النقد المرغوب.. للدكتور صادق البيضاني
الكلامُ اللينُ يغسل الضغائن الكامنة في القلب ، ويحبب النفوس المتنافرة، ويقارب وجهات النظر ، ويصلح ذات البين ، ويوحد الصف ، ويجعل الخلق جميعاً إخوة متحابين غير متدابرين ، وبعكسهِ الغلظةُ والشدةُ من الناقد سواء كان المنقود فرداً أو جماعة فإن سوء النقد وغلظته لا يُورِّث إلا البغض والكراهية ، ورد الحق ،والإصرار على الباطل ، واختلاف وجهات النظر ، وتفريق الكلمة.
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : "ما كان الرفقُ في شئٍإلا زانه ، وما نُزِع من شئٍ إلا شانه".
ولا يمكن أن يَسْلَم أحدٌ من الوقوع في الخطأ ، وليس ذلك عيباً في حقالآدميين لكونهم مجبولين على ذلك لضعفهم ،
فليس العيب أن يقع الشخص في الخطأ ولكن العيب أن يصر عليه معرضاً عن إصلاح وضعه مع الله والناس أجمعين.
وحتى نصحح هذه الأخطاء يجب علينا التزام أدب النقد من جهتين وطرف:
الجهة الأولى : من جهة الناقد إذ يجب عليه التزام الحكمة وحسن النقد حال نقده.
الجهة الثانية : من جهة المنقود إذ يجب عليه أن يتقبل نقد أخيه بصدر رحب مع السعي لإصلاح ذلك العيب.
وأما الطرف فيلزم الناقد أن يكون مثالاًحياً فلا يكون نقده خلاف واقعه ، ويلزم المنقود أن يكون متواضعاً مُتقبلاً نقد
أخيه غير متعالٍ عليه.
والنقدُ في العادة لا يخلو عن كونه رسالةً مُوجهةً إلى واحد من ثلاثةإما مساوٍ لك في القدر والمكانة كالصديق ، وإما دونك كالولد والتلميذ ، وإما أعلى منك كالوالدين والأمير.
وكل هؤلاء بشر يعتريهم ما يعتريك من الخطأ والنقص والعيب ، وكونك مصلحاً وناصحاً لن تنجح في نصيحتك حتى تأخذ بهذه الجملة السماوية القرآنية ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
فصديقك وجارك ووالداك وأميرك والناس أجمعون لن يقبلوا منك وداً ولا حباً ولا أُلْفة حتى تحببهم إليك بأخلاقك وحسن أدبك في النقد والوعظ ، ولذا قال الله عزوجل لنبيه ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ).
وإليكم هذا المثال الرائع من حياة السلف :
بينما الرشيد هارون يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فاحتمله لي فقال : لا ولا كرامة قد بعث الله منهو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني فأمره أن يقول له قَوْلاً لَّيِّناً.
فحنانيك بالأمة وأفراد المجتمع فصلاحُهم بالكلمة الطيبة وطلاقةِ الوجهو الرحمة والتسامح وخفض الجناح ولين الخطاب ،
لا بالقسوةِ وعباسة الوجه والترفع وقسوة الخطاب.
فمن ذا الذي ما ساءَ قطْ ومَنْ لهُالحسنى فقطْ
فَلِيْنُوا مع الصغيرِ والكبير ، ولا تكونوا جبابرةً يَغلبُ جهلُكمحِلمَكم.
وصلوا مَنْ قَطَعَكم ، واعْطُوا مَنْ حرمَكم ، واحلموا عمَّن جهل عليكم، وابتغوا الشرفَ والسؤدد والرفعة من الله وحده ، ولتكن صدوركم دولةً واسعةً لقبولا لنقد ، وتقديمه لمجتمعكم في أحسن لباسٍ ، والله يرعاكم.
المصدر
موقع فضيلة الشيخ الدكتور صادق بن محمد البيضاني