ارتديت ملابسى ، وخرجت من منزلى ، وأنا لم أحدد بعدالطريق الذى أنوى السير فيه ، وساقتنى قدماى إلى المنزل الذى قضيت فيه أجمل ايام حياتى ،قررت أن أذهب إليهوشرعت ذكرياتى فى احتلال عقلى وأخذت الأحداث تسترسل فى أول الأمر تداخلت ثم انتظمت.
تذكرت ميلادى فى هذا المنزل ،منزل جدتى وتذكرت أننى كنت أول صرخة طفل وليد فى هذا المنزل ، وكنت الحفيدة الأولى لجدى وجدتى من أبنهما الأكبر وتشارك الجميع فى تسميتى .
نشات وترعرعت فى هذا الجو وهذا القدر من الأهتمام ربتنى جدتى واهتم بى جدى أكثر من أبى وأمى ، وكذلك اهتم بى اعمامى وكنت كاللعبة التى يحملها الجميع .
أحببت أكثر ما أحببت جدتى ، فكان حبى لها قدر حبى لأمى كنت أرى فيها الطيبة والرحمة والحنان والعطف وإنكار الذات ، فما ان وعيت الحياة حتى كانت هى كل شئ لى وكانت مرساتها مركب أحزانى فى بحر الحياة ، كانت المطر فى صحراء أشجانى كانت أوسع حضن يسع كيانى ،كنت أضع رأسى على صدرها فأشعر بأن كل هموم الدنيا قد زالت ، كانت أيامنا سعيدة .
وفجأة بدأت الأزمات تتوالى على العائلة ، فتوفى جدى وبدأت بعض الأزمات المالية ، ولكنى كنت أراها دائما متماسكة تشد من أزر الجميع .
قضيت فى أحضان هذه الجدة الحبيبة طفولتى السعيدة وصباى وأول شبابى ، وتوفى والدى ايضا وكانت وفاته صدمة بالنسبة لى ولها ولكنى وجدت الدموع تحجرت فى عينيها تأبى أن تهزمها الأحزان ، فنظرت إليها وتحليت ببعض من صبرها ورباطة جأشها ، وكانت هذه الصدمة التى لم اتلق مثيلا لها ، وفاة الأمل فى قلبى وفاة النور فى عينى وفاة الروح فى كيانى ، وفاتها هى ... هى جدتى ....جدتى .
وخرجت من المنزل منكسة الرأس أجرجر أحزانى ورائى ، فى ثوب موشى بالسواد تتساقط دموعى كأنها دموع شمعة توشك على الإنطفاء فى ليلة سوداء حالكة .
والآن أنا أنظر الى هذا المنزل الشامخ ، وتهز كيانى ضحكات القدر الآن فقط لم يعد لى عيش فى هذا المنزل ، لم يعد لى مرسى وكأنى قارب فى وسط عاصفة هوجاء وقد تحطم مجدافا القارب وطار شراعه وصار يغوص بين أمواج تلاطمه ،فإما أن يتغلب على من حوله ، أو يعوَق وتكون هذه هى نهاية ذكرى حنين .
أكتب يا قلبى ذكرياتى ....... فهى لمحة من حياتى
بل هى كل حياتى
هذه القصه كتبتها من زمن ليس ببعيد حبيت تقرؤها معى
هى اقرب إلى الحقيقه