يقف الإنسان خلال مراحل حياته أمام خمس محاكم : هي
1ـ محكمة الضمير
2ـ محكمة القضاء
3ـ محكمة المجتمع
4ـ محكمة التأريخ
5ـ محكمة الآخرة
ومن الممكن للإنسان ، أن يتخلص من المحاكم الثلاثة الوسطى ، عن طرق
الرشوة في القضاء ، والاحتيال على المجتمع ، والتزوير في التأريخ ... ولكنه من المستحيل أن يفلت من قبضة محكمة الضمير ،ودقة محكمة الآخرة ! ...
والتأريخ حافل بالأمثلة ، والشواهد والأدلة على ذلك .. ولكي تتضح الصورة أكثر .. نأخذ نموذج واحد من الأمثلة :
ولايـــــة هيروشيما ، التي أكلت القنبلة الذرية صدرها .. لقــــــــد اختاروا واحداً ، من كبار الضباط المتفوقين ، في
القدرة الجسدية ، والعقلية .. وانتدبوه للقيام بهذه الجريمة المروعـــــــــــــــــة البشعــــــــــــــــة ، وهي أن يلقي قنبلة
ذرية ، على مدينة هيروشيما ، وبالفعل حلق هذا الضابط الخائن بطائرته فوق المدينة ثم القي القنبلة فوق سماء
هيروشيما فنزل العذاب والدمار ، على الناس جميعاً ، بحيث كانت الأجسام الممزقة ، تتطاير مع الشظايا في الهواء
...... وبعد مرور دقائق ، كان هناك قرابة المليون جثــــــــة ، بين مشوهة ، وهامدة ، فضلاً عن الدمار المادي الذي
تركه تفجير القنبلة .. وحين رجع الضابط إلى قاعدته العسكرية ... وجد الأوسمة ، والدرجات الرفيعة ، في انتظاره
هناك .. ليتقلد بها على صدره ، تقديراً لجهوده الجبارة ( ..... ) . والسؤال هو : هل انتهى كل شيء ، عند هذا
الحد ؟ أو استطاعت ( الأوسمة ) العسكرية الرفيعة أن تقضي على محكمة الضمير ؟ ! . ـ : كلا ثم كلا ! . في
اليوم الثاني ، عندما نشرت الصحف ، تحمل العناوين البارزة ، عن الدمار الفظيع الذي خلفته ، القنبلة الذرية على
مدينة هيروشيما ... بالإضافة إلى صور الأطفال والنساء ، المشوهة أجسادهم عندئذ كان الزلزال هائلاً ، وعميقاً ..
وكان صوت الضمير ، يهز الضابط ، هزاً مريراً ، أفقده السيطرة على نفسه ،، وعقله .. فكان يحمل الصحف اليومية
، بيده ، ويركض في الشارع العام ، يصيح برفع صوته : أنا مجرم .. أنا خائن ..أنا قاتل أنا سفاك .. اقتلوني ..
اقتلوني .. أنا لا أستحق الحياة .. ويلي ماذا صنعت .... ماذا عملت ، ما هذه الجريمة البشعة التي ارتكبتها ؟ ! .
هـــــــــكذا يركض في الشارع ، والأطفال خلفه يركضون في هرج ، ومرج ! .. ولاحقته سيارات الإسعاف ، والنجدة
، بعد أن أُصيب با انهيار عصبي حاد ، بسبب سماعه الأنباء التي تحدثت عن الدمار الذي حل بالسكان ! . وفي النهاية
: تم نقله إلى مستشفى الأعصاب ، حيث العلاج بطريق العقاقير الملائمة ، والنوم الاصطناعي . والشيء الملفت للنظر
: إن كل الأوسمة والنياشين والتقديرات ، التي تلقاها من كبار القادة في الجيش .. خارت ـ بالتالي ـ أمام جبروت
الضميـــــــــــــــــر ، وصرخة الوجدان من الداخل ! .. وهكذا فلم يتمكن من الخروج ، من نفق المحكمة هذه ، إلا
بعد أن أصبح جثـــــــــة هامدة ، قطعت أوصالها بالنار والحديد ، نار الضمير ... وحديد الوجدان ! .. وهذه القصة ،
تشكل أقوى الأدلة ، على قدرة الدين ، وأثره في السلوك ، والتربية ، وفي توجيه البشرية نحو منابع الخير ، والجمال
.. إذن : فالواحد منا ، واقع بين محكمة الضمير ، وبين محكمة الآخرة ، إذ ليس في الإمكان الهروب من هاتين
المحكمتين .. وفي القرآن الكريم ، إشارة إلى ذلك : *( لا أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة )* ! . على
إن ذلك ، لا يعني ـ بالضرورة ـ أن الإنسان في استطاعته أن يتهرب ، من محكمة القضاء ، والمجتمع والتأريخ ..
وعلى فرض أنــه تمكن من الخلاص ، مــــن عدالة القضاء ... فإنـــــه لا يتمكن من محكمة المجتمع .. وذلك لأن
الناس ــــ عادة ـــــ يشيرون إليـــه بأصبع الاتهام .. وما يقال في المجتمع ، يقال في التاريخ أيضاً .. فالظالم يبقى
ظالماً في التاريخ .. إذ لا بد للأجيال اللاحقة من كشف الحقائق ، ومعرفة الخونـــــة والسفاكين ! . .. من هنا ، كان
الدين ، خيـــر سفينـــــــــة يبـحر بها الإنســـــــــــان إلـــــــــى ضفــــــة الســــــــــــــعادة والاستقـــــــــــــــرار ،
بعيداً عن الســــــــــقوط فـــــي تلكـــــــــــــــــــــم المحاكــــــــــــم المخيفــــــــــــــــة .
مما تصفحت