قصر الأحلام
لكم تمنيت أن أبتعد عن هذا العالم الحقير، عالم مليء بالحقد والكراهية والتعصب، إنه عالمنا مجتمعنا الذي نعيشه كل يوم، كل ساعة، بل كل ثانية.
كنت فيما مضى أظن أني أعيش في عالم ملؤه الحب والتعاون بين أفراده، عالم مثالي يسوده حب الخير للعامة ولكن فيما بعد اتضح العكس، مجرد أحلام، جميعنا نعيش وسط عالم من الأحلام لكي نستطيع أن نستمر مع هذه الحياة، والدليل على ذلك أنه عندما ينجلي غطاء الأحلام الوردية الدافئ نحس بصقيع الواقع وقسوة برده، هنا فقط وبعد أن ينكشف غطاء الأحلام نشعر بأن هناك واقع مرير يختفي تحت ستارة مليئة بالرسوم التي نصنعها من خيالنا حيث نستطيع الإستمرار ونحن مرتاحون.
هناك أناس لا يعرفون كيفيةالرسم على الستار أو أنهم لا يحبون الرسم يفضلون الطبيعة ورؤية الأشياء عاريتا من التزييف و التصنع، يفضلون العيش في الواقع يسدلون الستار وهم يظنون أن الوجه الحقيقي للحياة جميل وناعم وجذاب، يظنون أن أرض الواقع بستان أخضر مليئ بالأزهار والورود التي تملأ الجو بعطرها الساحر، حيث العصافير تملأ السماء بتغريدها العذب الطروب، والنسيم الخفيف يداعب شعرك وقطرات الندى التي تسقط على وجهك فتزيده نورا وجمالا. لكن ما أن تتضح لهم صورة الواقع في أعينهم حتى يتحول البستان الأخضر إلى صحراء قاحلة مليئة بالأشواك والصبار، وتتحول العصافير إلى غربان تملأ السماء بنعيقها، ويختفي النسيم وتجف قطرات الندى.لماذا هذا الواقع مرير؟
ولماذا لم نعد نستطيع أن نضع علينا غطاءنا الوردي لنتدفأ بأحلامه السعيدة؟
لماذا لم نعدنستطيع الرسم على ستائرنا؟
أتذكر أنه في يوم ليس ببعيد كان مثلجا وباردا، خرجت أتجول في المدينة، وصلت إلى شارع واسع وطويل تملأ الأشجار أرصفته والبرد قد بلغ مجمله ورايت كم قطعه ثلجية علي حصا مكونة منظر رائع قبل ان تذوب قطعه الثلج فتجمدت أوصالي ووقفت مسحورة بجمال المنظر، وبينما أتأمل ملكوت الله،انجذبت للونه الأبيض الناصع النقي، فاعتقدت أن شكل الأشياء تدل على مضمونها، اعتقدت أن بياض الثلج ونقائه يدل على صدقه وصفائه وطهره.
اتخذته أساسا ولبنة لبناء قصري في الشتاء، رغم شدة البرد إلا أن بياض الثلج كان يجذبني إليه، بنيت قصر أحلامي وكنت أقصده كل يوم، فرشته بآمالي ، وزرعت في حديقته كل الأماني وكان قصري يعدني بأنه سيحميني للأبد ولن يتخلى عني،مرت الأيام، وانقضى فصل الشتاء وانقضى معه وقت السبات، وكان لابد من إزالة الغطاء وإسدال الستار، فأرست شمس الواقع شعاعها وحرارتها نحو قصري الثلجي فأذابته و أذابت معه كل آمالي وأحلامي، وتحول إلى ماء يسيل في الأرض ويتسرب في مناكبها، فتبخر بالحرارة وتبخرت معه كل وعوده وعهوده.
هذه هي الحياة نرى أحلامنا تتبخر في الهواء أمام أعيننا نقف مذهولين وليس في استطاعتنا فعل شيء، تبخر قصر أحلامي في الهواء وصعد للسماء مشكلا سحابة،هو في السماء وأنا في الأرض كخطان متوازيان لا يلتقيان أبدا.
الحلم سحابة تحاول الوصول إليها إلا أنك لا تستطيع وإن وصلت يوما تكتشف أنه مجرد دخان لا يمكنك أن تمسك به.
ل. ع
اي
زهرة دمعه الم