عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2010, 04:06 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: كتاب البيع وسائر المعاملات - بن جبرين - شرح كتاب بن حنبل

رباء الفضل






ربا الفضل
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال رحمه الله -تعالى-: فصل: الربا نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة.

فربا الفضل يحرم في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلا ولو يسيرا لا يتأتَّى، ويصح به متساويا، وبغيره مطلقا بشرط قبض قبل تفرُّق، لا مكيل بجنسه وزنا ولا عكسه إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعى.

وربا النسيئة: يحرم فيما اتفق في علة ربا فضل كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساءً، إلا أن يكون الثمن أحد النقدين فيصح.

ويجوز بيع مكيل بموزون، وعكسه مطلقا،وصرف ذهب بفضة، وعكسه.

وإذا افترقا متصارفان بطل العقد فيما لم يقبض.

فصل: وإذا باع دارا شمل البيع أرضها، وبناءها، وسقفها، وبابا منصوبا، وسلما ورفا مسمورين، وخابية مدفونة، لا قفلا، ومفتاحا، ودلوا، وبكرة ونحوها، أو أرضا شمل غرسها وبناءها، لا زرعا، وبذره إلا بشرط، ويصح مع جهل ذلك.

وما يجزُّ أو يلقط مرارا فأصوله لمشترٍ، وجزة ولقطة ظاهرتان لبائع ما لم يشترطه مشترٍ.

ومن باع نخلا تشقق طلعه، فالثمر له مبقي إلى جذاذ ما لم يشرطه مشترٍ، وكذا حكم شجر فيه ثمر بادٍ، أو ظهر من نوره كمشمش، أو خرج من أكمامه كورد وقطن، وما قبل ذلك، والورق مطلقا لمشترٍ.

ولا يصح بيع ثمر قبل بدو صلاحه، ولا زرع قبل اشتداد حبه لغير مالك أصل أو أرضه، إلا بشرط قطعٍ إن كان منتفعا به، وليس مشاعا، وكذا بقل ورطبة ولا قثاء ونحوه إلا لقطة لقطة، أو مع أصله، وإن ترك ما شرط قطعه بطل البيع بزيادة غير يسيرة إلا الخشب فلا، ويشتركان فيها.

وحصاد، ولقاط وجذاذ على مشترٍ، وعلى بائع سقي، ولو تضرر أصل.

وما تلف سوى يسير بآفة سماوية فعلى بائع ما لم يبع مع أصل، أو يؤخر أخذ عن عادته.

وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لجميع نوعها الذي في البستان، فصلاح ثمر نخل أن يحمرَّ أو يصفر، وعنب أن يتموه بالماء الحلو، وبقية ثمر بدو نضج، وطيب أكل، ويشمل بيع دابة عذارها ومقوادها ونعلها، وقن لباسه لغير جمال.


--------------------------------------------------------------------------------



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفصل الأول: في الربا، والفصل الثاني: في بيع الأصول والثمار.

فنبدأ بالربا.

الربا في اللغة الزيادة، يقال: ربا هذا الشيء يعني: زاد، قال الله -تعالى-: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ يعني: ربت: زادت بالنبات، وارتفعت عن مستواها، وكذلك قال تعالى: وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة الربوة: المكان المرتفع الذي زائد عن مستوى الأرض، هذا تعريفه في اللغة، وفي الشرع: الربا زيادة في شيء مخصوص، يعني: في أشياء مخصوصة.

والربا قد حرَّمه الله -تعالى-، وورد الوعيد الشديد في تحريمه، فمن ذلك قول الله -تعالى-: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ يعني: توعَّدهم بأنهم في الآخرة يقوم أحدهم، ثم يسقط مثل المجنون الذي يُصْرع يمشي قليلا، ثم يُصرع، هكذا شبَّههم بالذى يتخبطه الشيطان من المسِّ يعني: الذي قد لامسه مسٌّ من الجِن، فالعادة أنه يمشي، ثم يُصرع، ثم يقوم فيمشي، ثم يسقط، فهكذا يقومون إذا بعثوا أكلة الربا.

في بعض الآثار أنهم يعرفون بانتفاخ بطونهم، وورد في حديث سمرة الذي في البخاري ذكر الرؤيا التي ذكر أنه مرَّ برجلين: أحدهما: يسبح في ماء، والآخر: يسبح في دم، والآخر على طرفه عنده حجارة كلما أتى إليه فتح فمه وألقى فيه حجارة، حجرا أو حجارة، وفسره بأنه آكل الربا كأنه يأكل من هذه الحجارة.

اتفق العلماء على أن الربا من كبائر الذنوب، واستدلوا على ذلك:-

أولا : بالوعيد الشديد في القرآن قال الله -تعالى-: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي: عاد إلى تعاطيه، ولم يتب منه، واستعمله، وأكله فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ثم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا أي: اتركوا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ذكر بعض السلف أنه يقال لآكل الربا يوم القيامة: قم حارب الله ورسوله، أي: كأنه قد استعد أن يحارب الله ورسوله، وماذا يفعل؟ وماذا تنتهي به قوته في هذه المحاربة؟.

ويقول الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ولا شك أن النهي يدل على التحريم، وقد ورد الوعيد عليه في الحديث الذي في الصحيح عن جابر وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، وقال: هم سواء فاللعن دليل على التحريم، أنه حرم التعاون عليه، فالشاهدان لما شهدا على هذا الحرام، وأكداه بشهادتهما دخلا في الوعيد، والكاتب لما علم بأنه ربا، وكتبه دخل في الوعيد، والآكل هو الذي يتعاطاه ويربحه، والموكل هو الذي يسببه حتى يدخله على الآكل، أي: عليهم الوعيد.

كذلك ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- عدَّه من السبع الموبقات، في الحديث الذي في الصحيح عن أبى هريرة: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات فجعله من جملة هذه المحرمات، وسماها موبقات يعني: مهلكات.

ورد فيه أحاديث فيها وعيد شديد، ولكن يظهر أنها من أحاديث القُصَّاص، ولو كانت يعني: أسانيدها مقاربة، مثل الحديث الذي فيه: " درهم ربا أشد إثما من سبع أو ست وثلاثين زنية " هذا الحديث إسناده مضطرب، ولكن يظهر أنه من أحاديث القُصَّاص الذين يقصون ويتساهلون في الرواية.

وكذلك حديث آخر بلفظ " الربا سبعون حوبا أو ست وسبعون حوبا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه " هذا -أيضا- من أحاديث القُصَّاص يعني: يظهر أنها ليست صحيحة؛ وذلك لأن هناك قصاصا كانوا يأخذون ما وجدوا فربما يسمعون الحديث من أحد العامة فيرونه ويجعلونه حديثا فيسمعه مَن يرويه، ويصدر به، وبكل حال الوعيد شديد.

وصحَّح بعضهم بعض هذه الأحاديث في منظومة ابن عبد القوي الدالية المشهورة يقول فيها:

وإياك إياك الربا فلدرهم

أشـد عقابا من زناك بنهد



يعني: أخذا من هذا الحديث، ولكن يكفي أنه من السبع الموبقات إلى آخر ما ورد فيه.

ذكر أن الربا نوعان: ربا ففضل، وربا نسيئة، وربا الفضل أخف؛ وذلك لأن فيه خلاف عن بعض السلف، قد روي عن ابن عباس وغيره أنهم أباحوا ربا الفضل، ولكن ذكروا أن ابن عباس رجع عنه، وإن كان قد تبعه على ذلك بعض تلاميذه وقالوا بقوله، وذكر بعضهم أنه لم يرجع عن إباحته، واستدل له بحديث رواه أسامة في الصحيح: لا ربا إلا في النسيئة أو: إن الربا في النسيئة فأخذوا من هذا أنه لا يحرم ربا الفضل، ولكن حمله بعضهم بقوله: "لا ربا أشد، ولا ربا أعظم من ربا النسيئة".

بدأ بربا الفضل، ربا الفضل اختار هنا أنه في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلا، يحرم ربا الفضل، يحرم في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلا ولو يسيرا لا يتأتى، يعني: في الحاشية قال: "كتمرة بتمرتين" هكذا اختار، وهو المشهور عن الإمام أحمد أنه كل مكيل وموزون، يعني: أن عِلَّة الربا الكيل والوزن، يعني: كل ما يكال أو يوزن فإنه يعتبر ربويا أي: ربا فضل مثاله: يعني: كل مكيل بيع بجنسه فلا بد أن يكون متساويًا، ولا يصح متفاضلا.

عندنا المكيلات هي ما كان أهل المدينة يبيعونه بالكيل كالتمر والزبيب والبُر والشعير والذرة والدخل والأرز، وكذلك ما ليس قوتا يعني: ما كان مكيلا، ولو لم يكن قوتا مثل: القهوة والهيل والقرنفل والزَّنجبيل، وكذلك ما ليس:أيضا- بمأكول ولا مطعوم كزهر الورد، والصابون التايد الآن، وكل ما كان يباع بالكيل.

يقولون: لا يجوز صاع بُر بصاعين بُر، هذا ربا، ولا صاع شعير بصاعين، ولا صاع بُر بصاعٍ وحفنة، ولا صاع تمر بصاعين، لا يجوز هذا، ودليله أن بلالا ذكَر أنه: جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمر جيد فسأله أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا يا رسول الله لا، والله إننا نشتري الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال: أَوَّهْ أَوَّهْ عين الربا لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبه

إذا أردت أن تشتري تمرا جيدا، وعندك تمر رديء، فالتمر الرديء تبيعه بدراهم، ثم تشتري بالدراهم تمرا جيدا من الذي تريد، فأما أن تقول: يا صاحب الجيد أعطني صاعا بصاعين، أو صاعين بثلاث، أو صاعين بأربعة فهذا عين الربا، لا يجوز، هكذا ورد هذا الحديث، وقد ذُكِر -أيضا- في حديث عُبادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمِثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربا، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد

فنص في هذا الحديث على ستة أنها ربوية، أنه لا يباع تمرا بتمر إلا مثلا بمثل، ولا يباع برا ببر إلا مثلا بمثل، ولو اختلفت القيمة، معلوم أن القيم تختلف؛ وذلك لأن هناك نوع من التمر جيد غالٍ رفيع الثمن كالذى يسمى بالسكري أو نبت السيف، ثمنه رفيع، وأن هناك تمرا رخيص كالذى يسمى بالخضل -مثلا-، أو بالصفر أنه رخيص قد يكون الكيلو من هذا بعشرين من السكري، والكيلو من هذا بريال أو بريالين، لا شك أن هذا دليل على أنه ولو تفاوتت قيمته فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمِثل.

وإذا أراد إنسان عنده تمر -مثلا-: تمر براني أو صيحاني أو عجوة أو نحو ذلك، وأراد أن يشتري تمرا آخر، فإنه يبيع التمر الذي عنده بدراهم، ثم يشترى بالدراهم من التمر الذي يريده جيدا أو رديئا، فأما أن يقول: أعطني صاعا بصاعين فهذا ربا، أو صاعا بصاع ونصف فهذا ربا -كما في حديث بلال الذي ذكرنا-.

ومثله: البُر يختلف -أيضا- هناك بر يسمى الصمم، وبر اسمه الشارعي، وبر اسمه الحب -الحُباب-، وبر اسمه اللقيني، وأنواع هذه تختلف -أيضا- قيمتها فيكون بعضها صاعه بأربعة، وبعضها صاعه بستة، وبعضها صاعه بثلاثة، فإذا كان الإنسان عنده بُر رديء، ويريد أن يشتري جيدا باع الرديء بالدراهم، واشترى بالدراهم جيدا، وكذلك بالعكس، ولا يقول: أعطني صاعا بصاعين، أو صاعين بثلاثة، بل هذا من الربا مثلا بمِثل، ولو اختلفت القيمة إذا كان الاسم واحدا، هذا تمر، وهذا تمر، ولو كان هذا نوع، وهذا نوع.

تعرفون -مثلا-: أن الاسم يعمُّ تمر، ولكن كلمة تمر تحتها أنواع يسمى -مثلا- السُّلج نوع -مثلا- والروحاني نوع -مثلا- والنيفي نوع، والصفري نوع، والجميع تمر يسمى جنس، فالجنس تمر تحته أنواع، والبُر جنس يسمى بُر، ويسمى قمح، ويسمى حنطة كل هذه مسميات لاسم واحد، ولكن تحته أنواع -كما ذكرنا- فيقال: الصَّمم نوع، والشارعي نوع، وأشباه ذلك، فإذا أراد أن يشتري نوعا بنوع فلا يجوز إلا مثلا بمِثل.

والحديث ذكرنا أن فيه ستة وهي: الذهب والفضة والبُر والشعير والتَّمر والمِلح، واختلف العلماءُ هل يُلحق بها غيرها، أو لا يُلحق بها غيرها؟ ذهب ابن حزم والظاهرية أنه لا يلحق بها غيرها، بل يقتصر على هذه الستة، ولا يجوز أن يلحق بها غيرها.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحديث ذكرنا أن فيه ستة، وهي: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.

اختلف العلماء هل يلحق بها غيرها، أو لا يلحق بها غيرها؟

ذهب ابن حزم والظاهرية أنه لا يلحق بها غيرها، بل يقصر على هذه الستة، ولا يجوز أن يلحق بها غيرها، والجمهور قالوا: يلحق بها غيرها، ويقاس عليها، فإنه ما ذكر هذه الستة إلا ليلحق بها غيرها. واختلفوا ما السبب الذي نجعله علة، حتى نلحق به ما كان مثله ؟

فالإمام أحمد وأبو حنيفة قالوا: كل ما يكال أو يُوزن فإنه يلحق بالستة، وجعلوا علة الربا: الكيل والوزن.

هكذا اختار الإمام أحمد، في هذا السطر يقول: في كل مكيل وموزون، كل مكيل لا يباع بجنسه إلا مثلا بمثل، وكل موزون لا يُباع بجنسه إلا مثلا بمثل.

المكيلات في العهد النبوي هي: الحبوب، والثمار، والسوائل، هذه كلها مكيلات.

مثلا: التمر مكيل، والدهن مكيل يباع بالكيلو، واللبن مكيل، والأرز مكيل، والقهوة مكيل، والقرنفل والزنجبيل، وكذا ما ليس بمطعوم، وما ليس بقوت مثل: الحلب، والرشاد -حب الرشاد-، وما يسمى بالحب الحار، وأشباهها هذه كلها تباع كيلا -تباع بالكيل-، فعلى هذا تكون ربوية.

فلا يجوز أن يباع حب الرشاد -مثلا- صاعا بصاع ونصف، يعني: رشاد برشاد، أو الحلب؛ صاع بصاع وربع، ما يجوز إلا مثلا بمثل.

وكذلك القهوة؛ لو كان عندك قهوة رديئة، وأردت أن تشتري جيدة، فلا تبعها إلا مثلا بمثل؛ صاعا بصاع، وإذا أردت الجيدة فإنك تبيع الرديئة بالدراهم، ثم تشتري بالدراهم جيدة مما تريد، وهكذا …* مثلا يتفاوت منه ما هو جيد وما هو رديء، فإذا أراد أن يشتري جيدا، وعنده رديء، باع الرديء بالدراهم، واشترى بالدراهم جيدا.

أما أن يقول: أعطني صاعا بصاعين من هذا الرديء، فلا يجوز، يدخل في الربا، يدخل في ذلك كل المكيلات قديما، الدهن -مثلا- كان يباع بالكيلو، ولكن يختلف أصله يرجع فيه إلى أصله؛ فدهن الغنم يسمى جنسا، فلا يباع منه صاع بصاعين، أو صاع بصاع ونصف من دهن الغنم، الغنم ضأن ومعز جنس واحد، وأما دهن غنم ودهن إبل، فإنه يختلف، فيجوز أن يباع صاع من دهن الغنم بصاعين من دهن الإبل، وذلك لأنه ليس مثله؛ هذا له أصل، وهذا له أصل، ولكن لا بد أن يكون يدا بيد، لا بد من التقابض.

وكذلك يقال في الألبان، أي: لبن الإبل أقل -يعني: أرخص- من لبن الغنم، فيجوز أن يباع صاع من لبن الغنم بصاعين من لبن الإبل، ولكن يدا بيد، وأما لبن غنم بلبن غنم فلا بد فيه من شرطين: لا بد من التماثل، ولا بد من التقابض؛ صاع بصاع.

وكذا يقال في نتيجته الذي هو مثلا الأقط يباع أيضا كيلا، فلا يجوز أن يباع أقط الغنم إلا صاعا بصاع، أو صاعين بصاعين، مثلا بمثل، ويجوز صاع من أقط الغنم بصاعين من أقط الإبل، وذلك لاختلاف الأصل.

وكذلك يقال في المكيلات أيضا، ولو كان كيلها غير معتاد. يقولون: إن البصل يباع بالكيل في الأصل، فعلى هذا لا يباع إلا صاعا بصاع، ولو اختلف المسمى، ولو كان هذا طويلا، وهذا عريضا -مثلا- يباع صاعا بصاع، ومن كان عنده رديء باعه بدراهم، واشترى جيدا بالدراهم. فهذه أمثلة للمكيل.

أما الموزونات: الموزون: هو الشيء لا يتأتى كيله مثل: اللحوم؛ تباع بالوزن، ولكنها أجناس فلحم الغنم جنس، ولحم البقر جنس، ولحم الإبل جنس، ولحم السمك جنس، ولحم الطيور جنس.

من العلماء من قال: إنها عدة أجناس، يعني مثلا: لحم الدجاج جنس، ولحم الحمام جنس، ولحم العصافير جنس، ولحم الحُبارى جنس، ومنهم من قال: إنها كلها جنس، فعلى هذا هي تباع بالوزن، فلا يجوز أن يُباع -مثلا- كيلو لحم بقر بكيلوين لحم بقر، ولو كان هذا سمينا، وهذا هزيلا؛ لأن الاسم واحد: لحم بقر.

وكذلك لحم الغنم لا فرق على الصحيح بين الضأن والمعز، كلاهما جنس؛ فعلى هذا لا يجوز أن يباع كيلو لحم بكيلوين لحم من الغنم، ولو كان هذا سمينا دسما، وهذا هزيلا؛ من كان عنده لحم هزيل وأراد سمينا باع الهزيل بالدراهم، واشترى بالدراهم سمينا، فأما أن يقول: أعطني كيلو بكيلوين فهذا عين الربا، ويجوز أن يشتري مثلا كيلو لحم غنم بكيلوين لحم إبل؛ لأنه أرخص، ولأنه جنسان: هذا جنس، وهذا جنس.

ثم كلمة اللحم خاصة باللحم الأحمر؛ لحم الظهر، ولحم الفخذ، ولحم العضد، وأما البواطن فإنها أجناس أيضا؛ فالكبد جنس، والطحال جنس، والرئة جنس، والكلية جنس، والقلب جنس، والأمعاء جنس، والكرش جنس، هذه أجناس لا تتفق، فعلى هذا يجوز أن يباع مثلا اللسان بالقلب، ولو اختلف الوزن، وذلك لأنها متفاوتة. هذا من الموزونات.

اللحوم موزنات ذكرنا أن بعض العلماء جعلها أربعة، فقال: السمك جنس، والطيور جنس، وبهيمة الأنعام جنس، والصيد جنس، وبعضهم اعتبرها أجناسا، وهذا هو الأقرب؛ الإبل جنس، والبقر جنس، والغنم جنس، والظباء جنس، واللحوم جنس مثلا، وكذلك الطيور ولو تفاوتت؛ يعني: يقال: لحم الدجاج جنس، ولحم الحبارى جنس إلى آخره، إلاّ أنها إذا تقاربت فإنها تكون جنسا؛ فالبقر والغنم... الضأن والمعز جنس، والبقر والجواميس جنس، والإبل والبخاتي جنس. هذا نوع من الموزونات.

الموزونات كثيرة؛ فمن الموزونات مثلا: القطن، والحديد، والنحاس، والصفر، والرصاص، والصوف، والشعر، وأشبه هذه، هذه ما تباع بالكيل، إنما تباع بالوزن، فلا بد فيها من التماثل؛ فإذا باع قطنا بقطن فلا بد أن يكون كيلو بكيلو، ولو اختلفت القيمة، وإذا باع مثلا صوفا بصوف فلا بد أن يكون مثلا بمثل، إذا باع حديدا بحديد فيكون مثلا بمثل، وإذا باع رصاصا برصاص فيكون مثلا بمثل.

فهذه هي الربوية عند الإمام أحمد، يقول: في كل مكيل وموزون يخرج ما لا، أي: ما لا يكال ولا يوزن؛ الذي لا يكال ولا يوزن إما المعدود، أو المزروع فمثل هذا ليس بربوي.

فيجوز أن تبيع شاة بشاتين، وبعيرا ببعيرين؛ فقد روي أن عليا -رضي الله عنه- باع جملا له يسمى: عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل، وذلك لارتفاع قيمته، فيجوز فيهما النَّساء ويجوز فيه التفاضل، ويجوز أن يبيع عبدا بعبدين، وفرسا بفرسين، وشاة بشاتين؛ لأنها لا تكال ولا توزن ما دامت حية.

وكذلك ما يباع بالأعداد ونحوها؛ يجوز أن تبيع جلدا بجلدين أو بعشرة جلود، يجوز أن تبيع مثلا ثوبا بثوبين أو بخمسة ثياب، ويجوز به أيضا النَّساء، ويجوز أن تقول مثلا: أبيعك هذا الثوب بثوبين جديدين تعطنيهما بعد شهر، أو بعد عام، لا بأس بالمفاضلة، ولا بأس بالنَّساء.

ومثله أيضا ما يباع بالعدد إن كانوا يبيعون الخضار بالعدد لا بالوزن؛ التفاح مثلا والبيض يباع بالعدد، لا يوزن ولا يكال، فعلى هذا يجوز أن تبيع بيضتين بأربع، وأن تبيع تفاحتين بأربع، أو مثلا أترجتين بثلاث، أو بطيختين بثلاث، أو -مثلا- القرع، والباذنجان والكوسة، والخيار، والطروح …، وكذلك أيضا ما يباع بالسرة كالخس، والفجل، وأشباهها، هذه ليست مكيلة ولا موزونة، فيجوز التفاضل فيها، يعني: واقع الناس كذلك عند الحاجة أن تبيع حبة بحبتين من القرع، أو من الباذنجان، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا يباع بالعدد.

وإذا قلت: إن التفاح -الآن- يباع بالوزن، وكذلك البرتقال، وكذلك مثلا الفواكه، نقول: إن العبرة بالأصل، يمكن أن يكون بعضها -الآن- قديمة يباع بالكيل؛ الصغير مثلا مثل: المشمش، والخوخ، والتين.

هذا يلحق بالمكيلات غالبا؛ لأنه مكيل، يكيلون المشمش بالصاع، وكذلك الخوخ، والتين كما إنهم يكيلون الزبيب، فالحاصل أن الثياب -مثلا- يجوز بيع ثوب بثوبين، أو ذراع بذراعين، ولو من قماش واحد، ويجوز فيه النساء؛ أن يبع ثوبين بخمسة ثياب مؤجلة، لا بأس بالنساء فيه، ولا بأس بالتفاضل.

ثم عرفنا أن هذا هو اختيار الإمام أحمد، أنه يرى أن الربا يختص بما يكال ويوزن، وأما الإمام مالك فإنه يرى أن العلة في الربا هي القوت؛ كل شيء يصلح قوتا، أو يصلح به القوت فإنه ربوي، وإلا فليس بربوي، ويلحق بذلك ما كان قوتا، فيقول ورد الشرع بأربعة من القوت: البر، والشعير، والتمر، والملح؛ لأنه يصلح به القوت، فيجعل مثلا الرز ربوي؛ لأنه قوت.

كذلك الدهن والذرة؛ لأنه قوت، ويلحق بذلك ما يصلح بها القوت، أو ما يتبع القوت، فيقول مثلا: الخضار يصلَح بها القوت، فعنده أن الطماطم ربوي، وكذلك القرع؛ لأنه يصلح به القوت، أو يخلط به، وكذلك جميع ما يحتاج إلى طبخ، حتى مثلا الجذر، والبيض يكون قوتا، وكذلك أيضا الفواكه يعني: العنب، والزبيب يصبح قوتا، ويجمع مع القوت.

فعلى هذا -على مذهب مالك- أنه لا يجوز بيع … إلا مثلا بمثل؛ القرع، ولا الأترج إلا مثل بمثل؛ لأنه يصبح قوتا.

وكذلك جميع الفواكه: التفاح عنده قوت؛ لأنه يمكن أن يكون قوتا، الموز عنده قوتا؛ لأنه يصلح أن يقتات فيكون أيضا ربويا، وأما ما ليس بقوت كالقهوة، ومثلا: الهيل فإنه ليس بقوت، وكذلك القرنفل، وكذلك الحلب، وحب الرشاد، وما أشبه ذلك، فهذه عند مالك ليست ربوية؛ يجوز أن تبيع صاعا من القهوة بصاعين، أو صاعا من الهيل بصاعين إذا كان يدا بيد؛ لأنها ليست قوتا، وليست مما يصلح به القوت. هذا قول مالك.

يقول: اللحوم قوت؛ فجميع اللحوم عنده ربوية، وأما الحديث فليس بربوي، وذلك لأنهم اختلفوا في العلة في الذهب والفضة؛ فالإمام أحمد وأبو حنيفة يقول: العلة فيهما كونهما موزوني جنس، أنهما يوزنان؛ الذهب يباع بالوزن، والفضة تباع بالوزن، فيلحقون بهما الرصاص؛ لأنه يباع بالوزن، والحديد يباع بالوزن مثلا، والشنيدر يباع بالوزن، والصفر يباع بالوزن، كذلك -أيضا مثلا- الصوف والقطن وما أشبه ذلك، هذه تُباع بالوزن فألحقناها بالذهب والفضة.

وأما الإمام مالك فيقول: العلة في بالذهب أنه أثمان، والعلة في الفضة أنها أثمان، فلذلك نلحق بها ما كان ثمنا، فنلحق بها ما يسمى -الآن- بالهلل، ونلحق بها أيضا الأوراق النقدية؛ لأنها أثمان بجميع أنواعها، فلا تباع إلا جنسها بجنسها إلا مثلا بمثل؛ لا يباع ريال بريالات عربية سعودية إلا مثلا بمثل، ولو كان مثلا هذا متمزق، وهذا صحيح، فلا يباع إلا ريال بريال، أو خمسة بخمسة، إلا إذا اتفق الاسم، واختلفت القيمة مثلا، فيجعل العلة في الذهب والفضة كونهما أثمانا للسلع.

أنت مثلا إذا قلت: بكم هذا الكتاب؟ فيقولون مثلا: بعشرة، أي: ريالات، دل على أنها أثمان، أي: قيم للسلع، فيجعل العلة هي الأثمان؛ فعند الإمام مالك يجوز في -مثلا- الحديد أن يباع بكيلوين، أو القطن أن يباع كيلو بكيلوين؛ لأنه ليس قوتا، وليس أثمانا. فالعلة عنده القوت.

الإمام الشافعي يقول: العلة هي الطعم، الطعم عنده هو العلة، والعلة في الذهب والفضة الثمنية أيضا كما قاله مالك، فعند الإمام الشافعي أيضا أن الصوف، والقطن مثلا، والحديد بأنواعه، والرصاص ليس ربويا؛ لأنه ليس مطعوما، ولأنه ليس أثمانا.

وعند الإمام الشافعي أن كل شيء يطعم، ولو لم يكن قوتا فإنه ربوي، وما ليس بمطعوم فإنه ليس بربوي، فنأتي بأمثلة:

مثلا فنقول: عندنا مثلا الحنة، هذا ما هو ربوي عنده -عند الإمام أحمد-؛ لأنه مكيل، وليس ربويا عند الشافعي؛ لأنه ليس بمطعوم، ولا عند الإمام مالك؛ لأنه ليس بقوت، وكذلك مثلا زهر الورد ليس ربويا إلا عند الإمام أحمد؛ لأنه يكال، لأنه مكيل.

وكذلك مثلا الصابون، الذي يغسل به ليس ربويا؛ لأنه ليس بمطعوم عند الإمام الشافعي، وليس بربوي عند مالك؛ لأنه ليس بقوت، ولكنه مما يشبه ما يكال، فهو ربويٌ عند الإمام أحمد، وكذلك مثلا الأشنان، الذي كانوا يغسلون به، ربوي عندنا، دون الإمام مالك والشافعي.

كذلك مثلا النورا التي يُطلى بها، وما أشبهها، هذه ربوية عندنا، وليست ربوية عند الشافعي؛ لأنها ليست بمطعومة، ولا عند الإمام مالك؛ لأنها ليست بقوت. أما مثلا القهوة ربوية عندنا لماذا؟ لأنها مكيلة، وربوية عند الشافعي؛ لأنها مطعومة وليست ربوية عند مالك؛ لأنها ليست قوتا، وكذلك مثلا الزنجبيل، والحلب، وحب الرشاد، والقرنفل، والحب الحار وما أشبهها هذه ربوية عند الشافعي؛ لأنها مطعومة، وربوية عندنا؛ لأنها مكيلة، وليست ربوية عند مالك؛ لأنها ليست قوتا. فهذه تعليلات الأئمة فيما هو ربوي ربا فضل.

نعود فنقول: إذا بيع مكيل بمكيل، أو موزون بموزون فلا بد فيه عندنا من شرطين: التماثل صاع بصاع، أو كيلو بكيلو، والتقابض يدا بيد، ولا تجوز الزيادة فيه، ولو يسيرا كتمرة بتمرتين، أو حفنة بحفنتين، لا نساء ولا حالّة، فلا يصح إلا متساويا؛ صاع بصاع، أو كيلو بكيلو، أو حفنة بحفنة، أما إذا بيع بغيره فإنه يصح، يصح إذا بيع بغيره بشرط: قبض قبل تفرق؛ صورة ذلك: بر بشعير، ماذا يشترط فيه ؟

يشترط فيه التقابض دون التساوي، فتقول مثلا صاع بر بصاعين شعير يجوز، ولكن لا بد من التقابض يدا بيد؛ لأنه قال في الحديث: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم؛ إذا كان يدا بيد مثلا: صاع زبيب بصاعين تمر، ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض دون التساوي -صاع بصاعين يجوز-؛ لأنه قد يكون الزبيب أغلى، فيقال: صاع بصاعين تمر يجوز ذلك، هذا معنى قوله: وبغيره مطلقا، يعني: ويجوز بغيره، يعني: أن يباع مكيل بموزون، أو أن يباع جنس بغير جنسه؛ لأنه قال هناك: بيع بجنسه تفطن لكلمة جنسه، تمر بتمر جنس بجنس، وأما تمر بزبيب فإنه جنس بجنس آخر، ليس بجنسه، ما بيع بجنسه. فاشترط فيما إذا بيع بغير جنسه التقابض قبل التفرق، ولو حصل التفاوت: صاع بصاعين.

ثم ذكروا أنه لا يجوز أن يباع المكيل بجنسه وزنا، ولا عكسه؛ فيقولون مثلا: التمور مكيلة، فلا يباع تمر وزنا بتمر كيلا، وذلك لعدم تحقق التساوي، فلا يباع مكيل بجنسه إلا كيلا، ولا موزون بجنة إلا وزنا، فلا يباع مكيل مثلا صاع تمر بكيلوين تمر؛ لأننا نتحقق التماثل، أو صاع زبيب بثلاثة كيلو زبيب ما يجوز، لا يباع إلا كيلا، والصحيح أنه يجوز وزنا؛ لأن الوزن أضبط بالمثلية، فيجوز أن يباع مثلا كما هو واقع الناس، أن التمر أصبح موزونا، وأن الزبيب أصبح موزونا، وأن الدهن أصبح موزونا، فيجوز أن يباع مثلا كيلو بكيلو -تمر بتمر-، ولو اختلف النوع، كيلو بكيلو.

ولذلك قال: ولا عكسه إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعي.

المعيار الشرعي في المكيلات هو الصاع، وفي الموزونات هو ما يعرف بالرطل قديما، ما يعرف -الآن- بالكيلو، هذا المعيار الذي تقدر به هذه المقدرات، ثم نعرف أنهم توسعوا في ذكر الأمثلة، فلذلك قالوا: لا بد من التحقق في التماثل.

ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل: هل يباع الرطب بالتمر؟ فقال: هل ينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم هو يعرف أنه ينقص؛ لأنه إذا كان رطبا ففيه هذه الرطوبة، وهذا الدُّبس، فإذا يبس وجف خف وزنه، وخف كيله- فلذلك قال: لا يباع إلا مثلا بمثل. يعني: لا يباع الرطب باليابس؛ لعدم تحقق التساوي، أما الدقيق مثلا فيباع وزنا ولا يباع كيلا؛ لأن العادة أنه إذا طحن انتشرت أجزاؤه، فأنت مثلا تأتي بالصاع من البر تطحنه، وإذا كلته وجدته قد زاد أصبح صاعا وربعا، أو صاعا وثلثا، ففي هذه الحال لا يباع صاع دقيق بصاع بر؛ لعدم التساوي إلا بالوزن.

الوزن تحقق إذا بيع مثلا كيلو دقيق بكيلو بر فلا بأس بذلك، وكذلك أيضا العصيرات أيضا بأصولها؛ فعصير العنب يعتبر مثل العنب، فلا يباع إلا بجنسه مثلا بمثل، ودُبس التمر يلحق -أيضا- بالتمر، فلا يباع دبسا بدبس إلا متساويا متماثلا، أما إذا خرج عن صنعته فالصحيح أنه يجوز التفاضل فيه، مثاله: الخبز، الخبز إذا خبز أصبح غير مكيل، ولا موزون أصبح يباع بالعدد، ولو أن هناك من يوزنه؛ ففي هذه الحال يجوز أن تشتري رغيفا برغيفين، ولو كان أصلهما بُر، ويجوز فيه النساء أيضا، يجوز أن تقول: بعني رغيفا وأعطيك رغيفين غدا.

يعني: الرغيف الذي هو الواحدة من الخبز، وكذلك -أيضا- إذا كان -مثلا- خبزة كبيرة، تقول: بعني هذه الكبيرة بأربع صغيرات، أو بثلاث يجوز ذلك، وذلك لأنه خرج عن أصله، أصبح غير مكيل ولا موزون، أصبح يباع بالعدد كما هو مشاهد، وأما إذا كان باقيا على أصله، أو محلقا بأصله مثلا كالعصير والدُّبس ونحوه، فإنه باق على ما هو عليه.

انتهينا من ربا الفضل نأتي إلى ربا النسيئة:

ربا النسيئة: هو ربا الجاهلية الذي ورد فيه الوعيد الشديد؛ كان أهل الجاهلية إذا كان عند إنسان لك دين إن كان عندك لإنسان دين؛ مثلا: عشرة آلاف. جاء إليك، وقال: أعطني ديني، وإلا زدت عليك فيه وأخرتك، يعزرون بذلك فيه بقولهم: إما أن تعطي، وإما أن تربي، إما أن تعطيني ديني الذي في ذمتك، وإما أن تربي. ما معنى تربي ؟

أي: نزيد في الدين، ونزيد في الأجل، يقول: الدين عشرة آلاف نجعله خمسة عشرة ألفا، ونؤخرك سنة، فإذا تمت السنة جاء إليك، وقال: لي عندك خمسة عشرة ألفا، إما أن تعطينيها وإما أن أزيدك وأؤخرها، فيؤخرك سنة ويجعلها مثلا عشرين ألفا، فإذا هلت العشرون جاء وقال: أعطني العشرين وإلا زدتك زدت فيها، وأجلتك سنة، فيجعلها مثلا ثلاثين، ويقول: أؤخرها سنة، فإذا حلت الثلاثون جاء، وقال: أعطني الثلاثين، وإلا زدت فيها، وأؤخرك فيجعلها أربعين، وهكذا تتضاعف، هذا معنى قوله: لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

ولما جاء الإسلام وإذا هنا أناس عندهم عشرات الألوف، وهي ربا فجاء الإسلام في إبطالها؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدميّ، وأول ربا أضعه ربا العباس فوضع الربا الذي كان العباس يتعاطاه عند كثير من المرابين، وأنزل الله -تعالى- قوله: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ

إذا كان رأس مالك عشرة آلاف، ثمن السلع التي أنتجتها فاقتصر عليها، والزيادة التي ضاعفتها إلى أن وصلت إلى أربعين، أو مائة ألف كل هذه أسقطها، ليس لك إلا رأس مالك هذا ما كانوا يتعاملونه.

النساءه هو التأخير: نسأه يعني: أخره، قال -تعالى-: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ نسيء الجاهلية الذي هو تأخير تحريم بعض الشهور المحرمة، وقرأ بعض القراء قول الله -تعالى-: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا أي نؤخرها. فالنسأ هو التأخير، ومعنى ذلك أنهم يقولون: نؤخرك بالمطالبة ونزيد في الدين، أي: الدين الذي هو عشرة، ننسأه أي نؤخره، ثم نجعله زائدا عما كان عليه، فلذلك يحرم ربا النسيئة فيما اتفق في علة ربا الفضل كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساءة.

ذكرنا في ربا الفضل أنه لا يجوز فيه النساء إذا كان جنسا بجنس، أو اتفق في العلة، إذا اتفق في علة واحدة؛ فمثلا: شعير ببر إن صاع بصاعين، ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض، ولا يجوز فيه النساء، ومثلا كيلو لحم غنم بكيلوين لحم إبل يجوز، ولكن لا بد فيه من التقابض، لا يجوز فيه النساء، وذلك لأن العلة فيه واحدة، وهو أن هذا موزون وهذا موزون.

وكذلك مثلا إذا بيع حديد أو رصاص بلحم، ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض، ولا يجوز فيه النساء، يحوز التفاضل، ولا يجوز التفرق قبل التقابض، فيحرم ربا النسيئة فيما اتفقا في علة ربا فضل، كمكيل بمكيل، يعني: بر بشعير، لا يجوز النَّساء، يعني: التأخير، بل صاع بصاعين، وموزون بموزون، كحديد بقطن، أو حديد بلحم، أو لحم بقطن أو بصوف، موزون بموزون، لا يجوز إلا يد بيد، لا يجوز نساء.

استثنوا إذا كان الثمن أحد النقدين، عندنا أن النقود العلة فيها الوزن، يعني: الريالات؛ الريالات قديما من فضة والجنيهات من الذهب، قديما كانوا يتعاملون بالدراهم فضة مضروبة، أو بالذهب الذي هو الدنانير مضروبة، وفي هذه الحال يجوز النساء إذا كان الثمن أحد النقدين، يعني: من النقود، فيجوز مثلا أن تشتري لحما بدراهم غائبة، أو تشتري قطنا مثلا بدراهم غائبة، أو تشتري قطنا غائبا، أو لحما غائبا بدراهم حاضرة، وهو ما يسمى بالسلم، فلو منع ذلك انسد السلم في الموزونات، يجوز بيع مكيل بموزون، وعكسه مكيل بموزون يجوز، وعكسه موزون -يعني- بمكيل جائز مطلقا، هناك ما يتعلق بالصرف؛ لأن فيه … إن شاء الله غدا.

س: أحسن الله إليكم، وهذا السائل يقول: إذا ذهب أحد ليصرف خمسمائة ريال، فلم يجد عنده إلا ثلاثمائة ريال. فقال: خذ الثلاثمائة، وارجع بعد مدة وخذ المائتين. فهل يعتبر هذا صحيحا ؟

ج: يجوز ذلك، وذلك لأنها اسم واحد، ولا فرق بينها؛ خمسمائة ورقة واحدة، أو خمس ورقات، أو عشرة ورقات القيمة واحدة، ولا تفاوت بينها، فلا حرج في كونه مثلا يعطيك -الآن- ثلاثمائة، ترجع إليه بعد يوم أو يومين يعطيك الباقي.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: ما يتعلق بالبضائع الكبيرة التي تكون في الثلاجات، يصعب نقلها من مكانها؛ لوجود مشقة. فهل يكفي قبض الدراهم، وأخذ المستند على بيعها؟

ج: لا بأس كأنها إذا كانت -مثلا- في أماكن ثقيلة، فإذا قبضها، إذا باع مثلا من هذه الثلاجة، أو من الثلاجات الكبيرة فتبقى في ملك البائع، لو تلفت لذهبت على البائع، لو فسدت لذهبت على البائع، ولكن يكون قد انعقد سبب البيع، فلا يجوز له أن يرجع؛ لكون البيع قد انعقد، ثم لا يجوز للمشتري أن يبيعها وهي في الثلاجة؛ اشترى مثلا مائة كرتونة، مثلا من التفاح، أو من البطاطا، أو مائة كيس من البصل، ولكنها لا تزال في الثلاجة، فلا يجوز أن يتصرف فيها، أن يقول: البيع قد انعقد، وقد وجب لوجود التفرق، ولكن ليس لك -أيها المشتري- أن تتصرف فيها قبل أن تقبضها، وإذا تلفت فإن ذهابها على البائع؛ لأنها لا تزال في مستودعه، ولا تزال في ثلاجته.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: لدي أسهم في شركة، وأريد أن أبيعها على شخص مؤجل بسعر أكثر من سعرها الحالي. فهل هذا جائز ؟

ج: لا يجوز إذا كان مثلا أنها دراهم، أما إذا كانت سلعا فلا بأس، يعني مثلا: شركة صناعية تنتج مصنوعات، ولك فيها مثلا سهم واحد في الألف، فلك أن تبيع حالا بثمن ناقض هذا السهم، ولك أن تبيعه بمؤجل، وذلك لأنك تملك هذا الجزء، الذي هو واحد من الألف من هذه الشركة.

وكذلك أيضا إذا كانت الشركة زراعية، عندها مثلا أراض زراعية، وعندها رشاشات، وماكينات، وحصادات، وما أشبه ذلك، ولك فيها شراكة تقول: لي في هذه الشركة سهم واحد في الألف، أو عشرة في الألف، أو واحد في المائة، فتبيع نصيبك منها بحالّ أو بمؤجل؛ لأن هذا ليس بربوي.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: عندي تمر رديء، وأريد أن أشتري بوزنه تمر جيدا، على أن أدفع الفرق بين النوعين. فهل هذا جائز ؟

ج: غير جائز، وتسمى هذه مسألة مُد عجوة؛ مُد عجوة ودرهم بدرهمين، أو مُد عجوة ودرهم بمُد عجوة ودرهم، أو مُد عجوة ودرهم بمُدي عجوة، هذا مسألة ما روي أن فضالة بن عبيد اشترى قلادة فيها ذهب وخرز، اشتراها باثني عشر دينارا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تباع حتى تفصل يعني: حتى يباع الذهب بوزنه، ويباع الخرز بقيمته.

س: أحسن الله إليكم،. وهذه سائلة تقول: ما حكم ما تفعله بعض النساء من بيع ذهب بذهب في نفس المحل، مع التفاضل في البيع؟ نرجو التنبيه؛ لأن هذه مسألة منتشرة.

ج: صحيح منتشرة، ولعلنا نأتي إليها -إن شاء الله- غدا في الصرف، ونبين حكمها، وكيفية الوجه …، يعني: فيها تفصيل.

س: وهذا يقول: أحسن الله إليكم. ما حكم بيع تسع ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية؟

ج: ورد فيها أو وقع فيها خلاف بين المشايخ، ولعل الجواز أقرب، وذلك لوجود الاختلاف، ولأنه إذا كان يدا بيد فلا بأس، ولأن هناك فروق بين الريالات الورقية، والريالات المعدنية، والريالات الفضية، ولو كان الاسم واحد.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: انتشر في هذه الآونة الأخيرة بطاقة الهاتف بدلا من العملة النقدية، وهي فئات وبعض الناس فئة خمسين بخمسة وخمسين، أو فئة عشرين بخمسة وعشرين. فهل هذا جائز؟

ج: لعل هذا جائز؛ لأن هذه الورقة ليست مثل الريالات، لو أتيت إلى البقال، وقلت: أعطني بهذه الورقة التي هي بطاقة الهاتف ما يعطيك و… بهذه الدراهم، إنما تصلح للهاتف فقط، فلا جرم أنه يجوز مثلا أن يبيعها، يذهب مثلا إلى الهاتف، ويأخذ منهم بطاقتين مثلا بمائتين أو بطاقتين بمائة، ثم يبيعهما بفائدة لا بأس.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: ما الراجح -حفظكم الله- في علة ربا الفضل؟

ج: لا أستطيع أن أجزم بشيء، ولكن الإمام أحمد استدل بأن في حديث عبادة لما ذكر الأربعة، قال: وكذلك الميزان. أو وقال: في الميزان مثل ذلك، فأخذ منه أن العلة هي الكيل والوزن، وأما البقية فإنهم عللوا؛ فالشافعي أخذ بحديث ربيعة الذي فيه نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل، فقال: كل شيء مطعوم فإنه ربوي، ولكل اجتهاده، والفتوى على أن العلة عندنا هي الكيل والوزن.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: إن الكيل والوزن -أحيانا- لا ينضبط؛ لأن ما كان مكيلا في بلد قد يكون معدودا في بلد آخر، فهل يرجع في ذلك إلى العرف؟

ج: ذكروا أن المرجع في الكيل إلى المدينة زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي الوزن إلى مكة، ورد في ذلك حديث في سنن أبي داود: المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة والأشياء التي ما كانت موجودة في ذلك الزمان -يعني: في المدينة ومكة- تلحق بما يقاربها في البلاد الأخرى، وقد أحصوها تجدون مثلا في حاشية الشيخ ابن القاسم على الروم، كذلك في حاشية العنقري أحصاء عام لما هو مكيل، ولما هو موزون.

س: أحسن الله إليكم،. يقول: ابتلينا باستلام رواتبنا من البنوك، وفي حال الزحام يمر علينا وقت صلاة المغرب -مثلا-، فتغلق الأبواب للحفاظ على. ..، فهل تجوز الصلاة في البنك؟

ج: ليس هناك زحام، وفي الإمكان أنك تؤخره حتى تصلي، فالصلاة أقدم، فلا يجوز لك مثلا أن تقول: إذا ذهبت أصلي فاتني الترتيب، بل ارجع، ولو -يعني: اذهب وصلِّ- ولو أصبحت في ترتيب آخر، فالصلاة أقدم.

س: أحسن الله إليك. كثر التساؤل حول مسألة الفرق بين المكيل والموزون. أحسن الله إليك.

ج: قلنا: إن المكيلات هي الحبوب والثمار، وكذلك المائعات، وأما الموزنات هي التي لا يتأتى فيها الكيل مثل: اللحوم والحديد والقطن، وما أشبه ذلك، والمعدودات هي التي تباع بالعدد -غالبا- مثل: البطيخ بأنواعه: الجح، والهندوة، والقرع، والباذنجان، وما أشبه ذلك.

وكانوا -أيضا- يبيعون بالأعدد: التفاح، والأترج، والليمون، والبرتقال، والموز، وما أشبه ذلك. هذه يرجع فيها إلى الإحصاء، يعني: مذكورة في كتب الفقهاء أن هذا مكيل، وهذا مكيل، وهذا موزون.

س: أحسن الله إليك. يقول: التمر أنواع كثيرة، ومع ذلك لا يجوز التفاضل؛ لأنه يدخل تحت مسمى واحد وهو التمر، فلماذا جاز في اللبن والدهن؟

ج: وذلك؛ لأنها ترجع إلى أصولها؛ التمر اسمه تمر، ثم أيضا أصله نخلة، فالأصل نخلة، وأما هذه فهذه أصلها ناقة، وهذا أصله بقرة، وهذا أصله شاة؛ الشاة تطلق على الغنم، يعني: على الضأن والمعز، فلذلك سارت اللحوم أجناسا، والألبان أجناسا، والأدهان أجناسا.

أحسن الله إليكم، وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.








آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس