*بسم الرحمــن الرحـــيم*
جــيران أم جـــدران؟
الجيران اليوم كالجدران «لا حس ولا خبر»، فلا أحد
يعرف عن جاره شيئا حتى اسمه. وقد عرض برنامج
تلفزيوني قبل فترة يحمل عنوان «جيران ام جدران»،
كشف عن حالة الجيران اليوم. فقد أورد البرنامج قصة
حدثت في المملكة العربية السعودية، وفي الرياض تحديداً،
حول رجل اعتاد ترك زوجته وأبنائه الستة في البيت
ويذهب إلى العمل. وكانت زوجته حاملاً في شهرها
الأخير، فاتفق معها أن تتصل به فيما لو شعرت بأعراض
الولادة. وهو ما حدث بالفعل، حيث حضر الزوج مسرعاً
عندما اتصلت به زوجته ليأخذها إلى المستشفى. وغادرا
المنزل بعد أن أقفل الباب على أبنائه الصغار بالمفتاح،
وهؤلاء الأبناء صغار وبين الواحد والآخر عام فقط، ولم
يكن معهم أحد في المنزل. ونسي الزوج من لهفته أن يخبر
أحداً من أخوات الزوجة الموجودات في العاصمة الرياض،
لتذهب إحداهن إلى المنزل لتكون برفقة الصغار، إذ ان
علاقاته بجيرانه كانت مقطوعة ولا أحد منهم يعرف عنه شيئا..
المهم ان هـــذا الرجل عندما خرج مسرعاً اصطدم بسيارة
أخرى، وتوفي في الحال، فيما نقلت زوجته إلى المستشفى
بين الحياة والموت، وأدخلت غرفة العناية المركزة. وبعد
ثلاثة أيام افاقت الزوجة وتذكرت أبناءها الستة الصغار
الذين لا يستطيعون الأكل والشرب بمفردهم، فأخذت
تصرخ بعد أن أفاقت على هذه الكارثة وفقدت جنينها.
وعندما أبلغت أهلها ذهبوا وكسروا الباب ليجدوا الصغار
بقربه وقد فارقوا الحياة بسبب الجوع والعطش. وبعد
التحقيق وسؤال الجيران عن حال منزل جارهم،
قالوا: كنا
نسمع أطفالاً صغاراً يبكون ويصرخون، ونعتقد أنهم يلعبون
وأحيانا نقول كم هم أطفال مزعجون لا يوجد من يروضهم ويربيهم..
ولم يتصور أحد انهم وحدهم،
وذهب هؤلاء الصغار ضحية
انعدام العلاقات مع الجيران، إذ أن الجار لا يمكن أن يستغني عن جاره.
هذه القصة وغيرها من القصص آلمتني كثيراً، فهل لنا أن
نعيد علاقات الجيرة المفقودة، ضمن أضيق الحدود على
الأقل، لأن قتل هذه العلاقة مصيبة من المصائب.. فلنتابع تحقيقنا...
هل الجيران جدران تحيط بنا فقط، لا نعرف عنهم سوى
تصميم بيوتهم الخارجية فقط، اما من يسكن بداخلها فالله اعلم؟
- نعم الجيران اليوم جدران تختلف ألوانها وأشكالها،
وفقدنا الإحساس بمن يسكن داخلها، فربما لو مات شخص
اليوم، لما عرف جاره عنه إلا إذا فتح باب العزاء أمام
ساحة المبنى من خلال إزدحام المعزين. فالجيرة التي كانت
أقوى من علاقة الأخوة باتت لا قيمة لها وتلاشت مع القيم
الكثيرة المفقودة في عصرنا «الميت».
ملح الطعام
ألم ينقطع الملح يوما في بيتك أو الخبز، أو أي أمر بسيط
آخر، في فترة متأخرة من الليل تكون فيه المحلات مغلقة
أبوابها، واحتجت إلى من تأخذ منه؟
ألم تطرق باب جارك
لتحصل على أمر تحتاجه مهما كان بسيطاً؟
- الانسان لا يمكن ان يستغني عن جاره، لكن هذا يتوقف
على اقتناع الطرف الآخر (الجار) ايضا بذلك. فليس مهما
فقط ان احب ان تكون لي علاقة حسنة مع جاره، ولكن
الأهم ان يبادله الشعور نفسه لنقيم مثل هذه العلاقة.
ولــــــــــكن
المصيبة اليوم ان الناس اغلقوا على انفسهم الأبواب وآمنوا
بالمثل القائل «صباح الخير يا جاري انت في حالك وانا في حالي»..
قلق وخـــوف
- الجار اليوم أصبح مصدر قلق وخوف، حيث ان البعض
لا يأمن على اهله من جاره. وقد شدد الرسول الكريم
بالوعيد لكل من يشكل مصدر قلق لجاره «بالبصبصة»
و»التجسس»، خصوصا عندما لا يأمن على اسرته في
غيابه، حيث جعل عقوبة الزنى بالجار على سبيل المثال
عن سبعين جريمة زنى. ويقول الرسول
«والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا
رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه» لأن الجار يتحمل
مسؤولية حماية عرض جاره في غيابه لا ان يهتكه.
وللأسف لا يحلو للبعض اليوم الا «البصبصة» على ابنة الجيران.
- انقطعت العلاقات بين الجيران نتيجة ضيق الوقت وايقاع
الحياة السريع وانشغال الناس عن بضعهم بالعمل على
فترتين، بالاضافة الى فقدان البساطة في استقبال للضيوف
حيث أصبحت الزيارات تتم بمواعيد مسبقة. ناهيك عن
الكلفة، حيث لم يعد الإستقبال كما كان في السابق، عندما
كان «الجود من الموجود»، اذ باتت الضيافة اليوم تحتاج
الى مصروف قد لا يكون بمقدور البعض تحمله.
هذا إضافة إلى التكلف في الشكل والتصرف والابتذال في
الكلام ونوعية الاحاديث والغلو والتطرف في الاراء التي
تجعل التعامل صعباً، ليس بين الجيران بل حتى بين الأصدقاء.
- المغالاة والمبالغة في المظاهر والكشخة والتباهي امام
الآخرين أصبحت سمة العصر الحديث للأسف، وعليه
نقيس انهيار جميع العلاقات الإنسانية.
فالعلاقات الاجتماعية مقطوعة، ليس بين الجيران فحسب،
انما حتى بين الاقارب نتيجة لهذه المبالغات الثقيلة والمرهقة
التي لا ادري ان كان المجتمع فرضها علينا، أم انها مشكلة
فرضناها على انفسنا. ففي تنافسنا من اجل ان نكون
الأفضل، دمرنا كل ما في طريقنا من علاقات كان ممنوعا
الاقتراب منها بالخط الاحمر، واليوم اصبحت في خبر كان ومنها علاقات الجيران.
لكن رغم كل ذلك
، فان الكبار في السن والاكثر نضجاً في
التجارب هم الأكثر حفاظاً على هذه العلاقات السامية، بينما
جيل اليوم يفتقد للأسف الشعور بأهمية هذه العلاقات في
حياتنا ويتعامل مع جيرانه على انهم جدران.
- اننا نحتاج اليوم إلى برامج توعوية مكثفة نوجهها إلى
الجيل الحالي من خلال الإعلام والندوات والمحاضرات،
حتى ننعش الكثير من العلاقات المفقودة، وعلى رأسها
علاقتنا بالجيران والأقارب. وليس مهماً أن يبدأ جاري في
التواصل معي، ولكن لأبادر انا بذلك، ولي الأجر والثواب.