التمهــــيد
المياه عصب الحياة، كثيرا ما كان يتكرر على مسامعنا هذا القول ونحن في مرحلة الطفولة والصبا وربما لم يعر هذا القول اهتمام الكثير منا ، وأنا واحدا منهم؛ فهل كان ذلك نتيجة لسوء تقدير من بعضنا أو لعدم الوعى أو عدم الاهتمام باستشراف المستقبل أم لتوفر الموارد وعدم تواجد الإحساس المشابه لما نعانيه اليوم من ضغوط حياتية وأزمات في هذا العصر؟.
على الجانب الآخر، الطاقة عصب التطور، مصطلح ليس بجديد ربما قد تم تداوله ومعرفة أهميته وتقديره مع بداية الثورة الصناعية، ولكن حينما نستعيد الذاكرة إلى بدايات القرن العشرين وتتبع خطوات التطور الصناعي سعيا للرفاه الاجتماعي المصاحب لذلك؛ هناك فقط كانت بداية الاستغلال السيئ لموارد الطاقة نظرا لعدم توفر التخطيط المناسب وآليات الاستغلال الأمثل وجشع المستعمر الذي لانهاية له، مع نهايات القرن العشرين وبداية القرن الواحد و العشرين أصبحت الحقائق أكثر وضوحا ونتائج إهدار الموارد بمرور تلك السنون أكثر قتامة وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بموارد على سطح الأرض وعلاقة ذلك بالإنسان ذاته وكافة الكائنات الأخرى التي تشاركه الحياة على سطح هذا الكوكب، والحقائق والأرقام لا تكذب.
حقائق وأرقام
وفقا لأحدث إحصائيات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة فيما يتعلق بالموارد المائية وبمناسبة الذكرى السنوية لليوم العالمي للمياه لهذا العام ٢٠١٠ الموافق للثاني والعشرين من شهر مارس، فلابد لنا من التوقف طويلا أمام هذه الحقائق المفزعة والتفكير مليا في محاولة من الجميع للاهتداء إلي حلول ناجعة لمداواة نتائج تلك الحقائق:
١- أكثر من بليون (ألف مليون) إنسان، أي سدس عدد سكان الأرض غير قادر على الحصول على مياه للشرب نظيفة وصحية.
٢- يتراوح استهلاك المواطن الأمريكي اليومي من المياه بين ٥٠ إلى ٢٠٠ جالون من المياه النظيفة بينما يتوقف استهلاك المواطن اليومي في الدول النامية عند حدود ٢ جالون يوميا.
٣- من كل خمسة أطفال بكل من قارتي أفريقيا وأسيا يموت من طفل إلى أربع أطفال كنتيجة مباشرة للإمراض الناشئة من شرب المياه الملوثة والغير نظيفة.
٤- رحلة جلب المياه النظيفة التي تقع في الغالب على عاتق الأطفال و النساء في معظم البلدان الأفريقية وبعض الدول النامية حول العالم تستغرق أكثر من ٦ ساعات يوميا.
٥- عالميا يموت أكثر من عشرة الآف إنسان يوميا منهم ثلاثمائة طفل كل ساعة كنتيجة مباشرة للإمراض الناشئة من شرب المياه الملوثة والغير نظيفة.
[YOUTUBE]mkIyWoayMAQ&feature=player_embedded[/YOUTUBE]
مبادرات تستحق التنويه عنها
تاريخيا وجد أن تخطيط استغلال وإدارة الموارد بالشكل الصحيح و المطلوب دائمـا يتم بصورة منفردة وهذا التقصير الواضح في التنسيق ما بين تخطيط استغلال وإدارة كل من المياه و الطاقة معا ربما يؤدى إلى انعدام كفاءة استغلال الموارد وحدوث تضارب في المصالح وتوليد ضغوط لا داعى لها على كل مـن الموارد الطبيعية نفسها وعلى البيئة ككل.
مراكز البحث و اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية أدركت بأن زيادة الطلب على الطاقة بها من المتوقع أن يرتفع بنسبة 30% بحلول عام 2025، الأمر الذي جعلهم يتساءلون عن كيف تستطيع الموارد المائية المحدودة الحالية من تلبية الاحتياجات المتوقعة المتزايدة للطاقة ؟ كما ظهرت في الوقت نفسة مشكلة أخرى تتلخص في أن مستقبل الولايات المتحدة نفسها للأجيال القادمة سيكون متمركزا في المنطقة الجنوبية الغربية منها وهى التي تعانى أصلا من محدودية لمصادر المياه الطبيعية فيها.
للإجابة على هذا التساؤل الكبير تقوم حاليا معامل سانديا الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية ببناء وتطوير نموذج متكامل لإدارة مصادر المياه و الطاقة بإتباع منهجية النظام التفاعلي من خلال استخدام الكومبيوتر في عمل نمذجة لهذه المشكلة المعقدة لمعرفة أبعادها وطرق الحل الأمثل لها، هذه المبادرة تقوم بها ما يسمى بوحدة أبحاث المياه والطاقة والملائمة التابعة لهـذه المعامل، والمدة المقررة لإنجاز ذلك محددة بثلاث سنوات بدأت من شهر يناير 2008.
يقول رئيس فريق البحث فينيس تيدويل أن الباحثين سيواجهون ثلاثة مصاعب أساسية عند بناء النموذج المطلوب، وهى:
* مزاوجة النظم المعقدة بمتغيراتها المتعددة لبناء النموذج الأساسي.
* تكامل العمليات المختلفة في وجود تباين للزمن وطول المقاييس.
* تحليل وملائمة هذه النماذج لموضوع البحث.
ويضيف تيدويل أن توليد الطاقة لكافة مناطق الولايات المتحدة الأمريكية يستهلك ما يساوى 140 بليون جالون من المياه يوميا مما يؤدى لسحب ما يزيد على 40% من كمية المياه العذبة المتوفرة فى الولايات المتحدة، بينما نجد أن الكمية الفعلية من المياه التي يتم سحبها و التي يتم استخدامها في توليد ألطاقه لا تتجاوز 3,3 بليون جالون في اليوم ، وهذا يوضح فارق الاستغلال الضخم للمياه الجوفية و مياه مجاري الأنهار الذي يمكن أن يؤدى إلى حالة من النضوب الحاد لمصادر المياه العزبة، كمـا وجد أن تصريف المياه الحارة الناتجة عن توليد الطاقة داخل المولدات النووية والغير مرغوب فيها تثير الكثير من المشاكل.
وللتدليل على مدى ما يحيط بناء هذا النموذج من صعوبات فإن سيناريو استغلال مساقط المياه القصيرة للإنهار يمكن الاعتماد عليها فقط فى بعض المناطق المحددة وأيضا من ضمن الصعوبات سنجد انه في مرحلة ما من المراحل سنجد صعوبات وتعقيدات أكثر للمفاضلة والاختيار فيما بين الاحتياج للطاقة أو المياه أو التوازن البيئي.
كما يضيف تيدويل بأن النموذج الذي يقومون بتطويره حاليا سوف يتيح إلى كل من منتجي الطاقة، ومديري الموارد، ومنظميها ومتخذي القرار النظر بصورة صحيحة ومغايرة لما كان سائدا وسيتيح التعرف على مختلف نواحي المنفعة التبادلية لترشيد استخدام المياه وإنتاج الطاقة وخصوصا في وجود حالات عدم التيقن في معرفة كل من الاستهلاك الفعلي للناس والطلب على الطاقة إضافة إلي وجود المتغيرات الأخرى مثل حالة المناخ والوضع الاقتصادي، وكنتيجة لذلك سيتم أيضا بناء نماذج وأدوات أخرى من المقرر أن تساهم بقدر كبير فى تيسير مراحل تشييد محطات توليد الطاقة والعمل على اتزان حافظة الطاقة لديها، الأمر الذي يتيح للمعنين أن يؤخذ في الحسبان عند اتخاذ قرار تشييد المحطات كل من التكلفة وتوفر المياه والوقود والوصول إلى خطوط نقل الطاقة وانبعاث غازات البيوت الزجاجية (ظاهرة التسخين ألحراري).
---------------------
إبراهيم حسين حسنى
مستشار إدارة وتطوير الأعمال والتسويق الدولي