عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2010, 12:25 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

إن هذه المهام تنفى ما يكال إلى الستينات وما أتت به من اشتراكية وما قادت إليه كدستور من اتهامات وهى تظهر أن الكفاءة الاقتصادية وتوفير أسس المنافسة والتوجه نحو التصدير ليست بالاكتشافات الحديثة على نحو ما يصوّره أصحاب ما يسمى بالنداء الجديد فالشعار المرفوع كان :" الكفاية والعدل " حيث تسبق الكفاية 0 والكفاية تؤخذ أحيانا بمعنى الكم ، حتى يتم إنتاج ما يكفى ، وتؤخذ أيضا فى الوقت نفسه بمعنى الكيف ، أى كفاءة الأداء ، وهو ما أعطى للكفاية الإنتاجية موقعا متميزا 0 وطالما أنه قد ثبت عدم القدرة على الاعتماد على رأس المال الأجنبى ، فى شكل قروض أو مشاركات ، فإن المصدر الرئيسى لتوفير العملات الأجنبية كان هو الصادرات المصرية ، بدءا بقناة السويس كما أن المصدر الأساسى للمعرفة الفنية هو القدرات الذاتية والتعامل المتكافئ مع العالم الخارجى، وهى المهمة التى تولاها القطاع العام ، وكان عليه أن يثبت جدارته فيها 0
إذا كان هذا هو تفكير عبد الناصر فى أعقاب صدور القوانين الاشتراكية ( 1961 ـ 1964 ) وإقرار ميثاق العمل الوطنى فى مايو1962 فإن هذا يشير إلى أنه عندما قامت الدولة بتأميم القطاع الخاص وأصبحت مسئولة عن إدارته ، أتضح مدى ضعف ذلك القطاع وعجزه عن التنافس العالمى ، إذ نشأ فى ظل حماية جمركية مرتفعة ، معتمدا على السوق المحلية فى المقام الأول ،على الجانب الآخر فإن ما اتسم به الجهاز الإدارى من تعقيدات وميل إلى الفساد فى العهود السابقة على الثورة جعلت عملية النهوض بهذا الجهاز ضرورة حتمية ، لذلك نجد أنه بينما كانت القيادة السياسية حريصة خلال الستينات على الالتزام بقواعد الإدارة الاقتصادية السليمة ، فإن جمود الجهاز الإدارى وميله إلى توسيع سلطاته والدخول فى تفاصيل تعرقل حركة قطاع الأعمال ، حالت دون ترجمة الفكر السياسى إلى واقع عملى 0 وقد طالب خطاب رئيس الوزراء إلى مؤتمر الإدارة بتغيير المفاهيم الاجتماعية ، وهز الجهاز الحكومى والعمل على تجنب تخلف خطة الإصلاح الإدارى عن خطة الإصلاح الإقتصادى والكفاية الإنتاجية حرصا على إنجاح التنمية الاقتصادية ، فإذا كان هذا هو واقع الجهاز الإدارى فى ظل قيادة سياسية حكيمة ، فإن التساؤل يثور حول مغزى تسلط هذا الجهاز على هيكل الإنتاج من خلال ما يسمى مسئولية الحكومة عن تسيير القطاع العام 0 واقع الأمر أن ملكية الشعب لهذا القطاع لا تعنى أنه يتحول تلقائيا إلى ملكية الحكومة كجهاز إدارى ، غير منتخب من الشعب ، حتى ولو كانت القيادة السياسية ذاتها ممثلة للشعب ، فأمام هذه القيادة كل من الجهاز الإدارى والقطاع العام مسؤولان عن تحقيق الخطة التى تتم بموافقة الشعب ، والتى تقوم الأجهزة الشعبية برقابتها ومتابعة تنفيذها 0 ولا يجوز تطبيع أجهزة القطاع من مؤسسات وشركات للجهاز الإدارى بدعوى أن الأخير هو النائب عن الشعب فى الملكية 0 ولقد اتضحت خطورة هذا الافتراض عندما تولت الأمور حكومات منبتة الصلة بالشعب ، فاعتبرت القطاع العام ملكا لها تتصرف فيه كيف شاءت 0 وأدى تسلط الجهاز الإدارى على الإدارة من ناحية ، وعلى الملكية بواسطة موظفين كل همهم الحصول على مكافآت حضور الجمعيات العمومية من جهة أخرى ، على استلاب قدرة القطاع العام على اتخاذ القرارات السليمة ، ومن ثم اتهامه بأنه فاسد بطبيعته ، وأنه عاجز عن تحقيق المبرر الأساسى لإقامته وهو التنمية 0
ولم يكن إيقاف العمل بالخطة الخمسية الثانية يعنى إنهاء الأخذ بمنهج التخطيط ، فقد ظل التخطيط السنوى مستمرا معتمدا على إطار خطة السنوات العشر الذى جاء مقدمة الخطة الخمسية الأولى 0 ثم جاءت النكسة سنة 67 فغيرت الأوضاع الداخلية والخارجية ، وفى بيان 30مارس 1968 قال جمال عبد الناصر " قبل الآن لم يكن فى مقدورنا أن ننظر إلى أبعد من مواقع أقدامنا فقد كنا بعد النكسة مباشرة على حافة جرف معرض للانهيار فى أى وقت ، ولم يكن من الممكن فى تلك الظروف وضع خطط طويلة الأجل ، وكان من الضرورى حشد قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية وراء أهداف نضالنا القريبة والبعيدة ، أى وراء واجب المعركة ووراء إتمام بناء المجتمع الاشتراكى الذى حققنا منه كثيرا ، وينبغى أن نحقق منه أكثر 0 وإذا كان الاستعداد للمعركة قد حظى بالأولوية الأولى ، فإنه اقترن بإعادة بناء القوات الاتحاد الاشتراكى على الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة 0 ثم تأتى المهمة الثانية وهى " تدعيم عملية بناء الدولة الحديثة فى مصر " 0 والدولة الحديثة لا تقوم بعد الديموقراطية إلا استنادا على العلم والتكنولوجيا ، ولذلك فإنه من المحتم إنشاء المجالس المتخصصة على المستوى القومى ، سياسيا وفنيا لكى تساعد على الحكم ، وإلى جانب مجلس الدفاع القومى فإنه لابد من مجلس اقتصادى قومى يضم شعبا للصناعة والزراعة والمال والعلوم والتكنولوجيا ، ولابد من مجلس اجتماعى قومى يضم شعبا للتعليم والصحة وغيرها مما يتصل بالخدمات العامة المختلفة ، ولابد من مجلس ثقافى قومى يضم شعبا للفنون والآداب والإعلام 0 وأن رئيس الجمهورية يباشر مسئولية الحكم بواسطة الوزراء وبواسطة المجالس المتخصصة التى تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية بما يحقق إدارة الحكومة عن طريق التخصص واللامركزية 0 أما المهمة الثالثة فكانت إعطاء التنمية الشاملة دفعة أكبر فى الصناعة والزراعة لتحقيق رفع مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة ، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وعلمية " واهتم عبد الناصر أيضا " بتوجيه جهد مركز نحو عمليات البحث عن البترول لما أكدته الشواهد العملية من احتمالات بترولية واسعة فى مصر ، ولما يستطيع البترول أن يعطيه لجهد التنمية الشاملة من إمكانيات ضخمة ـ وقد صحت توقعاته فيما بعد ، غير أن عملية الردة والانقلاب على ثورة يوليو فى 13مايو1971 أهدرت هذه الإمكانيات وأحالتها إلى أداة لبناء الطبقات الطفيلية وإلى أساس للاستدانة ـ 0 ثم قال عبد الناصر " توفير الحافز الفردى تكريما لقيمة العمل من ناحية ، واحتفاظا للوطن بطاقاته البشرية القادرة وإفساح فرصة الأمل أمامها " ـ ومرة أخرى أهدرت الردة هذه الثروة القومية وهى البشر ، وتركتها تجوب الصحارى العربية لهثا وراء فرصة عمل ولو بشروط لا تصون كرامة الإنسان المصرى ـ ، ثم طالب عبد الناصر بتضمين الدستور نصا لحماية كل المكتسبات الاشتراكية وحمايتها 0 " 0
تجربة ثورة يوليو1952 اعتبرت أن التخطيط ضرورة تمليها الرغبة فى تحقيق التنمية وأنه منهج يجنب المجتمع الخسائر التى تترتب على الحركة الاعتباطية التى تنتظر وقوع الأحداث لتبدأ فى التعامل معها فيأتى التعامل متأخرا 0 والتخطيط بهذا المعنى ليس مجرد بديل للسوق كما كان الحال فى الدول الآخذة بالنظام الماركسى ، أو كما يدعى المنادون بسيادة نظام السوق 0 إن نظام السوق يستسلم للحركة الاعتباطية ، ومن ثم لتبديد الموارد وليس لتعظيم كفاءتها كما يدعى 0 وتزداد الحاجة إلى تجنب ما ينطوى عليه السوق من إهدار للموارد وإضرار بالمتعاملين فيه فكلما عظمت الفجوة بين العرض والطلب وهى الصفة الغالبة على الدول النامية فلا يعقل مثلا أن ينتظر المجتمع حتى ترتفع أسعار سلعة كالقمح أو خدمة كالسكن إلى مستويات تخرجها من متناول الغالبية العظمى ، حتى يراكم بعض المنتجين أرباحا طائلة تغرى آخرين بالدخول فى الإنتاج فيزداد العرض بعد أن يكون الكثيرون قد هلكوا جوعا 0 كذلك تزداد الحاجة إلى استباق وضع السوق إذا طالت الفترة اللازمة لإعداد المنتجات المطلوبة 0 فاستصلاح الأراضى يستغرق عدة سنوات ولا يعقل أن ينتظر المجتمع شحة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها ليبدأ التفكير فى استصلاح أراض جديدة وتدبير ما تحتاجه من مياه ومواد وأموال وبشر وما ينطبق على الموارد الطبيعية كالأرض ينطبق أيضا على الموارد البشرية التى يستغرق تعليمها وتدريبها سنوات طويلة 0 ولم يكن إعداد متخصصين فى الفيزياء النووية وليدا لحركة فى سوق التخصصات المهنية الأمريكية لكى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وبعدها دولا عديدة مجال الذرة 0
