عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2008, 03:50 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الشخصية في الفن المصري بين الحرفة والهواية2


الاتجاه الثاني (1958-1972)
أما الاتجاه الثاني فكان يضم مجموعة من الفنانين هي بمثابة "نتاج" لعملية التحول الاجتماعي ذاتها،


ولكنها ليست من أسباب بعثها مثلما جرى عليه حديثا في السابق حول مجموعة الاتجاه الأول.
إن الشعارات الوطنية التى أخذت الثورة على عاتقها مهمة نشرها وتحقيقها، قد استطاعت أن تفرز لنفسها مؤيديها على نطاق واسع. وبعد أن كانت قضية النضال الوطني الأساسية هي التحرر من الاستعمار الأجنبي، فإنها قد تحولت بعد طروحات الثورة الى قضية محورها هو البحث عن بنائيات الشخصية المصرية. ومادام أنه من العسير نظرياً، وعملياً، التنقيب عن هذه "الشخصية" من خلال المفاهيم الاصطناعية – قبل الخمسينيات – التى كانت تقدم واقعاً كاذباً، وحقيقة مختلفة لمجموعات المشاهدين، فقد جرى التوجه بالضرورة إلى البحث عن ماهية الينابيع التى يمكن الارتكاز على عناصرها في صياغة فن مصري يحمل مقومات العصر، وتكون ملامه من موجبات الشخصية.
كان الفارق دقيقا، والاختلاف شاسعاً بين المجموعة الأولى التى تمثل "الاتجاه الأول"، وبين المجموعة الثانية التى تمثل "الاتجاه الثاني"، وذلك لثلاثة اسباب :
أ*- في الاتجاه الأول، كان الفن مستنداً على عوامل أساسية من بينها حسن النية، وتلقائية التعبير، وطبيعة المهمة المطلوبة. باختصار كان نوعاً من ردود الفعل التى استوجبتها الضرورة. على حين أ، مجموعة الاتجاه الثاني لم تكن تصدر تعبيراتها عن ردود أفعال بقدر ما كان فنها واعياً بمهمته، وربما متعمداً في بعض الحالات.
ب*- كانت مجموعة الاتجاه الأول في مواجهة محتل أجنبي مع عمليات متواترة من الغزو الفني والثقافي والفكري، على حين أن مجموعة الاتجاه الثاني كانت متحررة من تلك الوقاعد التقليدية لمفهوم النضال، في حضور حكم وطني مصري، يعالج هو بنفسه الأفعال مباشرة، وردود الأفعال على السواء.
ج- كانت مجموعة الاتجاه الأول جزءا من بين عناصر التجهيز لحركة التحول الاجتماعي، على حين أن مجموعة الاتجاه الثاني كانت فرزاً من صميم التحول ذاته.
وكما قلنا في السابق، فإن المهمة كانت شائكة ودقيقة، برغم وحدة الهدف. فقد كانت فكرة "التراث" في حد ذاتها غامضة، ومعقدة، كما أن "التحديث" نفسه كان قضية شديدة الخطر. فكيف كان يمكن الدمج،وتجنب الدمج. وكيف كان يمكن أن يتم ذلك تلقائياً من دون "اصطناع" لسياق الابتكار. كيف كان يمكن أن يتم اللقاء بين "التراث والتحديث" بعيداً عن "الاعتقاد"، ودون تكريس قوي مستنير لفكرة الابداع ذاتها،ولفكرة التجهيز لشخصية فنية وطنية – في وقت واحد – على مسطح العمل الفني. كيف كان يمكن استعارة التقنيات القاعدية لصنع الفن، تلك التى استلزمتها أشواط بعيدة،وتطورات زمنية وموضوعية وطبيعية لمجتمع مختلف، وإحلال هذه التقنيات على نفس الخلق الذي قامت عليه في أجزاء من تراث مجتمع آخر، وكيف يبدو العمل الفني ناطقاً بلغات الزمن الحديث، ويكون التعبير فيه شجياً ووشيجاً بتراث صانعه.
لم تكن القضية "رياضية" حتى يمكن بث الحلول على القواعد. وإنما هي كانت قضية "إنسانية".وكانت الصعوبة هي في محاولات تذليل الغموض الانساني حتى تنكشف للفنان القاعدة "الاحتمالية" لذلك المنطق الرياضي الخبىء للمدرك الانساني. فإن "مهمة" التراث والتجديد" التحرر من السلطة بكامل أنواعها، سلطة الماضي، وسلطة الموروث،00 فلا سلطان إلا للعقل تلك كانت القضية.
بالأحرى، المأزق الذي سقط فيه جانب من الفنانين، بسبب عدم دراية البعض كلية بطبيعة "الاشكالية"، وبسب نقص فاعلية "التنوير" عند البعض الثاني، أما عند البعض الثالث فقد كان ذلك بسبب الاتجار.
المنبع الأول :
اللجوء الى الريف والقرية المصرية، التي كانت وماتزال محتفظة بخمائرها، وتقاليدها الراسخة، ومحصنة ضد يأسها وعذابها، بالأسس الحضرية الضاربة في أعماق الزمن.
كانت العادات، والتقاليد،والسلوك اليومي، ومفهوم العقيدة، والزواج، والموت، والميلاد، والاعياد، والملاحم،والغناء والحصاد، وتقديس النيل، 00 مع مختلف الغيبيات العالقة في الذاكرة المزدحمة، هى بذاتها "المتاهل" التى تمثل العنصر البنائي الحي للشخصية المصرية كما رآها أصحاب ذلك المنبع الأول. وفوق ذلك جميعه، كان هنالك "الفلاح المصري"، الذي أخذ يمثل ظهوره الطاغي على الحياة الفنية، حالة من التحدي والكبرياء لطبيعة المفاهيم التي كانت تعمل جاهدة على نبذ، وازدراء الفلاح المصري كما لو كان مواطناً من الدرجة الدنيا لا يستحق – حتى – مجرد الالتفات.
فلعله كان طبيعياً آنذاك أن يظهر – من بين من ظهر – جمال السجيني، وكمال خليفة، ومحمد حسين هجرس، وأحمد عبدالوهاب، وآدم حنين، وأنور عبدالمولى، وصالح رضا، في ا لنحت -، ومصطفى احمد، وجاذبية سرى، وجمال محمود، وعمر النجدى ، وجورج البهجورى، ورفعت احمد، وفاروق شحاته، ومصطفى الرزاز، وفؤاد تاج فى التصوير والحفر، الى جانب "أمومة" نحت، بروزنز، للفنان جمال السجيني المجموعة التى أطلقت على نفسها اسم "جماعة التجربيين، سعيد العدوى، مصطفى عبد المعطى، ومحمود عبدالله" بالاسكندرية.
بل لعله كان طبيعياً أن يخرج هؤلاء من جعبة المجموعة السابقة، وأن يتجاوزوا الطبيعة والواقع، فيلتحما معا كأفران رسالة وطريق.
في ذلك الوقت، أنجز جمال السجيني تمثاله الشهير "الأمومة"، ومجموعات أخرى متتالية للمطروقات النحاسية المعلقة. لايهم هنا كيف كان السجيني في تمثال الأمومة هذا قريبا الى معالجات هنرى



مور(1898) حين استخدم الفراغ – لأول مرة – في صميم الحجم والكتلة، على اعتبار أنه عنصر للجمال، وحين استخدم ذات الملامس والثنيات الدائرية في حذر متعمد لتلافي الكسور الحادة في العمل على مثل ما يفعل "مور"، 00 لا يعنينا ذلك الآن كثيراً، بقدر ما يعنينا اختيار السجيني لهذه الأم الجالسة القرفصاء على نسق يصعب أن يكون لغير أم مصرية جالسة على حالها ومآلها في بلاد الفلاحين. فلقد نحتها السجيني كالنصب القدسي. فإذا وقفت أمامها، فإنه لن يكون هنالك من سبيل سوى الاحتفاظ لها بالقدر العالي "لماهية" فلاحة مصرية هي أم، وامرأة في نفس الوقت. لا يعنينا هنا الا قدر التعظيم الذى ضمنه السجيني لمعنى الفلاحة مع كونها أما عطاءة تضم طفلاً.
وبينما قد عمر النجدي المتاهي الشعبية، وجو الكتاتيب، وحفظه القرآن الكريم وهم جالسون على "مصاطب" القرية، كان صالح رضا قد أنجز منحوتته الشهيرة أيضا "عروس النيل"، ثم "الأسرة المصرية"، تلك التى كان ملتزماً فيها على نحو أو آخر بالطابع السلفي السكوني في منحوتات مصر القديمة. وآنذاك كانت جاذبية سرى قد أخذت تبرز في سياق لوحاتها الجميلة حالة وصفية شجية للألعاب الشعبية في حواري الفقراء، وأنجزت في ذلك الوقت "لعبة السيجة"، و"لعبة الحجلة"، و"أولاد الحارة" في حين ظل جمال محمود، ورفعت أحمد – مع آخرين – وفيان لمواسم الحصاد، ورقصة الحصان والتحطيب، والأعياد الشعبية في رسومهم.
المنبع الثاني :
اللجوء على الفن المصري القديم "الفرعونية"، على اعتبار أنه استنباط لجماليات لا تقبل الجدل. بل إنه قضية منتهية لا سبيل إلى انكار منابعها وأصولها. ولم يكن يضير أولئك الفنانون كونهم خطابيون، بقدر ماكان يعنيهم الزهو باقنعتهم، على أساس أن الفن الذي يقدمونه – من هذا المعنى – كاف للتعبير عن الشخصية المصرية. غير أن "الشخصية المصرية" من هذا المنبع كانت تحتاج الى كثير من النظر، والتدقيق. ذلك أن الفن المصري القديم استلزمته عوامل غيبية عديدة، وظروف موضوعية، وهو فن سكوني غير قابل بطبيعته "للقص"، و "اللزق" مثل فنون إنسانية أخرى. لقد كانت محاولات التعبير للخروج من مأزق الشخصية المصرية عن طريق تحديث الفن المصري القديم، هي محاولات تنبىء عن مدى العجز الثقافي الذى منة به أصحاب هذا المنبع، 00 ذلك أنهم وجدوا أنفسهم وقد أصبحوا موشكين على الاعلان عن إفلاسهم. فالاتجار بالفن عن طريق ابتزاز مشاهديه لم يقدر له إلا أن يقوم بدوره المحتوم، وهو الكشف عن خبيئته، وتعرية مراميه. ذلك أن المسكنات التى جرت على العمل الفني بغرض تحديثه من خارجه، قدأزاحت الستار عن الجانب التلفيقي، كما وأن المسكنات الأخرى التى جرت على العمل من داخله لم تقدم للمشاهدين فاعلية يرتكن عليها، سوى اعادته مرة أخرى الى أصوله من حيث جاء.
المنبع الثالث :
اللجوء الى المقومات الجمالية للعنصر القومي في الفن الاسلامي. وحين جرى ذلك اللجوء، فقد كان جانب منه هو نوع من رد الفعل في مواجهة "الهزيمة"1967، أما الجانب الآخر منه، فقد كان محاولة جدية لتدبير يقظة الفنان في مواجهة إهدار قيمه ومواريثه. وبالتالي الى تعليق هويته القومية حتى حدود التجميد.
ثمة إذن ذلك التشابه القائم بين دوافع المجموعة الأولى التى تمثل "الاتجاه الاول" إجمالا، وبين دوافع هذه المجموعة في المنبع الثالث من "الاتتجاه الثاني"، مع فارق امتيازها بالإرادة الفتية ممثلة في "الاختيار"، وبالتوجه الفني ممثل في "التصميم" بانتخاب وتنقية عناصر بعينها.
كان من بين هذه المجموعة يوسف سيده، ورمزي مصطفى، وأبو خليل لطفى، وطه حسين وعمر النجدي، وسليم، وفتحي جودة،وكمال السراج، ومحي الدين حسين.
كان الأمر ممكنا، لأنه كان ببساطة "محتمل".
وهو كان "محتمل" بسبب اختيار هذه المجموعة لفكرة العنصر القومي ممثلة في جماليات الفن الاسلامي بوجه عام. إن "الممكن" و"المحتمل" هنا، يفسرها الانتقاء الواعي "لمشروع" قابل بطبيعته لاستيعاب أزمنة محدثة متلاحقة، من الزاوية الجمالية، والتقنية البحتة.
فالفن الاسلامي هو بطبيعته فن "توازني". يحمل خواص "المد والجزر" و"القص واللصق" دون أن تصاب جمالياته – باعتباره موروث – بالضرر. كما وأن مفرداته لها قابلية التجسيم والتطويع، والتحويل والتحوير، والفرز والضم، والتربيع والتدوير. فهو فن قائم على "فرضية" أصولية في منهج الفن، ومرتكز على قاعدية بنائية الطابع في منهج التصميم. فأبلغ مافيه هو نقطة، وأقصى مافيه هو دائرة، وأهم مافيه هو قدرته على أن يكون كياناً صحيحاً مستقلاً، ومتحرراً، من سلطان العقيدة.
والفارق بينه وبين الفن الفرعوني هو فارق في جوهر المنهج الانساني. فعلى حين أن الفن الاسلامي هو "جزئي" بنائي الطابع، فإن الفن الفرعوني هو "كلي" سكوني، يستساغ بكامله، أو يترك بكامله على حاله.
ومادامت المحاولة كانت "ممكنة" و"احتمالية" فإن "المخاطرة" عن طريق التحديث كانت مستساغة. فالخشية الوحيدة لم تكن واردة إلا حين يكون الحد الأدنى من قيمة المعيار الثقافي والتقني والابتكاري لصاحب هذا النوع من التوجه، غير ضامنة للقبول بهذا التحدى.
هذا التحدى الذى هو صيغة عصرية – بديلة للقديم – من أجل الوصول الى شخصية مصرية القالب وقومية الطابع في الفن المصري.
خاتمة الاتجاه الثاني :
لقد كان هنالك إذن توجه من نوع مختلف توجه نحو الشخصية المصرية عن طريق وضع عناصر أبطالها مرة واحدة فوق المسروح. لم يكن الأمر هيناً في طريق تذليل المصاعب أمام تلك المجموعة الهامة من الفنانين المصريين. فإن المجموعة الأولى "صاحبة الاتجاه الأول" – كانت قد احتلت المواقع، وحازت على قسط من التوفير الجماهيري، والاحترام العني. كان عليهم أن يلوذوا بحماية المجموعة الأولى صاحبة الاتجاه الأول سعياً وراء الاعتراف.
إن التناقض الوحيد بينهما كان زمانياً، وموضوعياً، وفيما عدا ذلك فإن الاندماج معهم كان ممكناً، ومرحلياً فإنه كان – ربما – محتوماً.
ثمة سياق إذن.
وثمة تنافس على فكرة الوطن ذاتها، قد بدأ ومادام الحال كذلك، فإن "الهواية"كانت قد أخذت تفقد مقوماتها الصلبة القديمة، في السبيل الى أن تكون هواية محايدة، هواية في ذاتها، هواية أحادية المدلول والصناعة من دون أن يكون لها شأن فيما يتعلق بمعنى الانحطاط أو النبل. هواية هي قريبة الى الحرفة، ولكنها بالقطع ليست الحرفة ذاتها. ذلك أن الدولة كانت هي جامع اللوحات الوحيد لمتحق الفن.
الاتجاه الثالث : (1955-1970)
أما الاتجاه الثالث فهو ذلك الذي استمر قائماً منذ النصف الثاني من الخمسينيات حتى نهاية الستينيات كلها على الأقل. وقد ضمن ذلك مجموعة متناقضة الى حد بعيد من الفنانين المصريين، حين ظل انتمائها للفلسفات، وللافكار المغايرة، ولحركة التحول الاجتماعي القوية، دون حسم واضح، ودون موقف محدد. كان بعضا منهم قد صرح علانية بازدرائه لفكرة "الشخصية المصرية" على اعتبار أنها نقيض لفكرة "الحرية". فالشخصية المصرية كانت في نظرهم سياق مبالغ فيه الى درجة التزمت الفاضح، بل انه في نظرهم ليس إلا حالة هروبية تذهب الى حد إغلاق الأبواب والنوافذ، بل والى حد تجميد العقل. وبالتالي فإنها تحكم بالموت على معنى الفن الرفيع، وتكرس النفاق الذى هو ضد الحرية في صالح مجموعة من الأفكار "الرجعية" لمناهضة التقدم، ولفرض حصار على مفهوم "الفن العالمي".
كانت هذه المجموعة تضم فنانين تجريديين، وانطباعيين، وتأثريين، وواقعيين مدرسين في وقت واحد، ومع أنهم كانوا مختلفين الى حد التناقض، والعداء في المنهج الفني، إلا أنهم بوجه عام كانوا يتبنون نفس الأفكار، ونفس الوفاء العلني لمفهوم الحرية، باعتبار أن الغرب هو النموذج، وبأن الغرب هو صيغة لامندوحة منها لابتكار الفنان، وبأن هذه الصيغة وهذا النموذج هما السبيل الى العالمية.
وباستثناء فنان مثل سيف وائلي، فليس هناك مفر من ذكر فنانين مثل رمسيس يونان، وفؤاد كامل، ومنير كنعان، ومصطفى الأرناؤوطي، وراتب صديق، ومحمد صبري، وصبري راغب. على اعتبار أنهم ممثلون رئيسيون لطبيعة الأفكار والتوجهات السالفة في إشكالية التعبير الفني.
وبينما كان البعض يرى نفسه منتميا بالضرورة الى شريحة عالية القدر من "الإيليت" المصري، فإن البعض الآخر كان قد أثر استخلاص جانب هروبي واضح عن طريق تمجيد الجماليات الكائنة في الطبيعة ذاتها، أو رسم أشخاص جالسين، أو فتاة تقرأ في كتاب، أو منظر من أسبانيا، او رسم آنية بجوار نافذة مفتوحة.
وعلى حين كان فؤاد كامل ورمسيس يونان، يتبنيان نزعة من المنطق الثقافي – المستنير، وانحيازا علنيا – في نفس الوقت – للتقنية الغربية، فإنهما كانا بارعان في التحدث أيضا عن القضية الثقافية، وكذلك عن الشخصية المصرية سواء بسواء.
كانت قضية "الفن للفن" قد صعدت على الساحة بوجه عام، وعادت تلك المقولات الغامضة حول الفن "لغاية في ذاته" تتحسس الطريق للاعلان عن نفسها، كما عادت فكرة "الفن الملتزم" كرد فعل أيدولوجي معاكس – من البعض الآخر – لتزايد الأمر سوءاً، وتعقيداً.
ومع ذلك فإنه كان من الغريب أن نرى معظم أعضاء هذه المجموعة ممن حازوا على التقدير الرسمي الوافر، وربما كانوا هم أنفسهم من أوائل من منحتهم الأجهزة الرسمية المعنية مايعرف بـ "منحة التفرغ الفني"، ووضعتهم من حيث الرواتب – خلال منتصف الستينيات نفسها – في مكانة عالية بصورة أو بأخرى.
وثمة ايضا مادفع عديداً من الهيئات الدبلوماسية وممثليها، وبعض الجاليات الأجنبية، على الاقبال على اقتناء أعمال هذه المجموعة بطريقة تكاد تكون متعمدة على نحو واضح، بحيث يتم احتضان شريحة من الفنانين ممن ينتمون الى مايعرف "بالثقافة الرفيعة". هذه الثقافة التى هى في نظر أولئك المشترون كفيلة بالتعبير عنهم هم أنفسهم بصورة اساسية.
لقد كان الهدف – على مايبدو – هو محاولة الابقاء على النمط ، أو هو – على الاصح – محاولة لتحويل الابتكار – مهما كان تقييمنا لمنطلقات هذا الابتكار – الى نموذج، وقالب صنمي يصعب التحرر منه.
إن المقتني، وجامع اللوحات، بداً يتأهب لأن يكون هو نفسه صانع العمل، وخالقه. ففي بقعة يخلو فيها كيان متحضر لنظام جامعي اللوحات، فإن الساحة تكون نهياً لأخطار "قطاع الطرق" ممن هم قادرون على ممارسة الوصاية، وربما النصح أيضا لعملية صنع الفن ذاتها.
الأغراض الربحية بين الهواية والحرفة (من 1973)
وفيما بين عامي 1973 –1983 كان الصراع خشناً وقاسيا. كانت الاتجاهات السالفة واللاحقة قد اختلطت مع بعضها البعض منذ أوائل السبعينيات، ثم بدأت الأفكار الأولى لتحالفات المصالح. وباستثناء فنانين هامين مثل فرغلي عبدالحفيظ وأحمد نوار، وجانب قليل للغاية من بعض شباب الفنانين التالين لهما، فإنه لم يعد الفن، أو الأسلوب، أو التوجه، أو الالتزام، أو الحرية، أو الانتماء، أو التراث، أو الجمال، أو الاخلاق، معياراً لصنع الفن – أيا كانت المعايير – وإنما صارت محاوراً لتحالفات تسوسها المصالح الذاتية، وتحكمها التطلعات الناجمة عن تصادم الأضداد.
وبدأ الحال كما لو كنا قد عدنا إلى زمن الجاهلية، وحرب الطوائف، حين أخذ العامدون وغيرهم، تساندهم مؤسسات كاملة، يهدرون يوماً بعد يوم وظيفة الفن الأساسية. تلك الوظيفة التى هي "إعادة اكتشاف الحياة والواقع"و"إعادة صياغة الحياة والواقع" – وهو تعبير وإن كان يبدو غامضا ومعقداً وشائكاً، إلا أنه هو السبيل الوحيد لترتيب التقدم، ولصنع الحضارة.
لقد ساعد على هذا إهدار الخطير، ذلك الانسحاب الجماعي الصامت – منذ العام 1974 – من قبل مجموعات الفنانين الجادين، أولئك الذين كانوا قد تحملوا على عواتقهم مهمات حيوية وثقيلة في السابق، وكانوا مؤهلين – على نحو أو آخر – لمواصلة الدور بصورة فعالة وعملية.
آنذاك بدأت مجموعة من صالات عرض الفن التجارية تفتح أبوابها في مواقع عديدة راقية في وسط القاهرة، والمعادي، ومصر الجديدة، والهرم، ومدينة نصر، ومدينة المهندسين وجاردن سيتي والزمالك بالقاهرة، ورشدي والعجمي بالاسكندرية، بل إن الأمر تعدى ذلك الى افتتاح صالات لعرض الفن في الشقق السكنية ذاتها.
ولم يكن هناك ثمة اعتراض على مثل هذا الإحلال الجديد، فإن ضرورته هى في الواقع شديدة الاعتبار بالنسبة للفن ، بالنظر الى مضاره المتوقعة، لولا أن جانيا كبيرا منها لم يكن متسلحاً بالتأهيل الأدنى لفكرة إدارة الفن، وللقسط الواجب من المعرفة الثقافية والتقنية حول المهمة المعقدة التى تتطلبها حقيقة الواقع في شخصية مالك صالة العرض الفني ذاته.
لقد كان الغرض"ربحياً" في أغلب الأحوال، ومظهرياً نفعياً في أحوال أخرى، وأما ماعدا ذلك – أي الفن والفنان والمجتمع – فإنه كان قد تم ترتيبها باعتبارها كياناً ثانوياً، بل ودراستها باعتبارها"مشروعا للجدوى”. لم يكن غريبا أن يتحلل جانب لا يستهان به من الفنانين المصريين – في تلك الحقبة الزمنية – من التزاماتهم الأخلاقية، ويقفون فجأة في طابور الانتظار الطويل، آملين أن يجيىء الوقت حتى تدرج أسماءهم في مشاريع الجدوى هذه، بل ,ان ينسحب ذلك على أعمالهم فيتحولون من الابتكار الى النمط المراد، وأن يصيروا "فرضية" من صنع العميل، بدلاً من أن يكون العميل هو كيان من صنعهم هم.
آنذاك أصبحت الساحة نهباً مشاعاً لمجموعات طالعة من الفنانين المصريين، وهم مهمومون بعامل الريح دون أن يكون ولاؤهم الأساسي موظفاً لعملية صنع الفن ذاتها.
وأحكم الحصار مرة أخرى، حتى صارت حركة الفن ذاتها مهددة في صميمها الأكيد بأن تنصهر وتتحول – الى ذلك الانتاج الكمي لما يعرف بـ "فن الباتيك" بعد أن حاز في زمن قصير – كما لو كان بديلا للفن – على قسط كبير من الانتشار المصطنع والتدليل الزائف.
بل إن الحال وصل في مرات عديدة، ببعض صناع الحرف الى حد أنهم وجدوا الأمر مستساغاً، واختاروا لذلك أفضل قاعات العرض الحكومية، دون أن يخامرهم الشعور بالإثم أو الغضاضة.
صار الجو إذن خانقاً حين أهدرت الهواية، واسقطت .
وأما "الحرفة" 00 فبعيدة
ومازال الشوط أمامها بعيداً.
وأما الطريق غليها فيعوزه هو أيضا طريق آخر، ووسيلة أخرى.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس