كنت صامتاً أبداً ..لم تكن لتحدثني عني ، عنك ، عن أحلامنا التي لم تمت بعد ، انت وحدك كنت تدرك أنها ستبقى حية ،ربما لتغترف من سهوي ، محلاً لي معك وحدك فقط ، معنا ابننا الذي لم يأتِ بعد ، كان أحد أحلامنا التي تمنيت فقط لو تموت ، على الأقل بعيداً عنا ، كنا نادراً ما نتحدث عنهـ طويلاً، إن كان سيشبهني ، سيشبهك ، ماذا سيأخذ مني، منك ، إسمهـ الذي يتغير في كل يوم ، لا اعرف ما الذي جعلك تختار إسم خالد ، لربما حتى يخلد إسمك ، الذي قد لا تخلدهـ الكلمات التي خطبت بها سنين عديدة ، تُرى ، هل سيحفظك الناس مثلي ؟ ، أنت وحدك تشبهـ الأشياء التي أحبها ، و كأنها أخذت منك وحدك دون إعتناءٍ بذاتها ، و أنا أكثر من أحبك إحتفاظاً بك ، قيل لي أنك تسمعني و أنا أتحدث ، لهذا احب أن اثرثر معك كثيراً ، و الامر الجميل أنك ستنصت لي رغماً عن أنفك ،هه، غيبوبتك هذه لن تطيل ، هذا ما قالهـ لي الطبيب ، صحيح أني لا أثق بما يمليهـ علينا الأطباء ، و لكن حدسي بكَ لا يُخطىء ، كما قلت لي ، بأن اثق دوماً بأحساسي ، فهو دائماً ما يُدلي إلى الطريق الصحيح ، أتذكر اول مرة حين قابلتك فيها ، كنتَ قد قاربت الثلاثين ،و كنتُ مجرد معجبة في العشرينيات من العمر جالسة في الطاولة التي كانت تماماً مقابلة للركن الذي كنت فيهـ في المقهى ، كان ذا المشهد يتكرر في كل يوم ، لم تكن تحادث أحد ، حينما سألت عنك ، قيل أنك أبكم ، كان ذاك وقت الظهيرة ، كنتُ احفظ ملامحك ، حتى بعد إعتزالك الكلام ، أتذكر ما قلت لك يومه، في أول لقاء ؟
_ كنت أظنك أبكم ،فأنا مذ رأيتك لم تنبس بكلمة.
*...
-و لكن تاريخك ، ..كنت خطيبًا..
* التاريخ ،يسجل خيباتنا فقط ..
- كنت خطيبا ناجحا ..
*هراء ، هراء ...و أنتم تصدقون الهراء ..و تحفظونه جيدا ..
-ألهذا لم تعد تتحدث..؟
*لن أقول غير الهراء ..هراء ..و سخف!
_ أكذبت على الناس ؟
*ليست المرة الأولى ...لطالما كذبت ، و هم يحتفظون بكذباتي كحقيقة ..نعم ..أنا أبكم ..لا أعرف قول الحق ، كل ما قُلتهـ يدينني الآن بالندم ..
_ و لكنك رائع ..
*...
_ مممم ..حتى لو كنت تكذب .. أنت حاولت ..أن تكون صادقاً ..كما أنك لم تطلب منهم أن يحفظوك ..
*مجدوني بالأمس ..لألعن نفسي مراراً ..ليتني ما خطبت ..ليتني كنت .. نكرة ..
_ عذراً ..سأذهب الآن ..تأخرت عن بيتنا ..أراك غداً ..
أذكر ، يومها ، كنت في حالة يُرثى لها ، و خاطبتك ، مع أنهـ لا يحق لي مخاطبتك كغريب، و لكني ، لا أعرف لماذا أحسست بأني أعرفك جيداً ، مع هذا ..أنت في الغد لم تأتِ ، لسببٍ لم أعرفهـ حتى الآن ، صحيح ، كذبت عليك في ذاك اللقاء ، لم أتأخر عن بيتنا ، و لكني كنت أخاف أن يمر أحد يعرفني و يوصل لأهلي أنني كنت احادث رجل غريب .
أتذكر حينما جئت لتخطبني ؟ ، ذاك اليوم رقصت على مربعات بيتنا ، كان الوجود يتغنى لي ، أحسست حينها أن العالم منحني فرصة أخرى للحياة ، لحياة أجمل من حياتي ، حينما يقدم لنا عالم أشياء جميلة ، نحس بأنهـ لا يتسع لنا ، لأفراحنا ، حينها نود لو نخبر العالم باكملهـ كم نحن سعداء ، لدرجة أن أمي ظنت أني جننت !! ، و لكنها صدمتني ..
*يا بنت ، كيف عرفك ؟
_..هاه !..ما بعرف ..
*و ليش أنتي من بين كل البنات ؟
_ شوفي كيف بنتك عسولة و مالك دريانه؟!!
*الله يستر من الجاي ..
_ يا ماما ، هذا الرجال مو أي شيء ...
*ما بتجيني المصايب إلا من ورا راسك ..
_وافقي و راح تخلصي مني ..هههههههه..
*عنجد مجنونة ..ما بعرف كيف بدي زوجك !!
_ رح يكون عندي عيال مجانين كمان ..
كانت أمي لا تقرأ ، و لا تشاهد غير خطباء الدين ، أما أبي، فكان لا يهتم إلا بمقهاهـ الذي جمعني بك على طاولة واحدة ، في الوقت الذي يقيلل فيهـ ابي إلتقيت بك حتى لا يوبخني..، لا أعرف ما الذي جعلك تركن إلى مقهى والدي ، فهو قديم ، و تقليدي نوعاً ما، في الحقيقة ، الأماكن القديمة تبدو أجمل في أعيننا لأنها خالطتنا كثيراً و اصبحت منا ، غير تلك الجديدة ، و التي لا ندري إن كان ستألفنا ام غير ذلك .
هيا استيقظ ، لم يعد لدي ما أقولهـ ، اصبحت أكرر ما اقول ، استيقظ لترى كم أصبحت "بطة" ، و ابنك ينمو في أحشائي أبنك الذي انتظرتهـ خمس سنوات بحالها، جاء دون أي أدوية أو عمليات ، غير الصبر و الدعاء..، أفتقدك كثيراً في منزلنا ، بت لا استطيع الجلوس فيهـ ، أحبك ..أحبك .أحبك ،لا تكن أنانياً رقدت اكثر مني ، أما مللت ؟ ، الشيء الوحيد الذي لا أحب التفكير فيهـ ، هو أنك حينما تستيقظ ، هل ستعايرني ؟.
شكراً نرجسيتي ...أحبك و الله ..
راقنى