لا جدال في أن اتباع بقية الأمم في الاحتفال بما يسمى "عيد الحب" الذي هو تكريس لأسطورة رومانية معجونة بتمجيد لقس مسيحي، لا يليق بأمة من المفروض أن تكون هي الحب نفسه، الذي يمنح للعالم هذا الإحساس الجميل، الذي قامت عليه الحياة وستقوم عليه الآخرة، ولكنه اختفى نهائيا، إلى درجة انقراضهمنقاموس التعامل، ليس بين عامة الناس، وإنما بين الأب وأبنائه وبين الزوج وزوجته والأخ وأخيه.
وإذا كنا قد تحوّلنا في السنوات الأخيرة إلى "ظاهرة انتقادية" لكل ما يأتي به الآخرون دون أن نقدم للآخرين أنفسنا، فإننا تابعنا نهار أمس الكثير من مشاهد ما يسمى بالحب لدى بعض الشعوب، وإذا كان بإمكاننا أن ننتقد مظاهر الميوعة التي سار عليها بعض أهلنا في دخول جحر الفساد، عندما اختصروا الحب في العلاقات الممنوعة، فإننا لا نفهم لماذا لا نحب نحن بالطريقة المباحة والمشروعة، كما أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمّته، وكما أحب صلاح الدين الأيوبي قدْسه، وكما أحب الشهداء أرضهم، وكما أحبت شعوب العالم أوطانها فجعلتها جنات يحلم بها شبابنا، فقد كان الحب دائما إحساسا وفعلا، يؤكد هذه المشاعر التي فهمنا أنها شعور بين رجل وامرأة، وتحوّلت الكلمة المذكورة في القرآن إلى كلمة ممنوع قولها أو سماعها، وسقطت لفظا وفعلا نهائيا من يومياتنا، وإذا كان لسان حال الكثيرين أن الانسان من المفروض ألا يعيش عيدا واحدا للحب، وألا يختصر الحب في تأريخ معيّن، وأن يجعل حياته بكل أيامها كلها حبا، فإن الواقع يؤكد أن زمن الأحقاد هو الذي أغرقنا، فقد قام تايلانديون في مناسبة ما يعتقدون فيه أنه عيد الحب بتزويج الفيلة حتى لا تنقرض، وقام بريطانيون بتزويج النمل لمعرفة حقيقة هذه الحشرة، كما قام بعض القرويين في فرنسا بتزويج حيوان الحمار الذي تضاءلت أعداده بشكل رهيب، في طقوس فيها الكثير من الحماقة، وفي البرازيل توجّه أنصار الحب جماعات، وغرسوا الملايين من الأشجار في غابة الأمازون، وقالوا إن الحب يجب أن يشمل كل ما هو حي في دنيانا، بينما نعيش نحن قمة "الحب" في سوناطراك التي باع مسؤولون كرامتها مقابل "عشقهم" اللامحدود للمال، ونعيش الحب في أحزاب سياسية عشق أهلها بجنون الأرائك الفاخرة والامتيازات في جو من الحقد ضد كل ما يمكنه أن يوصلنا إلى الحب الحقيقي.
عندما كانت الأمة تحب فعلا الخير، كانت تفعل ولا تأبه يما يفعل الآخرون، فما بالك أن تتبع أعيادهم، والآن في زمن اللا فعل وردّات الفعل تجاه أفعال الآخرين، صارت الأمة تجتهد في إبطال أفعال الآخرين دون أن تقدم ما لديها من أفعال، فقد أحب التايلانديون الفيل الذي أنزل الله سورة باسمه حتى لا ينقرض من المعمورة، وأحب البرطانيون النمل الذي أنزل الله سورة باسمه، حتى يقدموا لنا الحياة المدهشة لهاته الحشرة، وأحب الفرنسيون الحمار المذكور في القرآن، وأحب البرازيليون الشجرة المذكورة في القرآن الكريم، ومازلنا نصرّ على انتقاد حب الآخرين،دون أن نعود نحن إلى الحب الذي كنّا به ولن نعود إلا به، وصرنا نخجل حتى من ذكر كلمة.. أحبك.