بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم إخوتي وأخواتي ورحمة الله وبركاته
كانت مجالس سيدنا وحبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه و سلم مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله، وترغيب وترهيب. إما بتلاوة القرآن، أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدين، كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص، وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبشر وينذر، ولذلك سماه الله مبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا. قيل: سراجاً للمؤمنين في الدنيا، ومنيراً للمذنبين يوم القيامة بالشفاعة. قيل: والسرج خمسة: واحد في الدنيا .. وواحد في الدين .. وواحد في السماء .. وواحد في الجنة .. وواحد في القلب، ففي الدنيا: النار، وفي السماء: الشمس، وفي الدين: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وواحد في الجنة: هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه سراج أهل الجنة، وفي القلب: المعرفة .
والتبشير و الإنذار: هو الترغيب والترهيب، فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه رضي الله تعالى عنهم رقة في القلب .. والزهد في الدنيا .. والرغبة في الآخرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله! ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، وكنا من أهل الآخرة؟ فإذا خرجنا من عندك فآنسنا أهلنا، وشممنا أولادنا أنكرنا أنفسنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم إذا خرجتم من عندي على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد حتى يذنبوا فيغفر لهم" قال: قلت يا رسول الله! مم خلق الخلق؟ قال: "من الماء" . قلت: الجنة ما بناؤها؟ قال : "لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم" . [أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه. والحديث صحيح] والملاط: الطين الذي يجعل بين سافي البناء، يملط به الحائط، أي يخلط. [النهاية:4/357].
ـــ فأما رقة القلوب: فتنشأ عن الذكر فإن ذكر الله يوجب خشوع القلب و صلاحه ورقته ويذهب بالغفلة عنه. قال الله تعالى : (الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد/28] وقال الله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) [الأنفال/2] ، وقال تعالى: (وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) [الحج/34ــ35] ، وقال الله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد/16]، وقال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله) [الزمر/23]، وقال العرباض بن سارية ــ رضي الله عنه ــ وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ... الحديث [قطعة من حديث عظيم صحيح]، وقال ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ : نعم المجلس، المجلس الذي تنشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرحمة، مجالس الذكر. وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: أدنه من الذكر، وقال: مجلس الذكر محياة العلم، وتحدث في القلب الخشوع. القلوب الميتة تحيا بالذكر كما تحيا الأرض الميتة بالقطر:
بذكر الله ترتاح القلوبُ ،، ودنيانا بذكراه تطيبُ
ـــ وأما الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة فبما يحصل في مجالس الذكر من ذكر عيوب الدنيا، وذمها، والتزهيد فيها، وذكر فضل الجنة ومدحها، والترغيب فيها، وذكر النار وأهوالها، والترهيب منها، وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة، وتغشى السكينة، وتحف الملائكة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، وهم قوم لا يشقى بهم جليسهم، فربما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنباً، وربما بكى فيهم باك من خشية الله فوهب أهل المجلس كلهم له، وهي رياض الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "مجالس الذكر" [الترمذي وقال: حسن غريب. والحديث حسن بشواهده] . قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا) [الأحزاب/41ــ42] . نسأل الله تعالى أن يعمر قلوبنا بذكره، وألسنتنا بشكره، وجوارحنا بطاعته وحسن عبادته. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين
م0ل