من تصور زوال المحن و بقاء الثناء هان الابتلاء عليه ،
و من تفكر في زوال اللذات وبقاء العار هان تركها عنده ،
و ما يُلاحظ العواقب إلا بصر ثاقب .
عجباً لمؤثر الفانية على الباقية ،
و لبائع البحر الخضم بساقية ،
و لمختار دار الكدر على الصافية ،
و لمقدم حب الأمراض على العافية
قدم على محمد بن واسع ابن عم له فقال له من اين اقبلت ؟
قال : من طلب الدنيا ،
فقال : هل ادركتها ؟
قال لا ،
فقال : واعجباً !
انت تطلب شيئاً لم تدركه ،
فكيف تدرك شيئاً لم تطلبه .
يُجمع الناس كلهم في صعيد ،
و ينقسمون إلى شقي و سعيد ،
فقوم قد حلّ بهم الوعيد ،
و قوم قيامتهم نزهة و عيد ،
و كل عامل يغترف من مشربه .
كم نظرة تحلو في العاجلة ،
مرارتها لا تُـطاق في الآخرة ،
يا ابن أدم قلبك قلب ضعيف ،
و رأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف ،
فكم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام
ياطفل الهوى !
متى يؤنس منك رشد ،
عينك مطلقة في الحرام ،
و لسانك مهمل في الآثام ،
و جسدك يتعب في كسب الحطام .
أين ندمك على ذنوبك ؟
أين حسرتك على عيوبك ؟
إلى متى تؤذي بالذنب نفسك ،
و تضيع يومك تضييعك أمسك ،
لا مع الصادقين لك قدم ، و لا مع التائبين لك ندم ،
هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة ،
و أجريت في السحر دموعاً سائلة .
تحب اولادك طبعاً فأحبب والديك شرعاً ،
و ارع أصلاً أثمر فرعاً ،
و اذكر لطفهما بك و طيب المرعى أولاً و اخيرا ،
فتصدق عنهما إن كانا ميتين ،
و استغفر لهما و اقض عنهما الدين
من لك إذا الم الألم ، و سكن الصوت و تمكن الندم ،
ووقع الفوت ، و أقبل لأخذ الروح ملك الموت ،
و نزلت منزلاً ليس بمسكون ، فيا أسفاً لك كيف تكون ،
و اهوال القبر لا تطاق .
كأن القلوب ليست منا ،
و كان الحديث يُعنى به غيرنا ،
كم من وعيد يخرق الآذانا ..
كأنما يُعنى به سوانا ..
أصمّنا الإهمال بل اعمانا .
يا ابن آدم فرح الخطيئة اليوم قليل ، و حزنها في غد طويل ،
ما دام المؤمن في نور التقوى ، فهو يبصر طريق الهدى ،
فإذا أطبق ظلام الهوى عدم النور
انتبه الحسن ليلة فبكى ، فضج اهل الدار بالبكاء فسالوه عن حاله
فقال : ذكرت ذنباً فبكيت ! يا مريض الذنوب ما لك دواء كالبكاء