مسؤولية الإمام في الصلاة للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله الله تعالي علي حين فترة من الرسل وانطماس من السبل فبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وتركها علي محجه بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وأسال الله لي ولكم أن نكون من أتباعهم بإحسان إنه ولي ذلك والقادر عليه
أما بعد
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله فإنه لا يتمكن عبادة الله على الوجه الذي يرضاه إلا بالعلم إنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنه لا يستوي من يعبد الله تقليداً ومن يعبد الله على علم إنه لا يستوي من يعبد الله لأنه عاش بين قوم يعبدون الله وبين من يعبد الله تعالى على شريعة من الله على سنه محمد صلى الله عليه وسلم وإذا علمتموها فقد قامت عليكم الحجة فاتقوا الله تعالى في التزامها ما استطعتم وطبقوها كما علمتم ولا تأخذكم في ذلك لومه لائم أو انتقاد منتقد أتخشونه فالله أحق إن تخشونه إن كنتم مؤمنين أيها المسلمون إن من حدود الله التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم إقامة الصلاة وإقامتها أن تأتي بها تامة شروطها وواجباتها وإن الصلاة على نوعين صلاة أنفراد وصلاة جماعة فصلاة الجماعة لها حدود تزيد على الانفراد لأنها أي صلاة الجماعة مكونة من إمام ومأموم فعلى الإمام واجبات وعلى المأموم واجبات وكل منهما مسئول عن ما يختص به فمن مسئوليات الإمام أن يحرص على إكمال الصلاة بحيث تكون مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضي الله عنهم فإنها أي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أتم صلاة وأخفها كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة وأتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإمام لو صلى وحده لكان له الخيار بين أن يختصر على أقل واجب في الصلاة وأن يفعل أعلى مطلوب فيها ولكنه إذا صلى بالجماعة لم يكن مخير في ذلك بل يجب عليه أن يراعي من خلفه بحيث يتمكنون من فعل أدنى الكمال في صلاتهم لأنه لا يصلي لنفسه فحسب وإنما يصلي لنفسه ومن خلفه فليتق الله فيهم ولا يحرمهم من فعل أدني الكمال خلفه و أن تكون صلاته كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فهو أكمل وأطيب إن بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية يخشى المأمومين أكثر مما يهتم بسنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه يقول إذا قرأت في فجر يوم الجمعة ألم تنزيل السجدة في الركعة الأولى وهل أتى في الركعة الثانية استطال الناس ذلك وقال طولت بنا وفعلت وفعلت ولكن الجواب على ذلك أن يقول الإمام لهم إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتموني أصلي فليقنعهم باتخاذ سنه النبي صلى الله عليه وسلم منهاجاً لأن بعض الناس جهال لا يعرفون مدى فضيلة تطبيق السنة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصاحبه إن بعض الناس يستطيل من الإمام إذا أطال الركوع زيادة عن ما يهون ولكن عليه أن يجيبهم بمثل ما أجاب به إذا قرأ ألم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان وإن من مسئوليات الإمام أيضا أن يحرص على لإقامة الصفوف وتسويتها بالقول إن أفاد وبالفعل إن لم يفد أقول فيأمرهم بتسوية الصفوف وإقامتها ويؤكد ذلك عليهم ويتوعدهم على مخالفتها بعقوبة الله ويسويها بيده إن لم ينفع ذلك بقوله كما كان نبينا وإمامنا وأسوتنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة متفق عليه وللبخاري فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة ولأبي داود رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحازوا بالأعناق ولأبي داود أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصفوف حازوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تزروا فرجات الشيطان يعني الفضاء بين الرجلين قال فإن الشيطان يدخل فيه من بين أهل الصف ولكن ينبغي للإنسان أن يفهم حدود ما أنزل الله على رسوله فإن بعض الناس فهم من ذلك أنه إذا وقف يفتح ما بين رجليه ويباعد ما بين رجليه حتى تمس رجل الآخر ولكن هذا ليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم ومن فهم أن هذا هو المراد فقد فهم خطاءً وإنما مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقارب الناس بأبدانهم لا بأرجلهم وكان الصحابة تحقيقاً لهذا كان أحدهم يلصق كعبه بكعب أخيه ومنكبه بمنكب أخيه وحينئذ تكون الأرجل موضعه على طبيعتها لأن الإنسان لو فرق بينها فإن المناكب سوف تفترق وتفترج وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إخواني البادين بطلب العلم أن لا يتسرعوا في فهم الكتاب والسنه حتى يسألوا من هم أعلم منهم ليكونوا على بصيرة من الأمر وقال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله ومن قطع الصف أن تأتي والصف لم يتم ثم تمشي صفاً آخر وراءه فإن هذا يوجب أن من يأتي بعدك يكون معك أي في الصف الثاني مع عدم تمام الصف الأول وتكون أنت السبب في قطع الصف الأول وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا فتأمل قوله أقبل علينا بوجهه يتبين لك أن الإمام في هذه الحال يجعل القبلة وراءه ليتفقد الصفوف وليس كما يفعل بعض الأئمة يلتفت يسراً ويقول استووا ويسير مع اليسار ويقول استووا وربما يكون الصف مستوياً وهو لا يعلم وربما يكون معوجاً ولا يستقيم وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأن ما يسوي بها القداح يعني نصال السهم حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادي صدره أي بارز من الصدر فقال عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخلفن الله بين وجوهكم أي بين قلوبكم كما في رواية لأبي داود وهذا وعيد شديد لمن على من لا يسوئن الصفوف أن يخالف الله بين قلوبهم فتختلف وجهات نظرهم وتضيع مصالحهم بسبب اختلافهم وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومنا كبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي يعني صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة فإذا استوينا كبر رواهما أبو داود فانظروا رحمكم الله انظروا قوله فإذا استوينا كبر تجدوها صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم لا يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف وقد أدرك ذلك الخلفاء الراشدون والائمة المتبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الموطأ عن أمير المومنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر بستويه الصفوف فإذا جاءوا فأخبروه أن قد استوت كبر وكان قد وكل رجال بتسوية الصفوف وقال مالك بن عامر كنت مع عثمان ابن عفان رضي الله عنه فقامت الصلاة وأنا أكلمه وأنا في حاجة حتى جاء رجال كان قد وكلهم بتسوية الصفوف فاخبروه أن الصفوف قد استوت فقال لي أستوي في الصف ثم كبر فهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين لا يكبرون للصلاة حتى تستوي الصفوف أفليس من الأجدر بنا أن يكون لنا فيهم أسوه أفليس الأجدر بالإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وإقامتها وأن ينتظر فلا يكبر للصلاة حتى يراهم قد استوى على الوجه المطلوب إن بعض الأئمة يقول لو فعلت هذا لأستثقله بعض المأمومين ولكننا نقول له كما قلنا في أول الأمر إذا استثقلوا ذلك يقول هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وقد قال الله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) ولقد قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) فقيد الله تعالى متبع أولئك المهاجرين والأنصار قيد ذلك بأن يكون الاتباع بإحسان أيها الأخوة المسلمون هذه بعض من مسئوليات الإمام في إمامته أما المأموم فإنه لو كان يصلي وحده لكان مخيراً بين أن يختصر على أدني واجب في صلاته أو أن يطول فيها ولكنه إذا كان مع الإمام فقد ارتبطت صلاته بصلاة إمامه فلا يجوز أن يتقدم على الإمام بالتكبير لا بالقيام ولا بالقعود ولا بالركوع ولا بالسجود ولا يأتي بذلك مع الإمام أيضا وإنما يأتي به بعده متابعاً له فلا يتأخر عنه قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار وقال صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجدوا فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ومن مسئوليات المأموم أن يحافظ على تسوية الصف وإن يحذر من العقوبة على من لم يسويها وأن يحافظ علي المراصه المشروعة فيها وعلى سد الخلل والمقاربة بينها ووصلها بتكميل الأول فالأول وأن يحذر من عقوبة قطع الصفوف فإن من قطع صفاً قطعه الله وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لو يعلم الناس ما في النداء يعني الآذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه يعني يقترعوا عليه لإستهموا وقال صل الله عليه وسلم خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وقال أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه وما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر رواه أبو داود ورأى في أصحابه تأخراً وفي لفظ رأى قوم في مؤخر المسجد فقال تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله وإن بعض الناس يأتي متقدماً إلى المسجد ولكنه يجلس في آخر المسجد ولايتقدم وهذا على خطر أن يؤخره الله تعالى في كل ما فيه التقدم والسبق فيا عباد الله قوموا بما أوجب الله عليكم اعرفوا حدود الله في كل عبادة تتعبدون بها لله تقدموا إلى الصفوف أكملوا الأول فالأول تراصوا فيها التراص الشرعي تساووا ولينوا بأيدي إخوانكم إذا جذبوكم لتسوية الصف أو التراص فيها لتتموا صلاتكم ولتمتثلوا أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم ومن صلى وحده خلف الصف وهو يجد مكان في فلا صلاة له وإذا أتى والصف وقد تم فلا يجذب أحد يكون معه ولا يتقدم إلى الإمام ولكنه يصلي وحده مع الإمام خلف الصف لأنه معذور وتصح صلاته هذا هو القول الراجح والذي تجتمع فيه الأدلة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمه رحمه الله واختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ولا يصف المأموم إذا كان وحده مع الإمام عن يساره و عن يمنيه وإذا كانوا ثلاثة فايتقدم الإمام فإن كان المكان ضيقاً فليصلى أحد المأمومين عن يمينه والثاني عن يساره ليكون الإمام وسطهم اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن علموا بحدودك وأقاموها علي الوجه الذي يرضيك يا رب العالمين اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علمناً يا رب العالمين إنك جواد كريم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الحمد لله أحمده واشكره وأتوب إليه واستغفره وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فإنه ؛ فإنه يقع كثيراً أن يدخل الإمام أن يدخل الإنسان المسجد والإمام راكع فيسرع سرعة قبيحة وربما يتكلم وربما يتنحنح فيشك على المصلين مع الإمام وهذا أمر لا يشرع بل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ودخل أبو بكر رضي الله يوماً والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع فأسرع فلما انتهت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فقال أبو بكر أنا قال زادك الله حرصاً ولا تعد فأنت أخي المسلم إذا دخلت المسجد والإمام راكع فلا تسرع سرعة قبيحة فإذا وصلت إلى الصف فكبر تكبيرة الإحرام وأنت قائم ثم أهوي إلى الركوع وكبر للركوع استحباباً فإن لم تكبر فلا حرج عليك ثم إن تيقنت أنك أدركت الإمام في ركوعه فقد أدركت الركعة وأن تيقنت أن الإمام رفع قبل أن تدركه في ركوعه فقد فاتتك الركعة وإن أشكل عليك الأمر فإن غلب على ظنك أنك أدركته وإن غلب على ظنك أنك لم تدركه فإنك لم تدركه وإن شككت شكاً متساوي الطرفين فإنك لم تدركه أيها الأخوة وإذا أدركت الإمام في سجوده فكبر تكبيرة الإحرام وأنت قائم ثم أسجد مع الإمام ولا تقل انتظر حتى يقوم لأنك إذا دخلت معه حصلت خيراً كثيرا تحصل التكبير مبكراً وهذا من التسابق إلى الخيرات وتحصل السجود مع الإمام وربما تحصل السجدتين جميعا فإذا وقفت تنتظر أن يقوم الإمام فقد فاتك هذا الخير ولكن ليعلم أن الإنسان لا يدرك الركعة حتى يدرك الإمام في ركوعه وفي هذه الحال أي إذا أدركت الإمام راكعاً تسقط عنك قراءه الفاتحة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر أبا بكر بإعادة الركعة التي أدرك ركوعها مع النبي صلي الله عليه وسلم
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة فاجتمعوا على دين الله ولا تبدعوا في دين الله ما ليس منه فإن كل بدعة ضلالة وأكثروا من الصلاة والسلام علي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله بها عليه عشرة اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد
المصدر : موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
06-05-2009, 10:17 AM
مسؤولية الإمام في الصلاة للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
