أول يوم فى المشرحة والطلبة والطالبات .يوميات طبيب1
كانت السنة الأولى لنا فى كلية طب قصر العينى ..استلمنا جداول المحاضرات وأقسام العملى ..وكان من
ضمن المواد المقرر تدريسها لنا هو علم التشريح ..والذى يتم تطبيقه فى المشرحة ..حيث نتعرف فيها على
أجزاء الجسم البشرى وكيفية تشريحه ..وكان موعدنا فى الساعة 9 صباحا لنبدأ أول دروس التشريح ..يا فتاح
ياعليم يا رزاق ياكريم الناس تستفتح على كوب شاى ووجه حسن وساندوتش فول وطعمية أو جبنة ..واحنا
نستفتح بوجوه الأموات.. ما علينا .. لا زلت أتذكر هذه اللحظات وكأنها بالأمس ..وكيف أنساها وهى لحظة
لقاء الحبيب الأول ..أقصد لقاء أول جثة أشاهدها فى حياتى ..لقد تم تقسيم الدفعة التى كان قوامها
حوالى 1500 طالب الى مجموعات صغيرة..كل مجموعة تتألف من حوالى 60 طالبا ..حيث بدأنا نتوافد على
المشرحة..وكانت عبارة عن صالة كبيرة ترقد فيها جثث كاملة تقرب من أكثر من عشرين جثة كاملة غير
منقوصة لا ذراع ولا رجل ..يعنى لازم تعاين الجثة وتستلمها من غبر نقصان ..ولو ناقصة رجل ولا ذراع يبقى
لازم ترجعها .. وكانت الجثث ترقد على طاولات رخامية متوازية بين كل طاولة وطاولة حوالى 3 متر..وكانت
رائحة معينة تزكم أنوفنا ..إنها رائحة مادة الفورمالين الحافظة للجثث.. وفى لحظة دخولنا من باب المشرحة
كانت تسرى قشعريرة الخوف من المجهول فى أوصالنا ..لاينقصها إلا موسيقى افلام الرعب التى تسبق الصراع مع
المجهول الذى يختبىء لك وراء الجدار..وبدأنا فى حفلة استعراض الجثث وأرقامها ..حيث أن كل مجموعة كانت
مسؤولة عن جثة معينة برقم معين..فلا أسماء هنا ..الإنسان أقصد الجثة هنا تحمل رقما .. كانت تنتابنى مشاعر مختلطة
من الرهبة ..رهبة الموت الراقد على الطاولات ..ورهبة تلك التعبيرات الثابته المرتسمة على وجوه هذه الجثث شاخصة
أبصارها الى مالا نهاية والى لا شىء ..وكان السؤال الملح الذى يشغلنى ..من هؤلاء ؟
وكيف أنتهى بهم المطاف الينا كي نعبث
بأجسادهم ؟ و أين أقرباؤهم ؟؟ و ياترى ما مصير أرواحهم ؟؟ وكيف ماتوا ؟؟ وهل هم من أهل
الجنة أم من أهل النار ؟؟ وكيف سنبدأ بتشريح هذه الجثث ؟؟ ومن أى عضو سنبدأ ؟؟ وكانت كتب التشريح وصورها
بين أيدينا ..ولكن حان وقت التطبيق العملى ..واستلمت كل مجموعة منا جثة واحدة ستكون مسؤولة عنها حتى آخر
العامين الدراسيين حيث أن سنة أولى وسنة ثانية طب كانتا متصلتين بدون أجازة صيفية فى ذلك الزمن وأعتقد أنهما انفصلا
فى النظام الحالى ؟؟ ..كيف بدأنا ؟؟ وماذا حدث عند تشريح أول جثة ؟؟وماهى المواقف التى تعرضنا لها مع التشريح..
وعم صالح بواب المشرحة ..وكيف كان الطلبة الذكور والطالبات الإناث يتعاملن مع الجثث ..والدروس الخصوصية ..
والجثث الخصوصى والهياكل العظمية ..ونبش القبور..وحمل الأموات ..وأسعار الجثث والهياكل ..أما رأس الجثة فتلك
قصة أخرى ..قصص سأوالى سرد أحداثها فى الحلقات القادمة..حيث أننى سأبدأ سلسلة يومياتى كطبيب من أول الدراسة
بالكلية حتى التخرج والامتياز والنيابة والتكليف بالريف والنيابة والتخصص والمستشفيات والسفر الى البلاد ومواقف
وغرائب واجهتها أنا وزملائى الأطباء..إنها يوميات طبيب على مدى ربع قرن
..أرجو أن تعجبكم وتفيدكم
***
***