واضح إذن أن هناك ضرورة موضوعية للأخذ بالتخطيط المستبق لحركة السوق ، تزداد أهميتها كلما زاد التباعد بين طرفى السوق سواء بسبب اشتداد الخلل فيه أو لطول المدة اللازمة للتوفيق بين جانبيه وكلا الأمرين من سمات التخلف 0 فضعف الطاقة الإنتاجية يجعل من العسير حدوث استجابة سريعة لتغيرات الطلب وهو ما يدفع إلى الالتجاء إلى الاعتماد على الخارج ويفتح باب الاستدانة كما حدث فى الثمانينات فى مصر ، وعدم ملاءمة الموارد المحدودة لمتطلبات الدخول فى أنشطة متطورة يستلزم الإعداد السليم المسبق لهذه الموارد حتى تواكب التغيرات الكبيرة التى يتعين إحداثها فى البنيان الإقتصادى ، بل إن الدول المتقدمة تشعر بضرورة الأخذ بالتخطيط كلما شعرت بمدى التغيير اللازم لتطوير قدراتها ، فالولايات المتحدة الأمريكية تشعر بأهمية البعد التكنولوجى بالنسبة لمستقبل تقدمها ، ولذلك فقد أنشأت " مكتب التخطيط التكنولوجى الإستراتيجى OSTP " فى البيت الأبيض ليكون بمثابة مستشارا للرئيس الأمريكى فى هذا المجال الحيوى 0 وبسبب ما يرتبط بهذا الجانب من ضرورة إعداد البشر إعدادا مناسبا ، فقد اهتمت الإدارة الأمريكية مؤخرا بإعادة تخطيط التعليم 0 وعندما تعرضت دول الحلفاء إلى محدودبة فى الموارد بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية لجأت إلى ما يسمى ب "تخطيط الطوارئ " حتى تتوصل إلى أفضل توزيع لتلك الموارد على الأغراض المتنافسة التى لا تعبر قوى السوق عن أولوياتها الحقيقية ، ومع ذلك كان هذا التوزيع يتم بتطويع قوى السوق ، سواء بتقنين الطلب ـ بالبطاقات مثلا ـ أو بتعديل السعر تفاديا للآثار التضخمية التى يمكن أن تخل بأوضاع السوق فتؤثر على الاستخدامات الأخرى ، بل إن القيادة البريطانية قامت بإنشاء ما يسمى ب "مركز تموين الشرق الأوسط " ، لإعادة توزيع الأنشطة الاقتصادية والزراعية والصناعية لتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتى لدول الشرق الأوسط نظرا لانشغال المصانع الأوروبية ووسائل النقل بمتطلبات الحرب ، وهو ما جعلها تشجع تغيير الدورة الزراعية المصرية لإنتاج مزيد من القمح بدل القطن ، وإقامة بعض الصناعات البديلة للواردات وإن لم تكن بكفاءة عالية حرصا على العودة إلى استيراد المنتجات البريطانية بعد الحرب 0
وبحكم كبر حجم التغييرات المطلوبة لتحقيق التنمية وطول الفترات التى تلزم للاستثمارات فى المشروعات الأساسية كالمرافق والخدمات والصناعات الأساسية فإنه لابد من نظرة بعيدة المدى ترسم فى ضوئها إستراتيجية تمثل الترتيب الأمثل لتتابع خطوات الحركة نحو الأهداف المرجوة 0 فالغالب على القرارات الاقتصادية أن تسعى إلى تحقيق التوازن الآنى ، أى حل ما يعتبر أنه مشاكل عاجلة ، الأمر الذى قد يؤدى إلى تفاقم مشاكل تبدو بسيطة الآن إلا أن إهمالها يمكن أن يجعلها متعذرة أو باهظة الحل مستقبلا ، من هذا القبيل ما تذهب إليه إجراءات ما يسمى بالإصلاح الإقتصادى حيث تعطى اهتماما بامتصاص فائض الطلب ، سعيا إلى تخفيف حدة التضخم وتقليص الطلب المتسارع على بعض المستلزمات النادرة ، وفى مقدمتها العملات الأجنبية، كما أنها توجه المستثمرين إلى شراء ما هو قائم من استثمارات تحت دعوى الخصخصة بدلا من الدخول فى استثمارات جديدة تزيد من الطاقات الإنتاجية ولكنها تزيد من حجم الطلب المحلى والخارجى 0 ولو أن الأمر نظر إليه من منظور إستراتيجية بعيدة المدى لاتضح أن الشعب المصرى سوف يدفع عن قريب الثمن باهظا لكل يوم تتأخر فيه الاستثمارات وتتعطل فيه التنمية 0 إن النظرة الإستراتيجية تجيب على السؤال المحورى الآتى :
هل الأفضل أن نعمل على تكميش الطلب الحالى ولو أدى ذلك لتقليص معدلات الاستثمار ، لاسيما الاستثمار العام ، ومن ثم معدلات التنمية المستقبلة ، أم أن نبدأ بالتوسع فى الطلب الاستثمارى ، ولكن مع الحد من الطلب الاستهلاكى ، بحيث يكون طريق التصحيح هو زيادة الإنتاج أكثر منه تخفيض الطلب ؟
إذا وضعت الإستراتيجية فيصبح من المهم الالتزام بها فترة كافية حتى لا نواجه بعمليات تخبط تترتب على التغيير المستمر فى الأولويات دون ترك الخطوات المتعاقبة تؤتى الثمار المرجوة منها ن وبالتالى فإن القرارات اليومية التى تتخذ للآجال القصيرة والمتوسطة يجب أن تسند إلى النظرة الإستراتيجية ، وإلا جاءت من قبيل إطفاء الحرائق 0 فلم يكن خافيا على أحد أن البنية الأساسية المصرية والمعدات الإنتاجية القائمة بعد حرب أكتوبر 1973 بحاجة إلى إعادة بناء شاملة ، غير أن فتح الباب أمام رأس المال الأجنبى لم يكن هو الحل ، لأن هذا لا يأتى إلا فى ظل بنية سليمة تتحقق له من خلالها الأرباح المجزية 0 وكان التأخر فى إعادة بناء تلك البنية الأساسية وفى إعادة تأهيل القطاع العام سببا فى تعثر الإنتاج وارتفاع تكاليفه نتيجة التضخم المستمر ، ولو أن عمليات المتابعة كانت تتم بصورة سليمة لأمكن التنبيه إلى تلك المشاكل فى وقت مبكر ، واستغلال الموارد الاستثنائية التى توفرت خلال السبعينات فى تقويم البنيان الإقتصادى فى وقت مناسب 0
إن حدوتة رأس المال الأجنبى على مدى الخمسين سنة الماضية مع ثورة يوليو تؤكد وتثبت أن التنمية لا تتم إلا بالاعتماد على النفس ، وهو ما يفترض توجها مستقلا يرفض التبعية للرأسمالية العالمية 0 ويتعرض هذا المبدأ للتشويه حيث يصور على أنه سعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى ، وهو أمر يتعذر على أكبر الدول وأكثرها تقدما تحقيقه ، وحتى لو أمكن بلوغ نسبة عالية منه ، فالأغلب أن يتم ذلك بتكلفة باهظة نظرا للاضطرار للدخول فى جميع المجالات دون ضمان القدرة على إتقانها جميعا 0 ويعنى الاعتماد على النفس أن يسعى الاقتصاد إلى تعظيم قدرته الادخارية ، وإلى تعبئة مدخراته وحسن توجيهها إلى ما يتمتع فيه بميزة نسبية، ويكون دور رأس المال الأجنبى مكملا وليس هو الأساس شريطة أن يأتى بالشروط وفى المجالات التى تهم الاقتصاد ولكنها تتصف بارتفاع تكلفة بناء الخبرة الذاتية فيها ولا يعنى نقص الخبرة المحلية تبرير الاعتماد على الخبرة الأجنبية فى جميع المجالات بدعوى أنها أكثر تقدما بحكم السبق ، لذلك لابد من انتخاب بعض الأنشطة التى يمكن اكتساب تفوق نسبى فيها والعمل على تبادل هذه الخبرة ومنتجاتها مع الخبرات الأجنبية ومنتجاتها على أساس التعامل المتكافئ مع استمرار التوسع فى مجالات التميز المحلية 0 لقد مكنتنا ظروفنا الطبيعية قديما من التميز بزراعة القطن طويل التيلة وتصديره والحصول مقابل عائد التصدير على احتياجاتنا من المنتجات الأخرى 0 ولكن استمرار التفوق فى القطن كان يتطلب بحوثا مستمرة فنشأ مركز بحوث القطن وتخصص باحثون مصريون فى البحث واستنباط أنواع جديدة من السلالات ، غير أن الوقوف عند القطن ومن بعده عدد محدود من الأنشطة تغلب عليه المزايا الطبيعية ، مثل قناة السويس والبترول ، جعل أى توسع فى القاعدة الاقتصادية لا يتم إلا بالاعتماد على الخارج ، فتراجعت القدرة على الاعتماد على النفس وهو ما أفرز التبعية والاستدانة 0 وعندما أعلن عبد الناصر أننا يجب أن تكون لدينا القدرة على إنتاج أى شىء من الإبرة إلى الصاروخ ، لم يكن يقصد أن يقوم الاقتصاد المصرى بإنتاج كل شىء بنفسه ، بل كان يريد كسر طوق التبعية الذى يفرض علينا بقاء المجالات التى نقنع بها محصورة فى المنتجات الزراعية والقطاعات الأولية التى توفر فيها الطبيعة مزايا نسبية لا يضيف إليها البشر شيئا فكان مفروض علينا أن نظل رهينة النشاطات الأولية التى كرست تبعيتها للاقتصاد الرأسمالى وألا تدخل المجالات التى يعظم فيها دور المعرفة البشرية وكان هذه المعرفة أعظم من أن يستوعبها البشر فى الدول المتخلفة 0 لقد دخلت مصر الثورة صناعة الأدوية مع استمرار إعطاء تراخيص لبعض الشركات الأجنبية ذات السمعة الطيبة وكان الدخول فى هذه الصناعة يعنى تطوير البحوث العلمية بما يهدد مصالح الشركات الدولية الاحتكارية فكانت النصيحة التى قدمها السفير الأمريكى للسادات أن يوقف تلك البحوث وأن يكتفى بالتراخيص التى تمتص بها تلك الشركات دماء المرضى المصريين ودخولهم المحدودة 0 ولم تكن القضية هى الاكتفاء الذاتى والاستعاضة عن الواردات ، بل هى المرحلة الأولى من التصنيع التى تقوم فيها الصناعة بتثبيت أقدامها فى السوق المحلية تمهيدا للانطلاق إلى الأسواق العالمية 0 يساعد على هذا الانطلاق أن تكون الدولة على صلة وثيقة بمجموعة من الدول المجاورة المقاربة لها فى أوضاعها الاقتصادية يقوم كل منها بالتخصص فى عدد محدود من المجالات ثم يجرى التبادل فيما بينهما على نحو يفتح أمام كل منهما سوقا رحيبة هى سوق التجميع الإقليمى 0 ويتيح هذا التوسع فى المجالات التى يجرى التخصص فيها نتيجة لتوزيع التخصصات فيما بينها أو ما يطلق عليه " تقسيم العمل الدولى " ، ولذلك فقد بات من المسلمات بين اقتصاديى الدول النامية أن التنمية المستقلة تتم باعتماد جماعى على النفس 0 ولقد أزعج هذا الاتجاه الذى ساد بين الدول النامية فى الستينات الدول الرأسمالية ، فبدأ الحديث عن الاعتماد المتبادل ، وخرجت الرأسمالية من الستينات مصابة بأزمات مستعصية أفضت إلى ركود وتضخم وبطالة ، لم تجد بعد سبيلا إلى التخلص منها ومن ثم تأتى الحملة المسعورة التى تريد القضاء على التنمية المستقلة وذلك بالدعوة إلى:
الخصخصة التى تفتح الباب أمام تغلغل رأس المال الأجنبى ـ الخاص ـ 0
التصدير بدلا من التوجه إلى السوق المحلى ، وهو ما يزيد من الاعتماد على الاستيراد فى تلبية الحاجات الضرورية ، إنتاجية كانت أم استهلاكية بما فى ذلك الغذاء الضرورى 0
ومن ثم الاعتماد على التكنولوجيا الغربية لأنها القادرة على فتح الأسواق 0 فالتخلف لا يسمح للدول النامية بالتفوق إلا فى بعض الموارد الأولية وهذه ، كالبترول ، أصبحت تحت سيطرة الدول الصناعية إن لم يكن بالقدرة الاقتصادية فبالقوة العسكرية ، كما حدث ويحدث فى منطقة الخليج العربى 0 ولا ينتظر لدولة تعجز عن التعامل مع المواد الأولية المتوفرة لديها أن تحقق تقدما فى سلع متطورة تكنولوجيا إلا من خلال تبعية للرأسمالية العالمية ، ويكون مصدر الميزة النسبية هو رخص اليد العاملة وهو فى حقيقته تطبيق مطور لمبدأ استغلال البشر لأن الرخص معناه أن يحصل العمال فى الدول المتقدمة على أجر أعلى من نظيره فى الدول المتخلفة ومن ثم يشترى بجهد ساعة من عمله جهد ساعات من البشر الذين أوقعهم حظهم فى حدود دولة متخلفة0
والغريب هو الإصرار على هذا الأسلوب الذى يضعف قدرة الدول النامية على توفير أسواق مناسبة فى الدول الصناعية مما يزيد من معدلات البطالة ، ومن سعى عمال هذه الأخيرة للتخلص من اليد العاملة الرخيصة لديها مما يقوى النزعات العنصرية اليمينية التى تجتاح الدول الصناعية – انضمت إليها إسرائيل مؤخرا بالتخلص من العمال العرب 0
إن الاعتبارات السابقة تؤكد على عدد من القواعد العامة التى يجب أن تلحظها عملية التنمية :
أن التنمية تبدأ بالتوسع فى عدد من الأنشطة ذات المردود الكبير على قطاعات أخرى لتحدث آثارا مضاعفة ، أى تقود التنمية 0
وقد شهد العقدان الأخيران اعتمادا على قطاعات تضيف إلى قدرات الاقتصاد المالية ولكنها لا تستطيع تنشيط قدراته الإنتاجية على سبيل المثال قناة السويس والبترول وهجرة العمال ، فلابد من العودة لبناء القاعدة الإنتاجية المتنامية 0
وحتى يؤدى توسع بعض الأنشطة إلى آثار مضاعفة على الاقتصاد القومى ، لابد من تحقيق قدر معين من تكامل حلقات الإنتاج الداخلية 0 لقد أظهرت الإجراءات المسماة بالتصحيحية أن ارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة هبوط سعر الصرف أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج ومن ثم إلى تعثره أى أن ما تمت إضافته لطاقات الإنتاج كان بالتكامل مع العالم الخارجى ، وهو ما أضعف من قدرة الاقتصاد على الاعتماد على النفس 0
لم تعد القطاعات الأولية وفى مقدمتها الزراعة تتصف بالبدائية التى سادت فى الماضى ، بل أصبح التقدم الزراعى رهنا بالتقدم الصناعى والتطور التكنولوجى ، إن النهوض بالزراعة ليس بديلا للصناعة والعكس صحيح 0 وما تحتاج إليه التنمية هو النهوض بأساليب الإنتاج المتطورة على نحو يفيد القطاعات المختلفة ، سواء بتزويد القطاعات بعضها البعض باحتياجاتها ، أو بالاستفادة من التطوير التكنولوجى فى أحد القطاعات للتطبيق فى غيره 0
يدور الحوار غالبا حول " ماذا ننتج " سواء كبديل للواردات أو كمنتج للتصدير أو لتلبية الحاجات المحلية الضرورية 0 وقد اتضح أن التسابق فى الأسواق العالمية وإن تم فى طبيعة المنتجات ( ماذا ) إلا أن الكسب فيه يتوقف على نوعية المنتجات ، أى على " كيف ننتج " ، وهو ما يفرض التميز المستمر القائم على البحث العلمى وعلى تطوير جودة المنتج0
وسواء تم الإنتاج للسوق المحلية مباشرة أو من خلال التصدير للحصول على العملات اللازمة للاستيراد ، فإن المحصلة النهائية يجب أن تعنى بتوفير الحاجات الأساسية للبشر ، بما فى ذلك الخدمات اللازمة للنهوض بإنتاجيتهم ، وتعزيز القدرة على الاعتماد على النفس 0
والمشكلة التى يمكن أن تترتب على الأرباح التى تتراكم فى القطاعات سريعة النمو ، أو على النمو المعوج الذى يسمح بنشأة الاحتكارات المحلية ، هى سوء توزيع الدخل ، وهو ما يؤدى إلى خلل فى هيكل الطلب يسىء توجيه الموارد 0 وما نشهده من تبذير فى الموارد يجعل فئات تثرى من الأنشطة غير السوية وتنفق على سلع لا تتناسب مع متطلبات التنمية ، يعنى حرمان الاقتصاد من موارد كان يمكن أن تسهم فى حل مشكلة البطالة المتفاقمة ، ولنذكر دائما أن ظاهرة التخلف على المستوى العالمى تتسبب فى وتترافق مع سوء توزيع الدخل على المستوى العالمى 0
الأبعاد القطاعية للتنمية :
أولا – الزراعة :
تشغل الزراعة موقعا خاصا من عدة نواحى :
فقد كانت الزراعة ولا تزال قطاعا اقتصاديا رئيسيا ، سواء من حيث الدخل أو التصدير أو فرص العمل أو تزويد القطاعات الأخرى بمستلزماتها 0
وتؤدى ندرة الموارد مثل الأرض الصالحة للزراعة والمياه ورأس المال والتكنولوجيا المتطورة على التأثير فى أنماط الاستثمارات حيث يسود تفضيل للاستثمار العقارى وإلى استغلال لقوى خارجية لاسيما إسرائيل الحاجة إلى تنمية هذه الموارد لتفرض تنظيما اقتصاديا داخليا وهيكلا للعلاقات الخارجية بعيدا عن الصالح القومى 0
هى ترتبط بالحاجات الأساسية ارتباطا وثيقا ، كما أنها من عناصر الأمن الرئيسية ، ويكفى إدراك أثر الانكشاف الغذائى على استقلال القرار 0 وبحكم توطنها فى الريف ، فإنها تعتبر قطاعا اقتصاديا اجتماعيا تتحدد من خلال التعامل معه العلاقات بين الحضر والريف 0
وبسبب العلاقة الوثيقة بين الملكية والقوة الاقتصادية ومن ثم السياسية فإن تطوير الزراعة وتنظيم الملكية وأساليب الإنتاج والتمويل ، تؤثر بشكل أساسى فى التنظيم المجتمعى ، وفى العلاقات الاجتماعية والسياسية 0
وخلال محاولة إقامة السوق العربية المشتركة وتعزيز العمل العربى المشترك لعبت الزراعة دورا بارزا ومتقدما 0 وتجرى حاليا محاولة اختراق السوق العربية اعتمادا على تداخل الموارد المائية المحدودة والحاجة لتطوير أساليب الإنتاج الزراعى 0
وكان الإصلاح الزراعى من أول القرارات التى اتخذتها ثورة يوليو52 سعيا إلى تصحيح الأوضاع الاجتماعية والسياسية 0
ويبين الجدول التالى تطور توزيع الملكية الزراعية فى سنتى 1900و1952 وهو يبين مدى ثبات فئات الملكية الكبيرة ، وميل الملكية الصغيرة إلى التضاؤل من حوالى 5ر1 فدان إلى 8ر0 فدان نتيجة ارتفاع عدد الملاك فى الفئة أقل من 5 فدادين إلى أكثر من ثلاثة أمثال عددهم فى سنة 1900
فئات المساحة بالفدان عدد الملاك المساحة المملوكة بالفدان متوسط الملكية النسب المئوية
ملاك المساحة
أقل من خمسة 337ر761 411ر113ر1 45ر1 4ر83 8ر21
5 إلى 10 171ر80 195ر560 98ر6 8ر8 0ر11
10 إلى 50 967ر60 873ر196ر1 63ر19 6ر6 4ر23
أكثر من 50 839ر11 573ر243ر2 92ر187 2ر1 8ر43
المجموع 314ر914 052ر114ر5 59ر5 100 100
أقل من5 878ر641ر2 864ر121ر2 80ر0 3ر94 5ر35
5 إلى 10 259ر79 704ر525 63ر6 8ر2 8ر8
10 إلى 50 115ر69 433ر281ر1 54ر18 5ر2 5ر21
أكثر من 50 348ر11 270ر043ر2 05ر180 4ر0 2ر34
المجموع 600ر801ر2 271ر972ر5 13ر2 100 100
وقد كانت السياسات المتبعة قبل الثورة تحرص على تماسك فئات الملكية الكبيرة 0 ففى الفترة ما بين 1935 و1950 باعت مصلحة الأملاك الأميرية 200 ألف فدان كان المفروض أن ينالها صغار الملاك ، غير أنهم لم يحصلوا منها على أكثر من 7ر1% وحصل خريجو المعاهد الزراعية على 6ر7% أما كبار الملاك فقد ظفروا بنصيب الأسد وهو 7ر90% ولم يكن الإصلاح الزراعى مجرد إعادة توزيع للملكية ، بل استهدف النهوض بالإنتاج الزراعى ولذلك فقد عالج أمورا عدة فى آن واحد
*تنظيم تحديد الملكية الزراعية ونزع ملكية بعض الأراضى لتوزيعها على صغار الفلاحين 0
* النهوض بالحركة التعاونية وتنظيم التعاونيات الزراعية 0
*تجميع الاستغلال الزراعى والحد من تجزئة الأرض الزراعية 0
*تنظيم العلاقة بين مستأجرى الأرض الزراعية 0
* صيانة حقوق العمال الزراعيين 0
ويحضرنى هنا فى هذا المجال ما قاله عبد الناصر فى حديث له يوم 26/7/1961 :
" لقد كان محتما أن يقوم نفس الترابط الحيوى بين الناحية الاقتصادية والناحية الاجتماعية فى مجال التطوير الزراعى ، على أساس الخطة الشاملة 0 ولقد كانت دواعى الاقتصاد البحت تقتضى أن تبيع الحكومة على الفور كل الأراضى الجديدة المستصلحة لمن يدفع ثمنها حتى تسترد الحكومة ما تكلفته فى سبيل إصلاحها ولكن ذلك وإن كان يبدو منطقيا من الناحية الاقتصادية فإنه يفقد الخطة أساسها الاجتماعى ، ذلك أن عرض الأراضى الجديدة للبيع معناه أن يتقدم للشراء غير القادرين على دفع الثمن ولسوف يكون القادر على شراء الأراضى الجديدة هو الذى يملك بالفعل من الأرض القديمة ولم يكن ذلك منطق العدل
كان منطق العدل أن تكون الملكية الجديدة لهؤلاء الذين حرموا العمر كله أن يتملكوا الأرض ، ذلك أنه لا يمكن أن يكون هدف الخطة تحويل الملاك الحاليين إلى إقطاعيين ، وإنما هدف الخطة ـ وكذلك ينبغى أن يكون ـ هو تحويل الأجراء الحاليين إلى ملاك 0
تحويل الأرض الجديدة إلى قوة منتجة لم يكن ليتحقق إلا على أساس التعاون ، ذلك أن الأجير الذى يبدأ حياته الجديدة كمالك فى حاجة إلى رأس المال يوظفه فى أرضه ، إنه فى حاجة إلى سماد 00 إلى بذور 00إلى آلات ، لابد أن تتوفر له دون أن يعتمد على جشع المرابين المستغلين ، كذلك هو فى حاجة بعد المحصول إلى تسويق اقتصادى لا تدفعه إليه حاجة عاجلة للمال أو ضغط تفرضه عليه تيارات السوق المتضاربة 0 لقد قالوا فى الماضى إن أى إجراء يعنى توزيع الفقر ولا يعنى توزيع الغنى ، وإن التصدى للثروات الكبرى وللإقطاعيات الكبرى لا يعنى إلا توزيع الفقر ـ نفس العبارة قالها السادات بعد انقلابه على ثورة يوليو فى 13 مايو1971 ـ، ولا يمكن أن تكون الثورة موزعة للفقر ، وهذا خداع فكيف يكون هذا توزيعا للفقر ؟ مثلا إذا كنا نترك مائة فدان لصاحب الأرض ونوزع على الفلاح المعدم 5 فدادين ؟ طبعا فيه فرق كبير بين الخمسة فدادين وال100 فدان ، ولكن ما هى النتيجة اللى بتحصل لهذا ؟ الأسرة يمكن كانت معدمة وتأخذ 5 فدادين ، كانت أسرة يمكن تنام من غير عشاء ، كان يمكن أن رب الأسرة لا يستطيع أن يجد العشاء لأولاده وأصبح له خمس فدادين يؤمن يومه ويؤمن غده لأولاده 00 لم يكن يستطيع أن يعلم أولاده 00 لم يستطيع أن يعطى فرصا متكافئة لأولاده ليخرجوا من هذا المجتمع ويشعروا فعلا بالحرية والمساواة "0
وفى 7/8/1961 قال جمال عبد الناصر ما نصه :
" الحل الاشتراكى لمشكلة الزراعة اعتمد على أساسين اثنين :
الأساس الأول – زيادة عدد الملاك للأرض الزراعية ، وإتاحة حق ملكية الأرض لملايين الفلاحين الذين حرموا من هذا الحق ومنا طويلا وذلك بطريقتين :
<!--[if !supportLists]-->1. <!--[endif]-->وضع حد أعلى لملكية الأرض الزراعية الموجودة فعلا وتوزيع ما يتبقى على الفلاحين 0
<!--[if !supportLists]-->2. <!--[endif]-->استصلاح كل ما يمكن استصلاحه من الأرض الجديدة بواسطة مشروعات الرى الضخمة 0
والأساس الثانى – تدعيم ملكية الأرض بالتعاون ، وتحويل اقتصاد الملكيات الصغيرة من اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد قوى بالتوسع المستمر فى آفاق التعاون ، ولقد أثبتت تجارب تجميع الزراعة أن هناك إمكانيات هائلة فى تطوير الزراعة "0
وقال عبد الناصر فى المؤتمر العام للقوى الشعبية يوم 9يوليو1960 :
" تطوير الزراعة والصناعة على أساس اقتصادى واجتماعى سليم يقتضى بالتبعية أن تتطور التجارة نفسها على ذات الأسس الاقتصادية والاجتماعية ، وكان يتحتم علينا أن تلتزم التجارة وظيفتها الاجتماعية باعتبارها نقل السلع من مراكز الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك الاجتماعية ، وحسن التوزيع 0
إن حماية المصير الوطنى إنما يتوقف على الشعب باعتباره التيار الدائم المتدفق والخالد الذى لا ينتهى ولا يتحول "0
وقال فى الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكى يوم 25فبراير1965:
" بالنسبة للأرض الجديدة حانبحث وضع الأرض الجديدة 0 المنطقة غرب الإسكندرية حاتعوز استزراع لغاية ما تقدر تدى فعلا عائد ، أربع سنوات بعد الإصلاح ، يا إما حانعمل مزارع حكومية ، يا إما حا نؤجر هذه الأرض للناس وحاتفضل الأرض حكومية ونأجر الأرض دى للناس ، إحنا عايزين دخل علشان نمشى فى خطط التنمية اللى جاية ، عايزة دخل ، والحقيقة إحنا خطتنا طموحة " .
( كان هناك تكليف من عبد الناصر لكل من د0 فؤاد مرسى ود0 إسماعيل صبرى عبد الله بعد مقابلته لهما خلال سنة 65 ، لوضع دراسة حول هذه القضية وقد قدما فعلا دراستهما وكانت محفوظة ضمن دراسات أخرى حول الموضوع ذاته فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى )
وفى المؤتمر القومى العام يوم 23يوليو1969 قال عبد الناصر :
" وبالنسبة للأرض الجديدة فإن لدينا الآن سبعمائة ألف فدان ، ويجب أن نقرر رأيا فى استغلالها الدائم، واقتراحى فى هذا الصدد هو أن ننشئ شركات أو مؤسسات عامة تنقل إليها ملكية هذه الأراضى ويكون لهذه الشركات أو المؤسسات العامة مهام ثلاث تتمثل فى الاستغلال المباشر للتصدير أو التأجير وفق شروط معينة ولآجال طويلة للزراع أو البيع لصغار الملاك الجدد مع إعطاء أولويات الملكية للمقاتلين فى ميدان المعركة وأسرهم . "
وما يحدث حاليا هو استعادة مجتمع النصف فى المائة بالقضاء على الإصلاح الزراعى ولو اقتضى الأمر إقحام الدين لانتزاع الأراضى وإعادتها إلى الإقطاع . كما تجرى عمليات إعادة تنظيم الزراعة على أساس رأسمالى، لتقف الرأسمالية إلى جوار الإقطاع فى توجيه الزراعة بعيدا عن أهداف المجتمع 0 وتكمل الحلقة بتغليب أدوات السوق والربح الفردى ليس فقط لإعادة هيكلة التركيب المحصولى على نحو يزيد الاعتماد على الخارج ويرفع من تكلفة الغذاء ومن ثم يؤدى إلى خفض مستوى معيشة الغالبية الفقيرة ، بل وأيضا لرفع الأعباء على صغار المزارعين بدعوى خضوع التسليف الزراعى بدوره إلى قوى السوق ، كبديل للتسليف الزراعى التعاونى غير الهادف للربح والذى بدأ فى مناطق الإصلاح الزراعى ثم انتشر ليخلص الفلاح من سطوة المرابى ، وفى الوقت نفسه تتزايد أعداد المعدمين ويتسع الفارق بين سعر المزرعة وسعر المستهلك ليذهب كأرباح لفئة الوسطاء التى يعاد إحياؤها رغم ثبوت خطرها على الاستثمارات المنتجة والتوازن السليم فى السوق0
يضاف إلى ما تقدم أن الدولة فى تنصلها من مسئولية تدبير الوظائف التى تستوعب الشباب ، بدأت تتخلص من عمليات الاستصلاح وتلقى مسئوليتها على الشبان الذين لا يملكون المعرفة الفنية أو الموارد المالية الكافية للوصول بالأرض إلى الحدية الإنتاجية فضلا عن ذلك فإن العيش فى مناطق الاستصلاح يحتاج إلى توفير احتياجات الحياة اليومية وهو ما يتطلب ربط التوسع العمرانى بالتطوير الزراعى . وهكذا فإن التنمية الزراعية تستوجب نظرة تستوعب الأبعاد الاجتماعية لحياة المزارعين إلى جانب مقومات رفع كفاءة أدائهم ، وتحقيق الترابط مع القطاعات الأخرى وسلامة حركة التجارة الخارجية ، أخذا فى الاعتبار متطلبات توزيع وإعادة توزيع الدخل ، وتوفير الأمن الغذائى الذى بلغ حدا من الخطورة يكاد يهدد الأمن القومى كله ، إلى جانب الأهداف القومية المتعلقة بالدخل والتوظيف وانتشار السكان جغرافيا بدلا من تكدسهم فى المدن 0 وإذا كانت متطلبات العدالة تقتضى أن يحصل الفلاح على دخله الإقتصادى ، الذى يعكس حيوية المحاصيل التى ينتجها سواء بالنسبة للغذاء أو للتصنيع أو للتصدير ، فإن هذا لا يعنى أن ترفع تكاليف الائتمان الزراعى والقدرة على الاستمرار فى الإنتاج بإستبقاء الأرض ومن ثم صيانتها ، ثم تركه فى مهب ريح سوق يسيطر عليها حفنة من التجار الذين يستغلون ضعف قدراته المالية لينتزعوا الأرض منه ثم يعيدوا استغلالها استغلالا رأسماليا جشعا بدعوى احترام قوى السوق . يكفى أن نشير إلى التداخل الكبير بين الأبعاد الاقتصادية والإنسانية للإنتاج الزراعى جعل الدول الرأسمالية الكبيرة تدخل فى صراع طاحن فيما بينها سببه قيام كل منها بحماية مز ارعيها من عواصف السوق ، محملة مجتمعاتها تكلفة هذه الحماية ، وليس محملين الفلاح تبعة رفاهة أهل المدن تارة وإثراء الرأسمالية الزراعية .






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس