بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قال صاحب كتاب أعلام التصوف الإسلامي :
في كتابه ( القطب الكبير ومغيث الأسير سيدنا أحمد البدوي الشهير ) .
كان سيدنا أحمد البدوي رضي الله عنه من أصحاب الكرامات الظاهرة والباطنة ، وقد اشتهر بين الناس بالعطاب لكثرة عطبه لمن يؤذيه ، وقد لازم الصمت حتى كان لا يتكلم إلا بالإشارة ثم اعتزل الناس ورأى في منامه قائلاً يبشره بشأنه ومقامه الكريم .
ومن كراماته :
* قصته مع فاطمة بنت بري :
كان الإمام البدوي رضي الله عنه بمكة المكرمة وقد أعطاه الله من المواهب والكرامات الظاهرة والباطنة ما لا يحصى عدده ... وذات يوم كان نائماً في حجر الكعبة إذ رأى في منامه أنه قد جاء إثنان فقال لهما : من أنتما ؟ قال أحدهم : أنا عبدالقادر الجيلاني وهذا أحمد بن الرفاعي ( رضي الله عنهما )
قال ما تريدان مني ؟ فقال لـه سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه : يا أحمد نحن بيدنا مفاتيح العراق والصين والهند والسند والشرق والغرب فاختر أي مفتاح شئت نعطيك إياه ؟ فقال رضي الله عنه : أي سادة أنا منكما ولكن اعذراني فإنني لا آخذ المفتاح إلا من الفتَّاح ، فقال لـه سيدنا أحمد الرفاعي : يا بن عمي يا أحمد هذا عبدالقادر الجيلاني ابن عمك وقد شرَّفه الله عزَّ وجل فيَّ وفي شائر الأولياء وهو سلطان الحضرة ولابد أن تأتي إلينا إلى العراق وتأخذ فتوحك منَّا وأنت ابن عمِّنا فإذا جئت إلينا يكون لنا الشرف بك ويكون لك التجلي والجمال بإذن الله تعالى .. وأنشد سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه وقال : يا أحمد :
فإن زرتني أهلاً وسهلاً ومرحباً***وجدتك عندي أنت أعلى مقرباً
ولا تخشى من أمر عظيم ومرعبٍ ***أنا صرت لكل الأمور مجرباً
أنا أحمد المعروف في كل حضرةٍ***إذا جالت الشبان أصبحت لهم أباً
إذا استنجدوا بابن الرفاعي نجدتهم***بفوز فلا يخشون في هذا الكون متعباً
وقال سيدنا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه يا أحمد :
فإن زرتني أهلا وسهلا ومرحبا***ونجوت مع السادات شرقاً ومغرباً
أنا لك موافق في كل الأمور***إذا رُمتني آتيك بازاً وأشهباً
ثم قال لـه سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه : يا أحمد يا بن عمي : لا بد أن تأتيني إلى العراق وتأخذ حظك منا فقال رضي الله عنه : على الرحب والسعة .
فلما استيقظ صباحاً جاء إليه أخوه واسمه الشريف حسن ، وكان من أكابر الأولياء ، ولما أراد سيدنا أحمد البدوي رضي الله عنه أن يتكلم الرؤيا على أخيه فاجأه أخوه حسن وقال لـه : هنيئاً لك يا أخي أحمد فقد جاءك الليلة عروس الحضرة الإلهية وسلطان المملكة أحمد الرفاعي وعبدالقادر الجيلاني ( رضي الله عنهما ) وهما ملوك الحضرة الإلهية فاذهب بنا يا أخي إلى العراق لنحظى بزيارتهما وبزيارة أجدادنا من الأولياء ، وسارا على بركة الله إلى العراق وزارا سيدنا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه وعدداً كبيراً من الأولياء ، ولما وصل رواق أم عبيدة وزار سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه حضر إليه سيدنا أحمد الرفاعي في المنام وإلى جانبه سيدنا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنهما وقالا لـه يا أحمد :
الآن توجه إلى فاطمة بنت بــِرِّي وتوِّبها فإنها صاحبة سر وحال كبير ، ولكنها أعجبت بنفسها فقتلت الأبطال وأصحاب الأحوال وسيطرت عليهم ، اذهب إليها وأدبها ، وإن وقعت بضيق فنحن بجانبك ، وقال سيدنا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه : لابد أن ترى مأزقاً كبيراً ، إنها فاطمة بنت بري لها قوة عجيبة ، إذا نظرت بالرجل قتلته فاحذر منها وإذا شعرت بالضيق انا أول الناس آتيك ... وعلى كل حال ليس هناك أحد مجهَّز لهذه المهمة سواك يا أحمد .. وهي صاحبة جمال خارق وكل من نظر إليها يفتتن بها وأنت قد هيأك الله عزَّ وجل فلا تغريك النساء ولا تنظر إليهن بشهوة أبداً ...
فلما استيقظ قال لـه أخوه الشريف حسن : يا أحمد أنت جاءتك المهمة إلى فاطمة بنت بري ، وأنا سوف أذهب إلى مكة وودعا بعضهما وكل منهما سار على بركة الله عزَّ وجل ...
ومن هي فاطمة بنت بري .. ؟
روي أنها كانت بادي الأمر صاحبة ولاية كبيرة وقد أعطاها الله عزَّ وجل سراً عظيماً حتى أصبحت صاحبة تصريف فأعجبت بنفسها ودخل عليها الغرور ففتنت الناس بجمالها وكانت بارعة الجمال جداً ولا يستطيع أحد من الناس أن ينظر إليها دون أن يفتتن بها ، فاستعملت سر جمالها وسر فتنتها وبدأت تتصرف في الناس ، وكل ما أتاها صاحب حال فتنته وأصبح من تلاميذها ، وكلما طلب أحد الزواج منها نظرت إليه نظرة فتقتله فوراً ، أو تسلبه عقله ، وإذا لم تستطع على صاحب سرٍّ قوي أو حال كبير جاءت إليه بالإغراء وتظاهرت أمامه بجمالها فإذا ما نظر إليها وأعجب بجمالها تمكنت من قلبه وقتلته ، وعندها الآلاف من الناس تحت إمرتها ومفتونون بحبها ..
وتوجه إليها سيدنا أحمد البدوي رضي الله عنه وتظاهر باديء الأمر بأنه أخرس أطرش أبله أي مجذوب ، وعندما توجه إليها رأت في منامها أن رجلاً يقال لـه البدوي الملثم سيقذرها وأنها ستكون تحت إمرته وسيغلبها على أمرها فخافت خوفاً عظيماً وكتمت أمرها بادئ الأمر ... ثم جمعت تلاميذها وتلميذاتها وأمرتهم أنه كلما جاء رجل غريب إلى هذه المنطقة فأتوا به سريعاً ... فلما وصل سيدنا البدوي إلى حيِّها رأته تلميذاتها وكلهن صاحبات جمال وصاحبات حال قوي ... وروي أن فاطمة بنت بري سيطرت على الجن والمردة ، فجئن البنات إليه وقلن لـه تعالى معنا إلى فاطمة فلم يرد عليهن ، فضربنه على وجهه فلم يرد عليهن وتظاهر بأنه مجذوب فأمسكن بيده وأخذنه إلى فاطمة فلمَّا رأته نظرت إليه فرأته نفس الرجل الذي راته في المنام ، فصاحت صيحة عظيمة وخرَّت مغشيَّاً عليها فلما أفاقت من غشيها قالت لـه : أهلاً وسهلاً بحبيب القلب أنت صاحب السر القوي وأنت أحمد البدوي العظيم ، أنا عرفتك ، عرفتك يا فحل الرجال ، وأنت جئت لتقهرني ولكن يا بطل لا تقتلني ، وأطلب منك الزواج فقد عرض عليَّ الكثير من الناس الزواج وأعطوني أملاكهم وأرزاقهم فنظرت إليهم بطرف عيني فقتلتهم بالحال بدون سهم أو نبال ... فنظر إليها سيدنا أحمد ولم يرد عليها بكلمة واحدة فأخذت تظهر لـه عن جمالها ، وكشفت عن وجهها ثم أظهرت شعرها حتى ظهر جمالها الفتان ، فقال لها سيدنا البدوي في قلبه دون أن يتكلم : إنك تغري غيري أما أنا فلا تغريني أنت ولا الدنيا كلها ، فجعل ينظر إليها وهو لا يتحرك ولا يتزحزح ، فتكلمت معه فلم يرد عليها ، فقالت يا سبحان الله الشخص شخص أحمد والرؤيا رؤيا أحمد ، أضاعت فراستي ؟ أم ضاع نظري ؟ فقال لها المقربون من تلاميذها : يا سيدتي هذا الرجل أطرش أخرس أبله والخلق تتشابه ، وجلَّ الخلاّق العظيم ، فقالت: والله إني خائفة منه ، وأخاف أن يتظاهر باديء الأمر ليصل إلى الأمر الذي يريده ...
يتبع .....