لا تعاند الآخرين في أشياء تافه
لا تجادل الناس في أذواقهم المحببة، ولا ألوانهم المفضلة
لقد علَّمتْنا التجارِبُ أن أكثر الأشياء سخافةً تقف وراء أشد الخلافات.
قامت معركة داحس والغبراء، واستمرت 40 عامًا، وزُهِقت فيها أنفس بريئة، كان سببها فرَسين - وإن شئتَ فقل: حمارين - قيمة أحدهما 20 درهمًا.
وكثير من المشاكل العائلية مما نسمع من حولنا تطوَّرت حتى أصبحت ككرة الثلج، وكانت أسبابها تافِهة إلى درجة أن البعض يستحيي من ذكْرها، حتى الأرحام والإخوان تلوَّثت نفوسهم الصافية بسبب أشياء لو أغضى عنها العقلاء الطرف لَهان الأمر.
فإذا جاء من يُجادِلك فيما لا يُقطَع فيه بصواب - كأن يكون فيما تختلف فيه الأذواق أو الرغبات أو الألوان، أو الأشياء التي لا يَنبني عليها كبير نفع - فقل: أحسنتَ، ما شاء الله، ذوق رائع، واجعَل الصواب له حِفاظًا على وقتك وحَنجرتك، فلن يشتري لك من نقودك شيئًا فيه ذلك اللون الذي لا تُحبُّه، أو الطعم الذي لا تَستسيغه.
وكم هي المشاكل بين الأزواج انتهت بالتفرُّق أو الضرب، وبين الأصدقاء انتهت بكسْر غصون المحبة والأنس، كان سببها مُلاحاة في أشياء تختلِف فيها الآراء والأمزِجة.
وكان الأوْلى مسايرتهم على ما لا يعود عليك بالغَضاضة، خصوصًا ممن طبْعه اللَّجاج، وحب الاستماتة حتى الغَلَبة في نظره السقيم.
لذلك أذكر لك:
عصفورة كانت السبب في خلاف بين زوجين، لو ترَكوها طالِقة لكان خيرًا لها ولهم، حيث أمسَك الزوج بذلك الطائر الصغير، وأخذ يتأمَّله مع زوجته ثم قال: ما أجمل هذا العصفور، فأجابت الزوجة: عفوًا إنها عصفورة، فقال الزوج: بل عصفور، قالت: بل عصفورة، وتشبَّث كل منهما برأيه، واحتدَم الجِدال، وتحوَّل إلى مناقشة، فمشاجرة لم تهدأ نارها إلا بعد وقت طويل.
وبعد مضي سنة تذكَّر الزوج هذه الحادِثة، فقال لزوجته ضاحكًا: أتذكُرين تلك المشاجرة البَلهاء بخصوص العصفور؟ قالت: نعم، وقد فكَّرت بالطلاق يومنا ذاك، ولكنَّني أشكُر الله على النهاية السعيدة، وأعتَرِف لك يا عزيزي أنني كنت على خطأ في كل هذه الأزمة؛ بسبب عصفورة، فقال الزوج متعجِّبًا: عصفورة؟! بل عصفور، فقالت: كلا! بل عصفورة، واحتدَم النقاش بينهما من جديد!
حتى كاد أن يقع الفِراق والطلاق مرة ثانية.
ولو نظرنا إلى كثير من مشاكلنا، لرأينا أنَّ أسبابها عصافير وعصفورات ذهبَت طالِقة في الجو وبقيت تَبِعاتها بيننا.