعت أمريكا أن تحقق شيئًا ما خطوة بخطوة، فأنا أرحِّب به" (8). ولكنْ مع طول الانتظار صرَّح "بأن الموقف بالغ الخطورة، ومصدر الخطر أن عملية السعي لإقرار السلام لا تتقدم بالسرعة الكافية، أو أنها على وشْك أن تتوقف نهائيًّا" (9).
بل وصل الحال إلى التلويح بتركِه الرئاسة: "إن مدة رئاستي تنتهي في عام 1976، وإنني لا أسعى إلى تجديد هذه الفترة ليوم آخر" (10)، وكان يعتقد – بحق – أن هذا الاحتمال يمكن أن يقلق الولايات المتحدة التي لم تكن قد تمكنت بعد من الإمساك بأعنَّة الموقف.
(3) وقد لجأت القيادة المصرية في هذه الفترة لأوروبا الغربية محاولة أيضًا لتحريك الموقف. وفي هذا الإطار كانت زيارة الرئيس السادات إلى فرنسا (27/ 29 يناير). وقبل الزيارة ركَّزت التصريحات على إمكانية الحصول على محطات نووية فرنسية للأغراض السلمية، وعلى أسلحة ومعدات حربية. وجاء في البيان المشترك أن الرئيس الفرنسي وافق على تلبية طلب الرئيس السادات تزويدَ مصر بمُعدات عسكرية لتعويض بعض ما فقدته، واشتراك المؤسسات الفرنسية في برامج التنمية في مصر، وخاصة في مجالات الكهرباء والطاقة النووية وميادين النقل والمواصلات والتنقيب عن النفط والصناعات البتروكيمائية، والصناعات الزراعية والغذائية، بالإضافة إلى ميادين الصناعة الخفيفة والسياحة، وقيل إن هذه المشروعات تتطلب استثمار 3000 مليون دولار، تسهم فرنسا بـ 280 مليون دولار، وتقدم الدول النفطية باقي التمويل المطلوب (11).
وقد يعكِس هذا تنسيقًا بين التحرك المصري، والسعودي بقيادة فيصل؛ لإغراء فرنسا، ولكن ورقة المحطات النووية الفرنسية، قد تكون أيضًا على علاقة بمحاولات الولايات المتحدة لاحتواء القوى النووية الإسرائيلية المستقلة، فسيطرة الولايات المتحدة على أطراف الصراع في المنطقة، وعلى قرار الحرب والسلام، تتلاشى عمليًا مع احتكام إسرائيل على قوة نووية مستقلة، ولا تقتصر خطورة ذلك – في الحسابات الاستراتيجية – على اتساع هامش الاستقلال السياسي الإسرائيلي، فإلى جانب هذا تمثل القوة النووية الإسرائيلية سببًا قائمًا أو محتملاً لدعوة الاتحاد السوفيتي إلى تغطية الجانب العربي بمظلته النووية، إذا عجزت الولايات المتحدة، أو أحجمت، عن تقديم البديل. ويبدو أن المحاولات الأمريكية في هذا الاتجاه تعثرت خلال عام 1974، ومنها الوعد بتقديم محطات نووية أمريكية إلى مصر (12).
(4) ولا نعتقد أن تلاحُق المواقف المصرية التي بدت متعارضة، كان مُجرَّد تخبط سياسي؛ فالمواقف كانت تعكس– إلى حد كبير – تلاحق الآمال والإحباطات – من يوم لآخر – أثناء المباحثات والاتصالات السريَّة.
