يستبق أهل الشام شهر رمضان بنزهات إلىخارج المدن يروحون بها عن أنفسهم , ويتناولون الأطعمة اللذيذة التي سيحرمون منهانهارا , ويمارسون الألعاب الشعبية لأنهم سينصرفون في رمضان للعبادة ولا سيماالتراويح والنوافل وقراءة القرآن .
ويسمي أهل دمشقهذه النزهة تكريزة , وهو الاسم المستخدم عند بعض المصريين , وحتى الأخوة الأقباطيستخدمونها في رحلاتهم , كما تسمى عند أهل طرابلس الشام شعبونية نسبة إلى شهر شعبان .
ولم أعثر علىأصل كلمة تكريزة وأرجح أنها كلمة سورية قديمة , وبعضهم حولها إلى كزدورة , ولكن منالمعروف أن الكزدورة هي لمشوار قصيرة لمسافة بينما التكريزة لمسافة طويلة .
حيث كانوايخرجون إلى مصايف الربوة ودمر والهامة الأقرب إلى دمشق وقد بيتعدون إلى عين الفيجةوأشرفية الوادي . ويفضل أكثرهم الجلوس على ضفاف الأنهار كنهر بردى وينابيع بقينوالزبداني .
وكانت التكريزةتحمل صفة عائلية , وقد تكون على شكل جماعات من الأصدقاء الشباب , ومن لا يستطيع أنيبتعد عن دمشق مسافة طويلة يذهب إلى البساتين القريبة مثل المزة وكفرسوسة وبساتينالشاغور .
وغالبا ما تكونتكريزة الدمشقيين في أشهر الصيف وخلال الأيام المعتدلة , لأن الذهاب إلى المصايفغير ممكن في الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من الصفر , و يودعون شعباناستعدادا للصيام ويقضون نهارهم بالأكل والشرب واللعب , و تختلف نوعية الطعام عمّايؤكل في رمضان, ويفضلون الأكلات التي تحتوي على زيت الزيتون كالمجدرة واللوبيةوالتبولة والفتوش , أوتحتوي على الزيت النباتي كمقالي البطاطا والباذنجان والكوسا , ولا بد في السيران من مشاوي اللحوم أو حوايا الخروف كالكبد والطحال والكلاوي والفشة ( الرئة ) .
وقد ذكر منيركيال المؤرخ للتقاليد الشامية في كتاب ( يا شام ) الصادر عام 1984 أن من عاداتالدماشقة القيام بما يسمى ( تَكْريزة رمضان ). فقبل حلول شهر رمضان بيوم أو بيومينيقومون بسيارين (نزهات) الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمقسموالمنشار والغياض , كما جاء في الكتاب أن الشباب يتحلقون حول شاب تبرع بوصلة غناءمن الميجانا أو العتابا وأبو الزلف, وبعض المنولوجات الشعبية..
وربما لم يكنالكيال دقيقا فيما ذكره , فقد أكد لي عدد من كبار السن ان التكريزة كانت تمتدأسبوعا ويقومون باستئجار بيوت في الغوطة يقضون فيها الأيام الأخيرة من شعبان , وبعضهم كان يبدأ التكريزة في منتصف شعبان , ولا سيما إذا كان له أقارب في مناطقالاصطياف , وبعض الميسورين كانوا يمتلكون قصورا في الغوطتين الشرقية والغربية , ويمكن أيضا أن نتوقف عند ما أورده عن غناء الميجنا والعتابا وأبو الزلف حيث لم تكنمن الأغاني المتداولة عند أهل المدنية .
وحدثني بعضهم أنالاستعداد لرمضان كان يبدأ من بداية رجب , ولا سيما بعد السابع والعشرين منه , ويبدأ الناس بالتحضير بشراء المونة لرمضان, والتجار يستعدون لإخراج زكاة الفطرةوالصدقات من الأطعمة والملبوسات, ويعرف اليوم الأول من رجب باسم هلة الثلاثة أشهررجب وشعبان ورمضان , حيث يبدأون بالصيام يومي الإثنين والخميس ويتوقفون عن صيامالتطوع بعد النصف من شعبان حيث تبدأ التكريزة .
وكان الاستمتاعالأكبر في هذا السيران للرجال والأطفال , لأن النساء ينشغلن بإعداد الطعام وربمايقضين النهار كاملا في إعداده بينما يقوم الرجال والشباب بالعب بورق الشدة وطاولةالنرد ( الزهر) , وقرقعة الأركيلة وقد يساهم بعضهم بإعداد الطعام مع النسوة .
وتكون المرأةأكثر سعادة عند اختيار المشاوي للغداء , حيث يتولى الرجل أعمال الشواء بينما تكونمهمة المرأة إعداد السلطات .
ولا تزالالتكريزة قائمة ولكن لفئة محدودة , وفقدت كثير من مواصفاتها الشعبية فقد نسوا اسمهاوتحولت الأماكن التي كان الناس يقصدونها إلى مواقع سياحية , ولم تعد حتى الطبقةالموسطة قادرة على الذهاب إليها .
وتحولت تكريزةمحدودي الدخل إلى نكرزة من الفضائيات تكريزة الفقراء التي تحشر في رمضان ماهب ودبوأكثر موادها تتناقض مع روحانية رمضان .