عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2008, 11:35 AM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: كتاب "الرحيق المختوم" ..والذي يتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

غزوة أحد



استعداد قريش لمعركة ناقمة

على اثر الهزيمة الساحقة التي منيت بها في معركة بدر و التي قتل فيها الصناديد و الأشراف، اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين تشفي غيظها و تروي غلة حقدها، و أخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.
و كان عكرمة بن أبي جهل ، و صفوان بن أمية و أبو سفيان بن حرب و عبد الله بن أبي ربيعة أكثر زعماء قريش نشاطا و تحمسا لخوض المعركة
و أول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان، و التي كانت سببا لمعركة بدر، و قالوا للذين كانت فيها أموالهم : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم ( ظلمكم) و قتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أم ندرك منه ثأرا، فأجابوا لذلك، فباعوها و كانت ألف بعير ، و المال خمسين ألف دينار ، و في ذلك أنزل الله تعالى: ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون).
ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين.


قوام جيش قريش و قيادته:

لما استدارت السنة، كانت مكة قد استكملت عدتها و اجتمع إليها من المشركين ثلاثة آلاف مقاتل من قريش و الأحابيش، إضافة إلى النساء اللواتي بلغ عددهن خمسة عشر امرأة.
و كان سلاح النقليات في هذا الجيش ثلاثة آلاف بعير ، و من سلاح الفرسان مائتا فرس ، جنبوها طول الطريق، و كان سلاح الوقاية سبعمائة درع. و كانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن حرب ، و قيادة الفرسان إلى خالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبي جهل.أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار.


جيش مكة يتحرك:

تحرك الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام نحو المدينة، و كانت الثارات القديمة و الغيظ الكامن يشعل البغضاء في القلوب، و يشف عما سوف يقع من قتال مرير.


الاستخبارات النبوية تكشف حركة العدو:

أسرع العباس بن عبد المطلب الذي كان يرقب حركات قريش و استعداداتها العسكرية بإرسال رسول الى النبي صلى الله عليه و سلم ، بعد تحرك جيش قريش، ضمنها جميع تفاصيل الجيش.
قرأ الرسالة على النبي صلى الله عليه و سلم، و هو في مسجد قباء، أبي بن كعب، فأمره بالكتمان ، و عاد مسرعا الى المدينة ليتبادل الرأي مع قادة المهاجرين و الأنصار.


استعداد المسلمين للطوارى:

ظلت المدينة في حالة استنفار عام لا يفارق رجالها السلاح حتى و هم في الصلاة، استعدادا للطوارى.
و قام الصحابة بحراسة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و قامت على مداخل المدينة و أنقابها حراسة مشددة خوفا من أن يؤخذوا على غرة، كما قامت دوريات من المسلمين برصد تحركات العدو.


الجيش المكي الى أسوار المدينة:

و تابع جيش مكة سيره على الطريق الغربية الرئيسية المعتادة.
ثم واصل سيره حتى اقترب من من المدينة، فسلك وادي العقيق، ثم انحرف منه الى ذات اليمين حتى نزل قريبا بجبل أحد، في مكان يقال له: عينين، في بطن السبخة من قناة على شفير الوادي-الذي يقع شمالي المدينة بجنب أحد، فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة.


المجلس الاستشاري لأخذ خطة الدفاع:

نقلت استخبارات المدينة أخبار جيش مكة خبرا بعد خبر حتى الخبر الأخير عن معسكره، و حينئذ عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلسا استشاريا عسكريا أعلى، تبادل فيه الرأي لاختبار الموقف، و أخبرهم عن رؤيا رآها، قال: " إني قد رأيت و الله خيرا، رأيت بقرا يذبح، و رأيت في ذباب سيفي ثلما، و رأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة"، و تأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون، و تأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، و تأول الدرع بالمدينة.
ثم قدم رأيه الى صحابته ألا يخرجوا من الكدينة و أن يتحصنوا بها، فان أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بشر مقام و بغير جدوى، و أن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، و النساء من فوق البيوت، و كان هذا هو الرأي. ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول- رأس المنافقين- و كان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء الخزرج.
غير أن جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاتهم الخروج يوم بدر و غيرهم أشاروا على الرسول صلى الله عليه و سلم بالخروج و كان في مقدمتهم عمه حمزة بن عبد المطلب.
و أمام حماسة الصحابة و الحاحهم ، نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند رغبتهم و استقر الرأي على الخروج من المدينة و اللقاء في الميدان السافر.


تكتيب الجيش الاسلامي و خروجه الى ساحة القتال:

صلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة، فوعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد، و أخبر أن لهم النصر بما صبروا، و أمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بذلك.
و قسم النبي صلى الله عليه و سلم جيشه الى ثلاث كتائب:
كتيبة المهاجرين، و أعطى لواءها مصعب بن عمير العبدري
كتيبة الأوس من الأنصار، أعطى لواءها أسيد بن حضير.
كتيبة الخزرج من الأنصار ، و أعطى لواءها الحباب بن المنذر.

و كان الجيش متألفا من ألف مقاتل فيهم مائة دارع، و لم يكن فيهم من الفرسان أحد.


استعراض الجيش:

عندما وصل الى مقام يقال له: " الشيخان" استعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشه، فرد من استصغره و لم يره مطيقا للقتال و كان منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب و أسامة بن زيد و غيرهم.


المبيت بين أحد و المدينة:

و في هذا المكان أدركهم المساء، فصلى المهرب و العشاء ، و بات هنالك، و اختار خمسين رجلا لحراسة المعسكر يتجولون حوله، و كان قائدهم محمد بن مسلمة الأنصاري ، بطل سرية كعب بن الأشر ف، و تولى ذكوان بن عبد قيس حراسة النبي صلى الله عليه و سلم خاصة.


تمرد عبد الله بن أبي و أصحابه:

قبل طلوع الفجر بقليل أدلج، حتى إذا كان بالشوط صلى الفجر، و كان بمقربة جدا من العدو ، فقد كان يراهم و يرونه، و هناك تمرد عبد الله بن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر- ثلاثمائة مقاتل- قائلا: ما ندري علام نقتل أنفسنا ؟ و متظاهرا بالاحتجاج بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك رأيه و أطاع غيره.
و لكن هدفه من وراء ما فعل هو إحداث البلبلة و الاضطراب في جيش المسلمين، في ذلك الظرف الدقيق، على مسمع و مرأى عدوهم، حتى ينحاز عامة الجيش عن النبي صلى الله عليه و سلم، و تنهار معنويات من يبقى معه و بذلك يتشجع العدو.
و كاد المنافق أن ينجح في تحقيق بعض ما كان يهدف إليه، فقد همت طائفتان- بنو حارثة من الأوس، و بنو سلمة من الخزرج- أن تفشلا ، و لكن الله تولاهما، فثبتتا، و عنهما يقول الله عز و جل:
( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا و الله وليهما و على الله فليتوكل المؤمنون 122)
آل عمران.


بقية الجيش الإسلامي الى أحد:

بعد هذا التمرد و الانسحاب، قام النبي صلى الله عليه و سلم ببقية الجيش- و هم سبعمائة مقاتل- ليواصل سيره نحو العدو، و كان معسكر المشركين يحول بينه و بين أحد في مناطق كثيرة، فقال: " من رجل يخرج بنا على القوم من كثب من طريق لا يمر بنا عليهم". فقال أبو خثيمة: أنا يا رسول الله، ثم اختار طريقا قصيرا الى أحد يمر بحرة بني حارثة و بمزارعهم، تاركا جيش المشركين الى الغرب.
و نفذ رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقبلا المدينة، و جاعلا ظهره الى هضاب جبل أحد، و على هذا صار جيش العدو فاصلا بين المسلمين و بين المدينة.


خطة الدفاع:

عبأ رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشه، و هيأهم صفوفا للقتال، فاختار منهم فصيلة من الرماة الماهرين ، قوامها خمسون مقاتلا، و أعطى قيادتها لعبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري الأوسي البدري، و أمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الشمالية من وادي قناة- و عرف فيما بعد بجبل الرماة- جنوب شرق معسكر المسلمين، على بعد حوالي مائة و خمسين مترا من مقر الجيش الإسلامي.
و الهدف من ذلك هو ما أبداه رسول الله صلى الله عليه و سلم في كلماته التي ألقاها الى هؤلاء الرماة، فقد قال لقائدهم:" انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك" و قال للرماة: " احموا ظهورنا، فان رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، و إن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا"، و في رواية البخاري أنه قال: " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، و إن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم"..
أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، و جعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن الأسود، و كان الى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد، و جعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين و رجالاتهم المشهورين بالنجدة و البسالة، الذين يوزنون بالآلاف.تتجلى عبقرية قيادة الرسول صلى الله عليه و سلم العسكرية في هاته الخطة الحكيمة و الدقيقة جدا التي وضعها. و لا يمكن لأي قائد مهما تقدمت كفاءته أن يضع خطة أدق و أحكم من هذه.
و هكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة ثلاثة هجرية.


الرسول ينفث روح البسالة في الجيش:

نهى الرسول صلى الله عليه و سلم الناس عن الأخذ في القتال حتى يأمرهم، و ظاهر بين درعين ( أي لبس درعين)، و حرض أصحابه على القتال و حضهم على المصابرة و الجلاد عند اللقاء، و أخذ ينفث روح الحماسة و البسالة في أصحابه.


تعبئة الجيش المكي:

أما المشركون فعبأوا جيشهم حسب نظام الصفوف، فكانت القيادة العامة الى أبي سفيان صخر بن حرب الذي تمركز في قلب الجيش، و جعل على الميمنة خالد بن الوليد- و كان إذ ذاك مشركا- و على الميسرة عكرمة بن أبي جهل، و على المشاة صفوان بن أمية، و على رماة النبل عبد الله بن أبي ربيعة.أما اللواء فكان الى مفرزة من بني عبد الدار.


مناورات سياسية من قبل قريش:

حاولت قريش قبيل نشوب المعركة إيقاع الفرقة و النزاع داخل صفوف المسلمين. فقد أرسل أبو سفيان الى الأنصار يقول لهم: خلوا بيننا و بين أبن عمنا فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا الى قتالكم.و لكن أين هذه المحاولة أمام الإيمان الذي لا تقوم له الجبال، فقد رد عليه الأنصار ردا عنيفا، و أسمعوه ما يكره.
و اقتربت ساعة الصفر،/ و تدانت الفئتان، فقامت قريش بمحاولة أخرى لنفس الغرض عن طريق عميل خائن يسمى أبا عامر الفاسق- و اسمه عبد عمرو بن صيفي، و كان يسمى الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم الفاسق، و كان على رأس الأوس في الجاهلية، خرج الى الأنصار لينفث سمه و يحضهم على أن ينفضوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن إيمانهم القوي حال دون وصول هذا الخائن الى غرضه.
و هكذا باءت كل محاولات قريش الرامية الى إحداث الفرقة بين المسلمين بالفشل.


جهود نسوة قريش في التحميس:

قامت نسوة قريش بنصيبهن من المشاركة في المعركة، تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، فكن يتجولن في الصفوف، و يضربن بالدفوف، يستنهضن الرجال و يحرضن على القتال، و يثرن حفائظ الأبطال، و يحركن مشاعر أهل الطعان و الضراب و النضال، فتارة يخاطبن أهل اللواء فيقلن:


وبها بني عبد الدار
وبها حماة الأدبار
ضربا بكل بتار

و تارة يأززن قومهن على القتال و ينشدن:


إن تقبلوا نعانق
و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق.


أول وقود المعركة:

تقارب الجمعان و تدانت الفئتان، و آنت مرحلة القتال، و كان أول وقود المعركة حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، و كان من أشجع فرسان قريش، يسميه المسلمون كبش الكتيبة. خرج و هو راكب على جمل يدعو الى المبارزة، فأحجم عنه الناس لفرط شجاعته، و لكن تقدم إليه الزبير و لم يمهله ، بل وثب إليه وثبة الليث حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض فألقاه عنه و ذبحه بسيفه.
و رأى النبي صلى الله عليه و سلم هذا الصراع الرائع فكبر، و كبر المسلمون و أثنى على الزبير، و قال في حقه:" إن لكل نبي حواريا، و حواري الزبير".


ثقل المعركة حول اللواء و ابادة حملته:

ثم اندلعت نيران المعركة، و اشتد القتال بين الفريقين في كل نقطة من نقاط الميدان، و كان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، فقد تعاقب بنو عبد الدار لحمل اللواء بعد قتل قائدهم طلحة بن أبي طلحة.
و بعد ابادة عشرة من بني عبد الدار ممن تعاقبوا على حمل اللواء، تقدم غلام لهم حبشي- اسمه صؤاب- فحمل اللواء و قاتل ببسالة فاق بها مواليه حتى تقطعت يداه فبرك على اللواء بصدره حتى قتل و هو يقول: اللهم هل أعززت؟ يعني هل أعذرت؟
و بعد قتل هذا الغلام، سقط اللواء على الأرض و لم يحمله أحد.


القتال في بقية النقاط:

و بينما كان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، كان القتال المرير يجري في سائر نقاط المعركة، و كانت روح الإيمان قد سادت صفوف المسلمين ، فانطلقوا خلال جنود الشرك انطلاق الفيضان تتقطع أمامه السدود، و هم يقولون: "أمت، أمت" كان ذلك شعارا لهم يوم أحد.
أقبل أبو دجانة معلما بعصابته الحمراء، آخذا بسيف رسول الله صلى الله عليه و سلم، مصمما على أداء حقه، فقاتل حتى أمعن في الناس، و جعل لا يلقى مشركا إلا قتله، و أخذ يهد صفوف المشركين هدا.
و قاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الليوث المهتاجة، فبالإضافة الى مشاركته الفعالة في ابادة حاملي لواء المشركين، فعل الأفاعيل بأبطالهم الآخرين، حتى صرع و هو في مقدمة المبرزين، و لكن لا كما تصرع الأبطال و جها لوجه في ميدان القتال، و إنما كما يغتال الكرام في حلك الظلام.


مصرع أسد الله حمزة بن عبد المطلب:

يقول قاتل حمزة وحشي بن حرب: كنت غلاما لجبير بن مطعم، و كان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش الى أحد قال لي جبير: انك ان قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس – و كنت حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطى بها شيئا- فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة و أتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس هدا ما يقوم له شيء. فو الله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني اذ تقدمني إليه سباع بن عبد العرى فلما رآه حمزة قال له: هلم إلي يا بن مقطعة البظور- و كانت أمه ختانة- قال فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه.
قال و هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في ثنته- أحشائه- حتى خرجت من بين رجليه، و ذهب لينوء نحوي فغلب، و تركته و إياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت الى العسكر فقعدت فيه، و لم يكن لي بغيره حاجة، و إنما قتلته لأعتق، فلما قدمت مكة عتقت.


السيطرة على الموقف:

برغم هذه الخسارة الفادحة التي لحقت المسلمين بقتل أسد الله و أسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، ظل المسلمون مسيطرين على الوقف كله. فقد قاتل الأبطال من الصحابة أمثال أبو بكر و عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و غيرهم قتالا فل عزائم المشركين ، و فت في اعضادهم.


من أحضان المرأة الى مقارعة السيوف و الدرقة:

و كان من الأبطال المغامرين يومئذ حنظلة الغسيل- و هو حنظلة بن أبي عامر، و أبو عامر هو الراهب الذي سمي بالفاسق، و الذي مضى ذكره قريبا- كان حنظلة حديث عهد بالعرس، فلما سمع هواتف الحرب و هو على امرأته انخلع من أحضانها، و قام من فوره إلى الجهاد، فلما التقى بجيش المشركين في ساحة القتال أخذ يشق الصفوف حتى خلص إلى قائد المشركين أبي سفيان، و كاد يقضي عليه لولا أن أتاح الله له الشهادة، فقد شد على أبي سفيان ، فلما استعلاه و تمكن منه رآه شداد بن الأسود فضربه حتى قتله.


نصيب فصيل الرماة في المعركة:

و كانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى الله عليه و سلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح الجيش الاسلامي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفاسق ثلاث مرات ليحطموا جناح الجيش الإسلامي الأيسر، حتى يتسربوا إلى ظهور المسلمين فيحدثوا البلبلة و الارتباك في صفوفهم و ينزلوا عليهم هزيمة ساحقة، و لكن هؤلاء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثلاث.


الهزيمة تنزل بالمشركين:

هكذا دارت رحى الحرب الزبون، و ظل الجيش الإسلامي الصغير مسيطرا على الموقف كله حتى خارت عزائم المشركين، و أخذت صفوفهم تتبدد عن اليمين و الشمال و الأمام و الخلف، كأن ثلاثة آلاف مشرك يواجهون ثلاثين ألف مسلم لا بضع مئات قلائل، و ظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة و اليقين.
و أخذت قريش في الانسحاب، و لجأت إلى الفرار و نسيت ما كانت تتحدث به في نفسها من أخذ الثأر و الوتر و الانتقام، و إعادة العز و المجد و الوقار.


غلطة الرماة الفظيعة:

بينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخرى نصرا ساحقا على أهل مكة لم يكن اقل روعة من نصر بدر، و قعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما ، و أدت إلى خسائر فادحة في ، و كادت تكون سببا في مقتل النبي صلى الله عليه و سلم.
فعلى الرغم من الأوامر التي وجهها الرسول صلى الله عليه و سلم إلى هاته الفرقة، لما رأى هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض: الغنيمة الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟
أما قائدهم عبد الله بن جبير، فقد ذكرهم بأوامر الرسول صلى الله عليه و سلم، و قال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه و سلم؟
و لكن الأغلبية الساحقة لم تلق لهذا التذكير بالا، و قالت: و الله لتأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. ثم غادر أربعون رجلا أو أكثر من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، و التحقوا بسواد الجيش ليشاركوه في جمع الغنائم. و هكذا خلت ظهر المسلمين، و لم يبق فيها الا ابن جبير و تسعة أو أقل من أصحابه و التزموا مواقفهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا.


خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش الإسلامي:

انتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة الذهبية، فكر بسرعة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة الجيش الإسلامي ، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير و أصحابه إلا البعض الذين لحقوا بالمسلمين، ثم انقض على المسلمين من الخلف، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشركون المنهزمون بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين، و أسرعت امرأة منهم و هي عمرة بنت علقمة الحارثية- فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب، فالتف حوله المشركون و لاثوا به، و تنادى بعضهم بعضا، حتى اجتمعوا على المسلمين، و ثبتوا للقتال، و أحيط المسلمون من الأمام و الخلف، ووقعوا بين شقي الرحى.


موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ في مفرزة صغيرة- تسعة نفر من أصحابه- في مؤخرة المسلمين، كان يراقب المسلمين و مطاردتهم المشركين، إذ بوغت بفرسان خالد بن الوليد مباغتة كاملة، فكان أمامه طريقان: إما أن ينجو- بالسرعة- بنفسه و بأصحابه التسعة إلى ملجأ مأمون، و يترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدور، و إما أن يخاطر بنفسه فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله، و يتخذ بهم جبهة قوية يشق بها الطريق لجيشه المطوق إلى هضاب أحد.
و هناك تجلت عبقرية رسول الله صلى الله عليه و سلم و شجاعته المنقطعة النظير، فقد رفع صوته ينادي أصحابه: "إلي عباد الله " ، و هو يعرف أن المشركين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، و لكنه ناداهم و دعاهم مخاطرا بنفسه في هذا الظرف الدقيق.
و فعلا فقد علم المشركون فخلصوا إليه، قبل أن يصل إليه المسلمون.


تبدد المسلمون في الموقف:

أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إلا أنفسها، فقد أخذت طريق الفرار، و تركت ساحة القتال، و هي لا تدري ماذا وراءها؟ وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها، و انطلق بعضهم إلى ما فوق الجبل.
و رجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين، و التبس العسكران فلم يتميزا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض.
و بينما الناس في هاته الفوضى و الارتباك، إذ سمعوا صائحا يصيح : إن محمدا قد قتل، فطارت بقية صوابهم، و انهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من الأفراد، فتوقف من توقف منهم عن القتال، و ألقى بأسلحته مستكينا، و فكر آخرون بالاتصال بعبد الله بن أبي- رأس المنافقين- ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان. و مر بهؤلاء أنس بن النضر، و قد ألقوا ما بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم..(بقية الحديث في صحيح البخاري).
و بمثل هذا الاستبسال و التشجيع عادت إلى جنود المسلمين روحهم المعنوية، و رجع إليهم رشدهم و صوابهم، فعدوا عن فكرة الاستسلام أو الاتصال بابن أبي.


احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه و سلم:

و بينما كانت تلك الطوائف تتلقى أواصر التطويق، و تطحن بين شقي رحى المشركين، كان العراك محتدما حول رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد ذكرنا أن المشركين لما بدأوا عمل التطويق لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا تسعة نفر، فلما نادى المسلمين:" هلموا إلي، أنا رسول الله" ، سمع صوته المشركون فعرفوه ، فكروا إليه و هاجموه، و مالوا عليه بثقلهم قبل أن يرجع اليه أحد من المسلمين، فجرى بين المشركين و بين النفر التسعة من الصحابة عرك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب و التفاني و البسالة.





نسأل الله أن يتقبل منا ان شاء الله و أن يجمعنا مع الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس