السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولد الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرنؤوطي سنة (1333هـ - 1914م) بمدينة أشقودرة -عاصمة دولة ألبانيا-، ثم ارتحل بصحبة والده إلى دمشق، فأقام بها زمناً طويلاً، ثم سكن المدينة النبوية ثلاث سنوات، وعاد بعدها إلى دمشق، ثم ارتحل إلى الأردن، فاستقر بها حتى وفاته.
نشأ الشيخ الألباني في أسرة فقيرة متدينة، يغلب عليها الطابع العلمي، فقد كان والده مرجعاً للناس يعلمهم ويرشدهم، فبدأ بتعليمه القرآن الكريم والتجويد والنحو والصرف وفقه المذهب الحنفي، فأتم حفظ القرآن الكريم مبكرا، ثم اتجه إلى الاشتغال بعلوم الحديث في العشرين من عمره، متأثرًا بأبحاث "مجلة المنار" التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا، وكان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي، مع التعليق عليه.
أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات، فأجادها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنة وقتاً جيداً للمطالعة والدراسة، وهيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية والاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية، وكان يعبر في كبره عن سعادته بمهنته ويقول: إنها أكسبته الدقة في علم الحديث.
كانت بداية تلقيه للعلم على يد والده، ثم تعلم على يد الشيخ محمد سعيد البرهاني، والشيخ محمد بهجة البيطار، وأما تلامذته فقد كانوا من شتى أقطار الأرض، حيث كان طلاب العلم يَفِدون إليه، بعد أن ملأت شهرته الآفاق.
زار الشيخ الألباني الكثير من الدول للتدريس وإلقاء المحاضرات، منها: السعودية وقطر والكويت ومصر والإمارات وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا.
تقريب السنة بين يدي الأمة
أمضى الشيخ الألباني زهاء ستين سنة في خدمة السنة المطهرة، والذب عن حياضها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، وأحيا في الأمة مناهج المحدثين، ومَلَكة النقد والتحقيق، والتمييز بين الصحيح والضعيف، وحذر من نشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبيّن أثرها السيئ في الأمة.
وكثيراً ما كان يتحدث عن مشروع عمره الذي أسماه :"تقريب السنة بين يدي الأمة" الذي استغرق أكثر حياته، حيث أبدع في ذلك فوق ما أراد؛ إذ بحث ألوف الأحاديث، وحكم عليها بالصحة أو الحسن أو الضعف أو الشذوذ أو النكارة أو الوضع، بل ميّز الزيادات المدرجة والضعيفة في الأحاديث الحسنة والصحيحة، وكانت تلك الجهود العظيمة عبر مسارات عدة، مما يدل على شخصية فذة، وعبقرية فريدة، نذكر منها:
1- تخريج الأحاديث: اهتم بتخريج أحاديث بعض الكتب التي لم تكن مخرّجة قبل ذلك، ومن ذلك كتبه التالية: "إرواءُ الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"، و"سلسلةُ الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"، و"سلسلةُ الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة"، و"تخريجُ أحاديث سنن أبي داود" وهو من أوسع كتبه.
2- تمييز الصحيح من الضعيف: اهتم بتصنيف كتب تميّز صحيح الأحاديث من ضعيفها، ومن ذلك كتبه التالية: "صحيحُ الأدب المفرد للبخاري"، و"ضعيفُ الأدب المفرد للبخاري"، و"صحيحُ الترغيب والترهيب للمنذري"، و"ضعيفُ الترغيب والترهيب للمنذري"، و"صحيحُ الجامع الصغير وزياداته للسيوطي"، و"ضعيفُ الجامع الصغير وزياداته للسيوطي"، وغير ذلك.
3- التحقيق والتعليق والتعقيب: قام بالتحقيق والتعليق على بعض الكتب التراثية، ويندرج في ذلك كتبه التالية: "مشكاةُ المصابيح للخطيب التبريزي"، و"رياضُ الصالحين للنووي"، و"شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز"، و"كتابُ الإيمان لابن أبي شيبة"، و"مختصرُ صحيح مسلم للمنذري"، وغير ذلك.
4- الاختصار: اختصر بعض كتبه كصفة الصلاة والتوسل، كما اختصر كتب غيره، وهي ما يأتي: "مختصرُ الشمائل المحمدية للترمذي"، و"مختصرُ صحيح البخاري"، و"مختصرُ العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها للذهبي".
5- إبراز فقه الحديث: حرص على إبراز فقه الحديث وبيان مناهج المحدثين في مسائل الفروع، فبحث كثيراً من المسائل الفقهية في ضوء نصوص السنة الصحيحة، ومن أمثلة ذلك: "صفةُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها"، و"تحريمُ آلات الطرب"، و"أحكامُ الجنائز وبدعها"، و"آدابُ الزفاف في السنة المطهرة"، وغير ذلك.
والحقيقة التي لا غبار عليها أن الشيخ الألباني أحدث نقلة نوعية في علوم الحديث، وكان مجدداً بحقّ كما قال عنه الشيخ مقبل الوادعي -محدث الديار اليمنية-: "والذي أعتقده وأدين الله به أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)".
وفاته:
توفي الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني قبيل غروب يوم السبت (الثاني والعشرين من جمادى الآخرة 1420هـ - الموافق للثاني من أكتوبر 1999م)، في مدينة عمان -عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية- ودفن بعد صلاة العشاء.
ورغم عدم إعلام أحد بوفاة الشيخ إلا المقربين منه، حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافة إلى قصر الفترة ما بين وفاة الشيخ ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته، وشهدوا دفنه، حيث تداعى الناس لحضور جنازته، رحمه الله رحمة واسعة.
موقع مقالات اسلام ويب