أخـــــــــبار المحبيــــــــــن
( بسم الله الرحمن الرحيم )
الجزء الثاني من ـ أخبار المحبين ـ
8 ـ عن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأنا ابن ثمان سنين , فأخذت أمي بيدي فانطلقت بي إليه , فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد اتحفك بتحفة , وإني لا أقدر على ما أحتفك به إلا ابني هذا , فخذه فليخدمك ما بدا لك , فقال : فخدمته عشر سنين , فما ضربني ولا سبني ولا عبس في وجهي . (سير أعلام النبلاء : ج 3 , ص 398 )
9 ـ عن أفلح مولى أبي أيوب , عن أبي أيوب , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة نزل على أبي أيوب فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أسفل , وأبو أيوب في العلو , فانتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال : نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فتحول فباتوا في جانب , فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسفل أرفق بي . فقال أبو أيوب : لا أعلو سقيفة أنت تحتها . فتحول أبو أيوب في السفل , والنبي صلى الله عليه وسلم في العلو ( ابن الجوزي : جمال الدين القرشي , صِفة الصفوَة , ج 1 , ص 163)
10 ـ وعن ابن عباس قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خيبر قال القوم : الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة ؟ فإذا كانت امرأة فسيحجبها وإلا فهى سرية . فلما خرج أمر بستر فستر دونها فعرف الناس أنها امرأة فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها , فأبت ووضعت ركبتها على فخذه , ثم حملها , فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط , معه السيف , واضع رأسه على الفسطاط , فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الحركة فقال : من هذا ؟ فقال : أنا أبو أيوب , فقال : ما شأنك ؟ فقال : يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها , قلت إن تحركت كنت قريباً منك , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحماك الله يا أبا أيوب , مرتين . (ابن الجوزي : جمال الدين القرشي , صِفة الصفوَة , ج 1 , ص 163 )
11 ـ عن طارق بن شهاب قال : سمعت ابن مسعود يقول : شهدت من المقدام بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به . أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال : لا نقول كما قال قوم موسى :
: ( قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) [ المائدة :24]
ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك ,فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره يعني قوله . (رواه البخاري في صحيحة بشرح الباري : كتاب المغازي , باب قولة تعالى ( إذا تستغيثون ربكم ..) برقم 3952 , ج 7 , ص 335 )
12 ـ ـ روى الشيخان في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها قالت : سهر رسول صلى الله عليه وسلم الله مَقْدَمَه المدينة ليلة فقال : ( ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة ) قالت : فبينما نحن كذلك سمعنا خَشْخَشة سلاح , فقال : ( من هذا ؟ ) قال : سعد بن أبي وقاص , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما جاء بك ؟) فقال : وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجئت أحرسه , فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام .
ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي , بل كان أمراً مستمراً . فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلاً حتى نزل قوله تعالى:
( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) [ المائدة :67]
فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة , فقال : ( يا أيها الناس , انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل ) (المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 215 )
13 ـ في غزوة بدر الكبرى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً عسكرياً استشارياً , أشار إلى الوضع الراهن , وتبادل فيه الرأي مع عامة الجيش وقادته , وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس وخافوا اللقاء الدامي , وهم الذين قال الله فيهم
: ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ) [ الأنفال :5]
وأما قادة الجيش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن , ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله , امضِ لما أراك الله فنحن معك , والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى
: ( َالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) [ المائدة: 24]
( ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون , فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . فقال رسول الله خيراً ودعا له به .
وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين , وهم أقلية في الجيش , فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأى قادة الأنصار , لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش , ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم , مع إن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم , فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة ( أشيروا عليّ أيها الناس ) وإنما يريد الأنصار , وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : والله , ولكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل .
قال : فقد آمنا بك , فصدقناك , وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ,وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة , فامضِ يا رسول الله لما أردت , فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك , ما تخلف منا رجل واحد , وما نكره أن تلقى عدونا غداً , إنا لصبرٌ في الحرب , صُدَّق في اللقاء , ولعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك , فسر بنا على بركة الله .
وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم , وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم :فاظعن حيث شئت وصِلْ حَبْل من شئت , واقطع حبل من شئت , وخذ من أموالنا ما شئت , وأعطنا ما شئت , وما أخذت من كان أحب إلينا مما تركت , وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك , فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غِمْدان لنسيرن معك , ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك .
فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشاطه ذلك , ثم قال : ( سيروا وأبشروا , فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين , والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم ) (المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص228 ـ 229 )
14 ـ بعد نزول المسلمين على الماء في معركة بدر اقترح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقراً لقيادته , استعداداً للطوارئ , وتقديراً للهزيمة قبل النصر , حيث قال : يا نبي الله , ألا نبني لك عريشاً تكون فيه , ونعد عندك ركائبك , ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا , وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بِمَنْ وراءنا من قومنا , فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا ًمنهم , ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك , يمنعك الله بهم , يناصرونك ويجاهدون معك .فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير , وبنى المسلمون عريشاً على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقي لميدان القتال , ويشرف على ساحة المعركة , كما تم اختيار فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مقر قيادته . ( المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 231 )
15 ـ عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف المسلمين في غزوة بدر , وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب فقد كان في يديه قِدْح يعدل به , وكان سَوَاد بن غَزِيَّة مُسْتَنْصِلاً ( متقدماً ) من الصف ,فطعن في بطنه بالقدح, وقال ( استو يا سواد ) فقال سواد : يا رسول الله , أوجعتني فأقدنى , فكشف عن بطنه وقال : ( استقد ) فاعتنقه سواد وقبل بطنه , فقال : ( ما حملك على هذا يا سواد ؟) قال : يا رسول الله , قد حضر ما ترى , فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك, فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير . (المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 234ــ 235 )
16 ـ ـ قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : إني لفي الصف يوم بدر إذا التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن , فكأني لم آمن بمكانهما , إذا قال لي أحدهما سراً من صاحبه : يا عم , أرنى أبا جهل , فقلت : يا بن أخي , فما تصنع به ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا , فتعجبت لذلك , قال : وغمزني الآخر , فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس . فقلت : الأ تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه , قال : فابتدراه فضرباه حتى قتلاه , ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : ( أيكما قتله ؟) فقال كل واحد منهما أنا قتلته , قال : ( هل مسحتما سيفكما ؟) فقالا:لا. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقا ل : ( كلاكما قتله ) وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح , والرجلان ـ معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعَوِّذ ابن عفراء . (المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 239 )
17 ـ نهى الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في القتال حتى يأمرهم , وظاهر بين درعين (لبس درعا فوق درع ) وحرض أصحابه على القتال , وحضهم على المصابرة والجلاد عند اللقاء , وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه حتى جرد سيفاً باتراً ونادى أصحابه ( من يأخذ هذا السيف بحقه ؟) فقام إليه رجال ليأخذوه ـ منهم.
علي بن أبي طالب , والزبير بن العوام , وعمر بن الخطاب ـ حتى قام إليه أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة , فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : ( أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحنى) قال : أنا آخذه بحقه يا رسول الله , فأعطاه إياه .
أقبل أبو دُجَانة معلماً بعصابته الحمراء , آخذاً بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم , مصمماً على أداء حقه , فقاتل حتى أمعن في الناس , وجعل لا يلقى مشركاً إلا قتله , وأخذ يهد صفوف المشركين هدّا , قال الزبير بن العوام : وجدت في نفسى حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعنيه , وأعطاه أبا دجانة , وقلت ـ أى في نفسى : أنا ابن صفية عمته , ومن قريش وقد قمت إليه , فسألته إياه قبله فآتاه إياه وتركنى , والله لأنظرن ما يصنع ؟ فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه , فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت , فخرج وهو يقول :
أنا الـــذي عاهدنــــــي خليلـــــي *** ونحن بالسَّفْـــح لدى النَّخِيـــل
ألا أقـــــــوم الدَّهْـــرَ في الكَيُّــــول *** أضْرِبْ بسَيْـــف الله والرســـول
الكَيُّــــول ( أي آخر الصفوف يعنى أنه لا يقاتل في مؤخرة الصفوف , بل يظل أبداً في المقدمة . )
فجعل لا يلقى أحداَ إلا قتله , وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحاً إلا ذَفَّفَ عليه ( أي أجهز عليه وأسرع قتله ) فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه , فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا , فاختلفا ضربتين , فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته , فَعَضَّتْ بسيفه , فضربه أبو دجانة فقتله , ثم أمعن أبو دجانة في هدِّ الصفوف , حتى خلص إلى قائدة نسوة قريش , وهو لا يدرى بها . قال أبو دجانة : رأيت إنساناً يَخْمِش ( يشجع على القتل .)
) الناس خمشاً شديداً , فصمدت له ( أي قصدت نحوه ) فلما حملت عليه السيف ولَوْلَ , فإذا امرأة , فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة . كانت تلك هي هند بنت عتبه. (المباركفوري : صفى الرحمن المباركفوري ,الرحيق المختوم , ص 271 ـ 275 )
18 ـ في غزوة أحد عندما سمع المسلمون صائحاً يصيح : إن محمداً قد قتل , فطار صوابهم وانهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من أفراد المسلمين , فتوقف من توقف منهم عن القتال , وألقى بأسلحته مستكيناً , وفكر آخرون في الاتصال بعبد الله بن أبي ـ رأس المنافقين ـ ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان , ومر بهؤلاء أنس بن النضر , وقد ألقوا ما بأيديهم فقال :ما تنتظرون ؟ فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اللّهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين , ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ , فقال : أين يا أبا عمر ؟ فقال أنس : واها لريح الجنة يا سعد إنى أجده دون أحد , ثم مضى فقاتل حتى قتل , فما عرف حتى عرفته أخته ـ بعد نهاية المعركة ـ ببنانه .وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح , وضربة بسيف , ورمية بسهم . (المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم ,ص 280 )
19 ـ روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش , فلما رهقوه قال : ( من يردهم عنا وله الجنة ؟ أو هو رفيقي في الجنة ؟) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضاً فقال : ( من يردهم عنا وله الجنة ؟ أو هو رفيقي في الجنة ؟) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ) فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبيه ـ أي القرشيين ـ : ( ما أنصفنا أصحابنا )
ففي الصحيحين عن أبي عثمان قال : لم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص .
فأما سعد بن أبي وقاص , فقد نثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته وقال : (ارم فداك أبي وأمي ) ويدل على مدى كفاءته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع أبويه لأحد غير سعد .
وأما طلحة بن عبد الله فقد روى النسائي عن جابر قصة تَجَمَّع المشركين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار , قال جابر : فأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( من للقوم ؟) فقال طلحة : أنا ثم ذكر جابر تقدم الأنصار , وقتلهم واحداً بعد واحد فلما قتل الأنصار كلهم تقدم طلحة , قال جابر ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه , فقال : حَسِّ ( أي تقال عند الوجع ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون )
وروى الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه يومئذ : ( من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشى على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبد الله ) (المباركفوري : صفى الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 283 )
وروى البخاري عن قيس بن أبى حازم قال : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت . (رواه البخاري في صحيحة بشرح الباري : كتاب فضائل الصحابة , باب ذكر طلحة بن عبيد الله , برقم 3724 , ج 7 , ص 103 )
20 ـ كان أبو طلحة رضي الله عنه بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم جثا بين يديه وقال : نفسي لنفسك فداء ووجهي لوجهك الوقاء . (سير أعلام النبلاء : ج 2 , ص 32 )
21 ـ روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت :قال أبو بكر الصديق : لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي, صلى الله عليه وسلم فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه , قلت , كن طلحة , فداك أبي وأمي , كن طلحة , فداك أبي وأمي ــ حيث فاتني ما فاتني , فقلت : يكون رجل من قومي أحب إلى
ـ فلم أنشب أن أدركنى أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقنى , فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فإذا طلحة بين يديه صريعاً , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دونكم أخاكم فقد أوجب ) وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم في وَجْنَتِهِ حتى غابت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجنته فذهبت لأنزعهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر , إلا تركتنى قال : فأخذ بفيه فجعل يُنّضِّضه كراهية أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم استل السهم بفيه فَنَدَرَت ثنية أبي عبيدة , قال أبو بكر : ثم ذهبت لآخذ الآخر , فقال أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر , إلا تركتنى , قال : فأخذه فجعل ينضضه حتى اسْتَلَّه , فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دونكم أخاكم فقد أوجب ) فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابته بضع عشرة ضربة . ( المباركفوري : صفى الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 284 )
22 ـ قال أنس رضي الله عنه : لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم , وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم موجب به عليه بحجفة له , وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد القد يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا , وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل , فيقول : انثرها لأبي طلحة , فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم , فيقول : أبو طلحة : يا نبي الله , بأبي أنت وأمي , لا تشرف يصيبك منهم من سهام القوم , نحري دون نحرك , ولقد رأت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقران القرب على متونهما , تفرغانه في أفواه القوم , ثم ترجعان فتملآنها , ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم . ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثاً (رواه البخاري في صحيحة بشرح الباري : كتاب مناقب الأنصار , باب مناقب أبي طلحة رضي الله عنه , برقم 3811 , ج 7 , ص 160 )
23 ـ امتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه ,فقال : ( مُجَّه ) فقال : والله لا أمجه , ثم أدبر يقاتل , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ) فقتل شهيداً . (المباركفوري : صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 286 )
24 ـ قاتل مصعب بن عمير بضراوة بالغة , يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم هجوم ابن قمئة وأصحابه وكان اللواء بيده , فضربوه على يده اليمنى حتى قطعت , فأخذ اللواء بيده اليسرى وصمد في وجوه الكفار حتى قطعت يده اليسرى , ثم برك عليه بصدره وعنقه حتى قتل وكان الذي قتله هو ابن قمئة , وهو يظنه رسول الله ـ لشبهه به ـ فانصرف ابن قمئة إلى المشركين وصاح : إن محمداً قد قتل . المباركفوري : صفى الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص 286 )