الدنيا حلوة .
شجاع القحطاني
في صغري أحببت عمود الكاتب المصري : مصطفى أمين " رحمه الله " وكنت أشتري جريدة الشرق الأوسط من أجل حروفه المعبقة بالأمل والحب والتفاؤل .. ولدي مكتبة صغيرة هي عبارة عن قصاصات من الورق لبعض المقالات والتحقيقات الصحفية التي تعجبني وأحب قرأتها بين الفنية والأخرى ، وبالأمس وأنا أبحث بين هذه القصاصات ، وجدت هذه المقالة فأثرت أن أضعها هنا من أجل نفسي اليائسة والمحرومة أولا ومن أجلكم أحبتي الكرام ثانيا ، فكلنا نتعذب ونتألم في لحظة ما ونسقط في هوة اليأس السحيقة ، ونبحث عن كلمة حب صادقة ودافئة ، وعن لمسة يد حانية ، ومن منأ الذي لم تنقش الأحزان فوق قلبه ، ولم يرش عليها الزمن والأحباب بملح الألم والندم .
المقالة كماهي وبالكامل :
" لا تنتحري يابنيتي ؟
إنظري الى الدنيا جيدا ، إغسلي عينيك من دموعهما ، سوف ترين أن الدنيا حلوة حلوة حلوة .
لا تنظري الى الدنيا من جوانبها السيئة ، و إنما إنظري إليهما من نواحيهما الجميلة ، لا تنظري الى الشوك ، انظري الى الورد .
أنت فقط في العشرين من عمرك ، تصوري أنك تريدين أن تلقي من النافذة بخمسين سنة مقبلة .
أعرف أناسا على استعداد لأن يدفعوا ألوف الجنيهات ليعيشوا سنة واحدة من الخمسين عاما المقبلة التي تريدين أن تقضي عليها بأنبوبة أسبرين .
هذا السواد ليس ملابس حداد وانما هو موضة العام الجديد ، وهذه الأبواب المسدودة في وجهك ليست نهاية العالم ، بل هي بدايته ، وهذه الوجوه المكفهرة الغاضبة الساخطة حولك ليست الوجوه الدائمة للناس ، بل هي أقنعة مؤقته ، لعلهم يخفون بها سعادتهم حتى لا يحسدهم الناس .
الأشرار الذين التقيت بهم في طريقك ليسوا هم كل سكان الكرة الأرضية ، انهم اقلية قليلة جدا منهم ، الدنيا مليئة بالناس الطيبين وبالقلوب الخيرة ، وبالنفوس الكريمة ، وبالضمائر الحية ، والأشرار الذين رأيتهم هم وحوش هربت من حديقة الحيوانات .
استمري في سيرك يابنتي . وسوف تقابلين أنبل الناس ، وأحسن الناس ، وأجمل الناس .
ماأشبهك بسائحة مرت بالسويد ، ورأت في مطار استوكهولم حمالا أسمر اللون ، وعادت الى بلدها تقول أن كل سكان السويد من الزنوج السود . ولو أنها مشت بضع خطوات خارج المطار لعرفت أن أغلب سكان السويد من الشقر والشقروات .
امشي يابنتي بضع خطوات أخرى في الحياة ، وسوف تجدين قلوبا ترحم وأفئدة تحنو ، اذا كان فرد واحد داس على قدمك ، فان هناك ملايين سوف يمدون لك أيديهم عندما تقعين على الأرض ، سيضمدون جراحك ، سيقولون لك كلمة حلوة تنسيك عذابك وآلامك وأحزانك .
الدنيا حلوة يابنتي ، كل ماهناك أنك طرقت بعض الأبواب من قبيل الخطأ ، وربما كان الساكن أصم فلم يسمع ، ربما كان الجرس معطلا فلم يدق ، ربما كان صاحب البيت غائبا فلم يفتح الباب .
لا تلومي كل الناس على صمم فرد واحد ، أو على عطل جرس أو على غياب صاحب البيت .
تأكدي أن غدا يوم أجمل
سيكون مليئا بالناس الطيبين . "
إنتهت كلماته على صفحات هذه الورقة ، لكنها لم تنتهي أبدا من صفحة قلبي ، فكلما قرأتها شعرت أن حروفها تنطبع على قلبي وتلامس روحي وتطبب جروحي ، إنها تمنحني قبسا من نور ، وضوء أحسه يضئ بداخلي لغد ربما يحمل في طياته شيئا من الحب والأمل والفرح .