إحضار الجثث وأسعارها والدروس الخصوصية يوميات طبيب4
تطرقت فى الحلقات السابقة الى اليوم الأول فى قسم التشريح ومشاعرنا كطلبة طب
عند رؤية الجثث لأول مرة فى حياتنا ..ثم كيف بدأنا فى تشريح الجثة وخطوات التشريح
على مدار عامين كاملين ..ثم تطرقت الى حكم الدين فى تشريح الجثث وانتهاك حرمة الموتى ..
أما فى هذه الحلقة فأتناول كيف كان قسم التشريح يتحصل على الجثث ..كانت هذه الجثث
لأناس ماتوا دون ظهور أقرباء لهم ..سواء كانوا قد ماتوا فى المستشفى أو الشارع أو السجون..
أى إنهم أناس فقراء كانوا مرضى أو متسولين فى الشوارع أو عليهم أحكام يقضون حكمها فى السجون
وبالتالى هم كانوا مهملين فى الحياة وكانوا مهملين أيضا بعد مماتهم ..بل أستطيع أن أدعى أن موتهم كان
أفيد للبشرية أكثر من حياتهم ..حيث أن جثثهم قد أصبحت موهوبة للعلم دون موافقة مسبقة منهم..
وكأن فقرهم أو تسولهم أو اجرامهم أثناء حياتهم كان رخصة موافقتهم على أن تكون جثثهم هبة للعلم والتعليم..
هذا بالنسبة الى جثث المشرحة وهى جثث مجانية ..ولكن ماذا عن جثث الدروس الخصوصية ..لقد كان
ثمن الهيكل العظمى فى أوائل الثمانينات يتراوح بين 10 جنيهات الى 15 جنيها حسب حالة وجودة
الهيكل العظمى ..أما الجثة كاملة فكان سعرها يتراوح بين 100 الى 150 جنيه حسب الحالة والجودة ..
أعتقد أن الجثث الآن قد تضاعف ثمنها ..ويمكنك حساب السعر من معرفة الفرق فى أسعار كيلو اللحم
عند الجزار فى أوائل الثمانينات وسعر كيلو اللحم اليوم فى عام 2010
أما جودة الهيكل العظمى والجثة فكانت تقاس بمدى الصفة التشريحية للجسد فمن غير المعقول
أن يكون الجسد الطويل المفتول العضلات وذو البنيان العظمى القوى حيث يكون التشريح واضح المعالم
..مثل جسد هلفوت ضعيف البنية وصغيرالعضلات حيث يكون التشريح أقل وضوحا ..
أما شراء الجثة فكان يتم عن طريق عم صالح حارس المشرحة ..والذى يستعين بسماسرة نبش القبور..
وهناك من كان يشترى الجثة بالتقسيط ..بمعنى أنه يشتري الأعضاء عضوا عضوا ..وليس جسدا كاملا ..
فيمكن شراء ذراع أو ساق أو صدر وبطن أو رأس وبذلك يتمكن من تسديد الثمن على فترات ..
فكان سعر الذراع 10 جنيه وسعر الساق 10 جنيه وسعر البطن والصدر معا 50 جنيها
وسعر الرأس والرقبة 30 جنيها..
وأحيانا يتم التعاقد مع مدرس التشريح فى كلية الطب على الدرس الخصوصى بالجثة أى أن المدرس يكون مسؤول
عن إحضار الجثة وطبعا يكون مصاريف الدروس أعلى ..أما إذا كان الدرس الخصوصى من غير جثة..
أى أن الطلبة تكون مسؤولة عن احضار الجثة فيكون ثمن الدرس أقل تكلفة..وهناك درس تشريح خصوصى من غير جثة..
أى درس نظرى من غير جثة ألبته ..فيكون ثمن الدرس أقل وأقل ..
لكن المشكلة كانت ليست فى الحصول على الجثة ..عارفين المشكلة كانت فين ..؟؟؟
المشكلة كانت فى نقل الجثة من البائع الى المنزل الذى سوف يتم فيه الدرس ..لأنك معرض للمسائلة القانونية
إذا تم اكتشاف الجثة معك ..بل وقد يتم إتهامك بالضلوع فى جريمة وتكون نهاية مستقبلك على يد هذه الجثة ...!!
بل والمصيبة الأكبر هى حفظ الجثة فى مكان أمين ..حتى يتم الإنتهاء من دراستها على مدى عامين ..يالهوى
ده الموضوع مابقاش دراسة بس .. ده بقى مخاطر خاصة بنبش القبور ونقل جثة والاحتفاظ بها دون رخصة
بمعنى أنه لو تم الإبلاغ عنك سوف تذهب فى حيص بيص ..
طبعا عم صالح حارس المشرحة كان على صلة بسماسرة الجثث الذين هم بدورهم على علاقة بنابشى القبور ..
بمعنى أن الجثة تتنقل وكأنها صناديق خضار تنتقل من الفلاح الى تاجر الجملة الى تاجر التجزئة ثم الى الزبون
اللى هو طالب الطب .. علاقة غريبة بين العاملين فى القبور والعاملين فى كلية الطب ..وأبواب رزق وناس بتاكل عيش
على قفا الأموات التى ليس لها أهل .. وهى قبور الفقراء وقبور الصدقة على أغلب الظن ..لأن ليس لها أصحاب
يسألون عن موتاهم..وكيف يسألون عنهم بعد مماتهم وقد نسوهم أثناء حياتهم ..
وإلى الحلقة القادمة ..وكيف كان الطلبة والطالبات يتعاملوا مع الجثث وقصص غريبة فى المشرحة لن تصدقها
***
منقوووووووول للفائدة