عرض مشاركة واحدة
قديم 05-29-2009, 12:03 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ملامح شخصية الخليفة العباسى (عبد الله المأمون) فى حكايات ألف ليلة وليلة

وقبل أن يعفو المأمون عن عمّه إبراهيم بن المهديّ يستشير جميع خاصّته الحاضرين، إلاّ أنّهم يؤكّدون ضرورة الانتقام منه بقتله، لكنّ أحد العاقلين ـ يسميه الرّاوي بـ أحمد بن خالد ـ يقول للمأمون: » يا أمير المؤمنين إن قتلته وجدنا مثلك من قتل مثله، وإن عفوت عنه فما وجدنا مثلك عفا عن مثله. «(10). فما كان من المأمون إلاّ أن نكّس رأسه، واستنفر كرمه وعفوه(11)، وأنشد قول أحد الشعراء:
» ســــامـح أخـــــــــاك إذا خلـــــــط منـــــه الإصــــــابـــــة بــالغلـــــــط

واحفــــــــــظ صنيعــــك عنــــــده شـــــكر الصنيـعـــــة أم غَمـــــــِط
و تجـــــاف عـــــــــــن تعنيــفـــه إن زاغ يـــومـــــاً أو قَســــــــَط(12).
و يقول إبراهيم بن المهدي(13)عن عفو ابن أخيه المأمون عنه: » والله ما عفا عنّي المأمون تقرّباً إلى الله تعالى، ولا صلة للرّب ولكن له سوق في العفو يكره أن تكسد بقتلي. «(14).
وعلى كلّ حال تبقى حالات العفو عن المتمرّدين سياسيّاً، و الخارجين عن طاعة الخليفة أو السّلطان أو الأمير في ألف ليلة و ليلة قليلة جداً، إذ لا يشكّل كرم بعض حكّام اللّيالي وحلمهم مقياساً يمكن الانطلاق منه وتعميمه، وبالتالي القول عن الحكّام الآخرين: إنّهم حكماء وعقلاء. بل يمكن القول، و تأسيساً على ما تفرزه الحكايات من أنساق معرفيّة وفكريّة حول حياة هؤلاء الحكّام: إنّهم ظلمة و أجلاف، وقساة القلوب.
ويبدو أنّ صورة المأمون وهو يعفو عن عمّه، تتّفق مع الصّورة الوضيئة التي عُرِف بها في خلافته، من حلم وعدل و عفو، والتي نقل المؤرّخون كثيراً من ملامحها. فقد كان المأمون عادلاً في إقامة الحقّ، وكان منصفاً حين جلوسه للنّظر في مظالم الناس، التي كانت تُرفع إليه، وكان يأخذ للمظلوم حقّه من الظّالم، حتّى ولو كان هذا الظّالم قريباً أو ابناً له. ويروي ابن عبد ربّه الأندلسيّ عن قحطبة بن حميد أنّه قال(15):

» إنّي لواقف على رأس المأمون يوماً و قد جلس للمظالم، فكان آخر من تقدّم إليه، وقد همّ بالقيام، امرأة عليها هيئة السّفر، وعليها ثياب رثّة، فوقفت بين يديه فقالت: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله و بركاته(…) فقال لها يحي بن أكثم(16): (…) تكلّمي بحاجتك؛ فقالت:

يا خيـرَ مُنْتَصِف يُهدى له الرَّشدُ؛
و يا إمـاماً به قد أشــرق البَلدُ
تشكو إليك، عميدَ القـوم، أرملةٌ
عُدِيَ عليها، فلم يُترك لها سَـبَد(17)
وابتُزّ منّي ضياعي بعد مَنْعتـها، ظُلمـــــاً، و فـــُـرّق منّي الأهـــــــل والــولــــــــــد «.
وعندما يسمع المأمون شعرها يطلب منها أن تأتيه يوم الأحد، وقت انعقاد مجلس ردّ المظالم:

» فلمّا كان يوم الأحد جلس[المأمون]، فكان أوّل من تقدّم إليه تلك المرأة، فقالت:
السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله وبركاته. فقال:
وعليكِ السّلام، أين الخصْم؟ فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين – و أومأت إلى العبّاس ابنه. فقال: يا أحمد بن أبي خالد، خذ بيده فأجْلِسه معها مجلسَ الخصوم. فجعل كلامها يعلو كلام العبّاس؛ فقال لها أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله، إنّك بين يديّ أمير المؤمنين، وإنّك تكلّمين الأمير، فاخفضي من صوتك. فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإنّ الحق أنطقها و أخرسه ثم قضى لها بردّ ضيعتها، وظلم العباّس بظُلمه لها، وأمر بالكتاب لها إلى العامل ببلدها أن يوغِر (18)لها ضَيْعتها ويُحْسن معاونتها، وأمر لها بنفقة. «(19).
و إذ يشير الرّاوي في الحكاية السّابقة إلى أنّ المأمون ردّ على اعتذار عمّه إبراهيم بن المهديّ، منشداً من شعره و من شعر غيره، فإنّ اهتمام المأمون بالشّعر وحفظه و إنشاده، يبدو أنّ له خلفيّة مرجعيّة، تدلّ على شغفه بالأدب والفنّ، وتقديره لهما، فقد كان يحفظ كثيراً من أشعار شعراء عصره، والعصور التي سبقته(20). وكان من أفضل خلفاء الدّولة العبّاسيّة، وعلمائها و حكّامها وحلمائها، وكان فطناً كريماً(21). وكان يؤمّ بلاطه نفر من نجوم الغناء، والشّعراء، والعارفين بعلوم زمانهم، والذين » كانت لكلّ واحد منهم ذاكرة حافلة بمختارات من الشّعر الجيّد و من الرّوايات الأدبيّة. «(22).







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس