فاروق جويدة
نشر الشاعر الكبير فاروق جويدة أحدث قصائده التى يمزج فيها كعادته بين السياسى والوجدانى ، تحت عنوان "لا أنت مصر..ولا السماء سماك"
لا أنت مصر ولا السماء سماك
مدى يديك.. تكلمى لأراك
هذا الذهول على عيونك حيرة
أم دمعة فاضت بها عيناك؟!
ماذا أصابك؟.. خبرينى محنة
عبرت وعهد فاسد أشقاك
أم فتنة حلت وسيف غادر
سفك الدماء البيض فوق ثراك؟!
غـرقت على شطيك كل سفائنى
وتعثـرت بين الدروب خطـاك
أين الشباب؟.. وأين أيام الهوى
والكون يركع فى جلال بهاك؟!
شاخ الزمان على ضفافك..وانطوي
ركب السنين وضاع سحر شذاك
ماتت على شفتيك أحلام الصبا
هل سوء حظى أم جحود جفاك؟!
قد طفت حولك الف عام عابدا
ما كنت يوما هائما بسواك
أين النسائم والأصيل يضمنا
ما قلت شعرى فى الهوى لولاك
خدعوك حين ترنمو بهواك
لم يبق منهم فارس يرعاك
زعموا هواك.. وفى المنايا هرولوا
لم يبق منهم حارس لحماك
ما أكثرالعشاق فى دنيا الهوى
لكننى وحدى الذى يهواك
مدى يديك تكلمى لأراك
خفت البريق وغاب سحر ضياك
عهد من الطغيان ولي..وانقضي
ليجىء عهد فى الضياع رماك
الأخوة الأعداء خانوا حلمنا
هدمــــوا عرينــا شيدته يداك
خدعوك باسم الأمن حين تسلطوا
فوق الرقاب وشردوا شهداك
خدعوك باسم العدل حين تسابقوا
نحو الغنـــــــائم يشربــــــون دماك
الأخوة الأعداء قاموا عصبة
سرقوا النذور وتـــاجروا بدعــــاك
هذى الغيوم السود بين ربوعنا
أعمت عيون الصبح عن رؤيـــاك
أين الطيور على ضفافك ترتوى
من عطر نيلك..أين دفء سمـــاك؟!
لا الناس ناسك لا الوجوه وجوههم
حتى عيــــــونك لم تعــد عينــــاك
لا النيل نيلك لا الضفاف ضفافه
حتى خيـــــــولك هرولت لســــواك
أين الشموخ وأين شعب واثق
قـــــهر الزمــــــان وللـذرا أعـلاك
تتألمين على الضفاف كأنما
سهم حقـــــود بالدمـــار رمــاك
مدى يديك.. وعانقينى علنى
أجـــد الأمــان دقيقـــــة بحمـاك
شاخت روابيك الحزينة بعدما
أكــل الفســـاد ثمـارها وسباك
باعوك فى سوق النخاسة سلعة
للـراغبيـــن وجـهلـهـــم أعماك
* * *
مدى يديك تكلمى لأراك
أنا لا أصدق ماروت عينــــاك
فى الأفـق سر فى الضفاف خمائل
تبكى وتحكى ما جنى سفهــــاك
خانوك.. قولى أى وغد حاقد
قد باع عرضك واستحل دماك
باعوك..قولى أى وغد فاسد
فى ظـلمة الطغيان خان ثـــــراك
هل خانك الأبناء أم عصفت بهم
نيران سخط عـــاصف أدمــــاك
عهد من الأخطاء ولى..وانقضى
ليجئ عــهد يستـبيـــح رؤاك
أين البريق.. وأين سحر بهاك؟!
سكت الهوى وتلعثمت شفتـاك
لا أنت مصر..ولا الديار ديارنا
أين الشـباب وأين عــطر صباك
ماتت على الأفق البعيد خمائل
وتلطـخت بيـن الدمــاء يــداك
النار تحرقنا ووجهك جامد
وعلى جبينك طيف حلم بـــاك
من خان حلمك واستباح سماك
* * *
ومضى يتـاجر فى ثــرى مـوتاك؟
هل فرقة الأبناء أم ضيق المدى
أم وحشة البؤساء فوق ثـراك؟
سقطت مع الزمن العنيد مواكب
واستسلم التاريخ عند حمــاك
أين القلاع وأين فرسان الوغى
أين الجياد تصول فـوق رباك
كم فاض ماء النيل حولك غاضبا
ومضى عفيــا شامخا ورواك
هذى الدموع الغائمات من الأسى
صارت لهيبا غـارقا بدمـاك
خلف الغيوم ظلام ليل قاتم
يجرى إليك ويستبيح ضيــاك
لا تحزنى إن كان فينا حاقد
أو فاسد بين الهموم رمـــاك
عودى إلى الأبناء عل ضميرهم
يصحو.. وتجمع شملهم شكـواك
لا شىء فى الدنيا يساوى صرخة
أو مـوت طفل بـائس أبكـاك
قومى من اليأس الطويل وعانقى
شــهداء عرضك كفـنى قتلاك
هزى جذوع النخل تنبت أنجم
ويـطل فجر من سكــون ثراك
صلى على وجه الشهيد..وصافحى
أملا تغنى فى خـريف صباك
إنى حزين أن أراك حبيبتى
وسـط الدمــار تقبلين فتاك
فلتذكريه إذا أطل ربيعنا
وأتاك حلما شاحـبا ودعـاك
قـولى له قد كنت أغلى فرحة
عبرت بعمرى.. واذكرى شهداك
لا تنظرى للغيم إن نهارنا
آت ليــملأ بالشمــوس سماك
كم زارنا زمن قبيح عاصف
وأطل سيف صارم وحمـــــــاك
يا جنة الدنيا وتاج زمانها
الله فى كل الخطـوب رعـــــــاك