{ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ وَلَتَعْلَمُنّ أَيّنَآ أَشَدّ عَذَاباً وَأَبْقَىَ * قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هَـَذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ * إِنّآ آمَنّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ}[طه71:73]
يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل, حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والاَية العظيمة, ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم, وغلب كل الغلب, شرع في المكابرة والبهت, وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة, فتهددهم وتوعدهم فقال: {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي لأجعلنكم مثلة, ولأقتلنكم ولأشهرنكم, وقوله {ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى} أي أنتم تقولون: إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى, فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه, فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم, هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل و{قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين,هل تؤثر الله على جناح البعوضة؟ المؤمن الحق لا يؤثر الدنيا بكل ما فيها على ما عند الله مهما كانت الضغوط {والذي فطرنا} يحتمل أن يكون قسماً, ويحتمل أن يكون معطوفاً على البينات, يعنون لا نختارك على الذي خلقنا, {فاقض ما أنت قاض} أي فافعل ما شئت, وما وصلت إليه يدك, {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} أي ما تملكه من قوة فهو فى الدنيا فقط وستنتهي لا محالة فالدنيا زائلة, ونحن قد رغبنا في دار القرار {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا} أي ما كان منا من الاَثام خصوصاً ما أكرهتنا عليه من السحر لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه. {والله خير وأبقى} أي خير لنا منك {وأبقى} أي أدوم ثواباً مما كنت وعدتنا ومنيتنا قال ابن عباس وغيره من السلف: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.