عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2011, 02:23 PM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة

(3) سيناريو استخدام الديون:
أ- وقد يحسُن هنا أن نعود فنسترجع تطور الأحداث وسيناريو استخدام الديون خلال العام – وفْق القدر القليل المُتاح من المعلومات – فنذكر أن أحمد أبا إسماعيل أعلن أن حكومة ممدوح سالم "حين تولَّت الحكم في 16 أبريل، وجدت أن الاقتصاد المصري في حالة اختناق" (20)؛ بسبب التوسع في الاقتراض المصرفي القصير الأجل. وأشار السادات إلى هذه القضية في خطاب أول مايو، وأوضح أنه لم يكن يعلم المدَى الذي وصلت إليه الكارثة، وأنه أفهم خطأ أن أرقام الديون محسوبة بالدولار، ثم ثبت أنها بالإسترليني.. ورغم غرابة التصريح، فإن الكارثة تظل كارثة، والمسئول الأول كان مفروضًا أن يُروَّع، حتى لو كانت الأرقام بالدولار، إلا أن هذا الاستشعار المتأخر للخطر، جاء في جو تنذر فيه الولايات المتحدة، بوقف تدخلها في الصراع العربي الإسرائيلي (بهدف الضغط)؛ ولذا أكَّد الرئيس - في نفس الخطاب - استمرار سياسته التي عبر عنها منذ فشل مباحثات كيسنجر، فحدد أبعاد التحرك المصري في معالجة الموقف المتجمد على النحو التالي:
1. توجيه الدعوة لعقد مؤتمر جنيف؛ للتوصل إلى تسوية شاملة يشارك فيها الفلسطينيون، ولكن المؤتمر لن يكون الإطار الوحيد لتحقيق المطالب المصرية.
2. إعطاء أولوية لمسألة الحفاظ على التضامن وتنسيق المواقف بين الدول العربية؛ حتى تكوِّن هذه الدولُ جبهةً عربية واحدة، في مؤتمر جنيف.
3. إدارة العلاقات مع الدولتين الأعظم من موقع استقلال الإرادة الوطنية وتجنب حدوث قطيعة مع أي منها. وعلاقات مصر مع الاتحاد السوفيتي مبدئية وليست صداقة ظروف. وإذا كانت مصر تقدر للاتحاد السوفيتي مواقفه الإيجابية في لحظات صعبة، فإن مصر تطالبه الآن بتفهُّم ظروفها الاقتصادية، واستعواض الأسلحة التي فقدتها في حرب أكتوبر. وفي نفس الوقت، فإن مصر ستُحاول الاحتفاظ بأفضل علاقات ممكنة مع الولايات المتحدة، مع دعوتها لتحديد موقفها بوضوح من حقيقة التوسع الإسرائيلي، واحتلال إسرائيل للأراضي العربية؛ لأن الولايات المتحدة تملك لو أرادت أن تمارس ضغطًا على إسرائيل، وهي تحتفظ بأغلب خيوط هذه المسألة.
4. الحفاظ على الرصيد الدولي الذي اكتسبته القضية العربية في العالم بما يدعم من عُزلة إسرائيل السياسية، وفي هذا الإطار كان القرار المصري بإعادة فتح قناة السويس، ومند فترة عمل قوات الطوارئ الدولية لمدة ثلاثة شهور حتى لا يوضع العالم أمام موقف مفاجئ، وحتى تتاح لقواه المؤثرة فرصة لبذل جهودها للتحرك نحو السلام.
ويبدو من هذا الحديث أن الرئِيْس قدم دعوة للولايات المتحدة لمعاودة دورها في الخطوة خطوة حين سجل أن مؤتمر جنيف ليس "الإطار الوحيد لتحقيق المطالب المصرية" (ولاحظ المصرية هذه)، وأشهر دليلاً على حسن النية بتأكيد قرار قناة السويس، وبقرار مدّ فترة عمل قوات الطوارئ، ولكنه – في المقابل – هدد بتنسيق المواقف مع الدول العربية، وبتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي (عسكريًا واقتصاديًّا)، ونذكر في هذا البند (3) قبل الولايات المتحدة، وبلهجة أكثر حرارة. والإدارة الأمريكية التي تدرك أنها
لم تكن قد سيطرت بعد على الموقف سيطرة كاملة، أدركت احتمالات الموقف، وبادرت إلى الرد السريع؛ ففي اليوم التالي للخطاب، وبناء على طلب الولايات المتحدة؛ أُذيع في كل من القاهرة وواشنطن أنه "تم الاتفاق بين الرئيس جيرالد فورد، والرئيس أنور السادات على أن يجتمعا في سالزبورج بالنمسا يومي 1، 2 يونيو". وبدأت الاتصالات التحضيرية للاجتماع. وقبل التوجه إلى سالزبورج قام السادات بسلسلة من الزيارات للدول العربية، وكان معروفًا أن مباحثات السعودية والخليج، ركزت على طلب الحصول على اعتمادات عاجلة لمقابلة التزامات مصر الكبيرة والقصيرة الأجل. ويلاحظ أن مباحثات سالزبورج تمت في جو من الاختناق الحاد، فالمتأخرات على تسهيلات الموردين، كانت ستة أشهر، وعلى التسهيلات المصرفية حوالي شهر. ويقول وزير المالية آنذاك: "إن الرئيس السادات استطاع كقيادة سياسية واعية أن يعمل بالتعاون مع أشقائنا العرب، ومع الدول الغربية، ودولة إيران الصديقة، فحصلنا على قروض طويلة الأجل كلها أعطت فترة سماح لا تقل عن خمس سنوات، وكان سعر الفائدة بالنسبة لبعض هذه القروض 2%، وأغلبها يتراوح بين 3% و5%، أما مُدة التقسيط؛ فقد تراوحت ما بين خمسة أعوام وثلاثين عامًا" (20). وبغضّ النظر عن الخطأ في ذكر الوقائع (حيث إن التحديدات المذكورة لا تنطبق على الودائع مثلاً) فإن ما يهمنا بمناسبة هذا الكلام هو مجرد الإشارة إلى أنه يبدو أن تعاون الرئيس مع الأشقاء العرب "تصادف" أنه أثمر أول ودائع مُنفَّذة فقط بعد نجاح محادثات سالزبورج، فبعد المحادثات، وفي نفس الشهر (حسب التصريحات الرسمية) وصلت دفعة من وديعة الكويت (إجمالي الوديعة 500 مليون دولار) ثم دفعة السعودية (إجمالي الوديعة 600 مليون دولار) (49).

* وكان السادات قد صرَّح بعد اجتماعه مع فورد، بأنه "يجب عدم استبعاد أي تحرك يدفع بعملية السلام إلى الأمام؛ لكي نحفظ للمساعي استمرارها" (50)، واحتفل في 5 يونيو بعودة الملاحة في قناة السويس، وشاركت في الاحتفال (بدعوة من الحكومة المصرية) سفينة قيادة الأسطول السادس الأمريكيّ، (ولم توجه الدعوة طبعًا إلى أساطيل الدول الأخرى التي شاركت في تطهير القناة).
وبعد الاحتفال بأيام، كان الرئيس المصري يصرح بأنه "شعر بعد محادثاته في سالزبورج، أن أمريكا حريصة على التوصل إلى اتفاق مرحلي" (51)، وكان الرئيس الأمريكي يعبر في نفس الوقت، عن اعتقاده أيضًا بضرورة التحرُّك؛
"إذ لا يمكن السماح بحالة الركود أو الجمود"، وتوالت الاتصالات (السريَّة المُعلنة) بين مصر وإسرائيل، عبْر الإدارة الأمريكية؛ تمهيدًا لجولة كيسنجر العاشرة.

وفي لُعبة كسب الوقت، كان لا بد من التباطؤ، وذاع على ألسنة المسئولين الأمريكيين، أن التوصل إلى اتفاق جديد بين مصر وإسرائيلَ أمر بالغ الصعوبة، وأن شقة الخلاف واسعة، وحتى 7 أغسطس كان فورد يعبر عن تشاؤمه الشديد (52). ولكن في 20 أغسطس وصل كيسنجر ليبدأ جولته الحاسمة، "وتصادف" أيضًا أن تتم هذه الجولة أثناء فترة شهد الاقتصاد المصري فيها أخطر مراحل الاختناق. كان معروفًا أن التدفقات الخليجية – في يونيو – لم تكن كافية لمنع الكارثة، "ولولا لطف الله بهذا البلد الأمين؛ لحلَّت به في صيف هذا العام أسوأُ كارثة تعرضت لها البلاد في تاريخها" (أبو إسماعيل) (20).
ولكن حدث أن نجح المكوك بعد 11 يومًا في التوصل إلى الاتفاق الثاني للفصل بين القوات على الجبهة المصرية (في أول سبتمبر)، واستقبلت على الأثر ودائع من قطر (50 مليون دولار – الدفعة الأولى 25 مليون دولار في سبتمبر) ومن اتحاد الإمارات العربية (150 مليون دولار – الدفعة الأولى 50 مليون دولار في أكتوبر) (53).
* وقد صرَّح السادات عقب توقيع الاتفاق مباشرة، بأنه يمثل نقطة تحول في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي. وهذا وصف صحيح بالقطع، ويؤكِّد الصفة السياسية للاتفاقية. وقد أوضح كيسنجر للزعماء الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس، أنه كان قد بذل الجهد "للحصول على اتفاق جزئي بين مصر وإسرائيل؛ فلأني أردت أن أكسب الوقت، وأن أسحب من النزاع العربي الإسرائيلي العنصر الأكثر نفوذًا، فسوريا ولبنان والأردن وحتى العراق، غير قادرين عسكريًّا على شنّ حرب ناجحة ضد إسرائيل، دون مشاركة فعلية من مصر" (54).
وبالفعل كانت الاتفاقية – بعيدًا عن تفاصيل الانسحاب واسترداد آبار البترول، ومرور الشحنات الإسرائيلية غير العسكرية من القناة – كانت الاتفاقية تعني قبولاً مصريًّا رسميًّا باستبعاد تجدد القتال، وبتجميد الموقف لمدة سنتين، وتحقق في هاتين السنتين البرنامج الموضوع (ونفترض أن أقسامًا هامة منه كانت محلاً لاتفاق سري صريح):
1. ترسيخ العداء، وتأكيد القطيعة مع الاتحاد السوفيتي، وهذه النتيجة – فضلاً عن خطورتها السياسية والاقتصادية بشكل عام – تنعكس في موازين القوة العسكرية بشكل خاص، فمع وقْف تدفُّق السلاح السوفيتي على مصر، ومع تدفق السلاح الأمريكي – في المقابل – على إسرائيل، ومع الوجود الأمريكي المباشر في سيناء، أصبح مفتاح الأمن الوطني المصري في يد الولايات المتحدة تمامًا، فبإمكانها وحدها – وبلا أي رادع – أن تسمح باجتياح الأراضي المصرية، أو تمنع العدوان عليها، بإشارة تُطلقها.
2. ربط سياسة مصر بالمخططات الأمريكية، والتي تتضمَّن تمزيق أوصال الوطن العربي بالمعنى الحرفي. أي بإسالة الدماء في نزاعات عربية. والمتابع للمسرح العربي (منذ توقيع هذه الاتفاقية) يلحظ النجاح الكبير الذي تحقق في هذه المهمة، والتي بدأت في لبنان، ولم تتوقف حتى كتابة هذه السطور. وكان طَبَعيًّا أن ينعكس كل ذلك في تعميق عزل مصر من التطلعات القومية للجماهير العربية، وتعميق الصراع المصري/ السوري. ويُلاحظ أن الولايات المتحدة التي خططت وضغطت لتوقيع الاتفاقية، هي نفس الولايات المتحدة التي لم تضغط على أنصارِها الأقوياء في المنطقة لمباركة الاتفاقية (55).
3. هذا الإطار السياسي العام كان على القيادة المصرية أن تتمثل له، إذا كان لها أن تأْمُلَ في تحرك أمريكي جديد بعد عامين من الاتفاقية. والامتثال لهذا الإطار يقدم الشرط المناسب لمواصلة الهجوم داخل أقطار عربية مختلفة، وفي الجبهة الداخلية المصرية؛ بهدف إعادة تشكيل وترتيب أوضاعها على النحو الذي يضمن استقرار السيطرة الأمريكية.
وباختصار، أطلقت الاتفاقية يد الولايات المتحدة؛ لكي تعمل في هدوء، وبالتزام مصري بعد الاعتراض، من أجل استكمال الوقائع المادية والمؤسسات المناسبة التي تفرض السلام الأمريكي والهيمنة الأمريكية؛ بحيث يصعب جدًا على أيَّة قيادة مصرية – بعد العامين – أن تعود إلى التمرد على سياسة التبعية. ومعنى هذا في الجانب الاقتصادي: مزيد من الانفتاح الاقتصادي؛ ولذا كان طبعيًّا أن يسأل الرئيس من مراسل أجنبي في المؤتمر الصحفي بعد توقيع اتفاقية الفصل الثاني للقوات: هل ستتجه مصر الآن إلى مزيد من الانفتاح الاقتصادي؟ وكانت الإجابة بأن مصر "اتجهت فعلاً إلى الانفتاح منذ إتمام فض الاشتباك الأول، اتجهت إلى الانفتاح، وإلى بناء الأسس الجديدة للمجتمع الذي نريده (...) وبالتأكيد سيضيف هذا الاتفاق قوة دفع جديدة لهذا الأمر في المرحلة المُقبلة".
* قلنا: إن جولة كيسنجر الحاسمة، تَمَّت في ظروف اختناق حاد للاقتصادي المصري. في 30 أغسطس 1975 (أي: قُبَيل توقيع الاتفاقية)، كان الموقف كالتالي:

(بالمليون جنيه)
تسهيلات حالَّة
تسهيلات تُستحَق خلال 180 يومًا أو أكثر
59.6
912.6

972.2

ومن هذا الرقم الإجمالي، كانت المبالغ المطلوبة خلال ستة أشهر تصل إلى 308 مليون جنيه تفصيلها كالتالي (56):
إجمالي المبالغ المستحقة خلال ستة أشهر
مبالغ مستحقة في سبتمبر
مبالغ مُستحقة في أكتوبر
مبالغ مستحقة في نوفمبر
مبالغ مستحقة في ديسمبر
مبالغ مستحقة في يناير
مبالغ مستحقة في فبراير
307.853
60.606
57.322
60.679
71.510
32.952
24.784

ورغم تلاحق الالتزامات الفادحة، أمكن الإفلاتُ من إشهار الإفلاس بواسطة القروض النفطية. ويبدو أن الوعود التي تلقاها المسئولون مع توقيع الاتفاقية، كانت مسئولة عن ذيوع التفاؤل؛ فقد أعلن رسميًّا أنه تم تدبير المبالغ اللازمة لسداد التسهيلات المصرفية، وتسهيلات الموردين التي تُستحق من أكتوبر حتى آخر السنة (أكثر من 150 مليون جنيه = 375 مليون دولار) بحيث تسدد في مواعيدها استحقاقها. "وبهذا سندخل عام 1976 ووضعنا - من ناحية التسهيلات المصرفية القصيرة الأجل - أحسنُ بكثير من ذي قبلُ" (أبو إسماعيل).
وبالفعل حصلت الحكومة على القرض الإيراني (في أكتوبر)، وحصل أن تمَّ التخلصُ من متأخرات التسهيلات المصرفيّة (وكانت حوالي شهر في يونيو 1975)، وحصل كما ذكرنا أن خُفض صافي استخدام هذه التسهيلات، وكذلك انخفضت المتأخرات على تسهيلات الموردين إلى حوالي شهرين، (وكانت ستة أشهر). ولكن معروفًا – بطبيعة الحال– أن الموارد الاستثنائية من دول النفط، ليست
إلا إسعافات مؤقتة (بل ألغامًا موقوتة)، "وكان معروفًا في صيف 1975 أن مصر ستكون أمام مصاعب مدفوعات خطيرة مرة أخرى خلال ستة أشهر، وثبت أن هذا التقدير كان دقيقًا تمامًا" (كما يقول ووتر بيري).

ولكن أيامها كان التفاؤل لا يتيح مجالاً للتفكير في مثل هذا الكابوس، والحديث الصريح وبالإشارة حول مشروع مارشال العربي، كان عودة لمخطط التخدير بالآمال، وفي خطاب 19 أكتوبر أمام مجلس الشعب قال الرئيس: "عبرنا مرحلة الظلام والألم، وندخل اليوم مرحلة النور والأمل"، ويقول تقرير البنك الدولي إن الحكومة المصرية، وجهت نداء إلى الدول الغربية لتقديم مساعدات متوسطة وطويلة الأجل، في شكل يمكِّن من سرعة السحب؛ لتمويل واردات مصر الأساسية. وبالفعل كان يُنشَر في ذلك الوقت عن محاولة تشكيل كونسورتيوم، فأوضح أنها "لم تتجاوز ما قدمته الدول الخليجية خلال العام المنصرم، (أي: عام 1975).. ولكن بالنسبة لأمريكا وألمانيا الغربية واليابان، "فلسه إحنا ما أخدناش حاجة" (57).
صحيحٌ أن الرئيس فورد كان قد طلب في رسالة إلى الكونجرس - الموافقةَ على تقديم 750 مليون دولار "مساعدات" اقتصادية لمصر (ضمن مقترحاته بشأن المعونة الأمريكية الخارجية). وتعمد أن يكون التوقيت أثناء زيارة السادات (31 أكتوبر)، ولكن كان هذا وعدًا بالنسبة لعام 1976، وكذلك كان مفهومًا أن "مكون" القروض السلعية في هذا المبلغ محدود، والقروض السلعية هي التي يسهُل السحب السريع عليها، فتخفف (مؤقتًا) حدَّة الأزمة في ميزان المدفوعات. وعليه كانت وزارة التخطيط تعلن "أنه من الواضح اليوم، أنه في بداية ديسمبر 1976. تواجه مصر موقفًا شبيهًا ببداية 1975". وقدرت وزارة الاقتصاد أن صافي الالتزامات المطلوب سدادها خلال عام 1976 نحو 1003 مليون جنيه (حسب الصياغة الساخرة لإبراهيم حلمي عبد الرحمن في تقرير التخطيط) وتبلغ 333 مليون جنيه (حوالي 830 مليون دولار).
وفي النهاية، كان طبعيًّا أن يرتفع حجم الدَّين الخارجي لمصر – عام 1975 – إلى درجة كبيرة، فبعد أن كان الكمية المسحوبة والقائمة بالكاد فوق 4 بليون دولار في نهاية 1974، وصلت إلى 6.3 بليون دولار في 31 ديسمبر 1975. وإذا أضفنا 2.9 بليونًا (لم تُستخدَم بعدُ) يكون المجموع في حساب الدَّين المدني أكثر من 9 بليون دولار. وتشمل هذه الأرقام 1.2 بليونًا و1.4 بليونًا (مستخدمة وغير مستخدمة على التوالي) كستهيلات مصرفية، فإذا استبعدناها يصبح مجموع الدين القائم (شاملاً غير المستخدم) حوالي 7.6 بليون دولار.
* بقي أن نوضح نقطتين في سيناريو استخدام الديون؛ فأولاً: لم يكن المَقصِد في العرض السابق إثباتَ أن الديون، ولحظاتها الحرجة، كانت أداة القهر الأساسية لفرض الاتفاقيات السياسية؛ فهذا غير صحيح. والصحيحُ أن السياسة الأمريكية، استخدمت حُزمة من الأدوات، وحاولنا أن نشير إلى أن الديون كانت أداة هامة ضمْن هذه الحزمة، دون أن تكون الأهم. لقد دعمت الديون موقف كيسنجر وإسرائيلَ في المباحثات السياسية، ولكن لولا الالتزامُ بالسلام الأمريكي– أصلاً – وما ترتَّب عليه من اختلال في توازن القوَى، وقبول بفتح الاقتصاد الوطني أمام الغُزاة؛ لكان ممكنًا كسرُ قبضة الديون الخانقة؛ بالعودة إلى سياسات مستقلة، في الداخل وفي العلاقات العربية والدوليَّة. وبصيغة أخرى، تمكَّنت الديون من الضغط على رقبة الاقتصاد المصري؛ لأن الاستراتيجية العليا للدولة، حتمت إغراق اقتصادنا في الديون الخارجية، وحتمت أن يكون الطريقُ الوحيد للخلاص من الاختناق استجداء القروض الأمريكية، وقروض ومنح الدول النفطية (في الجزيرة العربية وإيران بالتحديد) ورضاء صندوق النقد الدولي كان شرطًا مُسبقًا لهذه التدفُّقات.
والنقطة الثانية في الموضوع أن: استخدام الديون في الجبهة الرئِيسَة والحاكمة (أي: في الجبهة السياسية) كان يتكامل مع استخدامها في إطار المسئوليات الخاصة بصندوق النقد الدولي؛ ففي هذا الإطار المحدد استخدمت أيضًا لعبة الديون الصعبة والميسرة، أو العصا والجزرة؛ لانتزاع التنازلات في الجبهة الاقتصادية.
ثالثًا – بلورة نتائج الغزو في أوضاع مؤسسية مستقرة:
في العام الثاني – كما في العام الأول – استهدف الهجوم المتعدد الاتجاهات، محاصرةَ - أو احتواء - أثر رفض الحكومة المصرية للتنفيذ الفوري لتعليمات الصندوق؛ سواء فيما يتعلق بتحطيم استقلالية جهاز الأسعار، أو بخفض سعر الصرف؛ فانفجر التضخم مجددًا، وانهار ميزان المدفوعات، وتراكمت الديون، وبالتالي تحقق الإرباك المقصود من خلف تعليمات الصندوق، وتشكلَّت أدوات الضغط المطلوبة لإعادة تشكيل البنية الاقتصادية على نحو ملائم.
ولكن القوَى المهاجمة لم تكن لتَقْنَع بخلق هذا الجو المواتي، وبانتشار قواتها وتأثيراتها إلى كل أنحاء الاقتصاد القومي، كان مطلوبًا من خلال ذلك، أن يتم الاستيلاء على مواقعَ محددة، أو كان مطلوبًا من صندوق النقد الدولي (ومن معه) أن يُبلوِروا مزيدًا من الأوضاع المؤسسية المستقرة. وكما في العام الأول، تمكَّن الصندوق (ومن معه) في العام الثاني من تحقيق خطوات واسعة في هذا الاتجاه؛ مستفيدًا من لحظات الاختناق الحاد.
(1) في 7 يونيو ( مع الودائع السعودية والكويتية) اجتمع مجلس الوزراء، ووافق على السياسات والإجراءات التي تقدم بها ممدوح سالم ضمن "تقرير بشأن الانطلاق في تنفيذ الانفتاح الاقتصادي"، وجاء هذا التقرير بعد شهر من إلقاء بيان رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب، ولكنه مثل تنازلات كثيرة لم يتناولها البيان، ولم يجدّ جديدٌ خلال هذه الفترة، يستدعي تعديل السياسة، إلا أزمة الديون ومباحثات الصندوق، والاتصالات مع دول الخليج؛ ونظرًا لأن التقرير غير منشور(58)، نورد هنا عرض سريعًا لأهم النقاط:
أ- في مجال القطاع العام: إطلاق حريَّة الاستيراد والتصدير لوحدات القطاع العام الصناعي – إطلاق حرية الإدارة في الاقتراض وتدبير مصادر التمويل لأغراض الاستثمار – إعفاء وحدات القطاع العام من القيود البيروقراطية المتمثلة في التراخيص والتصاريح والإجراءات المكتبية المختلفة في تعاملها مع أجهزة الدولة – إطلاق حرية وحدات القطاع العام في تحريك مواردها المالية. وتعديل أسس الإنفاق في موازناتها المُعتمَدة، بما تقضي به ظروف العمل، دون الرجوع إلى وزارات المالية والاقتصاد والتجارة. وفي هذا الصدد، يجب اعتماد موازنة كل شركة عامة في صورة أرقام إجمالية لأبواب الإنفاق الرئيسَةِ، مع ترك الحرية للإدارة في: تفصيل مكونات هذا الإنفاق – دعوة المصريين المقيمين في الخارج لتمويل شراء مستلزمات الإنتاج، وقطع الغيار اللازمة لتشغيل الطاقات المعطلة في قطاع الصناعة، على أن يعتبر تمويلهم بمثابة مشاركة في رأس مال هذه الشركات – اعتبار الشركة العامة وحدة الإنتاج الرَّئِيسَة، ونقطة الارتكاز في تنظيم القطاع العام، وتغيير نمط العلاقة التنظيمية بين الشركة العامة، وبين جهة الإشراف عليها؛ بحيث تختص الأخيرة بالتخطيط العام وتحديد الأهداف العريضة، والمتابعة والتقييم على أساس النتائج، دون دخول في التفاصيل والإجراءات والأساليب التنفيذيَّة.
ب- في مجال القطاع الخاص: منح القطاع الخاص المصري جميع المزايا الممنوحة لرأس المال العربي والأجنبي – تشجيع تكوين شركات مختلطة (رأس مال عام وخاص – مصري وأجنبي) في مجالات السياحة والفنادق والصناعات الاستهلاكية الخفيفة، وشركات الدواجن واللحوم والثروة المائية وصناعة الألبان ومنتجاتها؛ حتى لا يقتصر العمل في المجالات على القطاع الخاص. وبنجاح هذا النمط، يمكن النظر في تعميمه؛ ليشمل مرافق الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها المواصلات والنقل داخل المدن، والإنارة والمياه.
ج- البنوك وسوق النقد: إلغاء نظام التخصص في البنوك المصرية – مراجعة أسعار الفائدة للودائع بما يتمشَّى مع أسعار الفائدة العالمية – تمكين البنوك المحلية من المساهمة في تأسيس بعض المشروعات المشتركة. تطوير السوق الموازية للنقد وتبسيط إجراءاتها، ويمكن في المرحلة الحالية تنشيط اللجنة المشكلة لهذا الغرض في البنك المركزي؛ بحيث تجتمع أسبوعيًا لتحديد أسعار صرف الجنيه أسبوعيًا في السوق الموازية، بما يتمشَّى مع تغيرات العرض والطلب، ويتم في مرحلة تالية خلق سوق مالية منظمة تمارس وظائف سوق الأوراق المالية التقليدية – تحرير سوق النقد الأجنبي تدريجيًّا، إلى أن نصل لاندماج السوق الرسمية والسوق الموازية للنقد، في سوق حرة واحدة، تحتوي العملة المصرية وغيرها من العملات الأجنبية على السواء.
د- وأكد رئيس مجلس الوزراء في ختام مذكرته، أن الانفتاح تعبيرٌ عن فلسفة قومية متكاملة، تشتمل مختلف مجالات العمل الوطني، ولكنْ حدث أن فكرة الانفتاح ظلت متأثرة بالمنطق البيروقراطي التقليدي؛ إذ يصاحبها تفكير مضاد، يتحدث عن الضمانات والضوابط، مما يقود في النهاية إلى شكل آخر من الانغلاق، قد يكون أكثر مرونة مما سبقه، لكنه بالقطع ليس بالانفتاح المنشود.
إن التفكير في الانفتاح، ظل يتسم بالتجزئة، فهناك من يتحدث عن الانفتاح في صورة استقطاب رءوس الأموال العربية والأجنبية للاستثمار داخل البلاد، في نفس الوقت الذي يرفض فيه فكرة الانفتاح في صورة استقطاب رءوس الأموال العربية والأجنبية للاستثمار داخل البلاد، في نفس الوقت الذي يرفض فيه فكرة الانفتاح الداخلي والإداري في نمط، وتشغيل القطاع العام، وتطوير نظم وأساليب العمل".
وكلُّ هذه الإجراءات المقترحة والصياغات، منقولة بالنص عن "توصيات" الجهات الخارجية.
(2) وفي 11 يونيو، وافقت اللجنة العليا للتخطيط السياسي والاقتصادي برئاسة ممدوح سالم، على مُذكرة أخرى لرئيس مجلس الوزراء عن التنظيمات القطاعية الجديدة (59)، وأشارت المذكرة بصراحة إلى الاتجاه نحو استبدال المؤسسات العامة المنظمة للقطاع العام بمجالس القطاعات، التي تقتصر مهمتها على تقرير الأهداف العامة لكل قطاع، ولكل وحدة من وحداته، وكذلك رسم السياسات العامة التي تسترشد بها مجالسُ الإدارات المُختصة في تسيير وحداتها، وقالت المذكرة: إن التطوير المُقترَح يتيح الظروف الملائمة للانطلاق في أسلوب التخطيط المتكامل؛ حيث يتركب من الخطط القطاعية هيكلُ يتكامل في خطة قومية. وهذا المفهوم يعني بالدقة نهاية التخطيط المركزي، فالخطة القومية حسب كلام المذكرة مُجرَّد تجميع لبرامج الاستثمار التي تضعها القطاعات المختلفة، دون أداة مركزية تتولى تركيب الخطة وتحدد أولوية المشروعات وفق نظرة قومية، وبحسابات تضمن الاتساق والتوازن في عملية التنمية. على أيَّة حال – لم تكن المذكرة صريحة إلى النهاية، ولم تكن مُتعجِّلة، فهي لم تطلب إلغاء المؤسسات العامة – ولكن أوضحت أن "تشكيل المجالس العليا المقترحة، وطبيعة اختصاصاتها تتعارض مع شكل المؤسسات العامة القائمة الآن في قطاع الصناعة والتجارة والتأمين؛ ولذلك لا بد من تطويرها إلى شكل المجالس العليا المقترحة".
وعملية التطوير المقترحة، كانت تستغرق فترة زمنية طويلة نسبيًّا، حسبما جاء في المذكرة "فتحديد الوحدات التي يطبق عليها هذا النظام، يتم نتيجة لدراسة ميدانية شاملة، يقوم بها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ويقدم تقاريرَ متابعة لرئيس الوزراء بشكل دوري عن تقدم التطبيق، وما قد يعترضه من مشكلات".
(3) إلا أن الجهات الأجنبية، لم تعجبها حكاية المذكرات والتقارير هذه، فالجهة الأجنبية لا تطلب إقرار الحكومة لتعليماتها في مذكرات، أو فيما يشبه المقالات المَمهورة بتوقيع ممدوح سالم. إنها تطلب من الحكومة تنفيذًا فعليًّا لإجراءات محددة، وفْق جدول زمني يُتفق عليه، وتطلب أن يتم بعض هذه الإجراءات فورًا؛ ولذا حدث في 5 يوليو أن دعا رئيس مجلس الشعب، لجانَ المجلس إلى عقد اجتماعات متوالية؛ لدراسة المشروعات التي أُحيلت إليها من الحكومة، وطلب رئيس المجلس، أن تتم الدراسة على وجه السرعة(60). وحدث فعلاً أن قامت اللجان بالمهمة، واستطال دور انعقاد المجلس إلى 29 يوليو، حتى انتهى – بغير رَويَّة أو مناقشة جادة – من إقرار مجموعة من أهم التشريعات، كان من ضمنها القوانين المتعلقة بالاستيراد والتصدير، والوكالة التجارية، وشركات التأمين، والبنك المركزي والجهاز المصرفي، ثم قانون تعديل بعض الأحكام الخاصة بشركات القطاع العام، الذي قرر حلَّ المؤسسات العامة.
وقد اضطرَّ وكيل مجلس الشعب - بعد شهرين من ارتكاب هذا العمل – إلى الاعتراف بأنه "راعَى البعضُ السرعة التي صدرت بها هذه القوانين". وحاول بعد الاعتراف أن يحتفظ بهيبة مجلس الشعب، أو بماء وجهه، فقال: "إن معظم هذه المشروعات التي نظرها المجلس على وجه الاستعجال، كانت موضع دراسة من قبل" (61). وهذا تبرير غير صحيح؛ لأن السبب الحقيقي في التعجُّل الشديد، كان ضغط صندوق النقد المسيطر على حركة "المعونات المنفَّذة" ولاحظ أن تاريخ إقرار المجلس للقوانين، كان في عز الصيف، الذي كاد أنْ يشهد أكبر كارثة في تاريخنا الاقتصادي (حسب كلام أبي إسماعيل). ومن القوانين والقرارات التي صدرت على وجه السرعة في تلك الأيام، وما حولها، نشير إلى الآتي:
بالنسبة للقانون 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير، فقد تضمن إلغاء القوانين "الاشتراكية" السابقة في مجال التجارة الخارجية. وقد ذكرنا أن رئيس الجمهورية، كان قد أصدر قرارًا بالقانون 137 لسنة 1974 الذي أجاز للقطاع الخاص أن يستورد عبر السوق الموازية،
أو دون تحويل عملة "بالتمويل الذاتي". ولكنَّ هذه القنوات كان مفهومًا أنها ثانوية بالنسبة لحركة الاستيراد الرئيسي، وظلَّت المادةُ الأولى من القانون نصها كالتالي: يكون استيراد السلع من خارج مصر، بقصد الاتِّجار أو التصنيع عن طريق الهيئات العامة والمؤسسات والوحدات الاقتصادية التابعة لها، أو الشركات التي يساهم فيها القطاع العام". أمَّا في القانون الجديد، فكانت المادة الأولى: يكون استيراد احتياجات البلاد السلعيّة عن طريق القطاعين العام والخاص، وذلك وفْق أحكام الخطة العامة للدولة، وفي حدود الموازنة النقدية السارية. وللأفراد حقُ استيراد احتياجاتهم للاستعمال الشخصي أو الخاص من مواردهم الخاصة؛ وذلك مباشرة، أو عن طريق الغير" (62). وكذا اكتسب انهيار احتكار الدولة للاستيراد اعترافًا قانونيًّا، وكان تقرير البنك الدولي محقًّا؛ إذ اعتبر القانون "تغييرًا أساسيًا لتنظيم قطاع التجارة الخارجية؛ حيث سمح للمشروعات الخاصة بالعمل في التجارة الخارجية مباشرة، وكانت مُستبعدة من هذا المجال منذ 1961"(63). وقد استثنى القانون بعضَ دول الاتفاقيات، التي قصر حق الاستيراد منها على القطاع العام. والتبرير المُعْلَن لهذا الاستثناء، هو ضرورة مواجهة البائع الواحد في دول الاتفاقيات بمشترٍ واحد. ولكنَّ هذا التبرير المعقول، كان هو نفس التبرير الذي أُمِّمَت بمقتضاه تجارةُ الاستيراد عام 1961؛ سواء لمواجهة احتكار البائع الواحد في الشرق، أو احتكار القِلَّة في الغرب المُدعَّم بتوجيه الدولة (الذي لا تختلف قدراتُه التعسُّفيَّة كثيرًا، عن الاحتكار الكامل في الدوَل الاشتراكية)؛ فلماذا ينطبق الآن هذا الحرص على الشرق، دون الغرب؟!

المسألة لا علاقة لها هنا بمحاولة تحسين موقف المشتري (الذي هو الاقتصاد الوطني)؛ فلم يَعُد هناك مَن يفكر في هذا، ولكن الهيئات الدُّوَليَّة حريصةٌ على
ألا تتشكل فئاتٌ اجتماعية ترتبط مصالحُها بالدول الاشتراكية. والمخابرات المركزية الأمريكية لها رأيٌ تقليديّ، حول أن الشركات الخاصة المتعامِلة مع الدول الاشتراكية، يمكن أن تكون من قنوات تمويل الأنظمة السياسية المناهضة للغرب، وهي تريد أن تظل هذه "الميزة" احتكارًا للغرب؛ ولذا أُطلِق تعامل الأفراد مع الغرب، ومُنِع مع الشرق، والموقف المستقل يقضي ـ كما كان حالنا في السابق ـ بمنع التعامل الخاص مع الجهتين.

دخل القطاع الخاص رسميًّا في قطاع الاستيراد، وكان قد اكتسب حق تمثيل الشركات الأجنبية، ثم دُعِّمت الضربةُ ضد القطاع العام؛ بحل المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، التي كانت بمثابة شركة قابضة تنظم العمل لستِّ شركات قطاع عام. (نُفِّذ ابتداء من أول يناير 1976).
ب - الإجراء الآخر كان القانون 111 لسنة 1975 الذي صُفِّيت بمقتضاه المؤسسات العامة، ووُسعت حقوق ممثلي رأس المال الخاص في الشركات المشتركة، وزيدت صلاحيات الإدارة في شركات القطاع العام،
بلا ضوابطَ مناسبة (وكذا حُلَّت المشكلة في ضربة واحدة، وانتهت محاولات التسويف التي كانت الحكومة قد أعلنتها باسم التدرج والتطوير منذ أقل من شهر).

لقد قضَى القانونُ بتشكيل مجلس أعلى لكل قطاع، يتكوَّن من مجموعة متشابهة ومتكاملة، من شركات القطاع العام،
أو من الشركات العاملة في مجالات متصلة، ولكن تشكيل المجلس وصلاحياته وقدراته العملية المحدودة؛ (نظرًا لغياب أجهزة معاونة) كانت تؤكد أنه ليس مطلوبًا من مثل هذا المجلس أداء وظيفة، حتى في نطاق التنسيق، بدلاً من الإشراف (كما قيل) (64).

وكان طَبَعيًّا أن يعترِضَ كثيرٌ من التكنوقراط الوطنيين في القطاع العام، على إلغاء المؤسسات العامة، وعبَّروا عن اعتراضِهم رسميًّا أثناء مناقشة مشروع القانون في لجان مجلس الشعب المُختصة، كان رأي كافة رؤساء المؤسسات. ومعهم عدد من مسئولي وزارة الصناعة ورؤساء الشركات، أن المؤسسة العامة لم تكنْ جِهازًا مُعوِّقًا، وإنما ضرورة كشركة قابضة بالنسبة للوحدات الاقتصادية أو الشركات التابعة لها؛ إذ كانت المؤسسات ـ طبقًا لأحكام القانون ـ مسئوليتها مطلقة عن نتائج جميع الشركات التابعة لها؛
إذ كانت المؤسسات ـ طبقًا لأحكام القانون ـ مسئوليتها مُطلقة عن نتائج جميع الشركات التابعة لها، وبالتالي كانت لها السلطة التي تتناسب مع هذه المسئولية. وقال المعترضون بحق: إنهم لا يتصوَّرون كيف يمكن أن يعمل القطاع العام دون مؤسسات: من الذي سيضع الخطة العامة للوحدات الاقتصادية، ومن الذي سيتولَّى المتابعة؟ هل سيستطيع الوزير المختَص أن يباشر ويتابع أعمال جميع الشركات التابعة له؟ كيف يمكن في قطاع الصناعة مثلاً ـ متابعة 128 شركة صناعية متابعةً شاملة، دون أجهزة المؤسسات، التي كانت تستطيع الإلمام بكل التفاصيل الخاصة بالشركات؟ "إن إلغاء المؤسسات يعني إهدارًا لخبرةٍ تمَّ اكتسابُها على مدى عشرين عامًا" (كما قال كمال الزيادي، وكان رئيسًا لمؤسسة الصناعات الهندسية).

وبالتأكيد، لم يخفِ المعترضون انتقاداتِهم لبعض أساليب العمل في المؤسسات العامة، وانزلاق المؤسسات إلى التدخل في الأعمال التنفيذية للشركة، على نحو قد يحدّ من المبادرة المحلية، ومن فاعلية إدارة الشركة في مواجهة المشاكل اليومية، "ولكن إذا كان في قانون المؤسسات، ما يشير إلى أن المؤسسة جهاز تتركز في يده السلطة المطلقة بالصورة التي تحدّ من انطلاق الوحدات الاقتصادية، فيمكن العمل على الحد من هذه السلطة، مع إبقاء المؤسسة كما هي؛ للإفادة من دورها في التنسيق والإشراف بالصورة الفعالة؛ وكي نستفيد من الخبرة التي اكتسبتها على مدى عشرين عامًا" (كما قال محمد أحمد اليسقي ـ كان رئيس الشركة العامة للبطاريات). ولكن حامد حبيب (وكان وكيل أول وزارة الصناعة) وضع إصبعه على جوهر الموضوع حين قال: إن "إلغاء المؤسسة لا يرجع إلى نقص كفاءتها.. وإنما يرجع إلى أن طبيعة المؤسسة لا يمكن أن تساير النظام الاقتصادي الذي تسلكه الدولة الآن (...) فبعد تغير السياسة الاقتصادية للدولة، واتجاهها للانفتاح؛ غدا من الضرورة تغييرُ المناخ "(65).. إلى ما يرضي الجهات الخارجية (وهذه إضافة مني).
هذه هي القضية، ولم تكن المسألة رغبة في زيادة الناتج 15 أو 30 % في الوحدات الاقتصادية، بعد تحريرها من كابوس المؤسسات، كما كان يصرِّح المكلَّفون بالدفاع عن قانون الإلغاء. والأمر الواضح الآن ـ وبعد سنوات من التجربة العملية ـ أن هذا القانون، كان ضربة موجعة للقطاع العام وللتنمية الآن ـ وبعد سنوات من التجربة العملية ـ أن هذا القانون كان ضربة موجعة للقطاع العام وللتنمية المخططة، وترتفع الأصوات من جديد (1979) مطالبة بالعودة إلى نوع من المؤسسات العامة المركزية، ولكن الجهات الخارجية (المشرفة حاليًا على الاقتصاد المصري) ترفض طبعًا بعناد.
لقد احتفت تقارير صندوق النقد والبنك الدولي (الصادرة في تلك الفترة) بهذا القانون، وإن ظلت تعيب عليه أنه
لم يصل إلى المدى المطلوب "في تحرير سياسات التسعير وبرامج الإنتاج، ومبيعات التصدير من الإشراف المركزي"(66). وقالت: إن هناك إجراءات أخرى في الطريق. وحين صدر القرار الجمهوري رقم 1167 لسنة 1975 بإنشاء المجالس العُليا للقطاعات (25 قطاعًا)، اعتبرت التقارير الدولية هذا القرار خطوة أخرى "لتحرير" القطاع العام، ولكنها (والشهادة لله) تحفظت على خروج بعض المشروعات الصناعية من دائرة وزارة الصناعة؛
إذ أصبحت صناعة الأسمنت ومواد البناء، تحت وزارة الإسكان والتعمير، وصناعة الورق تحت وزارة الثقافة. ويقول البنك الدولي: إن "حكمة هذا القرار ليست واضحة"(66).

في سياق الحديث عن خلخلة البناء المؤسَّسي للقطاع العام ـ قد نشير أيضًا إلى قرار الجمهورية رقم 262 (الصادر في مايو 1975) بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام؛ حيث أضاف مادة جديدة إلى قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام (1971) تنصُّ على أنه ".. يجوز أن يُحدِّد القرار الصادر بزيادة رأس مال الشركة - نصيبَ كلٍّ من القطاعين العام والخاص في الأسهم الجديدة، وفي هذه الحالة تكون أولوية الاكتتاب في الأسهم المخصصة للقطاع الخاص للعاملين في الشركة، فإذا لم تتم تغطيتها خلال شهر؛ طُرِح ما تبقَّى منها للاكتتاب العام". وقد عبرت (الطليعة) عن معارضة هذا القرار فور صدوره، فأوضحت "أن الأولوية في شراء الأسهم للعاملين في أيَّة شركة، هي مجرد مسألة شكلية؛ فالأغلبية الساحقة من العاملين، لا تجد فائضًا تشتري به حذاء وليس سهمًا، وحتى بالنسبة للإدارات العليا، فإن الشرفاء منهم الذين يعيشون على مرتباتهم، لن يجدوا فائضًا كبيرًا في حوزتهم. وعلى ذلك، فإن الاكتتاب الحقيقي، سيكون لأُناس من غير هؤلاء العاملين الكادحين". وكانت القواعد التنفيذية للقرار قد تضمنت أن الحد الأقصى للأسهم التي سيسمح للشخص الطبيعي بشرائها، لا يزيد عن 10 آلاف جنيه، "ولكن لم يوضح إذا ما كان هذا هو الحد الأقصى لقيمة الأسهم التي يجوز للفرد أن يملكها في كل الشركات، أو أن هذا هو الحد الأقصى الذي يجوز امتلاكه في شركة واحدة. كذلك فإن الحد الأقصى المسموح به للشخص، يَعني أن بوسع الأسرة أن تحوز أضعاف هذه الكمية. ثم ما هو الضمان أصلاً في ظل التسبب الحالي، أن يلتزم أصحاب الملايين بهذا السقف؟ وكيف سنتدخَّل (تدخلاً مشينًا) في محاسبة الناس في ظل (الانفتاح)؟ إن هذا الحد الأقصى الذي يتحدث عنه، لن يراعَى في الواقع، وبعد فترة، سيقال لنا: لنكن واقعيين،
ولا داعي لمثل هذه القيود السخيفة، وستكون فعلاً سخيفة؛ لأنها غير واقعية".

وقد توقعنا أن يؤدي منطق الأمور إلى إعطاء أولوية خاصة لمن يكتتبون بالنقد الأجنبي "فالقرار يقوم على أن هذه الشركات، تحتاج إلى تمويل توسعاتها، وتحتاج إلى سيولة تستخدمها في استيراد مستلزمات إنتاج.. إلخ، فإذا أعلن بالفعل أن الأولوية في الاكتتاب ستكون للمواطنين الذين يكتتبون بالنقد الأجنبي، فإن الخطوة الطبيعية التالية ستكون: وماذا إذا لم تكفِ مدخرات المصريين بالنقد الأجنبي؟ لا بد - إذن - من السماح للإخوة العرب والمستثمرين الأجانب بالمشاركة، هذا هو معنى (الانفتاح الاقتصادي)، وهذا هو مصير القرار في التطبيق، ودعونا من حكاية أولوية الاكتتاب للعاملين في شركة"(67).
وقد بادر الاتحادُ العام للعمال أيامها، إلى تشكيل لجنة خاصة لدراسة الموضوع (بناء على قرار من المجلس التنفيذي للاتحاد) وأعدت اللجنة مذكرة حول هذا الموضوع تضمنت عدَّة تحفُّظات؛ فقد طلبت المذكرة:
أن تقتصر المساهمة على الشركات المشتركة، التي يسهم فيها القطاع الخاص والأفراد؛ بمعنى: ألا يمتد هذا الإسهام إلى الشركات التي ينفرد القطاع العام وحده بتملكها، وأكدت المذكرة على ضرورة الالتزام الدقيق بأولويات بيع الأسهم التي نصّ عليها القرار الجمهوري؛ أي: للعاملين في الشركة أولاً؛ لأن "شركات القطاع العام ليست للبيع، وليست معروضةً لمشاركة القطاع الخاص فيها".
لا يترتب على زيادة رأس مال شركات القطاع العام التي يساهم فيها القطاع الخاص - خفضُ الحصة النسبية لمساهمة القطاع العام في رأس المال؛ كحد أدنى بالإضافة إلى ما يساهم به العمال في الاكتتاب في زيادة رأس المال.
أن يكون للمصريين - وحْدَهم - حقُّ الاكتتاب في الأسهم التي يتعذَّر تغطيتها باكتتاب العاملين.
ألا يكون للاكتتاب في زيادة رأس المال أيُّ مساس بمبدأ المشاركة في الإدارة، أو في قواعد تمثيل العاملين في مجالس إدارات هذه الشركات (68).
ويبدو من اتجاهات المذكرة، أنها كانت تحارب من خط الدفاع الثاني؛ فهي لم تطلب إلغاء القرار، ولكن حاولت أن تمنع توالي النتائج التي حذرت منها "الطليعة". ومعروفٌ الآن أن الهيئات الدولية ضغطت لاستصدار هذا القرار (في لحظة من لحظات الاختناق)؛ بحيث "يبدو أن بعض الوزراء كانوا مثلنا لا يدرون بأمر هذا القرار قبل أيام من إصداره. فتصريحات زكريا توفيق ـ وزير التجارة ـ وعيسى شاهين ـ وزير الصناعة ـ كانت في خط بعيد تمامًا عن اتجاه القرار الجديد، وهذا يفرض التساؤل الطبيعي: ما هو أسلوب العمل الذي تتبعه الحكومة، وكيف تتسلسل الدراسات؛ حتى تصل إلى قرارات داخل جهاز الحكومة الحالية؟" (67).
إلا أن الهيئات الدولية لم تكنْ راضية عن الصيغة التي صدر بها القرار؛ فأهدافها الحقيقية المتعجلة في إقرارها، كانت ـ بالتحديد ـ النقاط التي تحدثت عنها الطليعة، وحذر منها اتحاد العمال. والناطقون باسم هذه الهيئات في وسائل الإعلام المصرية، عبروا تمامًا عن هذه النية، وأهابوا "بإخواننا العمال مناقشةَ هذه النقاط مناقشة موضوعية، بعيدًا عن التعصب العَقَدِيّ، أو الشعور العاطفي" (69).
ولكن كيف برَّر المسئولون القرار؟ كانت هناك ثلاث حُجج تقدَّم:
"الحجة الأولى كانت تلحُّ على مسألة توفير السيولة. وبدلاً من تحمل الدولة لهذا العبء، يمكن للأفراد المقتدرين أن يساهموا في تقديم الأموال المطلوبة. "ولو كان هذا هو الهدف الحقيقي، وليس تغيير نوع ملكية الأنشطة الاقتصادية،
أو تصفية الدور المتميز للقطاع العام في إدارة الاقتصاد القومي، لو أن المسألة مجرد حل مشكلة مالية؛ لكان ممكنًا أن تلجأ الدولة، أو حتى شركات القطاع العام مباشرة، إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وطرح سندات عند الحاجة بدلاً من الأسهم، وفي هذه الحالة تحصل شركات القطاع العام على التمويل المطلوب، دون إرهاق الميزانية العامة،
أو الميزانية النقدية، وأيضًا دون تغيير في النظام الاقتصادي والاجتماعي، الذي يمثل القطاع العامُ محورَه الرئيسي.

حُجة ثانية تقول: ولكن أليس مناسبًا أن تُفتح بعضُ القنوات أمام مدخرات الأفراد؛ كي تخرج من تحت البلاطة، أو كي نحد من تبديدها في الاستهلاك التَّرَفي؟ وهذه حجة معقولة؛ خاصة وأن هناك طائفة من المصريين، تملك فعلاً مدخرات، ولكنها لا تعرف عالم الأعمال، ولا تعرف بالتالي كيف تستخدم هذه المدخرات استخدامًا استثماريًّا مُنتجًا؛ (المصريون العاملون في الخارج مثلاً).. الحجة – إذن - لها أساس، ولكن لمَ تكون هذه القنوات داخل القطاع العام القائم بالفعل؟! لماذا لا نشجِّع أصحاب المدخرات هذه، على الاكتتاب ـ أساسًا ـ في شركة جديدة؛ خاصة أو عامة؟ فهذا التوسع هو المطلوب والمفيد، لقد رحبنا دائمًا بمثل هذا التوسع؛ فنحن نؤمن بدور أصحاب الأعمال والأموال الوطنيين، الذين يعملون في مجالات الإنتاج، بنفس القدر الذي نحارب به الأنشطة الطفيلية، ولكن المسألة الأساسية هي: هل نحن نهدف إلى استمرار قيادة القطاع العام أو لا؟ إذا قلنا إننا نهدف إلى هذا؛ فإن قيادة القطاع العام تتطلب أن يكون ذا حجم مؤثر، وأن يسيطر على مفاتيح الاقتصاد القومي، ولا تكفي هنا النسب المئوية، فلا بد أن يكون قلب القطاع العام بعيدًا عن أحْصِنة طُروادة، التي تتمثل في مصالح المساهمين المتضاربة؛ فهذه الأحصنة ستشل من قدرة القطاع العام مهما عظم حجمه، ستحد من التزامه بقرارات وتوجيهات التخطيط المركزي.
الحُجَّة الثالثة تقول: إدخال المساهمين في ملكية شركات القطاع العام سيرفع من كفاءتها الإدارية والإنتاجية.. كيف؟ في البداية نذكِّر بحقيقة تقول - رغم كل تهويلات الدوائر الرجعية -: إن عدد الشركات الخاسرة في القطاع العام،
لا يتجاوز 10 شركات من بين 400 شركة قطاع عام. وأسباب الخسائر ـ في معظم الحالات ـ أسباب قهرية (منها شركات كانت تعمل في سيناء أو في مناطق التدمير والعدوان). ومع هذا يظل السؤال: كيف سيؤدي اشتراك المساهمين الأفراد في ملكية شركات القطاع العام، إلى رفع كفاءتها الإدارية الإنتاجية؟ ألا يقال إن حصة كل مساهم ستكون محدودة؟ ألا يُقال إن القطاع العام سيظلّ مالكًا لأغلبية الأسهم في كل شركة؟ إذن، سيظل القطاع العام - أو ستظل الدولة - صاحبة الكلمة الأولى في تعيين الإدارات، ولكن يبدو أن المقصود هو أن هذه الشركات، بعد طرح أسهمها للبيع والتداول في بورصة الأوراق المالية، ستتغير حوافزها على العمل، وستكون أسعار أسهمها في البورصة­­­- وبالتالي معدلات الربح المُحققة - مقياسًا مرئيًّا لنجاح الإدارة، وهذا صحيح؛ فلا شك أن استخدام سوق الأوراق المالية، واستخدام مقياس الربح كمقياس وحيد؛ إرضاءً للمساهمين الأفراد، سيغير كل المفاهيم عند الإدارات العليا، وعند المجتمع كله، نعم ستتنافس الإدارات في هذه الحالة تنافسًا مجنونًا؛ من أجل زيادة الأرباح بأي سبيل.

وأسهل السبل، هو الحدّ من المكاسب التي حصل عليها العاملون في شركات القطاع العام، خاصة وأن هذه الشركات لا بد ستطالب بأن يطبَّق عليها ما هو مُطبَّق بالفعل على الشركات المشتركة المُشكَّلة؛ وفْق قانون استثمار المال العربي والأجنبي. فهذه الشركات - حتى لو كان القطاع العام مشاركًا فيها - لا تخضع للوائح القطاع العام. والسبيل الثاني السهل هو زيادة الأسعار (وكثير من شركات القطاع العام كانت تحقق معدلات منخفضة من الربح؛ بسبب تحديد الدولة لأسعار منتجاتها).
ثم ماذا عن عبء العمالة الزائدة؟ إن التخلص منها سبيل ثالث لإثبات نجاح الإدارة في زيادة الأرباح (...) ولكن قد يقال إن السعار حول تحقيق الربح بأية وسيلة، لن يتم فقط وفق هذه التنبؤات المشئومة، فقد يتحقق أيضًا عبر زيادة الإنتاجية، والحد من الإسراف بكافة صوره، ولقد طالبنا دائمًا بزيادة فائض القطاع العام عبر هذا الأسلوب، هذا هو نوع التطوير الذي طالبنا دائمًا ونحن ندافع عن القطاع العام، فنحن ندرك أن إمكانيات القطاع العام لا تُستثمر إلى الحد الأقصى، ولكن إذا أردنا زيادة الأرباح في وحدات القطاع العام زيادة حقيقية من خلال الارتفاع بالإنتاجية، ومن خلال الحد من الإسراف والانحراف (وليس بأساليب القفز على مشاكل العمالة والأجور والأسعار) فإن الوسيلة المُثلَى تتحقق عن طريق إحكام التخطيط الشامل والمتابعة، فهذا التخطيط الشامل ومؤسساته المختلفة (وليس آليات السوق وسوق الأوراق المالية) هو الذي يخْلُق الظروف الخارجية الصحية لنمو الوحدة الإنتاجية. أمَّا بالنسبة للرقابة الذاتية داخل الوحدة الإنتاجية، فإن الوسيلة المُثلى، هي تعميق الديمُقراطية في الإدارة، وإتاحة الفرصة أمام العاملين للمشاركة في وضع البرامج ومتابعتها عن طريق لجان إنتاج حقيقية (وليس على أيَّة حال؛ بوساطة رقابة المليونيرات الجدد في الجمعيات العمومية التقليدية).
ومع ذلك، فإن الدعوة لمشاركة المساهمين في شركات القطاع العام لا تتجه إلى الشركات التي تشكو من سوء الإدارة، وهبوط معدل الأرباح؛ فهذه لن يُقبِل أصحاب المدخرات على الاكتتاب فيها، إن الدعوة إلى المساهمين ستوجه إلى الشركات التي تحقق أرباحًا مرتفعة، أي: التي
لا تشكو من سوء الإدارة. وقد سبق للدكتور أحمد
أبو إسماعيل أن أوضح هذا في جلسة مجلس الشعب (30 ديسمبر 1973) فقال: إن اللجنة (أي: لجنة الخطوة والموازنة) تقترح أخذ أسهم الشركات الرابحة، وعرضها للبيع؛ فنحصل بذلك على عملة أجنبية لتشغيل الطاقة العاطلة في القطاع العام، وذلك بدلاً من اللجوء إلى الاقتراض المصرفي، (ولا ندري لماذا بدلاً من اللجوء إلى الاقتراض غير المصرفي؟).

ليس الهدف – إذًا - إسهامَ أصحاب المدخرات في رفع الكفاءة الإدارية والإنتاجية لشركات القطاع العام. الهدف هو مجرد إشراكهم ـ دون مجهود، ودون مخاطرة ـ في الحصول على البيض الذهبي للدجاجة التي ربَّاها الشعب بكدح ونضال طويلين. وغدًا سيدعوهم الجشعُ إلى المطالبة بذبح الدجاجة نفسها. وساعتها.. أي: حين يُذبح القطاعُ العام تمامًا، فلن تكون الجماهير العاملة، وحدها هي الخاسرة؛ فأصحاب الآمال الرأسمالية أيضًا سيخسرون، ما داموا وطنيين، وإذا كانوا يهدفون إلى الإسهام في تنمية مستقلة وازدهار اقتصادي، فهؤلاء الرأسماليون الوطنيون يرتبط نماؤهم ومستقبلهم، كما يرتبط الاستقلال الاقتصادي، بنمو القطاع العام ودوره القائد" (67).
آثرت في الحقيقة أن أنقل قسمًا كبيرًا من مقال الاعتراض على القرار الجمهوري، والذي يسجل انفعال لحظة ساخنة من لحظات الصراع، ويبدو أنني أشرت في الفقرة الأخيرة إلى الدوافع الحقيقية للقرار؛ إذ كان المطلوب إصابة القطاع العام في القلب، وبالذات لأن القطاع العام ضرورة وطنية، بالإضافة إلى الاعتبارات الأخرى.
على أية حال اتسم موقف الحكومة في تلك الفترة بالتردد، سواء في صياغة القرار ـ كما أوضحنا ـ أو في إجراءات تنفيذه، فرغم تصريحات المسئولين عن قرب طرح أسهم للاكتتاب في زيادة رأسمال 26 شركة (16 شركة مشتركة + 10 يملكها القطاع العام بالكامل) لم تتخذ خطوة فعلية واحدة في هذا الاتجاه خلال 1975. ولكن كان مجرد صدور التعديل التشريعي، بالشكل المباغت الذي تحقق به، يعكس ثِقل الضغوط الخارجية، ولم تكن هذه الضغوط لتسمح بمواصلة تجميد القرار فترة طويلة.
د ـ نتناول بعد هذا القانون 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي والجهاز المصرفي (70) وهذا القانون تعرض لقسم من القطاع العام، كان قد شهد هجومًا مركزًا ومباشرًا من المستثمرين الأجانب. وأحاط بمشروع القانون حوار حاد خلف الكواليس، قبل عرض المشروع على مجلس الشعب (خاصة في اجتماعات اللجنة الاقتصادية للمجلس)، وأعلن أحمد فؤاد (رئيس مجلس إدارة بنك مصر): أننا قد فوجئنا جميعًا بهذا القانون، فلا البنك المركزي لديه علم به،
ولا البنوك أيضًا لديها علم بهذا القانون (71)، ويبدو أن زكي شافعي (وزير الاقتصاد آنذاك) تعمد هذه المفاجأة؛ لأنه كان يخشى في هذه المواجهة من مظاهري البنوك الأجنبية (والهيئات الدولية) الذين تدعَّمت مراكزهم في القطاع المصرفي بعد صدور قانون 43 لاستثمار المال العربي والأجنبي؛ سواء لإقصاء العناصر الوطنية، أو لتغيير البعض لمواقفهم استجلابًا للمنافع والغنائم، أحمد فؤاد مثلاً (وكان محسوبًا في السابق كعنصر وطني تقدمي) طالب في المناقشات بإنهاء العلاقة الخاصة بين بنوك القطاع العام وشركاته، وطالب أيضًا بتسليم 20 % من حصة الحكومة في البنوك المشتركة إلى القطاع الخاص. المهم، يشهد لوزير الاقتصاد في تلك الفترة أن مشروع القانون الذي تقدَّم به (تحت الضغوط الخارجية) كان استمرارًا لمحاولة "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، وكان لا يخرج عن الإطار العام الذي أعلن أيام حكومة عبد العزيز حجازي (72)، وحين أجبرت حكومة ممدوح سالم للتقدم رسميًّا بمشروع القانون، كان التشبث بهذا الإطار معركة، رغم أن المشروع سلم بالكامل في بعض النقاط التي يطلبها صندوق النقد (ومن معه)، وسلم جزئيًّا في البعض الآخر.

أطلق القانون يدَ البنك المركزي في تحديد أسعار الخصم وأسعار الفائدة الدائنة والمدينة، على العمليات المصرفية "دون التقيد بالحدود المنصوص عليها في أي تشريع آخر"
(م 7 ـ د)، وبالتالي تم إلغاء الحد الأعلى لأسعار الفائدة (المفروض في القانون المدني ـ 7 %)، وهذا الإجراء سبقته إجراءات متفرقة (73)، وليس مطلوبًا فرض سقف أبدي على أسعار الخصم والفائدة، ولا مانع طبعًا من المرونة في استخدام الأدوات النقدية، ولكنْ فارقٌ كبيرٌ بين أن يتم هذا الاستخدام في نطاق سياسة متكاملة تهدف إلى إنهاء سيطرة الدولة على الأسعار، وبين أن يكون الاستخدام في نطاق سياسة عامة تهدف أيضًا إلى اجتذاب المدخرات، وترشيد الائتمان، ولكن في نطاق تخطيط مركزي مستقل للأسعار، وفي نطاق الاعتماد على القطاع العام بشكل أساسي في عملية التنمية. وفي ظل الاختيار الثاني تظل أدوات سعر الخصم وسعر الفائدة ذات أهمية ثانوية، على عكس الحال في ظل الاختيار الأول، الذي يسعى صندوق النقد إلى فرضه الذي يركز على هذه الأدوات باعتبارها وسيلة هامة لفرض التبعية، والتعديلات المتتالية التي أدخلتها السلطات النقدية المصرية على أسعار الخصم والفائدة كانت - بهذا المقياس- تراجعًا غير منتظم أمام الضغوط، وكانت بالتالي جزءًا من نجاح الهيئات الدولية في فرض سياستها العامة.

والنقطة الثانية التي سلم فيها القانون تمثلت في تقنين إلغاء التخصص بين بنوك القطاع العام (القرار 2422)، وإطلاق حريتها في العمل كبنوك تجارية تتنافس مع البنوك المشتركة وفروع البنوك الأجنبية، وبالتالي إلغاء أي تنسيق أو تكتل بين بنوك القطاع العام، يحسن موقفها أمام البنوك الأجنبية، ويمكن من التخطيط المالي المركزي، وقد ارتبط بهذا إعفاء إدارات البنوك من الالتزام بالنظم والقواعد الخاصة بالعاملين المدنيين بالدولة، والخاصة بنظام العاملين بالقطاع العام. وهذه "المرونة" قيل أنها لتمكين البنوك المصرية من مواجهة المنافسة، ولكن منافسة البنوك الأجنبية في مجال المرتبات والمزايا مستحيلة عمليًا (في الظروف العامة التي كانت قائمة؛ ولذا كان "المكسب" الأساسي من هذا النص هو مجرد إحداث ثغرة جديدة في البناء التنظيمي للقطاع العام، وقد جاء في هذا الشأن أيضًا استثناء رؤساء وأعضاء مجالس إدارة بنوك القطاع العام من الخضوع لأحكام المادة 59 من قانون الشركات المساهمة لسنة 1954 (وكانت هذه المادة تمنع هؤلاء الأعضاء من عضوية مجلس إدارة بنوك أخرى)، فأصبح من حقهم الاشتراك في عضوية مجالس إدارة البنوك المشتركة، وهذا التعديل كان يحقق إخلالاً بولاء الإدارات العُليا في بنوك القطاع العام لهذه البنوك، لصالح البنوك المشتركة (مانحة المزايا الأعلى).
أما النقاط التي كان التسليم فيها جزئيًّا، فهي المتعلقة بتأكيد استقلالية البنك المركزي قبل الجهاز التنفيذي المصري، وهي مسألة محورية في تحرك الهيئات الدولية، وقد أوضح زكي شافعي (في مناقشات الكواليس) أن حرية البنك المركزي لا بد أن تكون مقيدة "فالبنك المركزي لا يمكن أن يكون دولة داخل الدولة، ولا معنى لما يقال حول أن تكون للبنك المركزي سلطةٌ مطلقةٌ، وطالب في المناقشة أن يؤكد القانون سرية الودائع والعملاء في البنك المركزي والبنوك التجارية. وكانت لجنة السياسات المالية والاقتصادية قد أوصت بأن لا يتبع البنك المركزي أيَّة وزارة، وأن يكون جهة الاختصاص في تحديد سعر الصرف الخارجي للعملة، وإذا كان القانون لم يأخذ بهذا الكلام، فإنه أكد العودة إلى أحكام قانون البنوك والائتمان (163 لسنة 1957) الذي صدر قبل تطورات الستينيات، ودعم هذه الأحكام بإضافات تضفي مزيدًا من الاستقلال الذاتي على البنك المركزي، وكان طبيعيًا مع نهج إلغاء المؤسسات العامة أن ينتهي العمل بالقانون الصادر عام 1964، والذي نص على قيام محافظ البنك المركزي بمهمة المؤسسة بالنسبة للبنوك التجارية.
إلا أن تخلص البنك المركزي من هذه الوظيفة، لم يكن مجرد جزء من عملية الإلغاء الكاسحة لكل المؤسسات؛ فالنية كانت تتجه إلى "تحرير" البنك المركزي، و"تحرير" بنوك القطاع العام من هذه الرابطة التنظيمية الخاصة، حتى لو لم تلغَ باقي المؤسسات العامة. أيضًا نص القانون على إسباغ قدْر من الحصانة على محافظ البنك المركزي، لم يكن يتمتع بها في السابق؛ حيث أصبح المحافظ يُعيَّن بقرار جمهوري لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد، ولا يكون قابلاً للعزل طوال مدة تعيينه الأصلية والمجددة. كذلك ألزم البنك المركزي بتقديم تقرير سنوي عن نشاطه، وعن ميزانيته خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية، إلى مجلس الشعب.

ولكن ظلت الهيئات الدولية تعتبر أنها لم تحقق النجاح المطلوب في موضوع البنك المركزي؛ ولذا لم تحظَ مواد القانون هذا بتقدير التقارير الصادرة عن صندوق النقد والبنك الدولي، كما حصلت "الإصلاحات" الأخرى في القطاع المصرفي.
هـ ـ إلا أن الحكومة واصلت، كما ذكرنا، وحتى آخر العام، رفض التخلي رسميًا عن سياستها من نسق الأسعار، بما في ذلك سعر الصرف، وقد أوضحنا - في العرض السابق - أن هذا القرار كان خلال عامي 1974، 1975، يفقد باطراد منطق أو إمكانية استمراره، فنتائج الممارسات الانفتاحية، قوضت فعليًا نسق الأسعار الرسمي، وأدوات الغزو والضغط التي امتلكتها الجهات الخارجية جعلت نجاح الصندوق تحويل "اعتراف الأمر الواقع" إلى "اعتراف قانوني" مسألة وقت. إلا أن الحكومة لم تقتصر مسئوليتها على الاستمرار في خلق الوقائع المُفضية إلى النتيجة المطلوبة، فقد اضطرت أيضًا إلى أن تخطو خطوة عملية مباشرة نحو الخفض الرسمي لسعر الصرف، حين توسعت في السوق الموازية حسب تصور صندوق النقد لاستخدام هذه السوق كمؤسسة رسمية تمارس التعامل على نطاق متزايد بسعر مخفض للجنيه.
كانت الحكومة قد وافقت في فبراير 1975 (في عهد حجازي) على إجراء خفض ثان في سعر الصرف داخل السوق الموازية، فأصبح الجنيه = 1.55 دولارًا، بعد أن كان منذ سبتمبر 1973 = 1.70 دولارًا (مقابل السعر الرسمي: جنيه = 2.56 دولارًا). ثم حدث خلال 1975، أن تحقق عبر السوق الموازية حوالي 45 % من صادرات العملات القابلة للتحويل من السلع والخدمات (التي تبلغ 1083 مليون دولار)، وكانت النسبة المقابلة عام 1974 لا تتجاوز 28.5 %، ولكن ظلت الواردات بالعملات الحرة من سلع وخدمات في حدود 8.5 % من إجمالي الواردات (التي تبلغ 4564 مليون دولار) (74)، ويكشف تقرير البنك الدولي أن الحكومة التزمت بتوسيع نطاق السوق الموازية بحيث تشمل استيراد كافة السلع، باستثناء سلع الاستهلاك الأساسية حتى عام 1977.
إلا أن رقم الاستيراد بأسعار ترتفع عن سعر الصرف الرسمي، ينبغي أن يضاف إليه ما يستورد من خلال الاستيراد بالتمويل الذاتي، وقد استمر هذا السوق (الثالث) في التوسع خلال 1975. كان هذا المجال يتسع في البداية 380 سلعة، ولا يحتاج المستورد إلى تراخيص إذا كانت قيمة الواردات أقل من 12800 دولار، ولكن في نوفمبر زادت التيسيرات، فأصبح ممكنًا استيراد أية سلعة، باستثناء قائمة من 28 سلعة (18 سلعة تمويلية + 10 سلع أرادت الحكومة توفير حماية لها). وقد قدرت قيمة السلع التي استوردت عن هذا الطريق في عام 1975 بحوالي 180 مليون دولار (مع احتساب الدولار بالسعر الرسمي)، ونعتقد أن هذا التقدير الرسمي، يقل كثيرًا عن الرقم الفعلي، ولكن ما يهمنا هنا هو أن هذا السوق كان ممارسة فعلية إضافية ومشروعة، للاستيراد بسعر مخفض للجنيه، بل كان سعر الجنيه في هذا السوق أكثر انخفاضًا من سعر السوق الموازية (وهذا طبيعي؛ لأنه يتضمن سوقًا سوداء للنقد تنافس السوق الموازية في الاستحواذ على موارد النقد الأجنبي)، وقدر سعر الجنيه في هذه السوق بأنه = 1.25 أو 1.42 دولارًا (مقابل 1.55 في السوق الموازية).
ولم يعد متصورًا خلال سنة 1975 وما بعدها أن استمرار هذه القناة الشاذة من قنوات الاستيراد نوع من التكتيك (إذا جاز وصدقنا أن هذا الاعتبار كان ضمن أسباب الإباحة في البداية)، فالصحيح أن هذه الممارسة للاستيراد المليئة بالفساد والمحققة للثراء الواسع السريع، اكتسب أصحابها ـ من ذوي النفوذ ـ تماسكًا يصعب اختراقه، وأصبحوا فئة يصعب التصدي لمصالحها، ويصعب في نفس الوقت الدفاع العلني عن استمرارها، الهيئات الدولية ـ بحساباتها الخاصة كما أوضحنا ـ كانت تعارض استمرار سوق الاستيراد بالتمويل الذاتي، وداخل الجهاز المصري كان مثيرًا للسخرية أن كافة المسئولين هاجموا هذا النوع من الاستيراد، فتقرير البنك المركزي طالب بصراحة بإعادة النظر في هذا النظام؛ لأنه يحجب جانبًا لا يُستهان به من التدفقات النقدية إلى السوق الموازية، التي كان يمكن أن تتم نتيجة تحويل مزيد من مدخرات المصريين في الخارج؛ ولذلك فإنه من المستصوب بحثُ أوضاع هذه السوق ابتغاء تنمية حصيلة السوق الموازية بطريقة فعالة (75)، نفس هذا الكلام، بنفس الحجج، كرره ـ في مناسبات مختلفة ـ وزير الاقتصاد (زكي شافعي) ووزير التخطيط (إبراهيم حلمي
عبد الرحمن) ووزير المالية (أحمد أبو إسماعيل)، بل ورئيس مجلس الوزراء (76)!

ولكن كان مع هذا النظام وزير التجارة (زكريا توفيق). وهذا الرجل كانت له تصريحات "طريفة" كلما جاءت سيرة الاستيراد دون تحويل عمله، فيوم أصدر قراره بإطلاق حرية هذا الاستيراد (باستثناء 28 سلعة) بشر المواطنين بأنه "سيسمح لأي مواطن بشراء سيارة من الخارج كل سنة ميلادية بعد أن كان مرور عام كامل على شراء السيارة الأولى شرطًا لاستيراد سيارة جديدة. يعني أن هناك فرصة أمام المصريين لشراء سيارة في ديسمبر مثلاً، وسيارة أخرى في يناير الذي يليه. ويمكن للمواطن الحصول على السيارة الآن دون السفر للخارج".. وبشكل عام "سيرى المواطن ويقتني ما كان محظورًا عليه من قبلُ، ويتمتع بما يتمتع به جيرانه في البلاد العربية. وسوف يقتني - وهو في بلده - ما كان يحرص على أن يشتريه من الخارج" (77).
وصرح في مناسبة أخرى "أن القاهرة قبل 20 عامًا كانت زاخرة بكل شيء، مدينة الذوق والموضات وملتقى الطبقات الراقية. أريدها مدينة مزدهرة، أسواقها مليئة بكل ما هو موجود في عواصم العالم المتحضرة" (78). و... في الحقيقية كنا نظنها نكتة أن ماري أنطوانيت تساءلت ببراءة لماذا لا يأكل الناس الجاتوه إذا تعذَّر وجود الخبز.
و ـ في ختام العرض للتغيرات المؤسسية التي أسهمت الجهات الأجنبية إسهامًا أساسيًا في إقرارها، نشير






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس