حين يكون الشارع أرحم بهم الأشقاء الثلاثة يتسولون لمساعدة أمهم بملابس رثة ووجوه معفرة بالتراب ينظرون إليك بوجوههم الصغيرة وعيونهم المتعبة ، رشا وأحمد وصبحي .. ثلاثة أشقاء لا يتجاوز سن أكبرهم العشرة أعوام، إذا رأيتهم سيكونون بصحبة واحدة يبحثون عن محسنٍ بشارع جامعة الدول العربية يتعطف عليهم ببضعة قروش ليعودون لوالدتهم بعد انتظار يوم طويل. "رشا" الأخت الكبرى التي تبلغ من العمر عشرة أعوام ، هي المسئولة عن الأخوين، تقول أنهم يسكنون بحجرة في منطقة الهرم يدفعون إيجارها 100 جنيه في الشهر، وتعمل الأم في بيع المناديل والتسول، أما والدها فقد ترك والدتهم بعد زواجه بأخرى. عندما رأيتهم كان شابا في مقتبل العمر ينهرهم من أجل أن يعملوا ؛ فساروا متباطئين يجلسون على الرصيف ويجمعون أغطية زجاجات المياه الغازية ، وعندما سألتهم عن ذلك الشاب قالوا انه فقد 10 جنيهات واتهمهم بسرقتها وعليهم أن يشحذوا لسداد هذه الجنيهات وإلا ضربهم وأخذ أحذيتهم! "أحمد" الذي يبلغ من العمر 8 أعوام ويمسك بيده فوطة متسخة ، يقوم بمسح السيارات ويتسول في نفس الوقت، ولكنه أيضا يعمل في ورشة ميكانيكا باليومية خمسة جنيهات ، ولا يعرف كم عدد الساعات التي يعمل بها، يقول "بشتغل في الورشة من الساعة 10 الصبح لحد بالليل لما أقول لصاحبها أنا عايز أنام فيقولي روح". سألت أحمد ماذا تتمنى أن تعمل عندما تكبر قال "نفسي أدخل المدرسة وأشتغل أي حاجة" أما "صبحي" الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره الخمسة أعوام ولا تستطيع أن تفهم حديثه بسهولة ، فيمسك هو الأخر بفوطة قذرة لمسح السيارات، وعندما جلس أخوته تركنا وأخذ يلهو بملء أكواب بلاستيكية بالتراب. الأطفال الذين يخرجون من بيتهم عند الظهيرة ويعودون بعد العشاء، عندما سألتهم لماذا يتسولون في جامعة الدول وليس في الهرم حيث يسكنون قالوا "علشان الحكومة مش تاخدنا" !. سألت الأخت الكبيرة "رشا" لماذا لا تعملين في أحد البيوت، فقالت انها كانت تعمل في أحد البيوت وتقبض 150 جنيها في الشهر ، لكن أصحابه كانوا يضربونها وقصوا لها شعرها لأنها لم تستطع أن تفعل كل ما يطلبونه، ثم علقت قائلة "الشغل كده أحسن على الأقل بشوف الشارع وأكل اللي نفسي فيه وأشرب اللي نفسي فيه". عندما أخرجت الكاميرا لالتقاط بعض الصور الأخرى، سألتني: يا أبلة أنتي بتصورينا ليه؟ علشان توديها الحكومة؟! قوموا يا عيال.