الصحة نعمة من رب العباد،لا يستشعرها إلا من طرحته الأقدار الربانية على فراش المرض،وقوي القلب والإيمان ومن تتوقد نفسه،أملا وطموحا،ويقينا بالله،يرى في جانب المرض،أجرا، وابتلاء، وتخفيفا لذنوب لا يعلمها إلا خالقه،
وهو حتى في فراش المرض،نراه، ذاكرا لله صابرا لا يعتريه يأسٌ أو قنوط ،أما ضعيف الإيمان،ومن غمر قلبه اليأس والقنوط فإنه يقع أسيرا،وفريسة للمرض،ولا يرى منه سوى الجانب المظلم،ومن أجمل ماقرأته في هذا الجانب،هذا الموضوع للكاتب عبد الله باجبير ويقول فيه:
إذا لزمت الفراش أسبوعا أو بضعة أسابيع لاتحزن ولا تحسب انك سيىء الحظ اعتبرها إجازة إجبارية ترتاح فيها إلى حين من القيود
التي تربطك بمشاغل الدنيا وهمومها وستراها على حقيقتها مجردة من قشورها!
حتى الأمراض المزمنة التي تلازم أصحابها طوال حياتهم ، قد خلقت من هؤلاء مشاهير خلدهم التاريخ،مثلا فرانسيس بارك مان»المؤرخ الأمريكي الكبير كان لا يستطيع أن يكتب أكثر من خمس دقائق دون أن يستريح خمس دقائق أخرى، وكان بصره ضعيفا ومعدته مضطربة، بل كانت أعضاء جسمه كلها معتلة كما قال طبيبه الخاص، ومع ذلك استطاع أن يؤلف عشرين مجلدا ضخما تعد من المراجع التاريخية الهامة.
وأصيب الدكتور « ادوارد لنفجستون»بداء السل وهو في ريعان شبابه فأرسل إلى مصح جبلي في منطقة نائية،منعزلة ميئوسا من شفائه وأثناء عزلة الموت هذه أخذ يفكر في إنشاء مستشفى خيري كبير لعلاج الفقراء من المسلولين وراح وهو يضطجع في فراشه يعالج المرضى لقاء أجر زهيد، واستطاع بمضي الأيام أن يجمع ثروة حقق بها حلمه ، فأسس المستشفى وأفاد بها ألوف الفقراء.
وظل « بوجين أوتيل « الكاتب المعروف خاملا لا هدف له في الحياة حتى بلغ الخامسة والعشرين فأصيب بمرض خطير اضطره إلى الإقامة بإحدى المستشفيات فترة من الزمن وفي فراش المرض كتب مسرحياته الأولى التي مهدت له الطريق إلى مابلغه من مكانة كبيرة في عالم المسرح.
إن المرض يبصرنا بما كنا نجهله في نفوسنا وبما ينقصنا في حاضرنا ومستقلبنا كما أنه يجلي لأعيينا الأخطاء التي ارتكبناها في حياتنا الخاصة وفي حق أقاربنا وأصدقائنا وزملائنا ومرؤوسينا وفي رؤسائنا فنعمل على اجتنابها في المستقبل ونعيش بعده أصدق عاطفة وأحكم عقلا وأهدى سبيلا.وقد يدهش المرء عندما يجد نفسه وهو طريح الفراش قادرا على حل مشكلات عجز عن حلها سنوات وهو متمتع بعافية ولكن الواقع أن غريزة البقاء في الإنسان تقوى وتشتد إبان المرض فتشحذ الهمم والحواس.
لقد صدق من قال : « إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى» وما أكثر التيجان المماثلة التي نراها حين نمرض بعد أن فاتنا رؤيتها ونحن أصحاء!!...