الرسالة الرمضانية الرابعة عشر : الأسرار
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد .. فأحبتي في الله ..
يقول الرب تبارك وتعالى :" بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون "
الصدق يظهر في الخلوات ، يظهر وأنت وحدك لا رقيب عليك إلا الله ، ولا شهيد عليك إلا الله ، فماذا تصنع في خلواتك ؟؟
عندما نقف في صلاة القيام هل تنطبق علينا هذه الآية :" وبدا لهم سيئات ما كسبوا "
عندما تمر الأيام في رمضان ومازلنا نبحث عن قلوبنا هل تنطبق علينا هذه الآية : " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون "
نعم إنها الأسرار
ورمضان يجسد معنى من معاني يوم القيامة " يوم تبلى السرائر "
رمضان المعول فيه على القلب :" ونبلوا أخباركم "
العلماء يقولون أن ذنوب الخلوات من أسباب سوء الخاتمة ،
يقول ابن رجب الحنبلي عليه رحمة الله : "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس"
فذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وعبادة الخفاء هي أعظم أسباب الثبات"
وقد سأل رجلٌ حذيفة : هل أنا من المنافقين ؟
قال : أتصلي إذا خلوت وتستغفر إذا أذنبت ؟ قال : نعم .
قال : اذهب فما جعلك الله منافقا .
ومن يشكو من الرياء فغالبا أن عبادته في السر قليلة أو معدومة .
فالوصية :
قال صلى الله عليه وسلم : " من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل) [رواه الضياء وصححه الألباني ]
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".
فهذه علامة الصدق والإخلاص
قال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه, ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله.
وقال بشر بن الحارث: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
فاصنع صنيع الصالحين
قال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة, لا يدري الناس ما يصنع فيه.
وروى الذهبي: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.
وأيسر ذلك صدقة السر:
قال تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} [البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًا, فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه .
فاللهم ارزقنا الإخلاص والصدق ، وحسن سرائرنا ، واجعل لنا عملا لا يطلع عليه غيرك تبلغنا به الفردوس الأعلى في رفقة خير النبيين محمد صلى الله عليه وسلم .