بعد الموقف المعتدل من السوفييت في أواخر 1974، وفي بداية العام الجديد، انتقد الرئيس قبل زيارته لفرنسا الاتحاد السوفيتي بشدة، وقال إن الخلافات تشمل المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وأشاد بالولايات المتحدة ووزير خارجيتها. وبعد زيارة فرنسا بخمسة أيام (3 فبراير) جرت محادثات مع جروميكو (وزير الخارجية السوفيتي) في القاهرة، وصرَّح السادات بعدها بأن العلاقات مع السوفييت تحسنت كثيرًا، وأن بريجنيف سيزور القاهرة (10)، وتضمَّن البيان المشترك الدعوةَ إلى استئناف أعمال مؤتمر جنيف فورًا، وباشتراك كافة الأطراف المعنية، بما فيها ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية، ونص البيان على "رأي القيادة المصرية حول أهمية وضرورة اشتراك الاتحاد السوفيتي في تسوية الأزمة في جميع مراحلها، وفي كافة نواحيها، بما في ذلك اشتراكه في لجان العمل التي يمكن أن تتكون في مؤتمر جنيف" (13).
ولكن في 13 فبراير وصل كيسنجر فيما وُصِف بأنه زيارة بحث عن الحقائق؛ أي: في زيارة للتهدئة وكسب الوقت. وصرح كيسنجر بعدها، بأن فكرة تقطيع أوصال إسرائيل خلال المفاوضات الرامية للتوصل إلى اتفاقية سلام شامل أو مؤقت، دون مقابل معقول، هي فكرة لا معنى لها، بل ولا جدوى من مناقشتها. وردت القاهرة بأن مؤتمر جنيف هو أكثر الأماكن ملاءمة من أجل تحقيق السلام.
ثم بدأت الجولة التاسعة لكيسنجر في 7 مارس للتوصل إلى اتفاق فصل ثان للقوات على الجبهة المصرية: وهي الجولة التي أعلن وزير الخارجية الأمريكي فشلها (بعد 15 يومًا). لا شك أن إسرائيل بالغت في التشدد. والقيادة الإسرائيلية لم تكن بمستوى حرص الولايات المتحدة على توقيع الاتفاق الثاني (أو التكميلي) لفصل القوات، ولكن يتعذر مع ذلك أن نحدد رأيًا قاطعًا (مع غياب المعلومات الحقيقة) حول مدى ومسئولية الإدارة الأمريكية عن فشل "المكوك" في هذه الجولة. فالولايات المتحدة كانت حريصة على التوصل إلى اتفاقية تبدو معقولة (تتضمن انسحابًا من مناطق البترول والمضايق) ضمانًا لاستمرار خطتها في السيطرة من خلال الخطوة خطوة.
وبالتأكيد اضطرت الولايات المتحدة – بعد فشل مباحثات كيسنجر – إلى الضغط على إسرائيل؛ كي تلزمها باتباع سياستها، وتمنعها من تقويض ما حققته منذ حرب أكتوبر(14)، واستطاعت الإدارة الأمريكية – أثناء ما أسمته "إعادة تقييم سياستها في الشرق الأوسط" – أن تُفهم القيادة الإسرائيلية أن "قول "لا" للولايات المتحدة شيء، والارتفاع إلى مستوى النتائج المترتبة على قول "لا" شيء آخر تمامًا" (15). ولكن ألم يكن ممكنًا أن يتحقق كل هذا في زمن أقصرَ، إذا لم تكن الولايات المتحدة عازمة على استخدام العناد الإسرائيلي في كسب الوقت؟
المهم، كان رد الفعل الأول لفشل كيسنجر، أن أعلن إسماعيل فهمي (وزير الخارجية آنذاك) أن أسلوب كيسنجر لحل المشكلة خطوة خطوة قد مات، وعاد للمطالبة بعقد مؤتمر جنيف، وطلب وزير الخارجية المصري من سفيري الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بدءَ الاتصالات اللازمة لعقد المؤتمر. ولكن حدث بعد مغادرة كيسنجر للمنطقة بثلاثة أيام، أن اغتِيل الملك فيصل. ويؤكد بعض "من يعلمون" أن المخابرات المركزية كانت خلف الجريمة. ويبدو هذا الاتهام منطقيًا؛ فالملك فيصل – رحمه الله – كانت تدفعه عقيدته الإسلامية العميقة إلى احتمالات التمرد. وكان استمراره على رأس السعودية يثير قلقًا شديدًا للسياسة الأمريكية.
توالت الاتصالات مع الاتحاد السوفيتي باتجاه مؤتمر جنيف، وأعلن السادات أن مصر لن تقبل أية مفاوضات جديدة بشأن الانسحاب على الجبهة المصرية قبل انعقاد مؤتمر جنيف (16) ولكنه أهدى إلى الولايات المتحدة – في نفس المناسبة (10 أبريل) – قرار عودة الملاحة في قناة السويس بعد الانتهاء من عمليات التطهير؛ تنفيذًا للالتزامات السابقة أمام الحكومة الأمريكية؛ تعبيرًا عن "حسن النية".
وحدث في أوائل أبريل، أن تجددت المظاهرات الشعبية على نطاق أوسع، متمثلة في إضراب عُمَّال النسيج في المحلة الكبرى. كان الإضراب من أخطر الإضرابات في تاريخ الحركة العمالية المصرية، وعلى درجة رفيعة من التنظيم، فأعلن السادات حديثًا مباشرًا إلى الأمة، كان أكثر حدة من رسالة يناير، وكان أكثر استشعارًا للخطر على الجبهة الداخلية قال "لقد اخترت أن يكون حديثي إليكم عن الشئون الداخلية لقاء مباشرًا معكم، أتوجه به إلى قلوبكم وعقولكم، راجيًا أن تكونوا جميعًا معي في هذه اللحظات؛ ذلك لأن المسئولية ليست لفرد مهما أحسنتم الظن به، ولا هي لجماعة من الناس مهما حسنت نواياها. إن المسئولية الآن لشعب بأكمله.. وأريد أن ألفت النظر بوضوح، إلى أننا لسنا مجتمعًا لأصحاب الملايين، وإنما نحن مجتمع للعاملين المنتجين. إن هذا المُجتمع لن يعود - مهما حدث - إلى حالة كان فيها قبل الثورة، يوم أن كان نصف في المائة فقط من السكان يحصلون وحدهم على نصف الدخل القومي. ذلك فساد لا أقبل به، وذلك إفساد لا يقبل الشعب به. وسوف أقاومه، وسوف يقاومه الشعب معي". وفي ختام الحديث أعلن السادات "أننا على بداية مرحلة جديدة، وقد اكتملت لدَيَّ خطةٌ لمواجهة متطلبات هذه المرحلة، وسوف أبدأ - بإذن الله، وعلى الفور - في إجراءات تغييرات أساسية شاملة، وجدتُها لازمةً لكي نستطيع مواجهة هذه المرحلة" (17). وكانت البداية المعلنة لهذه التغييرات استقالة عبد العزيز حجازي (14 أبريل)، وقيام تشكيل وزاري جديد برئاسة ممدوح سالم.
(5) وينقلنا هذا إلى إشارة سرية عن نتائج ومتطلبات الخطوة خطوة في الجبهة الاقتصادية، فنذكر عرض صندوق النقد الدولي لحالة الاقتصاد المصري عام 1974 (الصادر قبيل استقالة حجازي) ويقول تقرير الصندوق: "لقد زاد عجز ميزان الحساب التجاري زيادة كبيرة في عام 1974، وتم تمويل هذا العجز عن طريق تسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل، وتدهور الموقف تدهورًا كبيرًا؛ ابتداء من سبتمبر 1974، وكان من مظاهر هذا التدهور:
أ- زيادة كبيرة في الائتمان والتوسع النقدي.
ب- الزيادة في استخدام الطاقة الصناعية والحصول على مستلزمات الإنتاج الصناعية، وكذلك السلع التموينية، ثم الاستعانة في تمويلها بتسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل.
ج- ابتدأت في تلك الفترة تظهر زيادات حادة في التأخير في دفع الديون الخارجية، ومثل هذا التأخير لو سمح له بالاستمرار، فإنه سيؤثر على سُمعة مصر المالية، وإذا ربطنا ذلك مع العجز في الحصول على تسهيلات مصرفية تجارية جديدة، ومع ما هو مستحق حاليًّا من أقساط وفوائدَ، وهو يمثِّل قدرًا كبيرًا في المدفوعات، فإن هذا قد يؤدي إلى عجز في السداد على نطاق كبير من جانب مصر إلى دائنيها، ويؤدي إلى عدم تدفق السلع المستوردة، التي لا تستطيع البلاد الاستغناء عنها، كما أنه يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على المعونة الخارجية، للوفاء باحتياجات البلاد.
د- عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة ومعلنة أدى إلى زيادة الشكوك في أذهان المستثمرين الأجانب والمصريين"(18).
هذا التقرير – ببساطة – يشرح في البندين (أ)، (ب) حقيقة الانهيار الذي أحدثه العام الأول من الانفتاح، وهو يلوح بالعصا الغليظة في البندين (حـ)، (د) إذا لم تعلن سياسة واضحة (يضعها ويعتمدها صندوق النقد)، أي لا بد من تراجع رسمي عمّا كان يسمى بضوابط الانفتاح. وإذا
لم تفعل الحكومة ذلك ستمنع القروض، ويجوع الشعب، ولن تفِدَ "المعونات" الخارجية لإنقاذ الموقف، ولن يقدم المستثمرون. وهكذا كانت "المعونات" والاستثمارات يلوح بها (في العام الأول من الانفتاح) للإغراق في الديون، وعادت تستخدم (في العام الثاني) كأمل في طوق نجاة، وقد جرت مباحثات مارس مع "كيسنجر" تحت هذه الضغوط،
ولم يكن كيسنجر يحمل معه - فقط - أملَ إعادة نفط سيناء (بآثاره الإيجابية على ميزان المدفوعات)؛ إذ كان يقدِّم أيضًا تعهدًا بأن تسعَى الولايات المتحدة لتشكيل كونسورتيوم غربي (يضم دول الخليج المرتبطة بالغرب) "لانتشال" الاقتصادي المصري، ولكن مع فشل كيسنجر، وضوابط "الانفتاح"، تبخر كل ذلك(19)، رغم مضيّ القيادة المصرية في قرار إعادة فتح قناة السويس للملاحة الدولية؛ تنفيذًا لالتزامها السابق أمام الولايات المتحدة، وبالتالي أمام إسرائيل.

(6) حين تشكَّلت حكومة ممدوح سالم "كانت هناك تسهيلات مصرفية متأخرة بلغ رقمها 44 مليون جنيه (110 مليون دولار). أمَّا التسهيلات للموردين، فقد كانت قيمة المتأخر منها في 27/4/1975 مبلغ 11.3 مليون جنيه (28.3 مليون دولار) وكانت قيمة التأخير تسعة شهور" (20). ولكن لم يكن مطروحًا من الناحية العملية أن يواجه هذا المأزق بمراجعة سياسة الانفتاح مراجعة جذرية (على النحو الذي أشار إليه بيان السادات). كان المطروح بقوة وإلحاح من جانب الحكومة الأمريكية وصندوق النقد، ومن جانب الفئات المحلية العميلة، تقويضًا كاملاً لمفاهيم ونظام المرحلة الناصرية، أي إزالة الضوابط التي تحمي الاستقلال. والتقرير الذي نشره محمود أبو وافية (وهو من المقربين إلى الرئيس السادات) عن الانفتاح (قبل استقالة الوزارة بيومين) كان مبلورًا لرأي هذا الاتجاه، فقال: إنه "من الطبيعي أن يسبق الانفتاح الخارجي انفتاح داخلي يؤمن النشاط الخاص، ويحفزه على القيام بدوره الضخم الفعال في خدمة الاقتصاد الوطني، ولا يتصور إمكان نجاح انفتاح خارجي، إذا لم يكن الانفتاح الداخلي ناجحًا". وهذه الفقرة كانت تدافع عمّا بدأت ممارسته عملاً، وإن أنكرته التصريحات الرسمية. كان يقال إن الانفتاح مجرد أسلوب يدعِّم قدراتنا المالية والتكنولوجية؛ لكي تندفع بمعدل أعلى، وكفاءة أكبر في التنمية المستقلة المخططة، ولكنَّ أبا وافية اعترف في تقريره، بأن الانفتاح المقصود هو دعوة لنظام اقتصادي واجتماعي جديد. وتأكيدًا لهذا الاتجاه؛ أضاف "أن القطاعين (العام والخاص) يعملان في خدمة البلاد، ولكل مجاله ونشاطه واستعداده وصلاحيته. ولا ينبغي أن يطغى قطاع على قطاع، أو يجور قطاع على ما ينبغي أن يكون للآخر، بما يخلّ بالموازنة بينهما في المعاملة كشقيقين، أو كابنين لأم واحدة هي مصر". وحين شرح التقرير مقصده، اقترح حل المؤسسات العامة، واستبعاد القطاع العام من كثير من المجالات الحاكمة وتسليمها للرأسماليين، وعاد إلى قضية طرح جزء من أسهم رءوس أموال شركات القطاع العام على القطاع الخاص والأفراد. وتصفية "السيطرة الرهيبة" للدولة (حسب تعبير التقرير) على التصدير والاستيراد، وفتح سوق البضاعة الحاضرة للأقطان... إلخ (21).
وفيما يتعلق بتصورات التنمية والنظام الاقتصادي في الأجل المتوسط، كان البنك الدولي يبيع – في نفس الفترة – أفكارًا تتفق تمامًا مع أبي وافية، والوزير القوي في الوزارة القديمة والجديدة، عثمان أحمد عثمان، (وهو من المقربين أيضًا إلى الرئيس) كانت تصريحاته في نفس الاتجاه، فقبل حلفه اليمين في الوزارة الجديدة، صرَّح بأن "سبب هذه الأزمة هو استيراد نظم من الخارج وتطبيقها في مصر.. وآن الأوان للتخلص من النظام المستورد الخاطئ، وخلق المنافسة والحريات أمام المواطن المصري.... يجب أن يعرف الشباب أننا نعاني من رواسبَ 20 سنة" (22).
كانت القوى الاستعمارية الخارجيّة، وكان حلفاؤها في الداخل، في مرحلة تصعيد الهجوم على الجبهة الاقتصادية (والجبهات الأخرى) لإكمال فرض التبعية، وكانت محاولات المقاومة أثناء حكومة حجازي؛ مما ينبغي تجاوزه؛ ولذا رحبت هذه القوى بتنحيته، وبادرت إلى تحية ممدوح سالم (بصفته عدو الانغلاق)، فكتب أحمد أبو الفتوح (الذي أعلن موافقته الكاملة على تقرير أبي وافية) أنه "قابل السيد ممدوح سالم أكثر من مرة، وهو يتمتع بخبرات كثيرة (!)؛ فهو يتحدث أكثر من أربع لغات أجنبية، وقد زار الكثير من دول العالم، وله آراء في الحريات وفي الاقتصاد والسياحة، تتمتع بالفهم الصحيح للأمور" (23)، وكتب مصطفى أمين أنه يعتقد أن الوزارة الجديدة ستتبنى سياسة اقتصادية مختلفة عن السياسة السابقة (24).
وحاول ممدوح سالم في البداية، أن يركب هذه الموجة، فاستخدم في مؤتمره الصحفي الأول نفس مفهوم أبي وافية "فالانفتاح فلسفة متكاملة بالنسبة لنظام اقتصادي وسياسي وإداري وثقافي". وفي بيانه أمام مجلس الشعب، أعلن الربط بين الانفتاح الداخلي والخارجي – تطبيق سياسة الانفتاح على القطاعين العام والخاص – الارتباط الوثيق بين الانفتاح السياسي وغيره من صور الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (25). وكما تحدث أبو وافية عن القطاع الخاص كشقيق للقطاع العام، هضمنا حقه في الماضي. قال ممدوح سالم في بيان حكومته "أننا عملنا في المرحلة الماضية برِئَة واحدة في مجال الإنتاج، هي القطاع العام "ولذلك" فإن المرحلة المقبلة سوف تشاهد انطلاقة جديدة، يتكامل فيها






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس