شهيق ، .. معَ قليلٍ من زفير !
.
إنَّهم لا يفهمونَ شيئاً ،
إنَّهم لا يعلمون أنِّي مُثقلةٌ بالكثير مِن الأورِدة ،
أنِّي متعلِّقة بالأشياءِ أكثَر مِنْ تعلّقي بأصحابِها ..!
وحدي أعلم أنِّي أدفعُ ضرائبَ قصّة حبّ أدْلقتُ على صفحاتِها بعضاً مِنْ روحي ،
وَ خُتِمَت في الأخير باسْم غيْري ..!
كثيرٌ علينا هذا الحبّ لَو تدْري ، كثير !
.
.
اليَوم يا أنت ،
كنتُ أغترِف مِن ذكرياتنا الكثير مِن التِّيه ..
إلى أنْ ثمِلت ضياعاً ،
يشهرُ حبُّك في جرحي كلّ ليلة خيبتي التِّي نطقت بالفشل اللصّيق !
إنَّه إحساس طفلٍ صغير بقلبِ صحراء ..
يربَط فوق ظهرِه كلِّ تِلْك الأمنيات الصَّغيرة التِّي كفرَ بها أهلُه..
يتنازع قلبَه الصّغيرَ خوفان اثنان ،
خوفٌ مِن الضَّياع و خوفٌ مِنْ أن يعودَ إلى البْيت !
.
.
سألونني ، لِم تتحاشَيْن الكتابة على الورَق !
أجيب .. خـ(ح)ـطِّي سيِّء .
و في قلبي قصاصة تحترِق ،
كُتِبَت قبْل أنْ ينبِت اللقاء على جنباتِ صفحةِ قدرنا و قبْل أنْ تتفشَّى رائحةُ الفِراق ..
كُتِبَت ما بيْنَ ضجيجِ الشَّواطيء و سكُون الأعمْاق :
إنْ أتيتَ فلا ترْحل !
.
.
الصِّغارُ ..
هُمْ تِلْك الحفرة التِّي وأدْنا فيها كلَّ آمالِنا التِّي كبَرَت دُون إذنٍ مِنَّا !
سألتُه : هلْ تخاف يا صغير ؟
يجيبُ أنْ نعَم ، أخافُ مِنْ ذِئب ليلى و مِنْ سارقي الحلْوى !
أشيِّع بقايا الطّفلة في داخلي .. بأحداقٍ تحبُو على أديمِها استغاثات يتيمة ،
أبلِّل خوفي بالكثيرِ مِن الحيرة ، استعداداً للعبُور !
وَ أخشى أنْ أمُوت و لمَّا يذُب بعد ذاكَ السُّؤال في فمي :
لِم أخافْ ..
و لَم يتبقّ لديّ شيء !؟
.
.
تُسرِع نحْوي الصَّغيرة ، تؤكِّد لي في حماس .. لا وجود لشيءٍ غير مهمّ ما دامَ مليئاً !
حتّى ذاكَ الكوب الذي تريْنه فارغاً هُو مليء بالخواء !
تجتاحني سعادةٌ غريبة ..
إنَّهُ إنْجازٌ لا محالة .. فالصّغيرة تراني مُهمّة ،
كلُّ شيءٍ حولي يشي أنِّي كذلِك ..و أنِّي " خواءٌ " يملؤه !
.
.
يثرثرُ كثيراً ..
و يختِم بـ فهمت ؟
يجيبُ الآخر دوماً أنْ نعَم ..
فهِمت أنَّ الصَّداقة عنْدَك يا سيِّدي تعني أنْ تكتفي بالسَّمعِ و الصَّمْت !
فهِمْت أنَّ عليَّ أنْ أتأقلَم معَ حالةِ " الصمم " التِّي عليْها أنْ تتلبَّسني قصراً في حضورِك !
.
.
يتفقّد المرآة التِّي غطّاها بخارٌ حارّ ،
يحرِّك سبَّابته عليْها بسرعة يكتُب " إسماً " ما ينتظِر إلى أنْ يغطِّيه بخارٌ جديد و يرحَل منتشياً !
يهمس : لقَدْ تخلَّصتُ مِنْه !
و يرتفِعُ النَّشيج !
.
.
لا تسيِّجُوا قلوبَكم ..
فوحده السيّاجُ القادِر على إغراء اللصوص !
لا تصنعُوا لقلوبكم مفاتيح ..
حتَّى لا تضيِّعُوها يوماً فتبيتُوا في العراء ..!
.
.
دائماً نحضرُ بعد فواتِ الأوان ..
ونُشفِق ، نجرح ، نرحل .. عَن غير قصد !
و تَتُوه كلماتُ الصِّدق و تضيِّع الطَّريق !
دائماً .. أغبياء .. دائماً !
.
.
وحدَها الرِّياحُ مَنْ تشعرُ بجوىِ النَّوافِذ و هي مُترعةٌ تبحثُ عَمَّن تحضنه !
.
.
بيْنَ الضَّوءِ و العتمة ..
بيْنَ مهمازِ الذِّكْرى وَ خدرِ النِّسيْان !
تتمطَّى روحي باحثةً عَنْ لحافٍ يقيها لسعاتِ النُّكران !
أبْحثُ عَنْ ذاكَ السُّؤال أحتسيه ليكشطَ الصَّقيع : كيفك أنت ؟
.
.
.
.
يسأل أمّه و قَدْ غفَت بعينيه صورة ،
أينَ هُو الآن ؟
لقَدْ سافرَ يا عزيزي ، يبحثُ عن الخبز !
يتذكَّر الآن و قَدْ كبر بسرعة ، و نمَت مساحاتُ القَحْط بحوافِّ قلبِه بسرعةٍ أيضاً ..
و لَم يعُد ذاكَ الصَّغير الذي يكتفي بتأثيتِ الحياة بالأسئلة !
- حينَ كنتُ صغيراً ، و كانوا يسألونني عَنْ أمنيتي ..
كنتُ أجيب بعدَ أنْ أغمِض عيني على ملامِحه - ذاكَ الأَبْ - : يا ربّ اجعلني قطعة خبز !
.
.
.
.
" كَتْخاف مْن خيالك "
يسمعها كثيراً .. وحدهُ يعلم أنَّه لا يخافُ مِنْ " ظلّه " إلَّا لأنَّه كلَّما ألقى عليهِ نظرة ..
يجدُهُم ينهشُون ما تبقَّى مِنْه !
وحدهُ " الظِّل " مَنْ يفضحُ مسخرَة النِّفاق !
.
.
.
- شيءٌ ما ، ينهشُ رأسِي لا يتركني أنام و لا أفيق ..
أنفضُ جمجمتي فيسقط ليفرَّ بيْن أكوام الورق ..
أقتلهُ بسرعةٍ و أرسمُ ببقايا دمِه شفقاً لحيْرتي !
لكِنِّي لا ألبثُ أنْ أعودَ إلى " حكِّ " رأسي مِنْ جديد !
- بَلْ وجعُ الأسئلة يا مغفِّل !
.
.
أنْ ينهشَ جسدَ الأحلام أظفارُ الماضي..
فذلِك يعني أنَّكَ ستقضي عُمراً معلقاً بخيطِ مصباحِ غرفتِك الأصْفر تبْحث عَمَّن يجودُ عليْك بغفوة !
.
.
-أخشى أنَّنا كبرنا على الحنين !
- أنْتَ لا تخشى ، أنْتَ تمرِّر لي قناعة !
- كانت غلطة ..
- و قَدْ آن الأوان ، لتصحِّحها بغلطةٍ أكبَر !
- أنْتَ أدْرى ، علينا أنْ ندفعَ الثَّمن ،!
- بَلْ عليَّ وحْدي !
ثمَّ فكَّ قيْد هاتيكَ الحكايا : اذهبُوا فأنتُم الطَّلقاء !
.
.
بماذا أسَّرَ الطَّريقُ للباحثين عَنْ رسْمٍ لغائب ابتلعته المدينة ؟
يقُول لافظاً آخِر ذرَّاتِ المساء العالقةِ بإسفلتِه ،
- أتَرى .. كلّ هذه التّشققاتِ التِّي تلبَسني ليْسَت سوى آثار قلوبِهم !
فتستنكِر ..
- و ما علاقةُ القلوبِ بالطُّرق !
يبتعِد .. يقتفيه الصَّدى :
- إنَّهم في هذهِ المدينة يمشُون على قلوبهم ، ألا تَفْهم !
.
.
أشلاء ..
رسائِل ..
منْفى !
قطَراتُ دمعٍ آسنة ..
شمعةٌ تذوِي .. يشيِّعها ضوؤها !
و طفلٌ يختلِط صوتُ المَطر بلثغتِه ..
وسادةٌ تكوَّمت على صدْرها أمنيات ميِّت ..
قلوبٌ موصَدة ..
أقنعة صدئة !
حذاءٌ قديم يطفحُ برائحة وفاءٍ نتِنة !
صحراء ..
تمثالٌ صلف ،
غرفةٌ لا تزالُ مضاءة ، نسوُوا أنْ يطفئوها قبْل الرَّحيل !
مشاعرُ مستأجَرة ..
و ما خلَّفته العاصِفة !
تِلْك بقاياي التِّي تذروها رياح الحنين إليْك ، فأكْرِم وفادتها !مما قراءت