بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
هذا كتاب البكاء فى الإسلام .
ماهية البكاء :
إن البكاء فى العرف لدى الناس هو نزول الدموع من العين لسبب ما وهذا
المعنى لم يرد فى القرآن لأن كلمة البكاء فى القرآن لها معانى عدة هى :
1-النواح والولولة وقد جاء هذا المعنى – وهو أقرب المعانى للمعنى العرفى
– فى قوله تعالى بسورة يوسف "وجاءوا أباهم عشاء يبكون ".
2-السجود وهو الطاعة لله وقد ورد هذا المعنى بقوله بسورة مريم "إذا تتلى
عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا "وقوله بسورة الإسراء "ويخرون للأذقان
يبكون ويزيدهم خشوعا ".
3-الحزن وقد ورد هذا المعنى بقوله بسورة الدخان "فما بكت عليهم السماء
والأرض وما كانوا منظرين ".
4-الإيمان وقد ذكر هذا المعنى بقوله بسورة النجم "أفمن هذا الحديث
تعجبون وتضحكون ولا تبكون ".
وهذه المعانى تفصيلية ويمكن أن تجمع فى معنيين :
1-الحزن وهو يشمل النواح والولولة والحزن لأنها أشياء قريبة من بعضها وإن
كان بينها اختلاف فالنواح الصادر من اخوة يوسف ليس حزنا عليه وإنما
تمثيلا وتشخصيا لشىء معدوم فى أنفسهم وإن كان العرف العام عند الناس
يعتبر النواح دليل على الحزن .
2-الطاعة وهى تشمل الطاعة والإيمان وهى أشياء بعضها يترتب على بعض
فالطاعة فى الغالب تكون من المؤمن وإن كان هناك طاعة خوف وليست طاعة
إيمان كطاعة المنافقين والإيمان يترتب عليه الطاعة لما يؤمن به الإنسان
وإن كان البعض لا يفعل ما يقول أنه يؤمن به مصداق لقوله بسورة الصف "يا
أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ".
من المبكى ؟
المبكى هو محدث البكاء وهو الله وفى هذا قال تعالى بسورة النجم "وأنه هو
أضحك وأبكى "وللتوضيح نقول إن المبكى هو الله وفى نفس الوقت المخلوق
فالبكاء لا يشاءه أى لا يفعله المخلوق إلا إذا شاءه أى فعله الله
فالمشيئة تقع من الله ومن المخلوق فى نفس الوقت وفى هذا قال تعالى بسورة
التكوير "وما تشاءون إلا أن يشاء الله ".
ما الذى يبكينا ؟
المعنى ما الذى يجعلنا نذرف الدموع ؟ والجواب :
يعود نزول الدموع لأسباب عدة نجملها فى التالى :
-معرفة الإنسان للحق الذى أنزل على النبى (صلى الله عليه وسلم)وفى هذا قال تعالى بسورة
المائدة "وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما
عرفوا من الحق ".
-الحزن ومنه حزن المسلمين المحتاجين الذين لم يجدوا ما ينفقوه فى غزوة
العسرة وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة "تولوا وأعينهم تفيض من الدمع
حزنا ألا يجدوا ما ينفقون"
-كثرة الضحك فمن يضحك أكثر من حد المعقول يحدث له ضعف يتمثل فى إصابته
بالفواق وهو الزغطة ونزول دموع من عينيه ويمكن أن نرجع سبب نزول الدمع فى
الضحك إلى ازدياد ضغط العضلات المحيطة بالعين عليها لأنها تتحرك أثناء
الضحك .
-وجود المثيرات وهى أى مادة لها رائحة لا تحبها العين مثل البصل .
-إصابة العين بدخول أى شىء غريب فيها مثل الناموس والتراب .
-الفرح فكثير من الناس يبكى بدموع عند حدوث شىء مفرح له والظاهر أن السبب
المفرح قويا بدرجة عظيمة ويتسم بأنه أمر غير متوقع .
فوائد البكاء :
إن البكاء وهو هنا نزول الدمع لسبب ما يكون فى أحوال له فوائد وفى أحوال
أخرى له أضرار وتتمثل فوائد البكاء كما يقولون فى التالى :
- غسل العينين بالدموع التى تمثل مطهرا يهلك الجراثيم .
- التنفيس عن الحزن المكظوم فى النفس مما يتسبب فى حدوث راحة نفسية .
- إنهاء لحالة من التوتر والقلق التى تصيب الإنسان خاصة إذا كان السبب
الفرح بأمر غير متوقع .
- تنبيه الأخرين لحاجة الباكى أو الباكية لحنانهم وعطفهم فى وقت البكاء .
- تشغيل الغدد الدمعية فى عملها حتى لا يحدث لها حالة جمود أو فقد جزئى
للذاكرة.
ما يترتب على البكاء :
يترتب على البكاء وهو هنا الحزن نزول الدموع من العين وفى هذا قال تعالى
بسورة التوبة "تولوا وأعينهم من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون
"فالمسلمين الذين لم يجدوا وسائل ركوب للذهاب للجهاد فى سبيل الله فيما
يسمى غزوة العسرة حزنوا وكان سبب حزنهم هو ألا يجدوا ما يعملونه فى
الجهاد الحربى ولذا نزلت الدموع من أعينهم وهذا العمل وهو نزول الدمع عند
الحزن غالبا فهناك أناس يحزنون ولا يدمعون مع قدرتهم على هذا .
الإفراط فى البكاء :
إن كثرة البكاء أى الحزن يترتب عليها ضرر هو ضعف القدرة على الإبصار أو
فقد القدرة على الإبصار فقدا تاما ومثال هذا فى القرآن هو ابيضاض عين
يعقوب وهو العمى بسبب البكاء الناتج من حزنه على يوسف وفى هذا قال
تعالى بسورة يوسف "وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من
الحزن فهو كظيم "ومن ثم وجب أن ننهى المفرط فى إنزال الدموع عن إفراطه .
أعضاء البكاء :
إن البكاء وهو النواح والحزن له عدة أعضاء هى أعضاء الوجه وأما نزول
الدمع فله عضو واحد هو العين وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "وإذا
سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق
"وقال بسورة التوبة "تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا "