يشهد لنا رمضان الخيرات والبركات والفتوحات، إن قدَّرنا له قدره وعرفنا له منزلته وأقمنا له في نفوسنا وسلوكنا صرحًا مصونًا، بحصون الإخلاص والتّضحية ونفع العباد والبلاد ونشر المحبّة والسّلام بين النّاس. إنّ التّقوى الحقيقية الّتي يهدف إليها الصّيام، على الخصوص، أن تمتلأ القلوب بالتّوقير لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حتّى تستشعر توقير كلّ كلمة منه عليه السّلام وكلّ توجيه. قال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدُعاء بعضِكُم بعضًا قد يعلَم الله الّذين يتسلّلون منكم لواذًا فليحذَر الّذين يُخالفون عن أمره أن تُصيبَهم فتنة أو يُصيبهم عذاب أليم} النور .63
فلا بدّ للمربّي من وقار ولابد للقائد من هيبة، وفرق بين أن يكون هو عليه السّلام متواضعًا هيِّنًا ليّنًا، وأن ينسوا هم أنّه مربِّيهم، فيدعوه دعاء بعضهم لبعض.. يجب أن تبقى للمربّي منزلة في نفوس مَن يربّيهم، يرتفع بها عليهم في قرار شعورهم، ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التّبجيل والتّوقير. ومثل هذا النّهي نجده في أوائل سورة الحجرات في قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تُقدِّموا بين يدي الله ورسوله واتّقوا الله إنّ الله سميع عليم} (01).
فهو أدب نفسي مع الله ورسوله، وهو منهج في التلقّي والتّنفيذ، وهو أصل من أصول التّشريع والعمل في الوقت ذاته، وهو منبثق من تقوى الله وراجعٌ إليها. وكذلك تأدّب المؤمنون مع ربّهم ومع رسولهم الكريم، فما عاد مقترح منهم يقترح على الله ورسوله، وما عاد واحد منهم يدلي برأي لم يطلب منه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أن يدلي به، وما عاد أحد منهم يقضي برأيه في أمر أو حكم إلاّ أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.