السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه اسطر كتبها اخونا الشيخ الداعيه المربي ابراهيم بن صالح الدحيم رحمه الله..قبل وفاته بأيام قلائل وكأنما يعظ نفسه قبل غيره فسرى اثر وعظه.وتذكيره فيها الى نفوس من قرؤوها ونحسب ان هذه أماره صدقه فيها ولا نزكيه على الله فأردت نقلها لكم ليعم الانتفاع بها ..... غفر الله له ولمن معه وجعل لهم جنات الفردوس نزلا هذا وقد قال في رسالته:- لو كشف لك من علمالغيب عن خفي أجلك، فأخبرت أن ما تدركه من رمضان هذه السنة هو آخر رمضان لك فيالحياة..ثم أنت لا تدري أتتمه أم تنقطع بالموت دونه، لو قيل لك ذلك... كم سيكونالخير فيك؟! وكم ستجهد في استغلال أيامه ولياليه، وتحقيق الإخلاصوالصدق فيه؟! وكم هي أعمال البر التي سنقوم بها؟! إن الشعوربالوداع وتضايق الفرص يبعث في النفس من الاهتمام والجد والتوجه شيئاً لا يبعثهالتسويف وطول الأمل.. جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله علمني و أوجز. فقال: إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع)) (رواه بن ماجة وحسنه الألباني 4171). تصور أنك تصلي صلاة تنتظر بعدها الموت، كم ستخشع فيهاويحضر قلبك؟! وكم ستتمها وتحقق الإخلاص فيها؟!. لماذا لا نستحضر روح الوداع فيعباداتنا كلها؟! ونستشعر أننا نصوم رمضان هذه السنة صوم مودع؟ وننظر إلى إقبالةرمضان هذه السنة على أنها إقبالة ملوح بالوداع.. كم كنت تعرفممن صام في سلف * * * من بين أهل وجيران وإخـوان أفناهم الموت واستقباك بعدهــم * * * حياً فما أقرب القاصي من الداني ومعجب بثياب العيد يقطــعها * * * فأصبحتفي غدٍ أثواب أكفان فكم من مستقبل يوماً لا يكمله، ومؤملاً لغدٍ لايدركه، وقد روي في الحديث (افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن للهنفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) (نداء الربان 1/166). فتعالمعي أيها الحبيب نستحضر أحاسيس الوداع، ولوعة الفراق، علَّنا نودع بها دعة أتلفتأيامنا، وكسلاً أذهب أعوامنا، وأمانٍ أضعت أيماننا.. تعال معي: نخص هذا الشهرالكريم بمزيد عناية وكأنا نصومه صوم مودع، دعنا نخرجه من إلف العادة المستحكمة، إلىروح العبادة المشرقة.. والله يتولانا وإياك بعونه ورعايته.. نصوم رمضانفي كل عام وهم أكثرنا أن يبرئ الذمة ويؤدي الفريضة... فليكن همنا هذا العام تحقيقمعنى الصيام (إيماناً واحتساباً) ليغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا.. وكم هيكثيرة. نحرص كل عام على ختم القرآن في شهر القرآن مرات عديدة.. فلتكن إحدى ختمات هذا العام ختمة تدبر وتأمل بنية إقامة حدوده قبل سردحروفه. نتنقل للقيام بين المساجد كل عام طلباً لصوت الأجمل، والوقتالأخصر.. فليكن سعينا هذا العام في طلب الصلاة الأكمل.. نخص رمضان بمزيدمن التوسعة على النفس والأهل من أطايب الدنيا، فليتسع ذلك للتوسعة عليهم بأغذيةالأرواح والأنفس. من خلال جلسات الإيمان التي تشرق بها أركانالبيت. إذا أدخلنا السرور على أسرنا بهذا وذاك فلنوسع الدائرةهذا العام فندخل السرور على أسر أخرى.. أسرتها الحاجة وكبلتهاالأعباء. نتصدق كل عام بقصد مساعدة المحتاجين، لنجعل قصدنا هذا العامبهذه المساعدة مساعدة أنفسنا بتخليصها من نار الخطيئة بصدقة تطفئ غضبالرب. نحرص على العمرة في رمضان لفضلها.. فلنجعلها هذا العام لعمرنا كلهنغسل بها ما مضى من ذنوب.. نطوف بها في أفياء الرحمة إذ قد يكون آخر العهد بالبيتالطواف. نحرص على اكتساب العمل النافع في رمضان، فليكن هذا النفعمتعدياً للغير بكتاب يُهدي أو نصيحة تُسدي أو إصلاحٍ بينالناس. لنفسك من دعائك النصيب الأوفى، فلنتخل عن هذا (البخل) في شهرالكرم، فملايين المسلمين في حاجة إلى نصيب من دعائك الذي تؤمن عليه الملائكة وتقولولك بمثل، فيبقى نصيبك محفوظ. الجود محمود في رمضان وأنت من أهله، فليمتد جودكإلى الإحسان لمن أساء عليك، ووصل من قطعك (وما زاد الله عبداً بعفو إلاعزا). لنكف عن الاعتكاف إلى الناس، ولنكتف بالعكوف مع النفس لمحاسبتها،فربما يفجأنا الموت فنحاسب داخل القبر قبل أن نتمكن من محاسبة أنفسنا ونحن أحياء (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله). نحب التعبد بتفطير الصائمين،فلنجرد هذه العبادة من حب المحمدة أو دفع المذمة، فذلك رياء لا يثب صاحبه بل يصيبمقاتله. تفطير الصائمين من جوعة البطن مستحب مندوب، ولكن إشباع جياعالقلوب فرض مطلوب، فليكن لنا جهد في هذا مع جهدنا في ذلك. فكم ضامئ من الموعظةيحتاج السقيا، وكم غارق في الشهوات يحتاج طوق النجاة تصف قدميك مع مصلين لاتعرفهم... فهلا تعرفت على ما يوحد قلبك معهم ويضم صفك إليهم، فإن تسوية الصفوف خلفالإمام ما جُعلت إلا لتوحيد القلوب مع الإيمان؟ لنا ولك أعداء، فانتصرعليهم بالدعاء إن كانوا كافرين، وانتصف منهم بالدعاء إن كانوا مسلمين فكم من دعاءحول العداء إلى ولاء. والله يتولى الصالحين في رمضان، يذكرك الضعفاء أنفسهم علىنواصي الطرقات وعند أبواب المساجد، فلا تنس المستضعفين الذي استغنوا عن السؤال، أوقطع طريقهم إليك رتل الدبابات وأزيز الطائرات، أو أعياهم الجوع في المجاهل والأحراشالموحشة. يتوارد على سمعك في كل عام ما يعرفك بقدر رمضان، فاجعل همهذا العام أن تتعامل مع رمضان بمقدار قدره. قدر رمضان يتضاعف ليلة القدر، فهلقدَّرت في نفسك أنها ربما فاتتك في أعوام خالية؟! فاغتنمها اليوم فقد لا تأتيبها ليال تالية. إذا ودعت رمضان.. أو ودعك.. فاستحفظه ربك، واستودعه عملك.. فإنلم تجد ما تودعه فذاك لخيبة نفسك، وذهاب عمرك (والمحروم منحرم).. هذه خطرات على أبواب هذا الموسم العظيم، فهلا عقدنا العزمعلى أن يكون الشهر لنا (مغتسل بارد وشراب) نغسل فيه أدران الذنوب فنتوب، ونشرب منمواعظه ما تحيا به القلوب، فليكن بداية جديدة لنا ومحطة للعودة الصادقة إلىربنا. فها قد اقتربت أيام رمضان وهبت رياحه فاغتنمها. فيا غيوب الغفلةعن القلوب تقشعي، ويا همم المسلمين أسرعي، فطوبي لمن أجاب فأصاب، وويل لمن طرد عنالباب وما أناب، اللهم سر بنا في سَرْب النجابة، ووفقنا للتوبة والإنابة، وافتح لأدعيتنا أبواب الإجابة، اللهم بارك لنا في رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه،واجعلنا من عتقائك من النيران