جنة الثقة بالله
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
أما بعد .. أحبتي في الله ..
والذي نفسي بيده إني أحبكم في الله ، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الحب موجبًا لمحبته لنا ، وشافعًا يوم نلقاه ، اللهم برحمتك عمَّنا ، وقنا شر ما أهمنا ، واجمعنا على طاعتك ورضاك يا أكرم من سئل وأجود من أعطى .
أحبتي ..
أنا على ثقة بالله أنه لن يضيعنا ، لا لأننا نستحق ولكن لأنه " أهل التقوى وأهل المغفرة "
أنا على يقين بأنَّ الأمور ستتغير ، وأننا لابد راجعون - لو أخلصنا وصدقنا في طلب القرب -
هذا رأس مال المؤمن ( ثقته بربه وسوء ظنه بنفسه )
قيل لسلمة بن دينار : يا أبا حازم ما مالك ؟ قال : ثقتي بالله تعالى ، وإياسي مما في أيدي الناس . [ الحلية : (3/232) ]
الله وعدنا أن ينصرنا إذا نصرناه ، وأن يحيينا الحياة الطيبة إذا آمنا به وعملنا صالحًا ، وهو لا يخلف الميعاد ، فظني بك يا رب أن تقيل عثرتنا ، وتقبل توبتنا .
لكن كيف نذوق لذات جنات الثقة به ؟
أولاً: أن نتعرف عليه ، ونبني صلتنا به على اليقين ، فنكون بما في يديه أوثق مما بأيدينا .
قال شقيق بن إبراهيم : من أراد أن يعرف معرفته بالله ، فلينظر إلى ما وعده الله ووعده الناس ، بأيهما قلبه أوثق . [ الحلية (8/64) ]
فاصنعوا صنيع الزبير في سائر الأمر تربحوا :
في الحلية (1/90-91) عن عبدالله بن الزبير قال لما كان يوم الجمل جعل الزبير يوصي بدينه ويقول :
يا بني إن عجزت عن شيء فاستعن عليه بمولاي . قال : فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله . قال : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض دينه فيقضيه فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها بالغابة ودورا وإنما كان دينه الذي عليه أنَّ الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير : لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة فحسبت ما عليه فوجدته ألفي ألف فقضيته .
وكان ينادي عبدالله بن الزبير بالموسم أربع سنين من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فلما مضى أربع سنين قسمت بين الورثة الباقي وكان له أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف .
فانظروا كيف تعامل مع الله ؟ يكون عليه دين (2 مليون ) وبعد أربع سنين ترث كل امرأة من نسائه ( مليون و200 ألف ) هذا نصيب الواثق بالله .
فماذا أنتم صانعون ؟
من منكم اليوم يتصدق بصدقة عظيمة ثقة بأن الله سيخلفه ؟
هل من الممكن أن نسمع اليوم عن أخت تصدقت بحليها لله رب العالمين لنشر الدعوة في الآفاق ثقة بأنَّ الله قال في الحديث القدسي : " أنفق أنفق عليك "
هل سنرى من تلتزم بلباس أمهات المؤمنين رغم كيد الكائدين ثقة بأن الله أمرها بهذا فلن يضيعها ؟
هل من الممكن أن نرى من يزيد في ورد القيام ولا يخاف التعب توكلا وثقة بالله أن الله لن يصيعه وسيرزقه الراحة بيسير النوم ؟
هل ستتغير الأحوال من الآن ؟
علامة ذلك أربعة أمور :
قال أبو سليمان الداراني : من وثق بالله في رزقه : زاد في حسن خلقه ، وأعقبه الحلم ، وسخت نفسه في نفقته ، وقلت وساوسه في صلاته . من يدخل جنة الثقة ؟؟ من يباري في حسن الخلق ؟ من يتعلم ( الحلم وكظم الغيظ ) من ستجود نفسه قبيل العيد للفقراء والمساكين ؟ من سيرزق الخشوع ؟؟
وتحقيقا لهذا فسنة اليوم : التفل على اليسار ثلاثا عند الوسوسة في الصلاة :
عَنْ أَبِى الْعَلاَءِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِى وَبَيْنَ صَلاَتِى وَقِرَاءَتِى يَلْبِسُهَا عَلَىَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّى.
ونوصي بأهذا الدعاء استشفاءً:
اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك ، اللهم لين قلبي بالتوبة ، ولا تجعل قلبي قاسيًا كالحجر .
عودة قلب
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
أما بعد ..
" رب ارجعون " إلى لحظات القرب منك ، إلى الحياة بعد أن ضلت قلوبنا وابتعدت كثيرا عنك .
إنَّ حالنا كحال بهلول بن ذؤيب الذي يذكر أنه ظل يبكي ويقول : كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذت ببعضها خلدني في جهنم ولا أرى إلا أنه سيأخذني .
ومضى حتى أتى بعض جبال المدينة فتغيب ولبس مسحا وغل يده إلى عنقه بالحديد ونادى : إلهي وسيدي ومولاي هذا بهلول بن ذؤيب مغلولا مسلسلا معترفا بذنوبه "
نعم هذا عبدك ( فلان ) أتاك وهو مغلول بذنبه ، ومعترفًا بجرمه ، ويسألك بكل اسم هو لك ، ويطلب منك وأنت الجواد الأكرم أن ترده إليك ردًا جميلا ، وأن تجعل قلبه ينبض بحبك ، فاللهم لا تجعل في قلبي إلا حبك ولا تجعل فيه تعلقًا بسواك ، واجعله في هداك وابتغاء رضاك .
أحبتي ...
كان ذو النون المصري يقول : ثلاثة من أعلام موت القلب : الأنس مع الخلق ، والوحشة في الخلوة مع الله ، وافتقاد حلاوة الذكر للقسوة .
وهذه هي بداية " عودة القلب " أن نسعى في حياة قلوبنا بثلاث :
1- تعلم كيفية الأنس بالله .
2- الخلوة للمناجاة والتضرع .
3- كثرة الذكر لتليين القلب .
وتعالوا نتدارس المعنى الأول : " كيفية الأنس بالله تعالى "
يقول الإمام ابن القيم : " إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله .
والأنس بالله ثمرة للطاعة ، ونتيجة للمحبة ، فمن أطاع الله وامتثل أمره واجتنب نهيه وصدق في محبته ، وجد للأنس طعماً وللقرب لذة ، وللمناجاة سعادة .
أما من كان قلبه فارغاً من حب الله والأنس بالله ، فإنه سيشعر بالوحدة والغربة والعزلة حتى ولو كان حولك الناس جميعاً ، وهنا سيغلق القلب أبوابه وستفتح النفس أبوابها التـي تقوده إلى سبيل الشهوات والنزوات والهوى، فتضل السبيل وتسلك طريق الضياع، والحيرة ، والتخبط، والهلاك الذي يودي بك حتماً إلى الشقاء.
يقول ابن القيم : " في القلب شعت لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوف وقلق لا يذهب إلا بالفرار إلى الله ، وفي القلب حسرة لا يطفئها إلا الرضا بالله " .
وقال بعض السلف : إيَّاك أن تطمع في الانس بالله وأنت تحب الأنس بالناس.
وسئل بعضهم : متى يذوق العبد الأنس بالله ؟ فقال : إذا صفا الود وخلصت المعاملة . فقيل : فمتى يصفو الود ؟ . قال : إذا اجتمع الهم فصار في الطاعة . قلت : فمتى تخلص المعاملة ؟ . قال : إذا كان الهم هما واحدا .
وذكر ابن حجر الهيثمي : أنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْكَبَائِرِ يَرْجِعُ فِعْلُهَا إلَى سُوءِ الْخُلُقِ ، وَتَرْكُهَا إلَى حُسْنِ الْخُلُقِ ، وَحُسْنُهُ يَرْجِعُ إلَى اعْتِدَالِ قُوَّةِ الْعَقْلِ بِكَمَالِ الْحِكْمَةِ ، وَإِلَى اعْتِدَالِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ ، وَإِطَاعَةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ ، ثُمَّ هَذَا الِاعْتِدَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِجُودٍ إلَهِيٍّ وَكَمَالٍ فِطْرِيٍّ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاكْتِسَابِ أَسْبَابِهِ مِنْ الْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يُوجِبُ حُسْنَ خُلُقِهَا وَيُضَادُّ سُوءَ طَوِيَّتِهَا إذْ هِيَ لَا تَأْلَفُ رَبَّهَا وَلَا تَأْنَسُ بِذِكْرِهِ إلَّا إذَا فُطِمَتْ عَنْ عَادَتِهَا وَحُفِظَتْ عَنْ شَهَوَاتِهَا بِالْخَلْوَةِ وَالْعُزْلَةِ أَوَّلًا لِيُحْفَظَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ ، ثُمَّ بِإِدْمَانِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي تِلْكَ الْخَلْوَةِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأُنْسُ بِاَللَّهِ وَبِذِكْرِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَتَنَعَّمُ بِهِ فِي نِهَايَتِهِ ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِي بِدَايَتِهِ ، وَرُبَّمَا ظَنَّ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ أَدْنَى مُجَاهَدَةٍ بِتَرْكِ فَوَاحِشِ الْمَعَاصِي أَنَّهُ قَدْ هَذَّبَهَا وَحَسَّنَ خُلُقَهَا ، وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَاتُ الْكَامِلِينَ وَلَا أَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا } إلَى أَنْ قَالَ : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا }
معنى ذلك :
1- أول الطريق مجاهدة النفس وترويضها عن فعل المعاصي ، فليس المطلوب فقط ترك المعصية ، بل التحلي بصفات أهل الإيمان .
2- الابتعاد عن كل أسباب المعاصي بالخلوة وكثرة التواجد في المساجد والبعد عن أماكن الغفلة .
3- إدمان الذكر والدعاء .
4- الوصول للأنس بالله تعالى ( وتكوين الحال مع الله تعالى ) .
وهاهنا يبدأ القلب ينبض وتعود له الحياة .
استغفار المذنبين مثلي :
اللهم لك الحمدُ بما أنت أهله ، فصل على محمد بما أنت أهله ، وافعل بنا ما أنت أهله ، فإنك أنت أهل التقوى .
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، فأستغفر الله العظيم فراراً من غضبِ الله إلى رضاء الله .
أستغفر الله العظيم فراراً من سخطِ الله إلى عفوِ الله .
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه .
أستغفر الله العظيم من الإفراط والتفريط ، ومن التخبيط والتخليط ، ومن مقارفة الذنوب ومن التدنس بالعيوب ، ومن عدم القيام بحق الله وخلق الله ، ومن عدم التشميرِ لطاعةِ الله ، ومن الظلمات والتبعات ، ومن الخطى إلى الخطيئات ، ومن حبِ الجاهِ والمال ، ومن شهوةِ القيلِ والقال ، ومن رؤية النفس بعين التعظيم ، ومن اتباع الهوى وهجر التقوى والميل إلى زخارف الدنيا ، ومن جميع ما يكره الله ظاهراً وباطناً .
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه : من كل ذنب يصرف عني رحمتك أو يحل بي نقمتك أو يحرمني كرامتك أو يزيل عني نعمتك ، ومن كل ذنب يورث الأسقام والضنا ويوجب النقم والبلاء ويكون يوم القيامة حسرةً وندامة .
ومن كل ذنب تبت إليك منه ونقضت فيه العهد فيما بيني وبينك جراءة مني عليك لمعرفتي بعفوك .
ومن كل ذنب يزيل النعم ويحل النقم ويهتك الحرام ويورث الندم ويطيل السقم ويعجل الألم .
ومن كل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات .
ومن كل ذنب يميت القلب ويجلب الكرب .
ومن كل ذنب يورث النسيان لذكرك أو يعقب الغفلة عن تحذيرك أو يتمادى به الأمن من مكرك أو ينسِّيني من خير ما عندك