عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2010, 11:39 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: كنوز معمارية مصرية رووعة

21- حلوانى بودرو

يحكي 100 سنة من ذكريات «الجريك» في الإسكندرية




في واحد من أعرق المحال اليونانية في مدينة الإسكندرية المصرية، «حلواني بودرو»، تستقبلك لوكيا فيرليس بعينيها الزرقاوين وابتسامة رقيقة ناطقة بالعربية «أهلا وسهلا»، وهي تمثل الجيل الثالث للجالية اليونانية «الغريك» التي كان عدد أفرادها في بداية القرن التاسع عشر يساوي نصف عدد سكان الإسكندرية.. لوكيا ولدت في هذه المدينة المطلة على البحر المتوسط، إلا أن حياتها بعد التأميم في مصر أيام ثورة يوليو (حزيران) 1952 ظلت معلقة بين الإسكندرية واليونان. ومنذ فترة بسيطة فكرت في أن تعيد أمجاد أجدادها وتعيد افتتاح المحل مرة أخرى بعد أن أغلق لمدة 50 عاماً.






وبافتتاح المحل من جديد عاد ليقدم الفلوجيريس، وهي حلوى يونانية عبارة عن رقائق البقلاوة المحشوة باللوز والسكر والقرفة والكعك المدقوق، وكومبوت الكرز «جيليكو كيراسي»، وكذلك الحلوى التركية التي اشتهر بها «إكيميك أتايف»، وهي عبارة عن كنافة عليها كريمة لباني ومكسرات، أو «زابليون»، ومعها قهوة «مازاجران» ذات النكهة المتميزة. ويمكنك الاستمتاع بتناول الكرواسان والميلفي والبسكويت والمخبوزات الفرنسية مع قدح من الشاي وأنت ترمق الحياة اليومية في أحد أهم شرايين مدينة الإسكندرية؛ شارع سعد زغلول بمحطة الرمل، إلا أنك لن تستمتع في المساء، كما كان يحدث في الزمان الغابر، بموسيقى الرمبتيكا اليونانية العنيفة والعالية ولن تكسر الأطباق رقصاً، وفي الصباح لن ترى سيدات يرتدين القبعات والفراء والأحذية ذات الكعوب العالية يتجولن للتبضع، أو رجالا يدخنون السيجار ويرتدون الثياب الأنيقة وهم ذاهبون للمضاربة في البورصة أو لعقد صفقات تجارية، بل سترى بعض السائحين من جنسيات مختلفة وأناسا بسطاء وموظفين في الطريق لعملهم وباعة جائلين وسيارات فارهة في لوحة تعكس تناقضا صارخا وفجوة كبيرة بين طبقات المجتمع المصري.






كان «بودرو» ملتقى للأدباء والشعراء، فقد كان كفافيس وصديقه تيمون مالاتوس وداريل وفورستر من أهم زواره، كما كان المكان المفضل للباشوات لاحتساء القهوة. وشهد مقابلات رجال الأعمال وكبار التجار من اليونانيين والأتراك والإيطاليين الذين كانوا يعيشون في الإسكندرية، ليحمل المحل بين أركانه الكثير من الحكايات وتعطيه صور الإسكندرية القديمة عبقا خاصا يتماشى مع الديكورات الأصلية للمحل التي تعود لمائة عام.





تحكي لوكيا تاريخ المحل العريق وتقول: إن هذا كان أول محل يفتتحه جدي جورج دميتري فيرليس في 20 فبراير (شباط) عام 1909، وكان مقيما في منطقة الإبراهيمية، وسماه «بيتيت تريانو»، وفي سنة 1929 سافر والدي يورغوس فيرليس، لباريس لكي يكون «شيف باتسيري»، وكان مشهورا بالتورتات التي كان يقدمها بأشكال جميلة، وكنا نقدم بروغرامات لأشهر المغنيين اليونانيين وكانت تأتي فرق استعراضات معروفة جدا، بعد ذلك اشتروا «جراند تريانو» الموجود حاليا تحت فندق متروبول وبدأوا في التوسع وعملوا شراكة مع عائلة قسطنطينيدس وبيريكوس، وبعد ذلك، في السبعينيات، بعد وفاة والدي، فصلنا الشركة بيننا وبينهم وبعد الانفصال سميناه بودرو.




يشتهر بودرو بحديقة غناء تظللها كرمة عنب عتيقة عمرها نحو مائة عام، وفي الحديقة يمكنك تجربة الجيلاتي بنكهاته المتعددة، أو تناول الأرز باللبن والعصائر الطازجة. تشير لوكيا إلى الحديقة وتترحم على الماضي الجميل وتقول «لو كانت هذه الكرمة تتكلم لكانت أخبرت عن جمال أيام زمان».




تتابع لوكيا متذكرة: «أنا حاليا مقيمة في إسكندرية لأنها البلد اللي اتولدت فيها، وعشت فيها أيام طفولتي وشبابي أفتكر إن كل حفلات عيد ميلادي كنت بعملها هنا في المحل وباعزم فيها صديقاتي، وكانت كل


واحدة من زميلاتي في المدرسة والدها صاحب محل من المحلات اللي في نفس الشارع أو في شوارع قريبة، فمثلا المحل اللي قدامي ده كان بتاع أبو صحبتي وكان اسمه (نيكولايزو) وكان يبيع الطوابع القديمة والنادرة، لكنهم سافروا وباعوا المحل، حتى معظم صديقاتي سافروا في بلاد مختلفة منهم لسه عايشين في اليونان، لكن كل سنة نتجمع كلنا مرة تانية في إسكندرية علشان نعيد ذكرياتنا الجميلة». وتستطرد لوكيا: هذا المحل شاهد على قصص حب جميلة، وكان في ركن جنينة المحل الخلفية يتجمع كل الذين يحبون بعضهم، وكثيرا ما رأيت أحدهم يطلب يد صاحبته ويعلنا الخطوبة هنا، حتى أنا نفسي تعرفت على زوجي أبو أولادي هنا، زوجي عمه هو ادموندو كاسيماتيس صاحب محلات مينرفا للملابس، وهو رئيس النادي اليوناني البحري الآن.




تقول لوكيا: «كان المحل يقدم بوفيهات التورتات والحلويات وأنواع الجاتوهات، وأفتكر أن العساكر أيام الحرب العالمية الثانية كانوا بيجو يشربوا هنا، لدرجة إن في مرة دخل المحل ضابط انجليزي على الحصان بتاعه».




ومن الأحداث الأليمة التي تتذكرها لوكيا عندما تم تكسير المحل في مظاهرات 7 مارس (آذار) عام 1946، والتي كتبت عنه جريدة الأهرام أن محل جوانيدس وتريانو طلبا من محكمة الأمور المستعجلة في القضاء المختلط إثبات حالة محليهما وتقدير ما أصاب كلا منهما من الضرر أثناء المظاهرات، وعرضت القضية على المحكمة، فتولى المحاميان فاتمبلا وبيريدس المطالبة بإثبات الحالة، وكانت من أكبر القضايا التي دفعت فيها الحكومة تعويضا كبيرا عن الخسائر.




وتقول لوكيا: «من الأحداث المؤلمة التي مر بها بودرو حريق كبير دمر المحل من أوله لآخره أشعله بعض الشبان سنة 1947 وكتبت عنه الجرائد اليونانية والمصرية، وكانت في أحداث الشغب اللي كانت في البلد وقتها، ولما ساءت الأوضاع بعد كده وعملوا التأميم سافرنا اليونان، لكن حبنا لاسكندرية كبير جدا علشان كده قررنا نرجع تاني».




تدير لوكيا المحل مع ابنها الأصغر أليكس، 23 سنة، فهي تعتبر أن المحل ثروة ويجسد تاريخ عائلتها ويحمل ذكريات حلوة وأخرى أليمة من الصعب التفريط فيها. وهي تجد كل أصحاب المحال المصريين من حولها غاية في التعاون يطمئنون عليها من حين لآخر ويساعدونها عند احتياجها لأي شيء. وبعودة الحياة مرة أخرى لبودرو ربما يجد السكندريون سلوى لنوستالجيا الإسكندرية الكوزموبوليتانية التي تغنى بها الشعراء وروتها أقلام الأدباء.








آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس