العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-10-2014, 08:00 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود





تفرد..

في تاريخ الإنسانية لم يعرف الأدب العالمي شاعرة أخرى قبلها، هي الشاعرة اليونانية (سافو- sappho)، إذ لم تلحق بها شاعرة إلا بعد وفاتها بمئات السنين، عاشت في الفترة بين 610 و 560 قبل الميلاد، واشتهرت بالتعبير الحار عن الحب في صورته السامية، قامت بفتح أول مدرسة عرفها التاريخ، لتعليم الفتيات فنونا مختلفة منها الشعر والسلوك المهذب والموسيقى والرقص، وكانت فيها المدرسة الوحيدة.

لم يمنعها اهتمامها بعاطفة الحب من أن تكون صاحبة مشاركة في الحياة العامة وكان لها نشاط سياسي مؤثر، عرضها للنفي مرتين الأولى وهي في التاسعة عشرة والثانية وهي في الحادية والعشرين. بقي من أشعارها القليل، ولمصر فضل في ذلك، ففي عام 1897 وجد الباحثون في بعض توابيت الفيوم، التي تحوي الأوراق، عددا من قصائدها المعروفة للآن.


اهتمام..

"كانت سافو امرأة فذة عجيبة، لأني لا أعرف أنه قد وجدت في جميع العصور التي وصل إلينا علمها امرأة أوتيت معشار ما أوتيت من النبوغ في فن الشعر"، هذا ما نقله (يول ديورانت) في المجلد الثاني من كتابه "قصة الحضارة" عن المؤرخ اليوناني الكبير (سترابون)، أما ديورانت فيقول عنها "إن الأقدمين إذا ذكروا لفظ الشاعر فإنهم يعنون (هوميروس)، كذلك لفظ الشاعرة يعنى به سافو"، وقد شهد عصرها، والعصور التالية لها في تاريخ اليونان اهتماما بإنتاجها الأدبي، إذ كانت تلحن أشعارها وتغنيها، وأضافت للأوزان الشعرية المعروفة في عصرها الوزن السافوني المعروف للآن، وكان (صولون) وهو واحد من المشرعين الأوائل، وحاكم أثينا يقول عنها "أتمنى أن أحفظ شعر سافو قبل أن أموت" أي أنه اعتبر شعرها قمة السعادة، وفيما كان (سقراط) أعظم الفلاسفة يسميها (الجميلة)، وكان (أفلاطون) أنبغ تلاميذ سقراط يهتم بأشعارها أيضا ويقدرها.


أسطورة..

"إن ربات الشعر تسع.. ألا ما أعظم غباءهم، فليعلموا أن سافو ابنة مدينة لسبوس هي العاشرة "هذا ما قاله عنها (سقراط)، حيث اعتبرها إحدى ربات الشعر، وهو ما أدى بالبعض إلى اعتبار سافو أسطورة يونانية، ونظرا لما يكتنف حياتها من غموض، كذلك أشعارها التي روي أن الكنيسة أحرقتها، وما نطالعه في قصائدها حين تصور تلميذاتها وصيفات الآلهة المتوجات بأكاليل من الورود، كذلك القيثارة التي صممتها لتصاحبها عندما تغني قصائدها بين الناس، أما ما صورها للناس في العصور التالية كأسطورة، فهو محاولات الرسامين لتناولها في لوحاتهم، حيث ظهرت من خلالها كأسطورة يونانية، بالإضافة إلى أشعارها الباقية التي لا تزيد عن ألف بيت.


شذوذ..

اسم سافو تصادفه في الدراسات النفسية عن تاريخ السلوك الشاذ عند النساء، لأنها من أبناء مدينة يونانية اسمها لسبوس، واسم المدينة هو مرادف كلمة الشذوذ عند المرأة (lespanism)، ومنسوب إليها، وتتهم به سافو، وقد ساعد في إطلاق هذه الصفة عليها علاقتها القوية المشحونة بالعواطف الجياشة بين تلميذات مدرستها مما عزز إطلاق هذه الشائعة ضدها، ومما يدعم هذه الشائعات ما بقي من كتابتها، خاصة قصيدتها لـ (أفيس) ومما تقوله فيها "لقد أحببتك يا أفيس منذ زمن بعيد"، كذلك ما كتبته تحسد زوجها "إنه سعيد ذلك الرجل الذي يجلس بالقرب منك ويستمع إليك.... وأنت تتحدثين حديثك الفضي وتضحكين.." وكذلك "لأني إذا رأيتك لحظة قصيرة خشع صوتي من فوري، وانعقد لساني، وسرت في ضلوعي نار يحس بها من حولي، ولا تبصر عيناي منها شيئا وتطن في أذني أمواج من الصوت عالية ويتصبب جسمي عرقا فيجري أنهارا، وترتجف جميع أعضائي ويصبح لوني أكثر اصفرارا من لون العشب في الخريف، وتنتابني آلام الموت المترصد لي فأضطرب وأضل في سكرات الحب.."، ونهاية القصيدة كتبت "لن أرى أفيس بعد اليوم ولا فرق عندي بين هذا وبين الموت". أما أفيس فقد تركت المدرسة وهي تقول "واحسرتاه ما أتعس حظنا أقسم لك يا سافو أن فراقي إياك كان على الرغم مني". أما الباحثون المحايدون فينفون عنها هذه التهمة.


انتحار..

رغم أن الحضارة الإنسانية عرفت شاعرات كثيرات، إلا أن سافو ظلت ألمع اسم في تاريخ الأدب النسائي - ولم تكن أسطورة-، تناقلت الروايات ما يذكر موتها منتحرة بسبب أزمة عاطفية، وقيل أنها أحبت بحارا يدعى (فايون) وحالت الظروف دون إتمام الزواج. ويصدق البعض هذه الروايات ويرفض البعض الآخر ذلك، وبقيت شخصيتها تحمل بعض التفرد الذي أدى بالحاقدين عليها إلى القيام بمحاولات لتشويهها، ولكن تاريخنا الإنساني خلدها أيضا كشاعرة حساسة محبة ومقدرة للجمال.


من أشعارها

عندي طفلة جميلة..
شبيهة بالورود الذهبية..
"كلايس".. هو اسمها..
وهي كل شيء بالنسبة لي..
كل شيء
ولا أبدلها بثروة "ليديا" الفاتنة..
ولا "لسبوس" الرائعة الجمال..
فيما إذا خيرت بينها.. وبينهما..!
إنها كل شيء بالنسبة لي..
وستبقى كل شيء على الدوام..!


من قصيدتها لـ فايون

إذا كان القدر قد حرمني من جمال الجسد..
وطول القامة..
وبياض البشرة..
يا حبيبي.. البحار الجميل "فايون"..
فإن نبوغي في الشعر يعوضني عن هذه العيوب جميعا..
وإذا بدا لك أن قوامي ضئيل..
أو أنني أحمل مقياس اسمي الصغير..
فلا تنظر إلي نظرة الاحتقار..
ذلك أنني حقا ضئيلة الحجم..
سمراءُ البشرة..
قصيرةُ القامة...
متوسطة الجمال..
إلا أنني أتقن فن الحب..
أيما إتقان..


ومن قصيدة أخرى

من الناس من يحب المال..
ومنهم من يحب جيوش الفرسان..
وهي عائدة من ساحات القتال لتعلن النصر على الأعداء..
ومنهم من يعتقد أن أجمل شيء على الأرض هو رؤية جحافل المشاة..
أو السفن الحربية..
أما أنا..
فإن أجمل شيء عندي هو ما يحبه القلب..
هو أنت وحدك : يا حبيبي "فايون" الذي أحلم أن أكون معه..
وبجانبه على الدوام..
لنقضي العمر سوية..
وإلى الأبد..!


محمد المصطفى / كاتب مصري






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:01 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود



sappho





قصائد من ديوان سافو ربة الفن العاشرة



في حياة سافو من الأسطورة ما هو أكثر من الواقع، ولها من الخيال نصيب أوفر مما لها في الحقيقة، ولا تكاد الأشعار التي تركتها تنبننا عن سيرتها الكثير، فهي لا تشير الى التفاصيل المفسرة، كما أن المؤرخين لها لا يلحون على الشذرات التي لا يخلو بعضها من التجني على شاعرة نذرت نفسها للحب، تعلمه أفضل مما تستمتع به، وتغني له بأفضل مما تعيشه.
سيكتنف الغموض مسارات حياة سافو، منذ اللحظة التي ترى فيها نور السماء. فنحن لا نجد فيما دونته السير أكثر من تواريخ (تقريبية ) لمولدها. وإشارات مبهمة لزواجها، وأسباب متجنية لنفيها عن وطنها، وقصائد غير كاملة لذويها. وحين يتناولها النقاد بالدراسة سيكتبون عن عصرها باستفاضة لا تنالها.
ويتواترون التهم التي لحقت بها دون دحض لها، فلا يبقى من سافو إلا الخيالات التي لا تستحقها، والافتراءات التي طاردتها في الحياة والممات.
وقد عاصرت جزيرة ليسبوس Lesbos اليونانية في القرن السادس والسابع قبل الميلاد، عصرا من ازدهار الأغنية اليونانية، ولم تكن سافو وحيدة ذلك العصر، لكنها كانت فريدته.وفي حين غاب مفهوم العاصمة الواحدة عن العالم الناطق باليونانية آنذاك، نجد أن ميتلين، وما جاورها من مدن علو شواطيء. آسيا الصغرى. فوكايا Phocaea. ميليتوس ميايتوس Miletus ايفيسيوس Ephesus وسميرنا Smyrna كانت جميعا من أكثر التجمعات اليونانية ثراء واستقرارا حينها. وازدهر في دوديكانيس Dodecanese تلك الجزيرة الصغيرة جنوبي شواطيء ليسبوس، الفن والادب معا.
ومن هنا كانت إشراقة سافو في أوج ذلك العهد، وكانت أمينة على أفكارها التي كانت كثيرة المعاصرة، ولا شك أنها لم تكن ضيغة الأفق، فلابد أنها قد سمعت بمصر وبابل، وربما بمرسيليا، لكون تلك الأخيرة قد أنشئت بها مدينة فوكايا مستعمرة، وطبقا لراوية النفي، فهي بالتأكيد قد تعرفت مسبقا على سرقسطة، وسيشل. وقد نفاها الطاغية بيتا كرس الأسباب سياسية. رغم أن قصائدها الناجية تركزت على حياتها الخاصة.
ويرجع الباحثين أغلبهم. أن مولد سافو كان في ميتلين. بربوع جزيرة ليسبوس، في العام 612 قبل الميلاد (كتابات أخرى ترى أن تاريخ ميلادها قبل ذاك في 625بإريسيرس في نفس الجزيرة )، واختلف اسم الأب من مؤرخ لآخر.
فهو سكاماندرونيموس، أو يورجيوس، أو سيمون، أو يونيمنيوس، أو إيواركوس، أو إكريتوس، أو شيموس : وان اتفقوا علو اسم أمها كليس. كما زعموا بأن لها 3 أخوة، أحدهم تشاراكوس الذي كان سبب شقاء أخته وتعاستها.
عندما أعتق محظية اسمها دوريشا، بل يدعي البعض أن سافو نفسها كانت مرمسا وأنها جنت بسبب عشقها لفاونPhaon وهو صاحب عبارة، فألقت بنفسها من على جبل ليوكاديرن.ويقال أن سافو عاشت في تلك الجزيرة معظم سني حياتها.
فتزوجت سيركليس Cercylas وأنجبت له فتاتهما الوحيدة كليس (ويرى آخرون أن هذا كله من الروايات المختلفة ).
وعلينا أن نتوقع الكثير من شاعرة لها ما حظيت به سافر من صدر. لكن العجيب هو أن تراثها لم يبق منة سوق ما نقرأه في هذا الديوان، وهو قليل إذا عرفنا الأثر الذي تركته وقد قدمها أستاذنا الدكتور عبد الغفار مكاوي للقارئ العربي للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، وبلغ ما أبدعته سافو تسعة كتب، ضاعت بسبب الاضطهاد الذي صادفته، والنفي الذي كانت منه، وأحرقت الكنيسة جل ما تبقى منه، فلم يبق إلا صدى تلك الأشعار، ومقتطفات مبتسرة دونها على لسانها معاصروها، حتى جاء العام 1900، ليعثر الباحثون عن الآثار في مصر على أوراق بردى تشتمل على مئات من سطورها، لتعيد الحضارة المصرية تقديم تلك الشاعرة اليونانية، ولترفد البرديات المصرية التراث الإنساني الأدبي بالكنوز، عبر لفائفها الورقية المكتشفة حديثا، ولتضيف لرصيد شاعرتنا، وديوانها، المرة بعد المرة، القصيدة بعد القصيدة.
وقد اخترعت سافو قيثارة بها 21 وترا، كانت ترافقها دائما كلما غنت قصائدها. كما أسست جمعية نسوية أطلقت عليها إسم thiasos ضمت لها نساء كثيرات. وكسيدة أرستقراطية في ميتلين Myblene أنشأت سافو مدرسة نسوية صغيرة كرست لما ينضج صفات الأنوثة لدى الفتيات لتحضيرهن للزواج. أما الفتيات اللائي وردت أسماؤهن في القصائد فهن تلميذات سافو أو من كن يشاركنها في الطقوس الدينية :أناكترريا، أتيس، جونجيلا، هيرو، تيماس..وفي قصائدها، تبده سافو الإعجاب بهذه التلميذة النجيبة أو تظهر بعض غيرة على تلك الأخرى. كما أنها تشدو لما تعانيه من أسر الفراق لهن، فيما ترمي في قصائد أخرى المشاعر المتناقضة لفتاة صغيرة على وشك الزواج ولعل هذه الثيمات المتكررة هي ما أوحي لمؤرخي كتاباتها بفكرة اتهام سافو بالمثلية مع فتياتها. وهي التهمة التي ينكرها اختيار عائلات أرستقراطية كبيرة لمدرسة سافو لتكون ساحة تدريب لبناتهن. وهل كانت مثل هذه البنات تجد من يقبل بهن زوجات وهن تحت وطأة هذا الاتهام وقد تميز شعر سافو بالبساطة، والسيطرة الحذرة على العروض، والاستعمال المكثف للصفات، والغنائية منقطعة النظير. كما ابتكرت سافو مقطوعات عرفت باسمها، وهو ما سينبه الآن الرباعيات، إذ كانت تتكون من ثلاثة أبيات طويلة ورابع قصير. وهو الشكل الذي أخذه عنها شعراء كثيرون منهم Horace وكاتوللوس. Catullus ويلقب سقراط الفيلسوف سافر بالشاعرة "الجميلة ". أما تلميذه أفلاطون فيهاجم من يقولون إن ربات الشعر تسع "ألا ما أعظم غباءهم " فليعلموا أن سافو ابنة مدينة ليسبوس هي العاشرة ". سترابون، المؤرخ اليوناني الكبير، يرى أن سافو " امرأة فذة عجيبة" وألا يرى أن هناك أخرى قد " أوتيت معشار ما أوتيت سافو من النبوغ في فن الشعر" صولون الحكيم يقول "أريد أن أحفظ أشعار سافو ثم أموت".أما المؤرخ المعاصر ول ديورانت فيري أن الشاعر قديما كانت صفة لهوميروس، مؤلف الإلياذة، مثلما كانت "الشاعرة" الصفة اللصيقة بسافو.

ولا يمكن أن تكون أصداء كتلك وليدة الصدف، فهر شاعرة من الطراز الاول بشهادة الجميع. وتظل سيرة سافو حاضرة جيلا بعد جيل.حكاية المعلمة التي تلهم تلميذاتها، ترشدهن إلى حياتهن المستقبلية، وتعلمهن الشعر والموسيقى، مثلما تعلمهن الحب. وتثير غيرة أقرانها، ولا تنسى أن تقدم النصح لعائلتها.







1

أبلغي كل إنسان
الآن، اليوم، بأني
في عذوبة سأغني
لمتعة من صادقتني


2
ولسوف نستمتع معا بالغناء
مثل من تجد
بالخطايا، وربما في الحماقة
والحزن ما ينسيها


3
كانت واقفة بجوار سريري
بصندليها الذهبيين
والفجر في ذات
اللحظة أيقضتني


4
أسائل نفسي
ماذا، ياسافو، بقدورك
أن تمنحي لمن
تمتلك كل شيء
كأفروديت؟


5
وأجيبها
سأحرق قربانا
من عظام الفخذ المكسورة بالدهن
لعنزة بيضاء
على مصلاها


6
اعتراف
أنني عشقت قد ما أرهق
حالي. وآمنت
بما للعشق
من نصيب في
تألق الشمس
وعفتها


7
في الظهيرة
والأرض
تضيئها ألسنة لهيب
يتساقط كرمح عمودي
يطلق صرصار الليل
- عاليا كقذيفة-
غناءه بحركة من جناحيه


8
أخذت قيثارتي وأنشدت
تعالي الآن،
يا صدفة سلحفاتي المقدسة: كوني
آلة صادحة


9
برغم أنهن
محض أنفاس وحسب، لكن الكلمات
التي أملكتها
خالدة



10
في ذلك العصر
تينع الفتيات ليتزوجن
وتلوح تيجان
الزهور بقلائدهن




11
سمعناهما تنشدان:
الصوت الأول:
أدونيس الصغير
يحتضر! آه
سيتيريا
ماذا نفعل الآن؟

الصوت الثاني
اضربن صدور كن
بقبضات الأكف، أيتها الفتيات
ومزقن ثيابكن!


12
ما من فائدة
أيتها الأم العزيزة، فأنا
لا أستطيع أن أكمل
نسيجي
ولربما ألقيت
اللوم على أفروديت
فالناعمة كما هي
كادت
أن تقتلني
بعشق ذلك الفتى


13
ما أكثر ما ينم البشر
وهم يتقولون على ليديا، أنها
وجدت بيضة
تختفي تحت
أحجار الياقوت الأزرق البري



14
السلام الحاكم في السماوات
كان امبروسيا واقفا
وقد عانق لتوه
بآنية الخمر
أما هيرميس فكان يرفع إبريق الخمر ويصب
للآلهة



15
عندما شاهدت أيروس
في طريقه نحونا
قادما من السماء، كان
يرتدي عباءة الجندي
الأرجوانية الداكنة



16
أنت يا راعي قطعان المساء
هسبيروس، يا من تهش
نخو البيت كل ما
شت من نور الفجر
تهش على الشياه، وتهش على
العنزات، وتهش على الأطفال
باتجاه البيت، كل إلى أمه



17
نامي يا عزيزتي
لي ابنة
صغيري تدعى
كليس، تلك التي
تشبه زهرة ذهبية
ما كنت
لأبدلها
مقابل مملكة كرويسوس
بكل ما انتثر بها من عشق



18
رغم أنها خرقاء
إلا أن لدى
مانسيديسكا
طلعة أكثر بهاء
من
جيرينو النبيلة



19
غدا سيكون من الأفضل لك
أن تستخدمي كفيك الناعمتين،
ياديكا، اتمزقي
أشياءك الجميلة، وتغطي
خصلاتك البهية
فمن تريدي الزهور
ستحظيا بأسعد
نعم الآلهة: النعم التي ستعود
من رأس عارية.


20
على سطح السفينة وضعنا الجرة
مع تلك الكلمات:
هذا هو رماد الصغيرة
تيماس التي لم تتزوج
تنقاد
إلى ظلام غرفة
نوم
بيرسيفون
وهي الآن أبعد ما تكون عن
بيتها،، والفتيات
في عمرها يأخذن
شفرات جديدة الحواف
ليقصصن، حدادا عليها
خصلات شعرهن الناعم


21
أيتها القبرصية، في أحلامي
طيات منديلك
الأرجواني وهي تظلل
خديك- المنديل الذي
أرسلته مرة تمياس
هدية خوف، طوال
الطريق من فوكايا



22
في فجر الربيع
يبزغ القمر مكتملا:
وتأخذ الفتيات
أماكنهن
كما لو كن يتحلقن حول المصلى



23
وأقدامهن تتحرك
وفق إيقاع، بينما الأقدام
الرقيقة لفتيات كريتان
تتراقص حول
مذبح العشب
الزهري الأملس الناعم



24
كن ملتاعات من بهاء
النجوم القريبة
للقمر الحبيب الذي يغطي
وجوههن المشرقة
حينما يكون
في أكمل استدارة له ناشرا ضوءه
الفضي على الأرض



25
الآن، وبينما نرقص
تعالي إلينا
أيتها الرقيقات جاييتي،
ريفرلي، راديانس
وأنتن، ربات الإبداع بالسعر الحبيب.



المصدر : مجلة (نزوى -22)
ترجمة وتقديم: أشرف أبو اليزيد






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:02 PM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود




حجر الفلاسفة






حجر الفلاسفة هو مادة اسطورية يُعتقد أنها تستطيع تحويل الفلزات الرخيصة (كالرصاص) إلى ذهب ويمكن استخدامه في صنع إكسير الحياة. ان اصل هذا المصطلح هو في علم الخيمياء الذي بدأ في مصر القديمة ولكن فكرة تحويل المعادن إلى معادن أغلى (كالذهب او الفضة) تعود إلى كتابات الخيميائي العربي جابر بن حيان. قام ابن حيان بتحليل خواص العناصر الاربعة بحسب أرسطو قائلا بوجود اربعة خواص اساسية الحر والبرودة والجفاف والرطوبة. وقد اعتبر النار حارة وجافة أما التراب فبارد وجاف بينما الماء بارد ورطب والهواء حار و رطب. فذهب إلى القول ان المعادن هي خليط من هذه العناصر الاربعة اثنان منهما داخليا واثنان خارجيا. ومن فرضيته تلك تم الاستنتاج ان تحويل معدن إلى اخر ممكن من خلال اعادة ترتيب هذه الخواص الاساسية. ان هذا التحول، بحسب اعتقاد الخيميائيين، سيكون بواسطة مادة سموها الاكسير. وقد قال البعض ان الاكسير هو مسحوق احمر لحجر اسطوري - حجر الفلاسفة.

يعتقد البعض ان ابن حيان قد استمد مفهومه لحجر الفلاسفة من معرفته بامكانية اخفاء المعادن كالذهب والفضة في أشابات واستخراجها منها لاحقا بمعالجة كيماوية. كما كان ابن حيان مخترع الماء الملكي (مزيج من حمض النيتريك وحامض الهيدروكلوريك) أحد المواد القليلة التي تستطيع إذابة الذهب (ولا يزال قيد الاستعمال لتنظيف الذهب).

اعتقد الاقدمون ان الذهب فلز لا يصدأ ولا يفقد بريقه او يفسد. وبما ان حجر الفلاسفة تحول معدن قابل للفساد إلى معدن غير قابل للفساد استنتجوا انه يستطيع منح الانسان المخلوق الفاني الخلود. وقد ساد هذا الاعتقاد في القرون الوسطى بالذات.

بقي الايمان بحجر الفلاسفة سائدا إلى ان قام أنطوان لافوازييه باعادة تعريف مصطلح العنصر.

اقتباس:

ويعرّف ابن خلدون الكيمياء بأنها (علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة)، ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك. لقد تأثرت الكيمياء العربية بالخيمياء اليونانية والسريانية وخاصة بكتب دوسيوس و بلنياس الطولوني الذي وضع كتاب (سر الخليقة). غير أن علوم اليونان والسريان في هذا المجال لم تكن ذات قيمة لأنهم اكتفوا بالفرضيات والتحليلات الفكرية. وتلجأ الخيمياء إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر، وتستخدم فكرة الخوارق في التفسير، وترتبط بالسحر وبما يسمى بعلم الصنعة، وتسعى إلى تحقيق هدفين هما:

أ – تحويل المعادن الخسيسة كالحديد والنحاس والرصاص إلى معادن شريفة كالذهب والفضة عن طريق التوصل إلى حجر الفلاسفة.
ب – تحضير أكسير الحياة، وهو دواء يراد منه علاج كل ما يصيب الإنسان من آفات وأمراض، ويعمل على إطالة الحياة والخلود..






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:03 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود

في عام 1940 استطاع الاقتصادي جون ماينارد كينس الكشف عن صندوق يحتوي على أوراق خاصة باسحق نيوتن كان يدون فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة وهو الحجر السري الذي حاول علماء الكيمياء في عهد المصريين القدماء التوصل إليه لاعتقادهم أنه يستطيع تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة كالذهب.

ويبدو أن جهد نيوتن ومن قبله علماء مصر القديمة قد ذهب بغير طائل بعد أن تبين في العصر الحديث أنه ليست هناك طريقة كيميائية لتحويل نواة ذرة من عنصر إلى آخر، وكل ما استطاع الكيميائيون فعله هو ترتيب الذرات لتكوين مادة جديدة.. لكن الغريب أن علماء الكيمياء في العصر الحديث بدأوا يسعون وراء اكتشاف أكسير الحياة الذي عندما يشربه الإنسان يجعل خلاياه تقاوم الشيخوخة ومن ثم يعيش عمرا أطول.



اقتباس:
لكن بيتر مارشال مؤلف كتاب «حجر الفلاسفة» يرى أن الكيمياء القديمة سوف تعود وتكشف عن وجودها، الأمر الذي دعاه إلى السفر إلى الصين والهند ومصر وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وجمهورية التشيك لكي يجمع معلومات عن أسرار الكيمياء القديمة ويلتقي بخبرائها.. وإذا كان بيتر مارشال لم يستطع حتى الآن أن يحصل على ما كان يتوق الحصول عليه من رحلاته العلمية تلك، إلا أنه خرج من هذه الرحلات بخبرة وتجربة مشوقة مكنته من أن يصبح كاتب رحلات يكتب عن أشهر علماء الكيمياء القديمة في البلاد التي زارها والذين حاولوا إظهار قدراتهم في صنع الذهب باستخدام الزئبق.

يقول بيتر مارشال إنه على الرغم من أن معدن الذهب لم يثبت حتى الآن أن أحدا استطاع تصنيعه من مادة أخرى إلا أن احتمال العثور على حجر الفلاسفة الذي يحول المعدن غير النفيس إلى ذهب يظل قائما.. وطبقا لما رواه بيتر مارشال في كتابه فإن رجلا ادعى أنه اكتشف حجر الفلاسفة قد زار عالما سويسريا يدعى جوهان هيلفيتس في شهر ديسمبر عام 1666 وترك قطعة صغيرة منه للعالم لكي يحللها وغادره على وعد بأن يعود إليه لكي يوضح له كيف يصنع حجر الفلاسفة.

وبعد أن قام العالم السويسري باستخدام قطعة الحجر في تحويل نصف أوقية من الرصاص إلى ذهب نقي، لم يعد الزائر الغامض مرة أخرى لكي يكشف للعالم السويسري كيف يمكنه صنع حجر الفلاسفة.

وهكذا يظل حجر الفلاسفة أسطورة حتى مع نيوتن وغيره من جهابذة علماء العصر الحديث.

نيوتن.. وحجر الفلاسفة!






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:04 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود

جابر بن حيان وعلم الخيمياء (علم الصنعة)



هذا البحث المبسط والموجز يكشف عن صفحة مشرقة من صفحات تراثنا العلمي العربي، ويبيّن ما للعرب من أصالة في التراث العلمي والإنساني الذي استقى منه التراث العالمي فترة طويلة من الزمن. فإذا تجاوزنا العلوم التي أبدع فيها العرب إلى علم الكيمياء الذي يهمنا في هذا البحث، نرى أن العرب قد ابتكروا كثيراً في حقل الكيمياء معتمدين على البحث التجريبي الذي يعدون فيه رواداً نحو الحقيقة وعلى رأس هؤلاء الرواد العالم العربي المتصوف جابر بن حيان الذي تضاربت الآراء والأقوال حول وجوده وحقيقته. فكأنما الإنسانية تستكثر على نفسها أن يظهر من أبنائها واحداً يتجاوز بنبوغه حداً معقولاً. وتشكل مجموعة الكتب الكثيرة التي تحمل اسم جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما توصل إليه الكيميائيون العرب حتى عصره، وتنم عن اطلاعه الواسع وتجاربه العلمية، وأهم هذه الكتب: نهاية الإتقان، الميزان، السموم، وكتب أخرى كثيرة، وآخرها كان كتاب الرحمة الذي وجد تحت رأسه عندما مات.

من جملة ما اهتم به جابر (واهتم به الأسبقون وكان غاية الحكماء) هو إمكانية تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب (علم الخيمياء أو علم الصنعة)، بالإضافة إلى الحصول على حجر الحكماء أو حجر الفلاسفة أو ما يدعى بالإكسير، وهذا ما سيتناوله هذا البحث الموجز.



مقدمة:

اختلف مؤرخو العلم حول أصل كلمة كيمياء. فمنهم من ردها إلى الفعل اليوناني chio الذي يفيد السبك والصهر، ومنهم من أعادها إلى كلمتي chem , kmt المصريتين ومعناهما الارض السوداء، ومنهم من يرى أنها مشتقة من كلمة كمى العربية أي ستر وخفى [1].

ويعرّف ابن خلدون الكيمياء بأنها (علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة)، ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك [2].

لقد تأثرت الكيمياء العربية بالخيمياء اليونانية والسريانية وخاصة بكتب دوسيوس و بلنياس الطولوني الذي وضع كتاب (سر الخليقة). غير أن علوم اليونان والسريان في هذا المجال لم تكن ذات قيمة لأنهم اكتفوا بالفرضيات والتحليلات الفكرية.

وتلجأ الخيمياء إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر، وتستخدم فكرة الخوارق في التفسير، وترتبط بالسحر وبما يسمى بعلم الصنعة، وتسعى إلى تحقيق هدفين هما:

أ – تحويل المعادن الخسيسة كالحديد والنحاس والرصاص إلى معادن شريفة كالذهب والفضة عن طريق التوصل إلى حجر الفلاسفة.

ب – تحضير أكسير الحياة، وهو دواء يراد منه علاج كل ما يصيب الإنسان من آفات وأمراض، ويعمل على إطالة الحياة والخلود [3].

وهذان الهدفان سـنناقشـهم في هذا البحث من وجهة نظر وعمل أبي الكيمياء العالم العربي جابر بن حيان.



تطور علم الكيمياء عند القدماء:
إن تاريخ الكيمياء في العالم القديم أكثر غموضاً من تاريخ الفيزياء، ونحن لا نعلم من تاريخ الكيمياء إلا النتائج العملية، ولم يدوّن لنا القدماء من ذلك التاريخ شيئاً [4].

يمكن اعتبار الكيمياء الصينية أقدم المعارف الكيميائية، لكن لايزال السؤال غامضاً عن صلة الوصل بين الكيمياء الصينية والكيمياء المصرية القديمة، وهذا ما حاول الباحث جونسون Jhonson أن يبرهن عليه، حيث ذكر عن كاتب صيني قديم يرجع عهده إلى سنة 330 ق. م أنه حرّر عن الفلسفة التاتوئية والسيمياء، والأخيرة تحتوي على كيفية تحويل المعادن إلى معادن ثمينة، وكيفية الحصول على إكسير الحياة، تلك المادة التي تطيل الحياة على زعمهم وتقضي على الموت [5].

وقد قال ابن النديم أنه زعم أهل صناعة الكيمياء، وهي صناعة الذهب والفضة من غير معادنها، أن أول من تكلم عن علم الصنعة هو هرمس الحكيم البابلي المنتقل إلى مصر عند افتراق الناس عن بابل، وإن الصنعة صحّت له، وله في ذلك عدة كتب، وإنه نظر في خواص الأشياء وروحانيتها.

وزعم الرازي أن جماعة من الفلاسفة عملوا في الكيمياء مثل: فيثاغورس، ديموقراط، أرسطاليس، جالينوس، وغيرهم، ولايجوز أن يسمى الإنسان فيلسوفاً إلا أن يصح له علم بالكيمياء.

وقال آخرون أن علم الكيمياء (قديماً) كان بوحي من الله عز وجل إلى موسى بن عمران (قصة قارون) [6].



الكيمياء في القرون الوسطى:
أشهر شخصية من شخصيات الكيمياء الغربية في القرون الوسطى وخاصة التي تناولت فكرة الحصول على الذهب هو العالم برنارد تريفيزان Bernard Trevisan حيث رافقت هذا المغامر في الكيمياء فكرة البحث عن الذهب في الصخور والأحجار والمعادن والاملاح وغير ذلك.

سافر إلى بلاد الإغريق والتتار والقسطنطينية وزار مصر، لكنه لم يمس تبرها.

خامرت العالم برنارد فكرة الحصول على الذهب من الإنسان لأنه تاج الخليقة، ويشكل الذهب ذروة الكمال المعدني، وأراد أن يحل مشكلته الكبرى في أشعة الشمس للاعتقاد السائد قديماً بأن هذه الأشعة هي التي تكون المعادن، وما الذهب إلا أشعة الشمس المتكاثفة التي استحالت إلى جسم أصفر براق.

واعتقد بنمو المعادن، حتى أن أصحاب المناجم كانوا يغلقون مناجمهم برهة من الزمن ليعطوا المعادن فرصة التكون. وقد بدد ثروته الهائلة على تلك الافكار [7].



علم الكيمياء عند العرب المسلمين:
بدأت الكيمياء في الإسلام بالصنعة، ذلك لأن العرب اعتمدوا الكتب المنقولة عن اليونانية، وكتب الإسكندرانيين التي نقلت إلى العربية. ويعتبر خالد بن يزيد بن معاوية أول من اشتغل في علم الصنعة عند العرب، حيث استقدم بعض الرهبان الأقباط المتفحصين بالعربية، كمريانوس، شمعون، وغيرهم، وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى اللغة العربية عله يتمكن من تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.

وهكذا وصلت الصنعة إلى العرب بواسطة الإسكندرانيين ممتزجة بالأوهام والأضاليل، تهدف إلى تحقيق غايات وهمية تتعلق بالصحة والخلود والثروة بعيدة عن الكيمياء التي ترتكز على قواعد وقوانين علمية.

وقد انتقل هذا المفهوم إلى العلماء العرب فاعتقدوا كاليونان والسريان أن طبائع العناصر قابلة للتحويل، وأن جميع المعادن مؤلفة من عناصر واحدة هي الماء، الهواء، التراب، النار، وسبب اختلافها فيما بينها يعود إلى اختلاف نسب هذه العناصر في تركيبها، فلذلك لو توصلنا إلى حلّ أي معدن إلى عناصره الأساسية، وأعدنا تركيبه من جديد بنسب ملائمة لنسب أي معدن آخر كالذهب والفضة مثلاً، لاستطعنا الحصول على هذا المعدن.

من أجل ذلك قام العلماء العرب بتجارب عديدة، أحاطوها بالسرية التامة، واستعملوا الرموز في الإشارة إلى المعادن فأشاروا إلى الذهب بالشمس، والى الفضة بالقمر، فاكتشفوا مواد جديدة، واختبروا أموراً مختلفة، وتوصلوا إلى قوانين عديدة، واستطاعوا أن ينقلوا الخيمياء إلى الكيمياء وذلك لعدة أسباب منها:

1- فشل محاولات الصنعة في تحقيق أهدافها، وتحولها إلى علم تجريبي على يد العالم جابر بن حيان ومن ثم الرازي.

2- تكثيف التجارب المادية والتماس منهج علمي صحيح قائم على التجربة والبرهان [8].

ومع جابر بن حيان انتقلت الكيمياء عن العرب من طور صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات.


جابر بن حيان:
ترتبط نشأة الكيمياء عند العرب بشخصية أسطورية أحياناً وتاريخية حيناً آخر، هي شخصية جابر بن حيان، ونستنتج من خلال الكتب التي تحمل اسمه أنه من أشهر الكيميائيين العرب، ويعدّ الممثل الأول للكيمياء العربية.

وقد أثّر جابر في الكيمياء الأوربية لظهور عدد لا يستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر بن حيان [9].

مولده – نشأته:

هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي. ولد في طوس (خراسان ) وسكن الكوفة، حيث كان يعمل صيدلانياً [10]. وكان أبوه عطاراً [11]. بنسبته الطوسي أو الطرطوسي، وينحدر من قبيلة الازد.

يقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحرّاني، كان من أنصار آل البيت (بعد أن دخل الإسلام وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد )، ومن غير الموالين للدولة العباسية في بداية حياته [12].

كان يعيش في ستر وعزلة عن الناس فقيل عنه إنه كان صوفياً.

ويقدّر الزمن الذي ولد فيه جابر بين 721 م – 722 م، أما تاريخ وفاته فغير معروف تماما. ويقال أنه توفي سنة 200 هـ أو ما يوافق 815 م [13].

ويقول هولميارد Holmyard أن جابر عاش ما يقارب 95 سنة، ودليله في ذلك أن المؤلفات التي ألّفها لا يمكن إنجازها بأقل من هذا الزمن [14].

رحل إلى الجزيرة العربية وأتقن العربية وتعلّم القرآن والحساب وعلوماً أخرى على يد رجل عرف باسم (حربي الحميري) وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقّن عنه بعض التجارب [15].

اتصل بالإمام جعفر الصادق (الإمام الخامس بعد علي بن أبي طالب ) ت 148 هـ، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاط هارون الرشيد بحفاوة [16].

اختلاف الرواة والمفكرين في أمره ووجوده:

اختلف الرواة في أمر جابر، فقد أنكر قوم أن يكون قد مرّ في هذه الحياة رجل يحمل هذا الاسم، وقال آخرون إنه رجل معروف في التاريخ، وقد اشتغل بصناعة الكيمياء، واستطاع أن يحوّل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة.

وزعم قوم من الفلاسفة أنه منهم، وله كتب في المنطق والفلسفة. وزعم آخرون ( أهل صناعة الذهب والفضة) أن الرئاسة انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوماً [17].

لكن جابر بن حيان حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، وعلم من أعلام العرب العباقرة، وأول رائد للكيمياء، وقد أيّد هذه الحقيقة أبو بكر الرازي، عندما كان يشير إلى جابر في كتبه فيقول "أستاذنا"[18].

مدرسته:
أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بانقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات [19]. وقد درس جابر ما خلّفه الأقدمون، فلم يرَ من تراثهم من الناحية الكيميائية إلا نظرية أرسطو عن تكوين الفلزات، وهي نظرية متفرعة عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، التراب، النار [20].

ولم يعرف فقط كبار مفكري وعلماء العالم اليوناني، بل كان يعرف الكتب ذات المحتوى السري جداً مثل كتب أبولينوس التيتاني [21]. وزعم هولميارد أن المصدر الذي استقى منه جابر علومه في الكيمياء هو الأفلاطونية الحديثة [22].

منهجه العلمي:

العلم عند جابر يسبق العمل، فليس لأحد أن يعمل ويجرب دون أن يعلم أصول الصنعة ومجالات العلم بصورة كاملة وقد قال: "إن كل صنعة لابد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل" [23].

وقطع جابر كأحد رواد علماء العرب خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتماداً على التأمل الساكن، ولعله أسبق عالم عربي في هذا المضمار، فنراه يقول:

] وملاك هذه الصنعة العمل، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبداً [ [24].

وقد كان جابر انطلاقاً من قناعته بامكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الاتقان المتين، كان شجاعاً بما فيه الكفاية، فهو يؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها، سمة علمه أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري.

تساءل جابر ؟! ألا يمكن أن يكون التوليد ممكناً، ] فالكائن الحي بالنسبة له بل الانسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة، فمن الممكن من الناحية النظرية على الأقل- محاكاة تدبير الطبيعة بل تحسينه عند الحاجة [ [25].

ومهما يكن من أمر، فإن قيام جابر كعالم كيميائي ابتكر المنهج التجريبي في الكيمياء، لايعني أن هذا العالم قد تخلص من الافكار القديمة، وحرّر فكره ومذهبه منها، إذ أن له بعض الكتابات الغريبة والطلسمات، لكن هذا لايعني أيضاً أنه لم يشق طريقه في الظلمات عبر العصور المظلمة إلى النور [26].

ولجابر الكبير في تطور الكيمياء وانتقالها من صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات، حيث أن موضوع الحصول على الذهب لم يشغله عن غيره من النواحي العلمية الاخرى، فشمل نشاطه المسائل النظرية والعلمية العادية وغير العادية.

فقد عرف جابر الكثير من العمليات العلمية كالتقطير، التبخير، التكليس، الإذابة، التبلور، وغيرها [27].

كما شمل عمله الناحية التطبيقية للكيمياء، من ذلك أنه أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض، وهذه طريقة لا زالت مستخدمة حتى الان، ولها شأن في تقدير عيارات الذهب في المشغولات والسبائك الذهبية [28].



رأي جابر في طبائع العناصر، وإمكانية تحويلها إلى ذهب:
ينطلق جابر في الصنعة من أن لكل عنصر روحاً (نفساً، جوهراً ) كما نجد في أفراد الناس والحيوان، وأن للعناصر طبائع، وهذه الطبائع في العناصر قابلة للتبدل.

ويرى جابر أن العنصر كلما كان أقل صفاءً (ممزوجاً بعناصر اخرى ) كان أضعف تأثيراً، فإذا أردنا عنصراً قوي الاثر (في غيره)، وجب تصفيته، والتصفية تكون بالتقطير، فبالتقطير تصعد الروح من العنصر فيموت العنصر. يقول جابر:

] فإذا استطعنا أن نسيطر على روح هذا العنصر، ثم القينا شيئاً منه ( الروح وهي مذكر) على مادة ما، انقلبت تلك المادة فكانت مثل العنصر الذي القينا فيه شيئاً من روحه [ [29].



تطبيق هذا الرأي على الذهب:
يقول جابر:

] إن أصفى العناصر الحاضرة الذهب، لكن صفاءه غير تام، فيجب أن نصفّيه مرة بعد أخرى، حتى نبلغ به درجة الصفاء المطلقة، ونستخرج روحه في ايدينا إكسيراً أو دواءً، يعمل في المعادن عمل الخميرة في العجين [.

فكما أن الخميرة تجعل العجين الفطير كله عجيناً مختمراً، فكذلك الاكسير (الاحمر المستخرج من الذهب ) يقلب المعادن ذهباً، والاكسير (الابيض المستخرج من الفضة) يقلب المعادن فضة.

أما العناصر التي تقبل عند أصحاب الصنعة الانقلاب ذهباً وفضة (بسهولة ) فهي النحاس والزئبق والرصاص والحديد [30].

ويبدو أن (الروح، الخميرة، الاكسير، حجر الفلاسفة، الكيمياء ) اسماء مختلفة لشيء واحد.

فالاكسير برأي جابر يمكن الحصول عليه بغلي الذهب في سوائل مختلفة مرة بعد مرة ألف مرة، ولا شك في أن هذا الزعم باطل [31].

ولجابر رأي روحاني متطرف في طبائع المعادن (ذكر ذلك في كتاب الرحمة)، فهو يعد المعدن كائناً حياً ينمو في باطن الارض أمداً طويلاً آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب، وغاية علم الكيمياء الاسراع بهذا الاقلاب، وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن، وكذلك مذاهب الحياة والموت [32].

كان جابر يرى أن المعادن تحت تأثير الكواكب، تتكون في الارض من اتحاد الكبريت الحار واليابس مع الزئبق البارد والرطب.

ويرجع وجود المعادن بأنواع مختلفة إلى أن الكبريت والزئبق ليسا نقيين على الدوام، ولأنهماً فضلاً عن ذلك لايتحدان بالنسب ذاتها، فإذا كانا نقيين تماماً، وحصل الاتحاد كاملاً بالميزان الطبيعي، نشأ الذهب أكمل المعادن [33].

أما الاخلاط والنسب غير الكاملة فتؤدي إلى تكوين الفضة أو الاسرب أو الحديد أو النحاس. ولما كان لهذه المعادن في الاصل التركيب ذاته الذي للذهب، فيمكن تصحيح (تأثير) المصادفات في طريقة تركيبها بتدبير مناسب، وهذا التدبير يُشكّل غرض الصنعة، ويعول على استعمال الاكاسير [34].

ومن هنا نستنتج أن جابراً يرى أنه من غير المستحيل تكوين الذهب نظرياً على الاقل، وإن كان ذلك صعباً تجريبياً ! [35].



تدبير جابر للأكاسير:
من أهم جوانب علم الكيمياء عند جابر، استناده على الاكسير العضوي، بالاضافة إلى الإكسير غير العضوي.

فمن العلامات المميزة في الصنعة عند جابر تدبير الأكاسير لا على أساس معدني فحسب، بل كذلك على اساس مواد حيوانية ونباتية، بل إنه يفضل الاكسير الذي يرجع إلى مواد حيوانية، لما لهذه المواد من فعل أقوى بكثير مما للاكاسير الاخرى.

يرى جابر أنه يمكن عمل اكاسير مختلطة بهذه المواد المذكورة، من ذلك مثلاً إكسير نباتي – حيواني، إكسير نباتي - معدني، إكسير حيواني – معدني، إكسير نباتي - حيواني – معدني.

ولايمكن بلوغ هذه الاكاسير المختلفة، وكذا الاكسير الاعظم، أي العقار العام لكل المعادن [36].

ولا بد للحصول على الاكسير الصحيح من الرجوع إلى اصول أكيدة، واستيفاء كل أسباب الدقة.

وقد اعتمد جابر في ذلك على فكرة أن كل الاشياء في العالم الطبيعي تتركب من عناصر اربعة، تشكلت بدورها من أربع كيفيات.

ومن الممكن عن طريق (الميزان) معرفة نصيب الطبائع الاربع في كل جسم، وبالتالي تجديد تركيبه بدقة تامة.

وبهذه الطريقة يمكن للكيميائي أن يتحكم في كل التغيرات التي تحصل في الجسم، ما دام في وضع يدبر فيه كلاً على حدة الاصول والكيفيات التي تعمل بها الطبيعة، كما يصبح في وضع يمكنه من تدبير أجسام جديدة، وبخاصة اكاسير مختلفة تفعل في المعادن [37].

وما الصور المختلفة للاكاسير إلا مزائج تجانست قليلاً أو كثيراً، مع الطبائع أو الخواص الاربع، مزائج تتفق مع تركيب الاجسام التي استعملت عليها.

وها هو ذا تحديد عمل الاكسير كما بيّنه جابر نفسه في كتاب السبعين:

إن الاصول الاربعة العاملة في الاجسام من الاجناس الثلاثة المؤثرة فيها والمحددة لصبغها هي: النار، الماء، الهواء، الارض.

وفي الواقع ليس هناك فعل واحد من هذه الثلاثة أجناس إلا بتلك العناصر الاربعة. ولهذا، كان معولنا في هذه الصناعة على تدبير هذه العناصر، نقوّي ضعيفها، ونضعّف قويها، ونصلح فاسدها. فمن وصل إلى عمل هذه العناصر الاربعة في هذه الثلاثة أجناس، فقد وصل إلى كل علم، وادرك علم الخليقة وصنعة الطبيعة [38].

يقول جابر في كتابه السبعين على سبيل المثال:

إن الاسرب بارد يابس في الظاهر، وحار رطب في الباطن، وكذلك بالنسبة للفضة، بينما الذهب حار رطب في الظاهر، وبارد يابس في الباطن [39].

ويقال أن جابراً كان أكثر مقامة في الكوفة، وبها كان يدبر الاكسير لصحة هوائها [40].

وذكر جابر في كتابه (الخواص الكبير)، قصة اتصاله بيحيى البرمكي، وعمل اكسيره، وكيف خلصّ به كثيراً من الناس وشفاهم !.

تطلعنا قصته هذه، على أن جابراً كان طبيباً، وكان يستخدم في العلاج دواء يسميه الاكسير، يبدو أنه كان يشفي كثيراً من العلل [41].

أما ما له علاقة بالاكسير من جهة المسؤولية الكبرى، واكتشاف سر الله الاعظم، فله علاقة بالامام جعفر علاقة شديدة [42].

فجابر يعتقد بوجود طريقتين لادراك الصنعة:

أ – طريق ظاهري: وذلك باقتفاء أثر الطبيعة.

ب – طريق باطني : بمعرفة الفرضيات الكبرى، وتطهير النفس البشرية.

والثاني يشير إلى تصوفه وتشيعه الواضحين

[43]. إذ أن أهم مصادر معرفته، الالهامات الباطنية التي اقتبسها عن إمامه جعفر الصادق، فعلاقته مع الامام جعفر الصادق هي علاقة فكرية فلسفية.

والعلاقة بين جابر وإمامه الصادق لا تقف عد حد واحد، إنما تتعداه إلى أمر كشف سر الله الاعظم ألا وهو الاكسير ؟! [44].

] ولن أشير أكثر إلى العلاقة بين العالم جابر بن حيان وإمامه جعفر الصادق لسعة البحث في هذا الامر، ولاختصار دراستنا على جانب علمي معين في علم العالم الكيميائي جابر بن حيان [.



اكتشافات جابر الكيميائية الاخرى:
سنذكر بعضاً منها:

1- عرف جابر بأن الشب يساعد على تثبيت الاصباغ في الاقمشة، والعلم الحديث اثبت ذلك، (الشب = أملاح الالمنيوم).

2- توصل جابر إلى تحضير بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب، وهذه المواد هي أملاح الالمنيوم المشتقة من الحموض العضوية.

3- توصل إلى استخدام كبريتيد الانتموان، الذي له لون الذهب، ليعوّض عن الاخير الغالي الثمن.

4- تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، والعلم الحديث لايعرف حتى الان نوع هذا الورق [45].

5- أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض (الماء الملكي) وهذه الطريقة لازالت مستخدمة حتى الان.

6- مارس كثيراً من العمليات الكيميائية، كالتقطير، التكليس، التبلور، التصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية [46].


لمحة عن كتبه:
ألفّ جابر عدداً كبيراً جداً من الكتب، يقال أنها تجاوزت – 3900 كتاب – [47]، كانت سبباً في الشك بوجوده، أو حتى نسبها جميعاً إليه.

له كتب في الكيمياء، الفلسفة، التنجيم، الرياضيات، الموسيقى، الطب والسحر ورسائل دينية اخرى.

تميّزت مخطوطاته وكتبه بوحدتها، مما يدل على أنها تابعة لمدرسة واحدة، والكتب التي تغلب عليها نزعة الكيمياء هي كتب السبعين والرحمة، أما الكتب التي تغلب عليها النـزعة الطبية فهي رسائل السموم [48].

ولجابر أسلوب لايشبه أسلوب باقي المؤلفين، فأسلوبه يتميز بالجدية، والفكرة الواحدة والتفكير العميق [49].

وقد ذكر ابن النديم ما يزيد عن 360 مؤلفاً لجابر، يمكن الرجوع اليها في كتاب الفهرست [50]، وكذلك ذكرها كرواس في مؤلفه رسائل جابر [51].

يمكن أن نعدّ رسائل جابر في الكيمياء أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدنية الاسلامية، على الرغم من أن عدداً عظمياً من رسائله كان نصيبها الفناء، بينما بقيت بعض الكتب اللاتينية التي أُخذت عنها.



تلاميذه:
قال ابن النديم: أسماء تلامذته (الخرقي ) الذي ينسب اليه سكة الخرقي بالمدينة، (وابن عياض المصري )، و(الاخميمي) [52].

ويقول الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة:

] قال استاذنا أبو موسى جابر بن حيان [، ومراده بقوله استاذنا، أنه استفاد من مؤلفاته، لا أنه تعلم منه، لأن عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم [53].



مشاهير العلماء الآخرين في الكيمياء:
ورأيهم في مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ثمينة ؟

أ×× - الكندي: ت 252 هـ / 866م
يعتبر الكندي أول من اتحذ موقفاً سلبياً من مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب أو فضة، وقال باستحالة ذلك، ووضع رسالة في (بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخداعهم ) [54].
ب – الرازي: ت 321 هـ / 942 م

برع في الكيمياء كما برع في الطب، ووضع الرازي كتباً عديدة في الكيمياء، ويبدو فيها غير مقتنع بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وفضة تارة، وتارة أخرى تظهر الكتب اقتناعه بذلك، منها كتاب محنة الذهب والفضة، وكتاب الاسرار [55].



جـ – ابن سينا: ت 428 هـ / 1037 م

لم يضع أي مؤلف بهذا الشأن، له كتاب في بطلان الكيمياء والرد على اصحابها [56].



في مستهل القرن الحادي عشر الميلادي، مرّ على الكيمياء فترة من الجمود استمرات حوالي القرنين حتى أتى عالم من العراق اسمه السماوي.



د – محمد بن أحمد العراقي السماوي:

أشهر مؤلفاته كتاب المكتسب في زراعة الذهب، ودافع فيه عن امكانية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، واعتمد في طريقته على وصف الاكسير على العالم جابر بن حيان ومن شايعه [57].

هـ – اخوان الصفا: قرن رابع هجري / عاشر ميلادي

اعتقد اخوان الصفا، أن بعض المعادن يستحيل إلى بعض، لكن في باطن الارض، في أزمان طويلة مختلفة الطول، لا على يد الانسان في وقت قصير. ولم يتكلموا عن قلب المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة [58].




رأي العلماء والمفكرين في جابر بن حيان:

كيف تمكن جابر من تأسيس مثل هذا العلم الواسع ؟؟

سؤال دار في الاذهان، وشغل عقول بعض الباحثين والمفكرين، وجعل البعض ينفي وجود مثل هذا الشخص ×× بينما قبل البعض الآخر فيه، بافتراض وجود مدرسة للكيمياء، تمكنت من القيام بهذا العمل على مدى مئة عام من أواسط القرن الثالث إلى أواسط القرن الرابع للهجرة [59]، لكن جابر من أندر العلماء الذين لم يتركوا قضية نشأتهم إلى الغموض والسر، ودراسة كتبه تبيّن بواسطة احالاته المستمرة إلى مؤلفاته السابقة أن المؤلف يبتدىء بعناصر متواضعة معروفة في عهده.

وهو لم يكن وحيداً، بل كان له اساتذة وزملاء في هذا الميدان، وتبيّن مؤلفاته أنه يشير إلى أفكار القدماء الاجانب مثل: سقراطس، أفلاطون، أرسطوطاليس، هرمس، وكثيرين من المعروفين غيرهم.

لكن الواقع أن هؤلاء العلماء لم يشتغلوا بالكيمياء ؟ حتى أن بعضهم شخصيات خرافية، الأمر الذي أدى بالباحثين إلى الشك في صحة هذه الاحالات، أو الظن بأن المسلمين والعرب احتلقوا كتباً، ونسبوها إلى الاخرين، غير أن هؤلاء الباحثين لم يهتموا بالتساؤل ؟×× متى وكيف احتلق المسلمون مثل هذه الكتب ونسبوها إلى الاخرين ؟ [60].

لايعقل أن يتعب شخص في التأليف والتصنيف، ويتعب قريحته وجسده ثم ينسب ما وضعه إلى شخص آخر ؟×× وإن ذلك يعد ضرباً من الجهل.

1 – ذكر هولميارد Holmyard

أنه من النادر على أي كيميائي أن ينتج مثل هذه المؤلفات التي تشمل على معرفة كثيرة، واحاطة واسعة لاعمال القدماء، واعتبر جابر من أعظم علماء العصر الوسيط، واهتم بأعماله ومنهجه العلمي ومؤلفاته، فعكف على ابراز القيمة العلمية لعمله وقال:

] إن الصنعة الخاصة عند جابر، هي أنه على الرغم من توجهه نحو التصوف والوهم، فقد عرف واكد على أهمية التجريب بشكل أوضح من كل من سبقه من الخيميائيين [ [61].

ووجد هولميارد أن أن أهمية جابر تتساوى مع أهمية بول ولافوازييه.



2 – بول كراوس Paul Kraus :

هو أول من قام بدراسة أعمال جابر سواء في الكيمياء، أو في فروع أخرى، دراسة جوهرية مسهبة، واهتم بالمظهر الفلسفي عنده،وبرأيه أن بعض مفاهيمه لها معنى اسماعيلي خالص [62]. ووضع كراوس مجلداً ضخماً أسماه (مختار رسائل جابر ).



3 – قال برتلو M. Berthelot عن جابر:

أن لجابر في الكيمياء ما لارسطوطاليس قبله في المنطق [63].



4 – وقال لوبون: G. Lebon

تتالف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل اليه علم الكيمياء عند العرب في عصره، وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيميائية كانت مجهوله قبله [64].

ومن جانب آخر، شكّ بعض العلماء بوجود جابر، وذلك لوجود عدد لايستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر، حيث قيل أن هذه المخطوطات لاتمت بصلة إلى جابر، وسبب الانتحال أن هذه الكتب الجابرية لاوجود لها في الاصل العربي، وهذا على ما نعتقد لايمنع أن تكون من مصدر عربي، فقد تكون النسخ الاصلية قد فقدت [65].

ويعد روسكا من أكثر المشككين بوجود شخصية جابر ؟ وادعى أن كتبه منتحلة، واستدل بابن خلدون الذي قال بأن جابراً هو من كبار السحرة ؟!! [66].




الخاتمة:

بعد هذا العرض البسيط والموجز جداً عن شخصية جابر بن حيان، وعن أفكاره وكتبه، ينبغي أن نجيب عن تساؤل محتمل قد يدور في ذهن راء والباحثين، وهو:

كيف تمكن جابر من تأسيس مثل هذا العلم ؟؟!

هذا التساؤل شغل أذهان الباحثين وجعلهم يقبلون بافتراض وجود مدرسة للكيمياء تمكنت من القيام بمثل هذا العمل على مدى مائة عام، من أواسط القرن الثالث إلى اواسط القرن الرابع للهجرة [67].

عانى جابر كما عانى الكيميائيون العرب في أول اشتغالهم بهذا العلم من الاضطهاد والمصاعب، وذكر أن جابر خلص من الموت مراراً، كما أنه قاسى من انتهاك الجهلاء لحرمته ومكانته، وأنه اضطر إلى الافضاء ببعض أسرار الطبيعة إلى هارون الرشيد، ويحيى البرمكي وابنيه، وأن ذلك هو السبب في غناهم وثروتهم [68].

وإذا رجعنا إلى رسائل جابر، نجده يذكر معلومات سبقت عصره بقرون، من ذلك تلك الفكرة الهائلة التي أيدتها التجارب اليوم، من ان الجوهر البسيط يشبه العالم الشمسي. بالاضافة إلى ذلك قد يكون الاكسير الذي سعى جابر إلى التوصل اليه، هو اليوم نفسه عنصر (الراديوم)، أو احد الاجسام المشعة، نظراً لنص وضعه البيروني – العالم الاسلامي الكبير في الطبيعة – كما بيّن ذلك إذاعة راديو لندن في 17 نيسان عام 1945، ونشرته مجلة المستمع العربي (سنة 6 عدد 6 )، بعنوان (الراديوم وعلماء العرب )، وجريدة الكيمياء الالمانية في هيدلبرغ – آذار 1958 .

وذكر ذلك في مؤتمر العلوم الدولي الثامن (ذكره مؤلف الكتاب) [69].

وهكذا نرى أن جابراً شخصية فذة، جمعت بين الحكمة والفلسفة والطب والمنطق والتصوف، إلى جانب علم الصنعة، وأن عالماً مثله يؤلف أكثر من 3900 كتاب في علوم جلّها عقلية وفلسفية، لهو حقاً من عجائب الدهر [70].

ولما توفي جابر بالرحبة، قال أبو فراس يرثيه:

بنفسي على جابر حسرة تزول الجبال وليست تزول

له ما بقيت طويل البكاء وحسـن الثناء وهذا قليل [71]



وقيل في جابر أيضاً:

هذا الذي بمقــاله غر الاوائـل والاواخر

ما كنت إلا كاسراً كذب الذي سماك جابر [72]



وأخيراً نقول … مما لاشك فيه، أن جابراً عبقرية علمية بارزة في علم الكيمياء، وكان تأثيره واضحاً وكبيراً في أوربا في القرون الوسطى حتى القرن الثامن عشر، عندما ظهر لافوازييه وغيره.

ولم يقف جابر عند الاراء النظرية فقط كما فعلت الامم القديمة، وإنما دخل المختبر، واجرى التجارب وربط الملاحظات على أسس علمية، وهي الاسس التي بنى عليها العلم الحديث منجزاته في هذا الميدان وفي غيره من الميادين الاخرى [73].

لكن على الرغم من هذه الجهود التي بذلها العلماء العرب، والمواد التي توصلوا إليها، والعمليات التي مارسوها، فإنهم لم يهتدوا إلى القوانين التي تضبط العمليات الفيزيائية، ولم يضعوا للكيمياء قوانين عامة، أو رموزاً تدل عليها، فهذه أمور كانت وليدة الكيمياء الحديثة [74].


جابر بن حيان وعلم الخيمياء






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:04 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود

جابر بن حيان وعلم الخيمياء (علم الصنعة)



هذا البحث المبسط والموجز يكشف عن صفحة مشرقة من صفحات تراثنا العلمي العربي، ويبيّن ما للعرب من أصالة في التراث العلمي والإنساني الذي استقى منه التراث العالمي فترة طويلة من الزمن. فإذا تجاوزنا العلوم التي أبدع فيها العرب إلى علم الكيمياء الذي يهمنا في هذا البحث، نرى أن العرب قد ابتكروا كثيراً في حقل الكيمياء معتمدين على البحث التجريبي الذي يعدون فيه رواداً نحو الحقيقة وعلى رأس هؤلاء الرواد العالم العربي المتصوف جابر بن حيان الذي تضاربت الآراء والأقوال حول وجوده وحقيقته. فكأنما الإنسانية تستكثر على نفسها أن يظهر من أبنائها واحداً يتجاوز بنبوغه حداً معقولاً. وتشكل مجموعة الكتب الكثيرة التي تحمل اسم جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما توصل إليه الكيميائيون العرب حتى عصره، وتنم عن اطلاعه الواسع وتجاربه العلمية، وأهم هذه الكتب: نهاية الإتقان، الميزان، السموم، وكتب أخرى كثيرة، وآخرها كان كتاب الرحمة الذي وجد تحت رأسه عندما مات.

من جملة ما اهتم به جابر (واهتم به الأسبقون وكان غاية الحكماء) هو إمكانية تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب (علم الخيمياء أو علم الصنعة)، بالإضافة إلى الحصول على حجر الحكماء أو حجر الفلاسفة أو ما يدعى بالإكسير، وهذا ما سيتناوله هذا البحث الموجز.



مقدمة:

اختلف مؤرخو العلم حول أصل كلمة كيمياء. فمنهم من ردها إلى الفعل اليوناني chio الذي يفيد السبك والصهر، ومنهم من أعادها إلى كلمتي chem , kmt المصريتين ومعناهما الارض السوداء، ومنهم من يرى أنها مشتقة من كلمة كمى العربية أي ستر وخفى [1].

ويعرّف ابن خلدون الكيمياء بأنها (علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة)، ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك [2].

لقد تأثرت الكيمياء العربية بالخيمياء اليونانية والسريانية وخاصة بكتب دوسيوس و بلنياس الطولوني الذي وضع كتاب (سر الخليقة). غير أن علوم اليونان والسريان في هذا المجال لم تكن ذات قيمة لأنهم اكتفوا بالفرضيات والتحليلات الفكرية.

وتلجأ الخيمياء إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر، وتستخدم فكرة الخوارق في التفسير، وترتبط بالسحر وبما يسمى بعلم الصنعة، وتسعى إلى تحقيق هدفين هما:

أ – تحويل المعادن الخسيسة كالحديد والنحاس والرصاص إلى معادن شريفة كالذهب والفضة عن طريق التوصل إلى حجر الفلاسفة.

ب – تحضير أكسير الحياة، وهو دواء يراد منه علاج كل ما يصيب الإنسان من آفات وأمراض، ويعمل على إطالة الحياة والخلود [3].

وهذان الهدفان سـنناقشـهم في هذا البحث من وجهة نظر وعمل أبي الكيمياء العالم العربي جابر بن حيان.



تطور علم الكيمياء عند القدماء:
إن تاريخ الكيمياء في العالم القديم أكثر غموضاً من تاريخ الفيزياء، ونحن لا نعلم من تاريخ الكيمياء إلا النتائج العملية، ولم يدوّن لنا القدماء من ذلك التاريخ شيئاً [4].

يمكن اعتبار الكيمياء الصينية أقدم المعارف الكيميائية، لكن لايزال السؤال غامضاً عن صلة الوصل بين الكيمياء الصينية والكيمياء المصرية القديمة، وهذا ما حاول الباحث جونسون Jhonson أن يبرهن عليه، حيث ذكر عن كاتب صيني قديم يرجع عهده إلى سنة 330 ق. م أنه حرّر عن الفلسفة التاتوئية والسيمياء، والأخيرة تحتوي على كيفية تحويل المعادن إلى معادن ثمينة، وكيفية الحصول على إكسير الحياة، تلك المادة التي تطيل الحياة على زعمهم وتقضي على الموت [5].

وقد قال ابن النديم أنه زعم أهل صناعة الكيمياء، وهي صناعة الذهب والفضة من غير معادنها، أن أول من تكلم عن علم الصنعة هو هرمس الحكيم البابلي المنتقل إلى مصر عند افتراق الناس عن بابل، وإن الصنعة صحّت له، وله في ذلك عدة كتب، وإنه نظر في خواص الأشياء وروحانيتها.

وزعم الرازي أن جماعة من الفلاسفة عملوا في الكيمياء مثل: فيثاغورس، ديموقراط، أرسطاليس، جالينوس، وغيرهم، ولايجوز أن يسمى الإنسان فيلسوفاً إلا أن يصح له علم بالكيمياء.

وقال آخرون أن علم الكيمياء (قديماً) كان بوحي من الله عز وجل إلى موسى بن عمران (قصة قارون) [6].



الكيمياء في القرون الوسطى:
أشهر شخصية من شخصيات الكيمياء الغربية في القرون الوسطى وخاصة التي تناولت فكرة الحصول على الذهب هو العالم برنارد تريفيزان Bernard Trevisan حيث رافقت هذا المغامر في الكيمياء فكرة البحث عن الذهب في الصخور والأحجار والمعادن والاملاح وغير ذلك.

سافر إلى بلاد الإغريق والتتار والقسطنطينية وزار مصر، لكنه لم يمس تبرها.

خامرت العالم برنارد فكرة الحصول على الذهب من الإنسان لأنه تاج الخليقة، ويشكل الذهب ذروة الكمال المعدني، وأراد أن يحل مشكلته الكبرى في أشعة الشمس للاعتقاد السائد قديماً بأن هذه الأشعة هي التي تكون المعادن، وما الذهب إلا أشعة الشمس المتكاثفة التي استحالت إلى جسم أصفر براق.

واعتقد بنمو المعادن، حتى أن أصحاب المناجم كانوا يغلقون مناجمهم برهة من الزمن ليعطوا المعادن فرصة التكون. وقد بدد ثروته الهائلة على تلك الافكار [7].



علم الكيمياء عند العرب المسلمين:
بدأت الكيمياء في الإسلام بالصنعة، ذلك لأن العرب اعتمدوا الكتب المنقولة عن اليونانية، وكتب الإسكندرانيين التي نقلت إلى العربية. ويعتبر خالد بن يزيد بن معاوية أول من اشتغل في علم الصنعة عند العرب، حيث استقدم بعض الرهبان الأقباط المتفحصين بالعربية، كمريانوس، شمعون، وغيرهم، وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى اللغة العربية عله يتمكن من تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.

وهكذا وصلت الصنعة إلى العرب بواسطة الإسكندرانيين ممتزجة بالأوهام والأضاليل، تهدف إلى تحقيق غايات وهمية تتعلق بالصحة والخلود والثروة بعيدة عن الكيمياء التي ترتكز على قواعد وقوانين علمية.

وقد انتقل هذا المفهوم إلى العلماء العرب فاعتقدوا كاليونان والسريان أن طبائع العناصر قابلة للتحويل، وأن جميع المعادن مؤلفة من عناصر واحدة هي الماء، الهواء، التراب، النار، وسبب اختلافها فيما بينها يعود إلى اختلاف نسب هذه العناصر في تركيبها، فلذلك لو توصلنا إلى حلّ أي معدن إلى عناصره الأساسية، وأعدنا تركيبه من جديد بنسب ملائمة لنسب أي معدن آخر كالذهب والفضة مثلاً، لاستطعنا الحصول على هذا المعدن.

من أجل ذلك قام العلماء العرب بتجارب عديدة، أحاطوها بالسرية التامة، واستعملوا الرموز في الإشارة إلى المعادن فأشاروا إلى الذهب بالشمس، والى الفضة بالقمر، فاكتشفوا مواد جديدة، واختبروا أموراً مختلفة، وتوصلوا إلى قوانين عديدة، واستطاعوا أن ينقلوا الخيمياء إلى الكيمياء وذلك لعدة أسباب منها:

1- فشل محاولات الصنعة في تحقيق أهدافها، وتحولها إلى علم تجريبي على يد العالم جابر بن حيان ومن ثم الرازي.

2- تكثيف التجارب المادية والتماس منهج علمي صحيح قائم على التجربة والبرهان [8].

ومع جابر بن حيان انتقلت الكيمياء عن العرب من طور صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات.


جابر بن حيان:
ترتبط نشأة الكيمياء عند العرب بشخصية أسطورية أحياناً وتاريخية حيناً آخر، هي شخصية جابر بن حيان، ونستنتج من خلال الكتب التي تحمل اسمه أنه من أشهر الكيميائيين العرب، ويعدّ الممثل الأول للكيمياء العربية.

وقد أثّر جابر في الكيمياء الأوربية لظهور عدد لا يستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر بن حيان [9].

مولده – نشأته:

هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي. ولد في طوس (خراسان ) وسكن الكوفة، حيث كان يعمل صيدلانياً [10]. وكان أبوه عطاراً [11]. بنسبته الطوسي أو الطرطوسي، وينحدر من قبيلة الازد.

يقال إنه كان من الصابئة، ومن ثم لقبه الحرّاني، كان من أنصار آل البيت (بعد أن دخل الإسلام وأظهر غيرة عظيمة على دينه الجديد )، ومن غير الموالين للدولة العباسية في بداية حياته [12].

كان يعيش في ستر وعزلة عن الناس فقيل عنه إنه كان صوفياً.

ويقدّر الزمن الذي ولد فيه جابر بين 721 م – 722 م، أما تاريخ وفاته فغير معروف تماما. ويقال أنه توفي سنة 200 هـ أو ما يوافق 815 م [13].

ويقول هولميارد Holmyard أن جابر عاش ما يقارب 95 سنة، ودليله في ذلك أن المؤلفات التي ألّفها لا يمكن إنجازها بأقل من هذا الزمن [14].

رحل إلى الجزيرة العربية وأتقن العربية وتعلّم القرآن والحساب وعلوماً أخرى على يد رجل عرف باسم (حربي الحميري) وقد يكون هو الراهب الذي ذكره في مصنفاته وتلقّن عنه بعض التجارب [15].

اتصل بالإمام جعفر الصادق (الإمام الخامس بعد علي بن أبي طالب ) ت 148 هـ، ويقال إنه أخذ علم الصنعة عنه، وتتلمذ على يديه، وعن طريقه دخل بلاط هارون الرشيد بحفاوة [16].

اختلاف الرواة والمفكرين في أمره ووجوده:

اختلف الرواة في أمر جابر، فقد أنكر قوم أن يكون قد مرّ في هذه الحياة رجل يحمل هذا الاسم، وقال آخرون إنه رجل معروف في التاريخ، وقد اشتغل بصناعة الكيمياء، واستطاع أن يحوّل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة.

وزعم قوم من الفلاسفة أنه منهم، وله كتب في المنطق والفلسفة. وزعم آخرون ( أهل صناعة الذهب والفضة) أن الرئاسة انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوماً [17].

لكن جابر بن حيان حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، وعلم من أعلام العرب العباقرة، وأول رائد للكيمياء، وقد أيّد هذه الحقيقة أبو بكر الرازي، عندما كان يشير إلى جابر في كتبه فيقول "أستاذنا"[18].

مدرسته:
أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بانقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات [19]. وقد درس جابر ما خلّفه الأقدمون، فلم يرَ من تراثهم من الناحية الكيميائية إلا نظرية أرسطو عن تكوين الفلزات، وهي نظرية متفرعة عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، التراب، النار [20].

ولم يعرف فقط كبار مفكري وعلماء العالم اليوناني، بل كان يعرف الكتب ذات المحتوى السري جداً مثل كتب أبولينوس التيتاني [21]. وزعم هولميارد أن المصدر الذي استقى منه جابر علومه في الكيمياء هو الأفلاطونية الحديثة [22].

منهجه العلمي:

العلم عند جابر يسبق العمل، فليس لأحد أن يعمل ويجرب دون أن يعلم أصول الصنعة ومجالات العلم بصورة كاملة وقد قال: "إن كل صنعة لابد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل" [23].

وقطع جابر كأحد رواد علماء العرب خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتماداً على التأمل الساكن، ولعله أسبق عالم عربي في هذا المضمار، فنراه يقول:

] وملاك هذه الصنعة العمل، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبداً [ [24].

وقد كان جابر انطلاقاً من قناعته بامكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الاتقان المتين، كان شجاعاً بما فيه الكفاية، فهو يؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها، سمة علمه أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري.

تساءل جابر ؟! ألا يمكن أن يكون التوليد ممكناً، ] فالكائن الحي بالنسبة له بل الانسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة، فمن الممكن من الناحية النظرية على الأقل- محاكاة تدبير الطبيعة بل تحسينه عند الحاجة [ [25].

ومهما يكن من أمر، فإن قيام جابر كعالم كيميائي ابتكر المنهج التجريبي في الكيمياء، لايعني أن هذا العالم قد تخلص من الافكار القديمة، وحرّر فكره ومذهبه منها، إذ أن له بعض الكتابات الغريبة والطلسمات، لكن هذا لايعني أيضاً أنه لم يشق طريقه في الظلمات عبر العصور المظلمة إلى النور [26].

ولجابر الكبير في تطور الكيمياء وانتقالها من صنعة الذهب الخرافية إلى طور العلم التجريبي في المختبرات، حيث أن موضوع الحصول على الذهب لم يشغله عن غيره من النواحي العلمية الاخرى، فشمل نشاطه المسائل النظرية والعلمية العادية وغير العادية.

فقد عرف جابر الكثير من العمليات العلمية كالتقطير، التبخير، التكليس، الإذابة، التبلور، وغيرها [27].

كما شمل عمله الناحية التطبيقية للكيمياء، من ذلك أنه أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض، وهذه طريقة لا زالت مستخدمة حتى الان، ولها شأن في تقدير عيارات الذهب في المشغولات والسبائك الذهبية [28].



رأي جابر في طبائع العناصر، وإمكانية تحويلها إلى ذهب:
ينطلق جابر في الصنعة من أن لكل عنصر روحاً (نفساً، جوهراً ) كما نجد في أفراد الناس والحيوان، وأن للعناصر طبائع، وهذه الطبائع في العناصر قابلة للتبدل.

ويرى جابر أن العنصر كلما كان أقل صفاءً (ممزوجاً بعناصر اخرى ) كان أضعف تأثيراً، فإذا أردنا عنصراً قوي الاثر (في غيره)، وجب تصفيته، والتصفية تكون بالتقطير، فبالتقطير تصعد الروح من العنصر فيموت العنصر. يقول جابر:

] فإذا استطعنا أن نسيطر على روح هذا العنصر، ثم القينا شيئاً منه ( الروح وهي مذكر) على مادة ما، انقلبت تلك المادة فكانت مثل العنصر الذي القينا فيه شيئاً من روحه [ [29].



تطبيق هذا الرأي على الذهب:
يقول جابر:

] إن أصفى العناصر الحاضرة الذهب، لكن صفاءه غير تام، فيجب أن نصفّيه مرة بعد أخرى، حتى نبلغ به درجة الصفاء المطلقة، ونستخرج روحه في ايدينا إكسيراً أو دواءً، يعمل في المعادن عمل الخميرة في العجين [.

فكما أن الخميرة تجعل العجين الفطير كله عجيناً مختمراً، فكذلك الاكسير (الاحمر المستخرج من الذهب ) يقلب المعادن ذهباً، والاكسير (الابيض المستخرج من الفضة) يقلب المعادن فضة.

أما العناصر التي تقبل عند أصحاب الصنعة الانقلاب ذهباً وفضة (بسهولة ) فهي النحاس والزئبق والرصاص والحديد [30].

ويبدو أن (الروح، الخميرة، الاكسير، حجر الفلاسفة، الكيمياء ) اسماء مختلفة لشيء واحد.

فالاكسير برأي جابر يمكن الحصول عليه بغلي الذهب في سوائل مختلفة مرة بعد مرة ألف مرة، ولا شك في أن هذا الزعم باطل [31].

ولجابر رأي روحاني متطرف في طبائع المعادن (ذكر ذلك في كتاب الرحمة)، فهو يعد المعدن كائناً حياً ينمو في باطن الارض أمداً طويلاً آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب، وغاية علم الكيمياء الاسراع بهذا الاقلاب، وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن، وكذلك مذاهب الحياة والموت [32].

كان جابر يرى أن المعادن تحت تأثير الكواكب، تتكون في الارض من اتحاد الكبريت الحار واليابس مع الزئبق البارد والرطب.

ويرجع وجود المعادن بأنواع مختلفة إلى أن الكبريت والزئبق ليسا نقيين على الدوام، ولأنهماً فضلاً عن ذلك لايتحدان بالنسب ذاتها، فإذا كانا نقيين تماماً، وحصل الاتحاد كاملاً بالميزان الطبيعي، نشأ الذهب أكمل المعادن [33].

أما الاخلاط والنسب غير الكاملة فتؤدي إلى تكوين الفضة أو الاسرب أو الحديد أو النحاس. ولما كان لهذه المعادن في الاصل التركيب ذاته الذي للذهب، فيمكن تصحيح (تأثير) المصادفات في طريقة تركيبها بتدبير مناسب، وهذا التدبير يُشكّل غرض الصنعة، ويعول على استعمال الاكاسير [34].

ومن هنا نستنتج أن جابراً يرى أنه من غير المستحيل تكوين الذهب نظرياً على الاقل، وإن كان ذلك صعباً تجريبياً ! [35].



تدبير جابر للأكاسير:
من أهم جوانب علم الكيمياء عند جابر، استناده على الاكسير العضوي، بالاضافة إلى الإكسير غير العضوي.

فمن العلامات المميزة في الصنعة عند جابر تدبير الأكاسير لا على أساس معدني فحسب، بل كذلك على اساس مواد حيوانية ونباتية، بل إنه يفضل الاكسير الذي يرجع إلى مواد حيوانية، لما لهذه المواد من فعل أقوى بكثير مما للاكاسير الاخرى.

يرى جابر أنه يمكن عمل اكاسير مختلطة بهذه المواد المذكورة، من ذلك مثلاً إكسير نباتي – حيواني، إكسير نباتي - معدني، إكسير حيواني – معدني، إكسير نباتي - حيواني – معدني.

ولايمكن بلوغ هذه الاكاسير المختلفة، وكذا الاكسير الاعظم، أي العقار العام لكل المعادن [36].

ولا بد للحصول على الاكسير الصحيح من الرجوع إلى اصول أكيدة، واستيفاء كل أسباب الدقة.

وقد اعتمد جابر في ذلك على فكرة أن كل الاشياء في العالم الطبيعي تتركب من عناصر اربعة، تشكلت بدورها من أربع كيفيات.

ومن الممكن عن طريق (الميزان) معرفة نصيب الطبائع الاربع في كل جسم، وبالتالي تجديد تركيبه بدقة تامة.

وبهذه الطريقة يمكن للكيميائي أن يتحكم في كل التغيرات التي تحصل في الجسم، ما دام في وضع يدبر فيه كلاً على حدة الاصول والكيفيات التي تعمل بها الطبيعة، كما يصبح في وضع يمكنه من تدبير أجسام جديدة، وبخاصة اكاسير مختلفة تفعل في المعادن [37].

وما الصور المختلفة للاكاسير إلا مزائج تجانست قليلاً أو كثيراً، مع الطبائع أو الخواص الاربع، مزائج تتفق مع تركيب الاجسام التي استعملت عليها.

وها هو ذا تحديد عمل الاكسير كما بيّنه جابر نفسه في كتاب السبعين:

إن الاصول الاربعة العاملة في الاجسام من الاجناس الثلاثة المؤثرة فيها والمحددة لصبغها هي: النار، الماء، الهواء، الارض.

وفي الواقع ليس هناك فعل واحد من هذه الثلاثة أجناس إلا بتلك العناصر الاربعة. ولهذا، كان معولنا في هذه الصناعة على تدبير هذه العناصر، نقوّي ضعيفها، ونضعّف قويها، ونصلح فاسدها. فمن وصل إلى عمل هذه العناصر الاربعة في هذه الثلاثة أجناس، فقد وصل إلى كل علم، وادرك علم الخليقة وصنعة الطبيعة [38].

يقول جابر في كتابه السبعين على سبيل المثال:

إن الاسرب بارد يابس في الظاهر، وحار رطب في الباطن، وكذلك بالنسبة للفضة، بينما الذهب حار رطب في الظاهر، وبارد يابس في الباطن [39].

ويقال أن جابراً كان أكثر مقامة في الكوفة، وبها كان يدبر الاكسير لصحة هوائها [40].

وذكر جابر في كتابه (الخواص الكبير)، قصة اتصاله بيحيى البرمكي، وعمل اكسيره، وكيف خلصّ به كثيراً من الناس وشفاهم !.

تطلعنا قصته هذه، على أن جابراً كان طبيباً، وكان يستخدم في العلاج دواء يسميه الاكسير، يبدو أنه كان يشفي كثيراً من العلل [41].

أما ما له علاقة بالاكسير من جهة المسؤولية الكبرى، واكتشاف سر الله الاعظم، فله علاقة بالامام جعفر علاقة شديدة [42].

فجابر يعتقد بوجود طريقتين لادراك الصنعة:

أ – طريق ظاهري: وذلك باقتفاء أثر الطبيعة.

ب – طريق باطني : بمعرفة الفرضيات الكبرى، وتطهير النفس البشرية.

والثاني يشير إلى تصوفه وتشيعه الواضحين

[43]. إذ أن أهم مصادر معرفته، الالهامات الباطنية التي اقتبسها عن إمامه جعفر الصادق، فعلاقته مع الامام جعفر الصادق هي علاقة فكرية فلسفية.

والعلاقة بين جابر وإمامه الصادق لا تقف عد حد واحد، إنما تتعداه إلى أمر كشف سر الله الاعظم ألا وهو الاكسير ؟! [44].

] ولن أشير أكثر إلى العلاقة بين العالم جابر بن حيان وإمامه جعفر الصادق لسعة البحث في هذا الامر، ولاختصار دراستنا على جانب علمي معين في علم العالم الكيميائي جابر بن حيان [.



اكتشافات جابر الكيميائية الاخرى:
سنذكر بعضاً منها:

1- عرف جابر بأن الشب يساعد على تثبيت الاصباغ في الاقمشة، والعلم الحديث اثبت ذلك، (الشب = أملاح الالمنيوم).

2- توصل جابر إلى تحضير بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب، وهذه المواد هي أملاح الالمنيوم المشتقة من الحموض العضوية.

3- توصل إلى استخدام كبريتيد الانتموان، الذي له لون الذهب، ليعوّض عن الاخير الغالي الثمن.

4- تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، والعلم الحديث لايعرف حتى الان نوع هذا الورق [45].

5- أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الحامض (الماء الملكي) وهذه الطريقة لازالت مستخدمة حتى الان.

6- مارس كثيراً من العمليات الكيميائية، كالتقطير، التكليس، التبلور، التصعيد، وعرف واكتشف الكثير من المواد الكيميائية [46].


لمحة عن كتبه:
ألفّ جابر عدداً كبيراً جداً من الكتب، يقال أنها تجاوزت – 3900 كتاب – [47]، كانت سبباً في الشك بوجوده، أو حتى نسبها جميعاً إليه.

له كتب في الكيمياء، الفلسفة، التنجيم، الرياضيات، الموسيقى، الطب والسحر ورسائل دينية اخرى.

تميّزت مخطوطاته وكتبه بوحدتها، مما يدل على أنها تابعة لمدرسة واحدة، والكتب التي تغلب عليها نزعة الكيمياء هي كتب السبعين والرحمة، أما الكتب التي تغلب عليها النـزعة الطبية فهي رسائل السموم [48].

ولجابر أسلوب لايشبه أسلوب باقي المؤلفين، فأسلوبه يتميز بالجدية، والفكرة الواحدة والتفكير العميق [49].

وقد ذكر ابن النديم ما يزيد عن 360 مؤلفاً لجابر، يمكن الرجوع اليها في كتاب الفهرست [50]، وكذلك ذكرها كرواس في مؤلفه رسائل جابر [51].

يمكن أن نعدّ رسائل جابر في الكيمياء أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدنية الاسلامية، على الرغم من أن عدداً عظمياً من رسائله كان نصيبها الفناء، بينما بقيت بعض الكتب اللاتينية التي أُخذت عنها.



تلاميذه:
قال ابن النديم: أسماء تلامذته (الخرقي ) الذي ينسب اليه سكة الخرقي بالمدينة، (وابن عياض المصري )، و(الاخميمي) [52].

ويقول الرازي في كتبه المؤلفة في الصنعة:

] قال استاذنا أبو موسى جابر بن حيان [، ومراده بقوله استاذنا، أنه استفاد من مؤلفاته، لا أنه تعلم منه، لأن عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم [53].



مشاهير العلماء الآخرين في الكيمياء:
ورأيهم في مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ثمينة ؟

أ×× - الكندي: ت 252 هـ / 866م
يعتبر الكندي أول من اتحذ موقفاً سلبياً من مسألة تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب أو فضة، وقال باستحالة ذلك، ووضع رسالة في (بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخداعهم ) [54].
ب – الرازي: ت 321 هـ / 942 م

برع في الكيمياء كما برع في الطب، ووضع الرازي كتباً عديدة في الكيمياء، ويبدو فيها غير مقتنع بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وفضة تارة، وتارة أخرى تظهر الكتب اقتناعه بذلك، منها كتاب محنة الذهب والفضة، وكتاب الاسرار [55].



جـ – ابن سينا: ت 428 هـ / 1037 م

لم يضع أي مؤلف بهذا الشأن، له كتاب في بطلان الكيمياء والرد على اصحابها [56].



في مستهل القرن الحادي عشر الميلادي، مرّ على الكيمياء فترة من الجمود استمرات حوالي القرنين حتى أتى عالم من العراق اسمه السماوي.



د – محمد بن أحمد العراقي السماوي:

أشهر مؤلفاته كتاب المكتسب في زراعة الذهب، ودافع فيه عن امكانية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، واعتمد في طريقته على وصف الاكسير على العالم جابر بن حيان ومن شايعه [57].

هـ – اخوان الصفا: قرن رابع هجري / عاشر ميلادي

اعتقد اخوان الصفا، أن بعض المعادن يستحيل إلى بعض، لكن في باطن الارض، في أزمان طويلة مختلفة الطول، لا على يد الانسان في وقت قصير. ولم يتكلموا عن قلب المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة [58].




رأي العلماء والمفكرين في جابر بن حيان:

كيف تمكن جابر من تأسيس مثل هذا العلم الواسع ؟؟

سؤال دار في الاذهان، وشغل عقول بعض الباحثين والمفكرين، وجعل البعض ينفي وجود مثل هذا الشخص ×× بينما قبل البعض الآخر فيه، بافتراض وجود مدرسة للكيمياء، تمكنت من القيام بهذا العمل على مدى مئة عام من أواسط القرن الثالث إلى أواسط القرن الرابع للهجرة [59]، لكن جابر من أندر العلماء الذين لم يتركوا قضية نشأتهم إلى الغموض والسر، ودراسة كتبه تبيّن بواسطة احالاته المستمرة إلى مؤلفاته السابقة أن المؤلف يبتدىء بعناصر متواضعة معروفة في عهده.

وهو لم يكن وحيداً، بل كان له اساتذة وزملاء في هذا الميدان، وتبيّن مؤلفاته أنه يشير إلى أفكار القدماء الاجانب مثل: سقراطس، أفلاطون، أرسطوطاليس، هرمس، وكثيرين من المعروفين غيرهم.

لكن الواقع أن هؤلاء العلماء لم يشتغلوا بالكيمياء ؟ حتى أن بعضهم شخصيات خرافية، الأمر الذي أدى بالباحثين إلى الشك في صحة هذه الاحالات، أو الظن بأن المسلمين والعرب احتلقوا كتباً، ونسبوها إلى الاخرين، غير أن هؤلاء الباحثين لم يهتموا بالتساؤل ؟×× متى وكيف احتلق المسلمون مثل هذه الكتب ونسبوها إلى الاخرين ؟ [60].

لايعقل أن يتعب شخص في التأليف والتصنيف، ويتعب قريحته وجسده ثم ينسب ما وضعه إلى شخص آخر ؟×× وإن ذلك يعد ضرباً من الجهل.

1 – ذكر هولميارد Holmyard

أنه من النادر على أي كيميائي أن ينتج مثل هذه المؤلفات التي تشمل على معرفة كثيرة، واحاطة واسعة لاعمال القدماء، واعتبر جابر من أعظم علماء العصر الوسيط، واهتم بأعماله ومنهجه العلمي ومؤلفاته، فعكف على ابراز القيمة العلمية لعمله وقال:

] إن الصنعة الخاصة عند جابر، هي أنه على الرغم من توجهه نحو التصوف والوهم، فقد عرف واكد على أهمية التجريب بشكل أوضح من كل من سبقه من الخيميائيين [ [61].

ووجد هولميارد أن أن أهمية جابر تتساوى مع أهمية بول ولافوازييه.



2 – بول كراوس Paul Kraus :

هو أول من قام بدراسة أعمال جابر سواء في الكيمياء، أو في فروع أخرى، دراسة جوهرية مسهبة، واهتم بالمظهر الفلسفي عنده،وبرأيه أن بعض مفاهيمه لها معنى اسماعيلي خالص [62]. ووضع كراوس مجلداً ضخماً أسماه (مختار رسائل جابر ).



3 – قال برتلو M. Berthelot عن جابر:

أن لجابر في الكيمياء ما لارسطوطاليس قبله في المنطق [63].



4 – وقال لوبون: G. Lebon

تتالف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل اليه علم الكيمياء عند العرب في عصره، وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيميائية كانت مجهوله قبله [64].

ومن جانب آخر، شكّ بعض العلماء بوجود جابر، وذلك لوجود عدد لايستهان به من المخطوطات اللاتينية في الكيمياء منسوبة إلى جابر، حيث قيل أن هذه المخطوطات لاتمت بصلة إلى جابر، وسبب الانتحال أن هذه الكتب الجابرية لاوجود لها في الاصل العربي، وهذا على ما نعتقد لايمنع أن تكون من مصدر عربي، فقد تكون النسخ الاصلية قد فقدت [65].

ويعد روسكا من أكثر المشككين بوجود شخصية جابر ؟ وادعى أن كتبه منتحلة، واستدل بابن خلدون الذي قال بأن جابراً هو من كبار السحرة ؟!! [66].




الخاتمة:

بعد هذا العرض البسيط والموجز جداً عن شخصية جابر بن حيان، وعن أفكاره وكتبه، ينبغي أن نجيب عن تساؤل محتمل قد يدور في ذهن راء والباحثين، وهو:

كيف تمكن جابر من تأسيس مثل هذا العلم ؟؟!

هذا التساؤل شغل أذهان الباحثين وجعلهم يقبلون بافتراض وجود مدرسة للكيمياء تمكنت من القيام بمثل هذا العمل على مدى مائة عام، من أواسط القرن الثالث إلى اواسط القرن الرابع للهجرة [67].

عانى جابر كما عانى الكيميائيون العرب في أول اشتغالهم بهذا العلم من الاضطهاد والمصاعب، وذكر أن جابر خلص من الموت مراراً، كما أنه قاسى من انتهاك الجهلاء لحرمته ومكانته، وأنه اضطر إلى الافضاء ببعض أسرار الطبيعة إلى هارون الرشيد، ويحيى البرمكي وابنيه، وأن ذلك هو السبب في غناهم وثروتهم [68].

وإذا رجعنا إلى رسائل جابر، نجده يذكر معلومات سبقت عصره بقرون، من ذلك تلك الفكرة الهائلة التي أيدتها التجارب اليوم، من ان الجوهر البسيط يشبه العالم الشمسي. بالاضافة إلى ذلك قد يكون الاكسير الذي سعى جابر إلى التوصل اليه، هو اليوم نفسه عنصر (الراديوم)، أو احد الاجسام المشعة، نظراً لنص وضعه البيروني – العالم الاسلامي الكبير في الطبيعة – كما بيّن ذلك إذاعة راديو لندن في 17 نيسان عام 1945، ونشرته مجلة المستمع العربي (سنة 6 عدد 6 )، بعنوان (الراديوم وعلماء العرب )، وجريدة الكيمياء الالمانية في هيدلبرغ – آذار 1958 .

وذكر ذلك في مؤتمر العلوم الدولي الثامن (ذكره مؤلف الكتاب) [69].

وهكذا نرى أن جابراً شخصية فذة، جمعت بين الحكمة والفلسفة والطب والمنطق والتصوف، إلى جانب علم الصنعة، وأن عالماً مثله يؤلف أكثر من 3900 كتاب في علوم جلّها عقلية وفلسفية، لهو حقاً من عجائب الدهر [70].

ولما توفي جابر بالرحبة، قال أبو فراس يرثيه:

بنفسي على جابر حسرة تزول الجبال وليست تزول

له ما بقيت طويل البكاء وحسـن الثناء وهذا قليل [71]



وقيل في جابر أيضاً:

هذا الذي بمقــاله غر الاوائـل والاواخر

ما كنت إلا كاسراً كذب الذي سماك جابر [72]



وأخيراً نقول … مما لاشك فيه، أن جابراً عبقرية علمية بارزة في علم الكيمياء، وكان تأثيره واضحاً وكبيراً في أوربا في القرون الوسطى حتى القرن الثامن عشر، عندما ظهر لافوازييه وغيره.

ولم يقف جابر عند الاراء النظرية فقط كما فعلت الامم القديمة، وإنما دخل المختبر، واجرى التجارب وربط الملاحظات على أسس علمية، وهي الاسس التي بنى عليها العلم الحديث منجزاته في هذا الميدان وفي غيره من الميادين الاخرى [73].

لكن على الرغم من هذه الجهود التي بذلها العلماء العرب، والمواد التي توصلوا إليها، والعمليات التي مارسوها، فإنهم لم يهتدوا إلى القوانين التي تضبط العمليات الفيزيائية، ولم يضعوا للكيمياء قوانين عامة، أو رموزاً تدل عليها، فهذه أمور كانت وليدة الكيمياء الحديثة [74].


جابر بن حيان وعلم الخيمياء






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:05 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود

الخيميائي وحجر الفلاسفة

تأليف:
باولو كويلو



اقتباس:
"بقيت البحيرة صامتة، لحظة، ثم قالت: أبكي على نرجس، لكنني لم ألاحظ أبداً أن نرجس كان جميلاً، أبكي على نرجس لأنه كلما انحنى على ضفتي، كنت أستطيع أن أرى في أعماق عينيه، انعكاس جمالي أنا". "هاك قصة جميلة، قال الخيميائي".
والخيميائي هو الذي يعرف ويستخدم أسرار حجر الفلاسفة، وكأنه هو باولو كويلبو الذي نسج تلك الرواية التي تختزن في مضمونها معاني السعي، الذي تمثل في سعي سانتياغو، الراعي الأندلسي الشاب، الذي يبحث عن كنز مخبأ تحت أقدام الأهرام. وفي الصحراء تدرب على يد الخيميائي، وتعلم الإصغاء إلى قلبه، وقراءات إشارات المصير، وتعلم أيضاً كيف يذهب حتى نهاية حلمه، فلسفة رائعة تطوف في معانيها تلك الرواية، وتجسد الحلم الإنساني في الوصول.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:06 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود



هاري بوتر وحجر الفيلسوف (فيلم)



,’








هاري بوتر وحجر الفيلسوف




هاري بوتر الفتي ذو الـ 11 عاماً ،يعيش في بيت خالته وزوجها،في يوم ما تُكشف له الحقيقة التي أخفتها عنه



خالته طويلاً ،أتى شخصغريب ليخبره بأنه ساحر وبأنه من نسل سحرة طيبينكذلك. يأخذه هذا الشخص الغريبليطلعه على عالمه الذي ينتميإليه.
في عالم السحرة، حينما يبلغ أحدهم الـ11عاماً يذهب لمدرسةهوجورتس لتعليم السحر ، ذهب هاري بوترلها ليبدأ حياته الخاصة في عالمه. فبعد أنقامت قبعةالتنسيق بوضعه بمنزله ومع أصدقائه بدأ يتعرف على أصدقاء صفه وكذلك بدأتدروسه في مدرسة هوجورتس.
خلال عام هاري الأول بالمدرسة تكون مغامرته مع حجر الفيلسوف الذييعطيمالكه قوة خاصة ومميزة.
تبدأ القصة بظهور شخصية مهيبة المظهر وهي تحمل الطفل هاري بوتروتضعهعند بيت خالته وعلى جبهته تلك الندبه المضيئة.


هاري بوتر العربي- هاري بوتر وحجر الفيلسوف |






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2014, 08:07 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود



نشأة اللغات وتعددها ..



من آيات الله التي لفت الانتباه إليها –سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز تعدد لغات الناس وألسنهم، رغم أن أصلهم واحد، وأبوهم آدم عليه السلام.

قال الله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمين)

فكيف نشأت تلك اللغات؟ وتفرعت كل ذلك التفرع؟ وماهي اللغة الأم للبشرية؟ وكم عددها الآن الرئيسي منها وغير الرئيسي؟ وهل تتغير اللغات وتتطور؟ وهل ينقرض البعض منها؟ وكيف يتعلم الإنسان الكلام بلغته؟ وما أسباب التشابه في كثير من الكلمات في بعض اللغات؟ وكيف ولدت اللغة العربية؟ وهل تطورت عن الوضع الذي ولدت به؟ وما مكانة اللغة العربية الآن بين اللغات عند علماء دراسة اللغات؟ وبماذا تتميز هذه اللغة عما سواها؟

كل هذه أسئلة نحاول الإجابة عليها في هذا المبحث المختصر، والذي أعددته قبل فترة من الزمن، ونشر في بعض الصحف والمجلات، وطبع ككتيب مستقل، وأحب أن أتحف إخواني في المجلس اليمني به....



علم الفيلولوجيا:

هذا اسم علم دراسة اللغات، والذي يتخصص فيه مئات الخبراء والدارسين، واللغة كما يعرفها هذا العلم هي: أصوات يعبر كل جيل من الناس عما في وجدانهم، أو هي الكلام المصطلح عليه بين كل قوم.

ويدعي البعض أن كلمة (لغة) في العربية مأخوذة من لفظة (لوغوس) اليونانية ومعناها (كلمة).

عدد اللغات الآن، وأهمها:

يقدر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة الآن عند البشر بثلاثة آلاف لغة، كثير منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس، واللغات الرئيسية التي يتكلم بها أكثر من مليون شخص للغة الواحدة تزيد قليلا على المائة لغة.

من تلك اللغات تسع عشرة لغة كبرى يزيد عدد المتكلمين بكل منها عن خمسين مليون شخص، وهي:

في جنوب آسيا:الهندية، والأوردية، والبنغالية، والبنجابية، والتاميلية، والماراثية، والتيلوجية.

وفي بقية آسيا: الصينية، الملايوية-أندنوسية، واليابانية، والكورية.

وفي أوروبا: الروسية، والإيطالية، والألمانية.

يضاف إليها الخمس لغات العابرة للحدود التي يتحدث بها سكان العديد من الدول، وهي اللغات الأهم في العالم، وهي:

العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.


تقسيم اللغات حسب غناها اللفظي والمعنوي:

تنقسم اللغات إلى قسمين:

أ××- اللغات المنحطة: وهي الأقل تعبيرا عن المعاني، وأبسط ألفاظا، ومنها اللغات الإفريقية، ولغات الهنود الحمر، واللغات الصينية، ولغة البربر، ولغة الأحباش، وبعض اللغات القديمة مثل لغة قدماء المصريين، وغيرها.

ب××- اللغات المرتقية: وهي اللغات واسعة التعبير عن المعاني، وشاملة الألفاظ، وهي قسمان:

1- غير متصرفة: مثل اللغة التركية.

2- متصرفة: تقبل التصريف، وهي قسمان عظيمان: آرية، وسامية.


اللغات الآرية:

وتسمى اللغات (الهندوأوروبية)، وقد توصل العلماء بعد استقراء طويل أن أصل كل تلك اللغات واحد وهو اللغة الآرية المفقودة،والتي يذهب البعض –وإن كانت فرضية لم تثبت- إلى أنها كانت لغة قوم في شمال أوروبا في القرون الغابرة قبيل الطوفان أو بعده، وربما كانوا من نسل يافث بن نوح عليه السلام.

وهذه اللغات الآرية يتكلم بها حوالي نصف البشر وهم سكان جنوب آسيا (شبه القارة الهندية)، وكذلك سكان أوروبا والسكان الجدد الحاليين للأمريكتين وأستراليا.

وهذه اللغة قسمان:جنوبية وشمالية.

أ××- الجنوبية: وهي اللغات السنسكريتية، ومنها اللغات الهندية، والأفغانية، واللغة الفارسية، والكردية، والأرمنية.

ب××- الشمالية: وهي أنواع متعددة أهمها:

1- اللاتينية: ومنها الإيطالية والفرنسية والأسبانية والرومانية.

2- الجرمانية: ومنها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية.

3- الإغريقية: ومنها اليونانية.


اللغات السامية:

وتسمى اللغات الأفروآسيوية، وهي لغات قديمة اندثر معظمها، ولكنها كانت لغات الحضارة الكبرى عبر التاريخ، وهي أقسام ثلاثة:

××أ) الآرامية: ومنها اللغات البابلية والكلدانية والسريانية، ويرى بعض علماء اللغات أنها لغة واحدة تطورت في مراحل زمنية متفاوتة.

××ب) العبرانية: ومنها اللغة العبرية الحالية لليهود، وكذلك الفينيقية والقرطاجية.

××ج) العربية: وهي اللغة الأرقى ولغة القرآن الكريم، وقد تفرعت عنها بعض لغات الحبشة في الأدوار السابقة لها.


اللغة الأم للبشرية:

كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى.

ولما جاءت الاكتشافات الأثرية وتشكل علم اللغات لم تقو تلك الدعوى على الصمود، حيث اكتشفت كتابات بلغات أخرى قبل الزمن الذي دونت فيه التوراة، وأرسل فيه موسى، بل قبل زمن إبراهيم عليه السلام، ولم يعثر على كتابات أو آثار عبرية من تلك الأزمان المتقدمة بتاتا.

فقد وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، أي في حدود 1500 ق.م، كما وجدت سجلات بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام, أما أقدم سجلات مكتوبة ومعروفة حتى الآن فهي صور الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة عام، أي في حدود 3500 ق.م.

وعلى هذا الأساس؛ وعلى أساس دراسات التشابه اللغوي والاشتقاقات اللغوية والصوتية في اللغات، وأسس علمية أخرى؛ يرى بعض علماء اللغات أن اللغة البابلية هي اللغة الأم للبشرية، وهي اللغة التي تكونت السومرية منها.

كما أن هناك فرضيات أخرى للغة الأم منها السريانية والعربية.

والراجح أن اللغة البابلية هي لغة الناس الأم بعد الطوفان، في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد.


وهنا يتبادر السؤال المهم:

كيف؛ ولماذا اختلفت اللغات وتنوعت؟

نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات، وهي حضارة البشرية بعد الطوفان ولغة الناس حينئذ البابلية.

وحصل أن الناس كثروا بعد ذاك فتفرقوا في الأرض في هجرات جماعية طلبا للعيش وبحثا عن الرزق، وكان من أول الهجرات تلك التي كانت إلى بلاد النيل، وإلى الصين، وكونت حضارات كبرى مشهورة.

وبدأ الناس يجدون في أماكنهم التي وصلوها أشياء جديدة، فيسمونها بأسماء يخترعونها، وتكون الأسماء المخترعة مختلفة بين أصحاب كل حضارة، وتعتمد الإضافات على أصوات ما يرون ويسمعون، وبدأت تضاف مع الأيام كلمات أخرى واختصارات وألفاظ جديدة على حسب الحاجة، واشتد الخلاف مع مرور السنين.

ثم أصبحت تتفرع من أصحاب كل حضارة لغات أخرى أيضا بسبب الهجرة والتباعد، فتبلبلت ألسن الناس.

هذه هي النظرية العلمية الأقوى، وعليها أكثر علماء اللغات.

وهناك أساطير مشهورة تمتلئ بها كتب التاريخ التي تقوم على روايات ولا تعتمد على الدراسات والاكتشافات –ومنها كتب التاريخ العربية القديمة- تروي بعضها قصة طريفة لا بأس من ذكرها.

فيذكرون أن الناس كانوا على اللغة البابلية حتى زمن النمرود الذي طلب أن يبنى له معراج عظيم للسماء ليرى رب إبراهيم النبي حينذاك، فعندما صعد السقف خر عليه وعلى قومه فنتج من سقوطه وما أحدثه من خوف عند الناس وذهول شديد أن تبلبلت ألسن الناس، وتفرقت فأصبحت كل مجموعة منهم تتكلم بلغة لا يفهمها الآخرون، وتفرقت كل مجموعة بلغتها إلى بلد من البلدان، فكانت أساس اللغات.

ورغم أن القصة تقوم على مجرد روايات منقطعة، لكن يمكن اعتبارها فرضية في هذا المجال لأمور:

منها دعواها أن البابلية هي أساس اللغات، وهذا ما يذهب إليه بعض خبراء علم اللغات الحديث بتجاربه، بعد تدوينه في تلك الكتب بألف عام أو يزيد.

ومنها ذكر أن ذلك حصل في زمن إبراهيم (أواخر الألف الثالث قبل الميلاد) وهو زمن قريب من زمن نظرية الحضارة الأولى السابقة(أوائل الألف الثالثة للميلاد).

هذا بغض النظر عن قصة النمرود وما حصل له مع إبراهيم من مواجهات، ومحاولته بناء المعراج، وتلك قصص حقيقية عرج عليها القرآن تصريحا أو تلميحا، وانظر بعض التفاسير عند آية (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)

لكن أين دور الكتابة في المحافظة على اللغة في النظريتين السابقتين؟


وهنا يتبادر السؤال المهم:

كيف؛ ولماذا اختلفت اللغات وتنوعت؟

نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات، وهي حضارة البشرية بعد الطوفان ولغة الناس حينئذ البابلية.

وحصل أن الناس كثروا بعد ذاك فتفرقوا في الأرض في هجرات جماعية طلبا للعيش وبحثا عن الرزق، وكان من أول الهجرات تلك التي كانت إلى بلاد النيل، وإلى الصين، وكونت حضارات كبرى مشهورة.

وبدأ الناس يجدون في أماكنهم التي وصلوها أشياء جديدة، فيسمونها بأسماء يخترعونها، وتكون الأسماء المخترعة مختلفة بين أصحاب كل حضارة، وتعتمد الإضافات على أصوات ما يرون ويسمعون، وبدأت تضاف مع الأيام كلمات أخرى واختصارات وألفاظ جديدة على حسب الحاجة، واشتد الخلاف مع مرور السنين.

ثم أصبحت تتفرع من أصحاب كل حضارة لغات أخرى أيضا بسبب الهجرة والتباعد، فتبلبلت ألسن الناس.

هذه هي النظرية العلمية الأقوى، وعليها أكثر علماء اللغات.

وهناك أساطير مشهورة تمتلئ بها كتب التاريخ التي تقوم على روايات ولا تعتمد على الدراسات والاكتشافات –ومنها كتب التاريخ العربية القديمة- تروي بعضها قصة طريفة لا بأس من ذكرها.

فيذكرون أن الناس كانوا على اللغة البابلية حتى زمن النمرود الذي طلب أن يبنى له معراج عظيم للسماء ليرى رب إبراهيم النبي حينذاك، فعندما صعد السقف خر عليه وعلى قومه فنتج من سقوطه وما أحدثه من خوف عند الناس وذهول شديد أن تبلبلت ألسن الناس، وتفرقت فأصبحت كل مجموعة منهم تتكلم بلغة لا يفهمها الآخرون، وتفرقت كل مجموعة بلغتها إلى بلد من البلدان، فكانت أساس اللغات.

ورغم أن القصة تقوم على مجرد روايات منقطعة، لكن يمكن اعتبارها فرضية في هذا المجال لأمور:

منها دعواها أن البابلية هي أساس اللغات، وهذا ما يذهب إليه بعض خبراء علم اللغات الحديث بتجاربه، بعد تدوينه في تلك الكتب بألف عام أو يزيد.

ومنها ذكر أن ذلك حصل في زمن إبراهيم (أواخر الألف الثالث قبل الميلاد) وهو زمن قريب من زمن نظرية الحضارة الأولى السابقة(أوائل الألف الثالثة للميلاد).

هذا بغض النظر عن قصة النمرود وما حصل له مع إبراهيم من مواجهات، ومحاولته بناء المعراج، وتلك قصص حقيقية عرج عليها القرآن تصريحا أو تلميحا، وانظر بعض التفاسير عند آية (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)

لكن أين دور الكتابة في المحافظة على اللغة في النظريتين السابقتين؟



متى نشأت الكتابة للغات؟:

الرأي السائد عند علماء اللغات أن الكتابة لم تظهر إلا بعد اللغة المنطوقة بفترة طويلة، وأن الناس لم يكونوا يستخدمون الكتابة في عصورهم الأولى.

لغة الإسبرانتو:

وهي لغة عالمية حاول بعض العلماء اختراعها في القرن الماضي، لتعميمها على الناس كلهم، ودعمتها بعض الدول والمنظمات العالمية، وتعلمها مئات الآلاف من الناس حينذاك، ولم تستمر الفكرة إلا سنوات قليلة حتى ضعفت وتلاشت، لفقدانها الخصائص الثقافية التي في كل اللغات الحية القديمة.

كيف يتعلم الناس اللغة؟:

يتعلمونها بطريقة تلقائية، فيشعر الصغار بالحاجة للتعبير عن احتياجاتهم الخاصة؛ ومن ثم يبدأون الاستماع للكبار وتقليدهم، ثم يتعلمون تدريجيا انتقاء ونطق الأصوات المستخدمة في اللغة السائدة في مجتمعاتهم.

نظرية تطور اللغات:

بنية اللغة –أي لغة- لا تبقى ثابتة بدون تغير، فقواعدها ومفرداتها وأنماطها الصوتية كلها تتغير مع الاستعمال ومرور الأجيال.

ويكون التغير عادة بطيئا جدا، وتحدث معظم التغييرات للأشياء التي تستجد ولما يتغير في الحياة.

فمثلا لا يلاحظ الإنجليز تغير لغتهم من سنة إلى أخرى؛ ولكن إذا حاول الحاليون منهم قراءة نصوص إنجليزية قديمة فسيجدون أنها مختلفة عما يتحدثون به بقدر اختلاف الألمانية والدانماركية عنها.

وهناك لغات تعتبر الآن ميتة رغم أنها أصول لبعض اللغات الحية لعدم وجود من يتكلم بها أو حتى يفهمها في الوقت الحالي، مثل السومرية والبابلية والحثية والأكادية والمصرية القديمة والعربية الحميرية.


وحتى نحن معاشر العرب توجد لغات عربية قديمة لا يمكننا قراءة أو فهم كلمة منها، مثل اللغات المسندية كالحميرية والسبأية والمعينية والقتبانية رغم أنها كلها لغات عربية، ولكنها تكتب بحروف ورسومات أخرى.

وحتى لو تعلم الإنسان قراءة تلك الحروف والمفردات فإنه لن يفهم من تلك اللغات –إذا قارنها بالعربية الحديثة- إلا حزءا يسيرا، وهو عبارة عن الكلمات التي مازالت حتى الآن على صورتها.

بل حتى اللغة العربية في فترات الجاهلية يصعب على كثير من الناس فهم كثير من مفرداتها التي تعتبر الآن غريبة وتجاوزها الزمن وأصبحت لا تستخدم بسبب نظرية التطور في اللغات.

ولننظر إلى هذا النص الشعري العربي من الجاهلية وهو من معلقة طرفة بن العبد التي كانت معلقة على الكعبة:

أمـون كألواح الإران نصـأتهـا،،، على لاحـب كأنـه ظهـر بـرجـد

جـمالية وجناء تـردي كـأنهـا،،، سـفنـجـة تبـري لأزعـر أربـد

تباري عتاقا ناجيـات وأتبعـت،،، وظيفـا وظيفـا فوق مور معبد

تربعت القفين في الشول ترتعي،،، حـدائق مـولي الأسـرة أغـيـد

كأن علـوب النسع في دأيـاتها،،، موارد من خلقاء في ظهر قردد

كل هذا مما يؤكد نظرية تطور اللغات.

وتبذل مجمعات اللغة العربية في العصر الحديث جهودا حثيثة لتعريب كثير من المصطلحات الناشئة مثل مصطلحات الحضارة الحديثة، ومنها كلمات الطائرة والقطار والسيارة والبرقية ..

مكانة اللغة العربية:

اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطورا كبيرا وتغيرا في مراحلها الداخلية.

وللقرآن الكريم فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها غدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل العبرية والحبشية.

واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 300مليون إنسان كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية.

ومن تأثير اللغة العربية على محيطها وعلى المسلمين أن هناك عدة لغات أخرى تكتب بالحرف العربي الحديث، ومنها:

أ××- في آسيا: الفارسية والأوردية، والكردية، والملايو، والبشتو.

ب××- في إفريقيا: الهوسا، والفلانية، والكانوري.

ج××- كما توجد لغات بقت سنين عديدة تكتب بذلك الحرف حتى غيرت مؤخرا لأسباب متعددة منها: التركية، والصومالية، والسواحلية



أول ظهور للعربية:

لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات عربية وأعراب وغيرها.

وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري (شلمانصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب.

ويذكر البعض –من علماء اللغات- أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية.

ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سميت لغات عربية، وهي لغات متطورة من البابلية وغيرها، ومنها لغة عاد وثمود وسواهم، وكانت لغات متقاربة وتتطور حينا بعد حين، وتتغير.

ومن تلك اللغات القديمة اللغة المهرية المستخدمة حتى الآن في ثمود وسوقطرى.

ولم تكن تلك اللغات تكتب بالأحرف العربية التي نعرفها الآن، ولكنها مرت بعدة تحولات كما سيأتي.



من هم العرب؟:

كان لنوح عليه السلام عدة أبناء منهم سام الذي تنتسب إليه كل الشعوب السامية؛ ومنهم العرب.

وكان لسام بن نوح خمسة أبناء وهم: (إرم، ولاوذ، وأرفخشذ، وآشور، وعيلام).

والقوم الذين اصطلح لاحقا على تسميتهم عربا، يعودون للأبناء الثلاثة الأوائل.

وينقسم العرب إلى عرب بائدة وعرب عاربة وعرب مستعربة.

فأما إرم بن سام فمن نسله جزء من العرب البائدة، وبعض العرب العاربة.

وأما لاوذ بن سام فمن نسله بعض العرب البائدة.

وأما أرفخشذ بن سام فمن نسله بعض العرب العاربة وكل العرب المستعربة، ومن أحفاده إبراهيم عليه السلام؛ وجميع أبناءه ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم.

العرب البائدة:

وهم العرب الذي كانوا في الجزيرة العربية في السنوات الغابرة ثم بادوا وانتهوا، ومنهم عاد المنتسبون لجدهم عاد بن عوص بن إرم، ويسمون عاد إرم، ومنهم ثمود وجديس وغيرهم من نسل إرم بن سام بن نوح.

ومن نسل لاوذ بن سام بن نوح العمالقة وطسم وهم أصحاب الرس.

العرب العاربة:

ويسمون (القحطانية) وهم الذي كانت عندهم اللغة العربية القديمة، ومنهم أخذ العدنانيون العربية الحديثة.

ومنهم سبأ وحمير ومعين وجرهم وهم من نسل عاد الذي يعود نسله لإرم بن سام.

ومنهم حضرموت وعمان وهم من نسل أرفخشذ بن سام.

فسبأ –مثلا- الذي ينتسب إليه قوم سبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام.

وهود من نسل عاد ونبيهم، وهم من نسل إرم بن سام بن نوح.

وقحطان بن هود هو الذي انتسب له القحطانيون، وقيل أنه أول من تكلم بالعربية، وقيل بل ولده يعرب بن قحطان، وهما جدان لمعظم العرب البائدة والعاربة، فمن أحدهما كان منشأ اللغات العربية القديمة.

وهذه اللغات القديمة التي تطورت عصرا بعد عصر انقسمت إلى قسمين:

أ××- لغات عربية جنوبية قديمة:عند أقوام جنوب الجزيرة العربية، مثل المعينية والسبأية والحميرية، وكانت تكتب بالحرف المسندي.

ب××- لغات عربية شمالية قديمة:عند أقوام شمال الجزيرة العربية، مثل اللغات الثمودية واللحيانية والصفوية، وكانت تكتب بالحرف الثمودي.

ولا يتيسر الآن لأحد منا أن يفهم شيئا من كتابة أولئك القوم سواء باللغة الشمالية أو الجنوبية، إلا بدراسة تلك الحروف والكتابات.


العرب المستعربة:

ويسمون (العدنانية)، وجدهم النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ويرجع نسب إبراهيم إلى أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.

وحين أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يترك ولده إسماعيل عليه السلام في ذلك الوادي غير ذي زرع، كان إبراهيم يقوم بغرس العرب العدنانية الذين سيشكلون جزءا من العرب لاحقا.

فعندما نبع ماء زمزم جاء قوم من جرهم القحطانيين فسكنوا مع إسماعيل هناك، وأخذ منهم العربية الجنوبية القديمة التي خلط شيئا منها مع لغة أبيه الكلدانية.

ثم جاء العماليق وتزوج إسماعيل منهم، ثم تزوج من جرهم، كان له الكثير من الولد، وانتشر نسله.

وكان من أحفاده –بعد عدة أجيال- رجل اسمه عدنان، إليه ينتسب أبناء إسماعيل.

وقد تأثرت لغتهم باللغات العربية الشمالية الموجودة حولهم حينئذ ومنها الثمودية واللحيانية تأثرا ظاهرا.

ونشأ من ذلك التزاوج بين اللغتين العربيتين الجنوبية (من جرهم والعماليق) والشمالية من (الثمودية واللحيانية) إضافة للمصطلحات الكلدانية اليسيرة (من إبراهيم) نشأت اللغة العربية الحديثة التي هي أم اللغة العربية الفصحى كما سيأتي.

وقد استمرت أكثر من ألفي سنة حتى تطورت إلى اللغة العربية الفصحى، بعد أن مرت على سنة التطور والتغير.

اللغة العربية الفصحى:

تطورت اللغة العربية الحديثة عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من ألفي سنة من ولادتها أصبحت –قبيل الإسلام- تسمى (لغة مضر) وتستخدم في شمال الجزيرة وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها.

بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة (لغة حمير)، نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك.

وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لقريش ولغة لربيعة ولغة لقضاعة، وهذه تسمى لغات وإن كانت مازالت في ذلك الطور لهجات فحسب، ويفهم كل قوم غيرهم بسهولة، كما كانوا يفهمون لغة حمير أيضا وإن بشكل أقل.

وكان نزول القرآن في تلك الفترة هو الحدث العظيم الذي خلد إحدى لغات العرب حينذاك، وهي اللغة التي نزل بها –والتي كانت أرقى لغات العرب- وهي لغة قريش.

وسميت لغة قريش مذاك اللغة العربية الفصحى.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

(وكذلك أنزلناه حكما عربيا...)،( وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا)،(وهذا لسان عربي مبين).


تطور الكتابة العربية:

أسلفنا أن اللغات العربية القديمة كانت تكتب بالخطين المسندي والثمودي.

ثم دخل مع اللغة العربية الحديثة الخط النبطي المأخوذ من الفينيقيين، وقيل أنه نسبة لنابت بن إسماعيل عليه السلام.

وأخذ ذلك الخط مكان الخط الثمودي في شمال الجزيرة، وأصبح الخط المعتمد في لغة مضر (العربية الحديثة)، أما لغة حمير (العربية القديمة الجنوبية) فحافظت على الخط المسندي.

وأخذ الخط النبطي –الذي هو أبو الخط العربي الحديث- يتطور أيضا.

وكان أقدم نص عربي مكتشف مكتوبا بالخط النبطي وهو (نقش النمارة) المكتشف في سوريا، والذي يرجع لعام 328م.

وفي الفترة السابقة للإسلام كانت هناك خطوط أخرى حديثة للغة مضر مثل الخط الحيري (نسبة إلى الحيرة)، والخط الأنباري (نسبة إلى الأنبار).

وعندما جاء الإسلام كان الخط المستعمل في قريش هو الخط النبطي المطور، وهو الخط الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة رسائله للملوك والحكام حينذاك، ويلحظ في صور بعض تلك الخطابات الاختلاف عن الخط العربي الحديث الذي تطور من ذلك الخط.

وبعض المختصين يعتبرون ذلك الخط النبطي المطور عربيا قديما، وأقدم مكتشفات منه (نقش زبد) 513م، و(نقش أم الجمال) 568م.


الخط العربي الحديث:

كان الحجازيون أول من حرر العربية من الخط النبطي، وبدأ يتغير بشكل متقارب حتى عهد الأمويين حين بدأ أبو الأسود الدؤلي بتنقيط الحروف.

ثم أمر عبد الملك بن مروان عاصما الليثي ويحيى بن يعمر بتشكيل الحروف، فبدأوا بعمل نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحه، ونقطة تحته للدلالة على كسره، ونقطة عن شماله للدلالة على ضمه.

ثم تطور الوضع إلى وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للفتح، وياء صغيرة للكسر، وواو صغيرة للضم.

ثم تطور الوضع للشكل الحالي في الفتح والكسر والضم.

كما انتشرت الخطوط العربية وتفشت في البلاد والأمصار.


مميزات اللغة العربية:

للغة العربية مميزات تميزها عن كل لغات العالم، ويجعلها نعمة حقيقية يتمتع بها العارفون بها والمحبون لها، منها:

1- أنها لغة القرآن الكريم التي اختار –عز وجل- أن ينزل بها آخر كتبه التي سيتعبد به إلى نهاية تاريخ البشرية.

2- أنها أقل لغات العالم تطورا منذ نزول القرآن الكريم، فلا توجد لغة مر عليها أكثر من ألف عام وما زال أهلها يمكنهم قراءة وفهم نصوصها بسهولة مثلها، وبعدها العبرية.

3- الإعراب ميزة للغة العربية، حيث يشمل كل المفردات من اسم وفعل وحرف، ورغم وجود الإعراب في بعض اللغات الأخرى مثل الهندية والعبرية والحبشية والجرمانية والمصرية القديمة، إلا أنه إعراب قاصر ببعض الكلمات دون بعض.

4- ومن المميزات ضبط الكلمة بالشكل من ضم وفتح وكسر، فكلمة علم -مثلا- يمكن أن تقرأ على سبعة أوجه حسب تشكيلها (عَلِم، عُلِم، عَلَّم، عُلِّم، عَلِّم، عِلم، عَلَم).







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 04-11-2014, 01:01 AM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
طارق سرور

الصورة الرمزية طارق سرور

إحصائية العضو







طارق سرور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الأسرار .. وسر نجمة داود

من زمان وانا بسئل نفسى لماذا قال منسأة ولا يقل عصاة

اعتقد ان ما ذكر هنا هو الاقرب الى تفكيرى

روعة البحث الشامل والقيم

شكرى وتقديرى اختى نوووور







آخر مواضيعي 0 خوف
0 اسرار
0 اللهم اجعلنا من المحسنين
0 اعرف مين هى مصر
0 البقلة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:54 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator