العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > المنتدى الاسلامى

المنتدى الاسلامى إسلام، سنة، قرآن، دروس، خطب، محاضرات، فتاوى، أناشيد، كتب، فلاشات،قع لأهل السنة والجماعة الذين ينتهجون نهج السلف الصالح في فهم الإسلام وتطبيقه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 11-04-2010, 01:19 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين

منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين

عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف


لا شك أن تنحية شرع الله تعالـى، وعــدم الـتـحـاكم إليه في شؤون الحياة من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في مجتمعات المسلمين ، ولقد كانت عـواقـب الحكم بغـير ما أنزل الله في بلاد المسلمين ما حلَّ بهم من أنواع الفساد وصنوف الظلم والــذل والـمـحـق. ونظراً لأهمية وخطورة هذه المسألة من جانب ، وكثرة اللبس فيها من جانب آخر ، فسيكون موضوع هذه المقالة عن منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين ، وضرورة التحاكم إلى شرع الله.
فـرض الله تعالـى الـحـكـم بشريعته ، وأوجب ذلك على عباده ، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب. فقال سبحانه: ((وأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)) [ البقرة:213] ، وقـال تعالى: ((إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)) [النساء:105].
وبيّن سبحانه اختصاصــه وتفــرده بالحكم ، فقال تعالى : ((إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ))[الأنعام:57] ، وقال سبحانه : ((إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ)) [يوسف:40] ، وقــال عـز وجل: ((لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [القصص:70] ، وقال سبحانه : ((ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ)) [الشورى:10].
وجـاءت الآيـات القـرآنـيـة مـؤكـدة على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين ، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله (وهــو حكم الطاغوت والجاهلية) من صفات المنافقين.
قال سبحانه : ((ويَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالرَّسُولِ وأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ ومَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وإذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وإن يَكُن لَّهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ورَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُـونَ * إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)) [النور:47-51].
وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا أَطِـيـعُـوا اللَّهَ وأَطِـيـعُـوا الـرَّسُـولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ والْيَوْمِ الآخِـرِ ذَلِـكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ ومَا أُنزِلَ مِـن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وإلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصـُـدُّونَ عَنكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنْ أَرَدْنَا إلاَّ إحْسَاناً وتَوْفِيقاً)) [النساء 59- 62].
يقــول ابن تيمـيـة عـن هذه الآيات : (ذم الله عز وجل المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كـمـا يصـيـب ذلك كـثـيـراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غـيـرهم ، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك (1) وغيرهم، وإذا قـيـل لـهـم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضاً ، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات ، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قـالــوا إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق ، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقـلـيـة التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات)(2).
ويقول أيضا: (ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول في كل ما شجر بين الناس في أمر دينهم ودنياهم في أصول دينهم وفروعه ، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكم ويسلموا تسليماً)(3).
ويقول محمد رشيد رضا عند تفسيره لقوله تعالى: ((وإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ …)) الآية: (والآية ناطقة بأن من صد وأعرض عن حـكـم الله ورسوله عمداً ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فـإنــه يـكــون مـنـافـقـاً لا يعـمـد بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام)(4).
ويمكن أن نحدد أهمية إفراد الله تعالى بالحكم، وبيان منزلة الحكم بما أنزل الله من خلال العناصر التالية:
1- منزلته من توحيد العبادة :
إن الـحـكـم بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد الله تعالى بالطاعة ، والطاعة نوع من أنواع العبادة ، فــلا تصرف إلا لله وحده لا شريك له ، قال تعالى : ((إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ)) [يوسف:40] ، وقال سبحانه: ((وهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [القصص:70] ، فعبادة الله تعالى تقتضي إفراده عـز وجـل بالـتحـلـيـل والتحريم ، حيث قال سبحانه: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [التوبة:31].
وتحقيق هذه الطاعة ، وإفراد الله تعالى بالحكم والانقياد لشرعه هو حقيقة الإسلام ، وكما قـال ابن تيمية: (فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومـن لـم يستسلم لـه كـان مستكبراً عـن عبادته ، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر ، والاستسلام له وحده يتضمـن عبادته وحده ، وطاعته دونه)(5).
ويقـول ابن القيم : (وأما الرضا بدينه، فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى ، رضي كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليماً ، ولو كان مخالفاً لمراد نفسه ، أو هواه، أو قول مقلده وشيخه وطائفته)(6).
وفي المقابل فإن من أشرك مع الله في حكمه، فهو كالمشرك في عبادته، لا فرق بينهما ، كما قال الشنقيطي: (الإشراك بالله في حكمه ، والإشراك في عبادته كلها بمعنى واحد ، لا فرق بينهما البتة ، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله ، وتشريعاً غير تشريع الله، كالـذي يـعـبد الصنم ويسجد للوثن، لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكـلاهما مشرك بالله)(7) .
ويقول أيضاً: (ويفهم من هذه الآية ((ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً…)) أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله ، وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر ، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله ((ولا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّـهِ عَلَيْهِ وإنَّـهُ لَفِـسْـقٌ وإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وإنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) فصرح بأنـهـم مـشـركون بطاعتهم ، وهذا الإشراك في الطاعة ، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ، هو المراد بعبارة الشيطان في قوله تعالى : ((أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّـهُ لَـكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ))، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم : ((يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياً))(8).
وتحقيقاً لوحدة العبادة القائم على نفي الإلهية عما سوى الله تعالى ، وإثباتها لله تعالى وحده ، فإنه يجب الكفر بالطاغوت ، كما قال تعالى: ((فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ويُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا)) [البقرة :256] .
وقد سمى الله تعالى الحكم بغير شرعه طاغوتاً ، حيث قال تعالى : ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ ومَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) [النساء:60]، والطاغوت عام ، فكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود ، أو متبوع ، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله ، فهو طاغوت(9).
2- منزلته من التوحيد العلمي الخبري :
الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية ؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه ، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم ، فقال سبحانه : ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [التوبة :31](10).
وكما يقول محمد رشيد رضا - في بيان معنى الشرك في الربوبية -: (هو إسناد الخلق والتدبير إلى غير الله تعالى معه ، أو أن تؤخذ أحكام الدين في عبادة الله تعالى والتحليل والتحريم عن غيره ، أي غير كتابه ووحيه الذي بلغه عن رسله)(11).
ويقول ابن حزم - عن قوله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ...)) الآية -:
(لما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم ، ويحلون ما أحلوا ، كانت هذه ربوبية صحيحة ، وعبادة صحيحة ، قد دانوا بها ، وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله وعبادة ، وهذا هو الشرك بلا خلاف)(12).
ويقول ابن تيمية - في هذا الشأن -:
»قد قال تعالى : ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) . وفي حديث عدي بن حاتم - وهو حديث حسن طويل رواه أحمد والترمذي وغيرهما - وكان قد قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو نصراني ، فسمعه يقرأ هذه الآية ، قال : فقلت له : (إنا لسنا نعبدهم ، قال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم) ، وكذلك قال أبو البختري : أما إنهم لم يصلوا لهم ، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الأمة حرامه ، وحرامه حلاله ، فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية...
فقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عبادتهم إياهم كانت في تحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، لا أنهم صلوا لهم ، وصاموا لهم ، ودعوهم من دون الله ، فهذه عبادة الرجال ، وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله : ((لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ))(13). كما أن حقيقة الرضا بالله رباً توجب إفراد الله تعالى بالحكم،واختصاصه تعالى بالخلق لأمر، حيث قال سبحانه (أَلا لَهُ الخَلْقُ والأَمْرُ)) [الأعراف:54]، وقال سبحانه : ((قُلْ إنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)) آل عمران:154]، فالأمر كله لله تعالى وحده ، سواءً كان. هذا الأمر أمراً كونياً قدرياً ، أو شرعياً دينياً(14).
يقول العز بن عبد السلام : (وتفرد الإله بالطاعة لاختصاصه بنعم الإنشاء والإبقاء والتغذية والإصلاح الديني والدنيوي ، فما من خير إلا هو جالبه ، وما من ضير إلا هو سالبه.. وكذلك لا حكم إلاّ له)(15).
ويقول عبد الرحمن السعدي : (فإن الرب ، والإله هو الذي له الحكم القدري ، والحكم الشرعي ، والحكم الجزائي ، وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا شريك له ، ويطاع طاعة مطلقة فلا يعصى بحيث تكون الطاعات كلها تبعاً لطاعته)(16).
إضافة إلى ذلك ، فإن (الحكم) من أسماء الله تعالى الحسنى ، فقد قال -صلى اللله عليه وسلم- :إن الله هو الحَكَم وإليه الحكم«(17).
وقال تعالى : ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً)) [الأنعام:114]، وقال سبحانه: ((فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ)) [الأعراف:87] ، وقال عز وجل: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ)) [التين:8].
وإن الإيمان بهذا الاسم يوجب التحاكم إلى شرع الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : ((ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)) [الكهف:26] ، وقال سبحانه : ((ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ)) [الشورى:10].

وفي ختام هذا المقال نشير إلى أن تحكيم الشريعة استجابة لله تعالى ، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-،ففيه الحياة والصلاح والخير، كما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)) [الأنفال:24].
يقول الشيخ السعدي : (قوله ((إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)) وصف ملازم ، لكل ما دعا الله ورسوله إليه ، وبيان لفائدته وحكمته ، فإن حياة القلوب والروح ، بعبودية الله تعالى ، ولزوم طاعته ، وطاعة رسوله ، على الدوام)(25)..
وإن رفض هذه الشريعة وعدم الاستجابة لها اتباع للهوى ، فهو ضلال شنيع في الدنيا ، وعذاب شديد في الأخرى، ويقول تعالى: ((فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ)) [القصص:50]، ويقول سبحانه : ((يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص:26].
ويقول عز وجل : ((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا ولَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) [النساء:14] ، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : (أي لكونه غيّر ما حكم الله به ، وضادّ الله في حكـمـه ، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم)(26).
ولقد جـــاءت نـصـــــــوص الوحيين محذِّرة من التحاكم إلى غير ما أنزل الله تعالى: فقال سبحانه: ((وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ واحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ فَإن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وإنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)) [المائدة:49].
يقول إسماعيل إبراهيم الأزهري : (فأمر الله عز وجل نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله فيه ، ونهاه عن اتباع أهوائهم لما فيه من مخالفة المنزل إليه وحذره أن يفـتـنـوه فـيـحــولوا بينه وبين بعض ما أنزل عليه ، وأعلمه أنهم إن تولوا عن الحكم الذي أنزله الله إليه فإنما يريد أن يصيبهم ويبتليهم بسبب بعض ذنوبهم. فعلم منه أن التولي عن حكم الله وحكم رسوله إلى حكم الأهواء سبب لإصابة الله بالمصائب)(27).
ويحكي ابن القيم شيئاً من عواقب تنحية حكم الله تعالى فقال :

(لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليها، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان، وأقوال الشيوخ، عـــــــرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى رُبي فيها الصغير ، وهرم عليها الكبير..)(28).
وفـي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (يا معشر المهاجرين : خصال خمس إن ابتليتم بهن، ونزلن بكم - وذكر منها: وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم)(29)، وفي رواية (وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر)(30).
وفي هذا يقول ابن تيمية: (وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا [حكم الكتاب والسنة] فقد حكموا بغير ما أنزل الله ، ووقع بأسهم بينهم ، قال -صلى الله عليه وسلم- : (ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم). وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا ، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره فيسلك مسلك من أيّده الله ونصره ، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه)(31).
وصدق الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فإن الناظر إلـى واقــع بلاد المسلمين - الآن - يـرى مــــا وقع في تلك البلاد من المصائب ، وأنواع الفرقة والعداوة بينهم، وكــذا التقاتل والتناحر ، كما ظهر الفقر والتدهور الاقتصادي ، مع أن في بلاد المسلمين - كما هو معلوم - أعظم الثروات وبمختلف الأنواع، وأعـظــم ســبـب فـي ذلك هو تنحية شرع الله والتحاكم إلى الطاغوت والله المستعان.

الهوامش :
1- يقصد التتر.
2 - الفتاوى 12/339-340 ، بتصرف يسير.
3 - الفتاوى 7/37-38 .
4- تفسير المنار 5/227.
5 - الفتاوى 3/ 91 ، وانظر النبوات ص 69- 70.
6- مدارج السالكين 2/118.
7- الحاكمية في تفسير أضواء البيان ، لعبد الرحمن السديس ، وانظر أضواء البيان للشنقيطي 7/162 .
8- أضواء البيان 4/83 و 3/440.
9- انظر أعلام الموقعين 1/49 - 50 ، وانظر رسالة معنى الطاغوت لمحمد بن عبد الوهاب (مجموعة التوحيد) ص 260.
10- انظر المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 1/33.
11- تفسير المنار 2/55 ، و 3/326.
12- فصل 3/266..
13- الفتاوى 7 / 67.
14- وانظر تحكيم الشريعة لصلاح الصاوي ص 18- 21 ، ورسالة ضوابط التكفير ص 116.
15 - قواعد الأحكام 2/134 -135
16- القول السديد ص 102.
17- رواه أبو داود 4955 ، والنسائي 8/226
18- أضواء البيان 7/173 -168 ، باختصار.
19- انظر شرح العقيدة الطحاوية 1/228.
20- تفسير ابن كثير 3/ 211.
21- البيان في أقسام القرآن ص 270.
22- مدارج السالكين 2/172-173.
23- مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/190 ، وانظر تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله ص 554-555.
24- فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 12/251 ، (رسالة تحكيم القوانين).
25- الدرة ص 238.
26- الفتاوى 28/471 ، و35/336،407.
27- أعلام الموقعين 1/49-50.
28- تفسير ابن كثير 3/209.
29- تفسير المنار 5/277.
20- تفسير السعدي 2/90 ، باختصار.
21- تعظيم قدر الصلاة 1/392/393.
22- رسالة تحكيم القوانين.
23- الفتاوى 7/611 ، وانظر كتاب الصلاة لابن القيّم ص 54.
24 - التمهيد 4 /226.
25- تفسير السعدي 3/156.
26 - عمدة التفسير 3/125.
27- تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن ص40 ، وانظر ص 22.
28- الفوائد ص 42 -43.
29-رواه البيهقي وصححه الألباني ، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/321.
30- رواه الطبراني فى الكبير وحسنّه الألباني ، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/321.
31- الفتاوى 35/387.


منقول







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 11-04-2010, 04:11 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
كمال بدر

الصورة الرمزية كمال بدر

إحصائية العضو







كمال بدر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين

الأخت الفاضله

جزاكِ الله خيراً عن هذا الطرح القيم إن شاء الله .







آخر مواضيعي 0 موسى بن نصير .. القائد الفذ .
0 قبسات من الطب النبوي العلاجي .
0 حــــوار مع الشيطان .
0 الأمانة ـ روائع أخلاق الرسول .
0 القرآن الكريم دليل على نبوة رسول الله .
رد مع اقتباس
قديم 11-04-2010, 09:00 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
همس الليالي

الصورة الرمزية همس الليالي

إحصائية العضو








همس الليالي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين

الســـــلام عليكم


جـوزيتِ خـيراً أخيتي نـور على طرحك القيم
بارك الله فيكِ وكتب لكِ الأجر
وأجزل لكِ المثوبه
دمتِ في طاعة الله






آخر مواضيعي 0 الجز على الأسنان
0 عجباً لغافلٍ والأهوال تنتظره !
0 افعى المامبا السوداء
0 صور سلق الصيد
0 من أحاديث الهابطين
رد مع اقتباس
قديم 11-04-2010, 10:11 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين

نووور .. جزاك الله كل خير

تسلمى على الطرح الرائع

وفقك الله ويسر امورك






آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator