العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > سيرة الانبياء والصحابة

سيرة الانبياء والصحابة قسم السيرة النبوية لمواضيع السيرة النبوية , سيرة سير الانبياء , قصص الانبياء , قصص انبياء الله اسلامية , قصص نبوية وصف النبي , غزوات النبي , معجزات النبي مدح النبي , حياة النبي ,أخلاق النبي , حب النبي , قبر النبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 05-29-2011, 07:06 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

- الخير كله في يديك والشر ليس إليك
كتبه دكتور ياسر برهامي



الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد،
قول النبي :(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).



في قول النبي (الخير كله في يديك والشر ليس إليك) بعد (لبيك وسعديك) يستشعر المؤمن معاني عظيمة وهي أن إجابة العبد لربه وكونه في طاعته وخدمته تقرب العبد من ربه، وهو سبحانه وتعالى يتقرب إلى العبد أضعاف ما يتقرب العبد إليه، كما في الحديث القدسي (ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) فيحصل من هذا القرب المتزايد أن يحضر القلب بين يدي ربه، ففي (الخير كله في يدك) تناسب وارتباط رائع وعظيم وواضح مع (لبيك وسعديك)، عندما أجاب المرء اقترب؛ فتقرب الله إليه أكثر فقربه إليه أكثر، وهكذا حتى يحضر القلب بين يدي ربه، ويخرج من ضيق الدنيا ويشهد ملكوت السماء والأرض وملك الله عز وجل ويحضر قريبا من الله، هذا قرب حقيقي للروح، كما قال ربنا سبحانه وتعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق : 19) وكما قال النبي (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، و كل طاعة تسمى قربة كما قال عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ) (المائدة : 35) فالقربة كل ما يقرب إلى الله ، فيقترب العبد إلى أن

يشهد الرب سبحانه وتعالى يدبر الأمر كما يريد، فيحضر القلب بين يدي ربه،

يشهد من صفات الكمال والجلال والعظمة ما لم يكن ليشهده ويستحضره قبل كذلك،

يشهد حكمة الله حين يدبر،

يشهد قهره للعباد،

يشهد أنه الأول والآخر يجمع بين الأزل والأبد،فيشعر بمدى صغر نفسه وصغر العالم حوله،

يشهد أنه هو الظاهر والباطن فيشهد أيضاً صغر المكان الذي هو فيه فالله محيط بخلقه،

يشهد أن الله عز وجل يفعل في خلقه ما يُحمد عليه عز وجل دائماً، فكل أفعاله خير وكل أسمائه وصفاته خير،

ما الذي أشهده ذلك؟، ما الذي أخرجه من ضيق الصراعات الدنيوية والشهوات الحقيرة والتنافسات والمشاكل والنكد اليومي الذي يعيش الناس فيه؟، الذي أخرجه من ذلك هو إعلانه (لبيك وسعديك) حتى اقترب من الله عز وجل فشهد عظمة جلاله وصفات كماله سبحانه وبحمده، ولا يزال العبد في مزيد من هذا الشهود المستلزم للحب العظيم طالما كان في مزيد من الإجابة والإسعاد بأمر الله سبحانه، ولا نهاية لهذا الأمر ولا في الآخرة.

هاهم أهل الجنة لا يزالون يقتربون من الله أكثر، ويشهدون عظمته أكثر ويزدادون له حباً وتعظيماً، ويزدادون بذلك سعادة، ولذلك لدي ربهم عز وجل مزيد لا ينقطع، ولا قدرة للعقل البشري على أن يحيط بكيفية ذلك، لكن أهل الجنة نعيمهم دائماً في مزيد، والمزيد أساسه النظر إلى وجه الله عز وجل والمعرفة به، إنهم إذا رأوا ربهم عز وجل عرفوا من كماله وجماله وجلاله ما لم يحيطوا به قبل ذلك، رأوه سبحانه وتعالى فيكون ذلك أعظم سعادة، كما أن المعرفة بكمال الرب سبحانه وتعالى في الدنيا هي أكمل سعادة في الدنيا وشهود الأسماء والصفات واستحضار معانيها وتعظيم الرب سبحانه وتعالى أعظم نعيم ممكن أن يناله الإنسان في الدنيا، فكذلك في الآخرة لا يزال في تقرب والله يقترب منه أكثر بلا نهاية.

(والخير كله في يديك) كان العبد قبل التلبية بعيداً فلم يكن يشهد أنواع الكمال والجمال والعظمة و الخير الذي في يديه سبحانه ، فإذا شهد ذلك قال: (والخير كله في يديك)، ليس في أفعال الله ولا في أسمائه وصفاته شر قط، ولا ذرة ولا أدنى من ذرة، وأما في مخلوقاته فليس فيها شر محض، فقد يخلق الله شراً، ولكن ليس شراً من كل جهة، بل ما خلقه الله من الشر يجعل فيه خيراً من وجه آخر، ربما لهذا المخلوق الذي اتصف بالشر أو قام به أو فعله إذا تاب ورجع وأناب إلى الله، كما تكلمنا عن حكمة الله عز وجل في تقدير الذنب على العبد وفرحه بتوبة عبده حين يتوب إليه وتنقلب هذه الذنوب حسنات لأنها سبب للتوبة التي قربته إلى الله سبحانه وتعالى.

ويمكن ألا يتوب هذا المخلوق ويظل على ذلك إلى أن يموت، فأين الخير؟ يجعل الله الخير لغيره من المخلوقين، الذين يحصل لهم من أنواع الخيرات - بسبب هذا الشر النسبي الذي وقع منه - ما لا يحصيه إلا الله، وذلك بمجاهدته ومخالفته وكراهيته فيأخذون ثواباً على ذلك، يجاهدون في سبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصبرون على ما يلقونه، ويلجئون إلى الله ويتحصنون به ويشهدون فضله عليهم ومنته التي لم يوفق غيرهم لها، ويقولون الحمد لله أن عافانا من هذا الشر، كما قال الله تعالى عن المؤمن أنه يقول لقرينه (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (الصافات : 56 , 57) فما الذي جعله يشهد نعمة ربه أكثر؟، أنه رآه في سواء الجحيم، فيعرف نعمة ربه. وغير ذلك كثير من أنواع العبودية والخيرات التي لا يحصيها إلا الله سبحانه والتي تترتب على تقدير وقوع الشر..

فكل ما يفعله الله يستحق عليه الحمد، ويوم القيامة كل الناس تشهد بذلك حتى الكفرة الذين دخلوا النار كما قال سبحانه وتعالى (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الزمر : 75)، قال الحسن:"إن أهل النار دخلوا النار، وإن حمد الله لفي قلوبهم لا يملكون غير ذلك"، فرغم ألمهم وعذابهم وشقائهم لا يملكون أن ينسبوا إلى الله النقص أو الظلم فيزعمون أن هذا العذاب في غير موضعه، فما وقع يستحقونه بمقتضى العدل والحكمة، فلا يملكون إلا أن يقروا أنه الحميد سبحانه.

والمؤمن مع هذه الجملة العظيمة (والخير كله في يديك) ينظر فيما يفعله الله به وبغيره، ويشهد فضله عليه في المنحة والمحنة والعطاء والمنع، وعندما يمنعه يحمده ويشهد خيراً في هذا المنع، وعندما يمتحنه في محنة يشهد فيها من أنواع الفضل العظيم ما يحمد الله عليه، وربما تكون هذه المحنة بالنسبة له أكثر نعيما من فترات المنح والعطايا الدنيوية، وعندما يعطيه من الدنيا وعندما يرفع عنه المحنة يشهد الخير في ذلك، قال (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) فالله سبحانه يجعل في ما يصيب المؤمن من الآلام والمشاق من أنواع اللذات والنعم ما لا يحصل له إلا بالألم (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرا) النساء19، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة216.

فإذا شهد المؤمن ذلك رضي بالله ربا مدبرا معينا وكيلا، يفوض إليه أمره كله، ويرضى عنه في كل ما يفعله من حيث فعله هو سبحانه، وإن كان لا يرضى بما لا يرضى به سبحانه من المخلوقات، فهناك نظرتان، نظرة المؤمن إلى أن ربنا هو الذي يفعل فيرضى عن فعل الله، ونظرة أخرى إلى المخلوق الشرير فلا يرضى به، لأن الله الذي خلقه لم يرض عنه، فربنا يكره الشر وإن كان خلْق الله للشر ليس بِشر، فخلق الله للشر وراءه من الحكم والمصالح والنفع والخير للمؤمن ما يجعله يقول (الخير كله في يديك، والشر ليس إليك) فالمؤمن تابع لأمر ربه الشرعي في محبته وكراهته ورضاه وسخطه، يرضيه ما يرضي ربه ويسخطه ما يسخطه، ويحب ما يحبه ويكره ما يكرهه، أما عن فعل ربه عز وجل وأسمائه وصفاته فهو دائما شاهد فيها الخير والكمال والفضل، راض به على الدوام.

إن هذه المسألة من أسباب السعادة المعجلة في الدنيا قبل الفوز الأبدي بها في جواره سبحانه وتعالى، والرضا عن الله الذي يؤدي إلى أن يرضى الله عنه (رضي الله عنهم ورضوا عنه) هذا الرضا راحة،ولا يوجد راحة في الدنيا إلا بالرضا، نسأله سبحانه أن يرزقنا رضاه وحبه والرضا به وعنه عز وجل.

وقوله (والشر ليس إليك) أي لا ينسب إلى الله عز وجل وصفا فليس من صفاته الشر، ولا ينسب له فعلا ولا اسما، كما لا يتقرب به إليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون الشر خارجا عن مخلوقاته، بل هو من خلقه بلا شك قال تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر49، وقال تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الزمر62، يشمل ذلك الخير والشر، وقال إبراهيم عليه السلام (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات96، ولكن خلقه سبحانه للشر ليس بشر، فهناك فرق بين الخلق الذي هو فعله والمخلوق، فالعباد فاعلون حقيقة لأفعالهم، خيرها وشرها، والله خالقهم وخالق أفعالهم وإرادتهم وقدرتهم، وهو الذي جعلها سببا لوقوع أفعالهم، وقدَّر ذلك، ومن هنا كان وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره، وشر القدر هو الشر المقدر، فربنا قدر وجود شر، وليس أن فعل الله شر، فعل الله خير وليس فيه شر، (والشر ليس إليك) فالشر الذي في القدر هو المقدر المخلوق، فالله قدر وجود الخير وقدر وجود الشر، فهذا معنى الإيمان بخير القدر وشره، فأما فعل الله عز وجل فكله خير لا شر فيه البتة والحمد لله رب العالمين.

فعندما يقول العبد (الخير كله في يديك والشر ليس إليك) يجد أحيانا من نفسه تعجباً لماذا يوجد هذا الشر ؟، ولماذا لا يريد أن ينتهي؟، وماذا سنفعل فيه؟، فعندما يستحضر أن الخير كله في يد الله، وأن الشر ليس إليه، وأن هذا الشر الذي وجد في النهاية من وراءه خير، يستريح رغم الألم الموجود، ويحصل له من العطية في الشر المقدر من عند الله عز وجل ما تقر به عينه إذا تقرب إلى الله عز وجل.

ولكن كيف يصل الإنسان لهذه المرتبة؟، (أنا بك وإليك) لن يصل بنفسه، بل بالله عز وجل، وكيف سيثبت؟، فالوصول شيء والثبات شيء آخر، فربما يصل ثم تأخذه الدنيا ثانية، نسأل الله العافية، فيقول (أنا بك وإليك) فيه تحقيق إياك نعبد وإياك نستعين، فقوله (أنا بك) معناه الافتقار التام إلى الله والاستعانة به، أنا بك يا رب أنت الذي خلقتني و أوجدتني، وحياتي وسمعي وبصري وقلبي بك يا رب، وكل قواي وإرادتي وبقائي ليس لي منه شيء، إنما كل ذلك بك يا رب، وعبادتي وذكري وتوجهي إليك، وركوعي وسجودي وصومي وصلاتي واهتدائي بك يا رب.

(وإليك) فيها معنيان، الأول: أنا مخلص إليك و الثاني: راجع إليك، ففي الأول تحقيق توحيد الألوهية، وفي الثاني تحقيق الإيمان باليوم الآخر، فالأول التوحيد والعبادة والثاني أنا معروض عليك، وأنا أتذكر الإيمان باليوم الآخر، قال تعالى (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) البقرة281، وهذا من أعظم أسباب الإخلاص.

كيف يحقق الإنسان الإخلاص؟، يتذكر مرجعه إلى الله وموقفه بين يدي الله، ويتذكر أنه يريد أن يتوجه إلى الله، فكلما تذكر الإنسان نهايته وأنه موقوف بين يدي ربه فردا بلا حجاب ولا ترجمان، وأن من حوله من الناس من أهل وولد وأصحاب وغيرهم كلهم تاركه وحيدا فردا (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) مريم95، حينما يتذكر ذلك يصغر الناس في قلبه وتصغر الدنيا فلا يعمل لهم ولا لها، بل يجعل عمله لله وحده لا شريك له، فهناك ارتباط وثيق بين المعنيين: بين معنى توجهي إليك يا رب وبين مرجعي إليك يا رب. (أنا بك وإليك) فيها معاني الاستعانة والعبادة والإيمان باليوم الآخر وكلها مرتبطة ببعضها، (الخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك) وأقسم بالله العظيم أن هذا دعاء عجيب الشأن، ووالله، فعلا، من جوامع الكلم ومعجزة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين .

صوت السلف






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:07 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

12- أنا بك وإليك
كتبه دكتور ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد،
قول النبي (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

في قوله (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) فيه تحقيق الامتثال لأمر الله تعالى بالفرار إليه، قال عز وجل (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الذاريات 50، وهو مثل قول النبي (اللهم أنى أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، كذلك فإن العبد إنما يفر من قدر الله إلى قدر الله، ويدافع قدر الله المكروه بقدر الله المحبوب وذلك بالاستعانة بالله وبتوفيق الله عز وجل.
فينبغي أن يستحضر الإنسان أنه في خطر، وهذا الخطر بقدر الله عز وجل ولن ينجو منه إلا بالفرار من الله عز وجل إليه، وهو عز وجل الذي يقدر له الخير وينجيه من القدر المكروه، كما قال عمر:"نفر من قدر الله إلى قدر الله", أي نفر من قدر الله المكروه إلى قدر الله المحبوب.
وإن من دخل النار دخلها بقدر وبالحق الذي كتبه الله عليه والشقاء الذي كتب عليه, ومن دخل الجنة دخلها بقدر، بقدر التوفيق من الله عز وجل وقدر الهداية حتى يدخل الجنة.
فأنت تفر من النار إلى الجنة، تفر من غضب الله عز وجل وعقابه إلى مرضاته وطاعته ولن يكون ذلك إلا بالله، فلا ملجأ يتحصن العبد به مما يقدره الله عليه من المكروه والسوء إلا إلى الله سبحانه، ولا نجاة للعبد مما يخافه ويحذره مما أصابه ووقع به إلا بالله، فالعبد يفر من الله - أي مما يخافه من عقوبته وسخطه ومعاصيه التي هي أسباب العقوبة - إلى الله أي بالاستقامة على أمره والعمل بطاعته والإخلاص له فإنه بذلك ينجو من سخط الله تعالى وعذابه.
وهو يعوذ بالله منه، يعوذ بالله عز وجل من أن يُقَِدر الله عليه مكروها، إذ كل شيء ملك يده وكل شيء بقضائه وقدره فلا يملك العباد لأنفسهم ضراً ولا نفعا ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً, فكيف يملكون ذلك لغيرهم ؟!
وهذا الدعاء يتضمن عدم رجاء الناس ولا خوفهم، فالخلق لا يملكون له ضراً ولا يجلبون له نفعاً, فعلام يرجوهم أو يخافهم؟!
فإن ما أصابك بقدر الله ما كان ليخطأك، وما أخطأك مما لم يقدره الله لك لم يكن ليصيبك، ولو اجتمع الخلق على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله، عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وهذه الكلمة والتي قبلها(أنا بك وإليك)و(لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك)تجمعان بين الإيمان بالقدر الامتثال للشرع بأيسر عبارة وأوضح معنى مفهوم، وتحل المشكلة التي حيرت البشرية البعيدة عن الوحي منذ أزمنة متطاولة في كيفية الجمع بين الأمرين، بين الشرع وبين القدر، بين شهود أفعال يخلقها رب قادر وبين أن العباد لهم قدرة وإرادة وأفعال، فهذه المسألة لم تزل تحير البشر،
منهم من قال بالجبر ولم يرى قدرة الإنسان ولا إرادته،
ومنهم من قال بنفي القدر وقال لا توجد قدرة لله على أفعال العباد الاختيارية،
ومنهم من أنكر وجود الله بالكلية - كالماركسيين مثلا-، فسبب الإلحاد عند ماركس هو هذه القضية فقد أنكر وجود الله بالكلية لأنه لم يفهم هذه المسألة، بل مدار نفيه لوجود الله - عندما يبرره في فلسفته- هو أنه كيف نقول بوجود رب لابد أن يتصرف في أفعال عباده؟، ولو تصرف في أفعال العباد يبقى أنه لا معنى لأمرهم ونهيهم ولا لوجود تشريع أو دين وبالتالي نفى الدين ونفى وجود الله، والعياذ بالله.
لذا فهذه الجملة (لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك) والتي قبلها (أنا بك وإليك) تحل هذه المشكلة، فنحن نؤمن بالقدر ونستعين بالله شاهدين قوته وقدرته وحكمته وحكمه وعدله وفضله، ونشهد كذلك حكم الله الكوني فله الحكمة في كل ما يقدر، وهو العدل في كل ما يفعل، والأمر بيده عز وجل ومن ثم نعمل بالشرع نخضع له ونستسلم لأوامر الله الشرعية ونحن مستعينين بالله في ذلك راغبين في فضله راهبين من عقابه محبين له ولما يحبه ويرضاه.
ترى ذلك الأمر في الفاتحة حيث التأكيد على هذه القضية في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة 5، ذلك أن هذه القضية عظيمة الأهمية فهي متكررة كثيرا جدا في مواطن مختلفة وكذلك هي موجودة في معظم أدعية النبي فقد تكرر كثيرا الجمع بين الإيمان بالقدر والإيمان بالشرع، تجد ذلك أيضا في سورة الحديد قال عز وجل (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) الحديد 22 ثم قال بعدها (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد 25، فنحن نعمل بالشرع ونؤمن به، نؤمن أن المصائب كلها مقدرة قبل خلق العالم ونؤمن كذلك بأن الشرع نزل ليقوم الناس بالقسط -الكتاب والميزان -الذي توزن به الأعمال والأقوال القياس الصحيح.
وقوله (تباركت وتعاليت)
البركة الخير الكثير، فتبارك الله أي كَثُر خيره وعَظُمت صفاته وحَسُنت أسمائه سبحانه وبحمده.
إن هذا من أعظم رجاء يرجو به العبد الخير من ربه وهو أن يشهد الخير الكثير منه عز وجل وفي صفاته وفي أفعاله عز وجل، فمن هنا يرجو العبد أعظم الرجاء والله عز وجل لا يُعدم منه الخير أبدا، وفي الحديث (لن نعدم من ربِ يضحك خيراً)، فكذلك لن نعدم من ربِ تبارك خيراً، يقول الله عز وجل (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) الملك 1، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ)الفرقان 1، فلا نزال نرجو الخير من الله تبارك وتعالى.
والتعالي من صفاته سبحانه وتعالى وهو بمعنى العلو،
علو الذات فهو فوق عرشه كيف شاء سبحانه وعرشه سقف لجميع مخلوقاته فهو عز وجل فوق خلقه جميعاً (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل 50، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) الأعلى1 ، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة 255, هذا علو الذات.
وعلو الشأن فهو سبحانه وتعالى متعال في كل صفات كماله عما يضادها من النقص، فتعالى في وحدانيته وإلهيته عما يشركون، تعالى عن وجود الشريك وتعالى في كمال أسمائه وصفاته عما يصفه به المخالفون للرسل من صفات النقص كما يقولون (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً) البقرة 116 تعالى عما يصفون، تعالى عما يشركون، تعالى في كمال ربوبيته وقيومته عن الظهير والمعين، (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)سبأ 22، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، وتعالى في كمال حياته عن السنة والنوم والموت (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) الفرقان 58، وقال تعالى (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) البقرة 255، وتعالى في كمال عدله عن الظلم ولو مثقال ذرة (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) النساء 40، وتعالى في كمال حكمته عن العبث واللعب واللهو (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء 16, وقال تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) المؤمنون 115, 116 وقال (لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء 17 أي ما كنا فعلين, إن هنا نافية.
وتعالى في كمال قدرته عن العجز والإعياء والتعب واللغوب (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) فاطر 44 وقال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)الأحقاف 33، فهو لا يصيبه إعياء سبحانه وتعالى (بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأحقاف 33، كذلك تعالى عن التعب واللغوب قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) ق 38، وتعالى عز وجل في كمال علمه عن الجهل والنسيان وغياب شيء عن علمه قال عز وجل عن موسى (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) طه 52، فهو لا يجهل ولا ينسى (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) سبأ 3، عالم الغيب والشهادة (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)الأنعام 59، وتعالى سبحانه في كل صفات الكمال عن أي صفات نقص سبحانه وبحمده (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )الشورى 11.
والمعنى الثالث علو القهر (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) الأنعام 18, (وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الرعد 16، قد قهر كل شيء وهو غالب على أمره لا يُنازع ولا يُغالب ولا يُمانع (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ) الرعد 11، إذا أرد أمراً لا يمنعه منه أحد (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا) الأنبياء 43، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، إذا أمر أمراً لا يُرد وإذا حكم بحكم لا يوجد تعقيب عليه لا شرعاً ولا قدراً، وهنا المقصود قدراً (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس 82، فكل من سوى الله مقهور تحت أمره سبحانه.
إذا استشعر العبد ذلك (تباركت وتعاليت)تصاغر الخلق في قلبه وفي عينيه وشعر بأن الأمر من فوق (تعاليت)، فيشعر بعلو الله والأوامر نازلة من عند الله لا من عند الناس ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) السجدة 5، يستشعر أن المَلك يُدبر، وأن المُلك يدبره مالكه الحق من فوق سبع سماوات وأن أعمال العباد -وهو منهم-معروضة عليه سبحانه، وهذا من أعظم أسباب الإخلاص والصدق مع الله سبحانه وتعالى، حين تعلم أن عملك معروض على الله صاعد إليه، وبالتالي فأنت تراقب الله عز وجل في عملك وتخلص له وتنسى الناس وتستصغرهم ولا تعمل من أجلهم، ولذلك هناك ارتباط عظيم بين قضية العلو وقضية الإخلاص والتوحيد والإلهية، فإذا قال العبد (تباركت وتعاليت) أثبت صفات الكمال لله وعلم علو الله عز وجل على خلقه فرجى الخير من الله وأخلص لله وحده لا شريك له.
هذا كله يحصل به أعظم أنواع العلم والخير للعبد إذا استحضر هذا الدعاء العظيم، لم يبق إذن إلا إزالة العوائق, العوائق هي الذنوب لذا كان ختم الدعاء بالاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل.
ونستكمل هذا في مقالة تالية إن شاء الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك

صوت السلف






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:08 PM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

تمت السلسلة بحمد الله


13- أستغفرك وأتوب إليك
كتبه دكتورياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد،
قول النبي : (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

قوله (استغفرك وأتوب إليك) ختم به هذا الدعاء العظيم الذي هو من معجزات النبي الباهرة، والذي بلا شك يعجز الناس أن يأتوا بمثله أبدا فكيف بالقرآن العظيم وهو أكثر إعجازا فهو كلام الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يونس38 (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) البقرة24، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثل كلام الله أبدا، ولأجل أن دعاء النبي وكلماته تضمنت معاني القرآن صارت كذلك من أدلة نبوته عليه الصلاة والسلام، وصارت معجزة يعرف كل من يتأملها ويتدبرها أنها لا تصدر أبدا إلا من النبي عليه الصلاة والسلام.
قد تضمن هذا الدعاء أنواعا من الخير ومعاني الإيمان، وجدد الإيمان في القلب، ولم يبق إلا إزالة المعوقات ومحو العقبات ومباعدة الأسباب التي تحول بين القلب وبين الله وهي الذنوب والمعاصي، وذلك بطلب المغفرة وهي الستر مع الوقاية من أثر الذنب، يقال "مِغفر" لأنه يقي الوجه، و"غفر" بمعنى ستر ووقى الشر، فالمغفرة ستر الذنوب حتى لا يفضح بها العبد مع الوقاية من شرها بعدم العقوبة.
والتوبة هي الإنابة والرجوع إلى الله والعمل بطاعته والندم على معصيته، فالندم توبة كما قال النبي مع العزم على عدم العودة إلى المعصية والإقلاع عنها بالفعل وصحبة أهل الصلاح في طاعتهم بالقلب والبدن، وإن عجز بالبدن فبالقلب، فإن صحبة أهل الصلاح من علامات التوبة النصوح، ومن فقه أهل العلم والإيمان أن يأمروا التائب بذلك كما قال العالم الذي سأله الرجل الذي قتل مائة نفس (إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة، قال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها قوما يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء) فمن فقه أهل العلم والإيمان أن التائب إلى الله عز وجل لابد أن يبدل المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، وأن يصحب أهل الصلاح في طاعتهم وذلك لأن الإنسان يتأثر بقربه من المطيعين العابدين إذا عبد الله معهم، ويكون ذلك معينا له على الطاعة، قال الله عز وجل لخير خلقه (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الكهف28، فإذا كانت صحبة الصالحين الأدنى حالا احتاج إليها الإنسان الرسول ، وهو السبب في هدايتهم وفي معرفتهم بربهم وطلبهم لوجهه، ومع ذلك أُمر أن يصبر نفسه معهم لأن صحبة الصالحين سبب لزيادة الإيمان حتى ولو كانوا أقل حالا منك، وهذا نوح عليه السلام يأبى أن يطرد المستضعفين المؤمنين ويقول (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)هود30، ولذلك فإن من الضروري لك أيها التائب أن تبحث عن أصدقاء صالحين يعبدون الله فتعبد الله معهم، اقترب منهم ولا ترجع إلى أرض السوء التي كنت فيها، وإياك أن ترجع إلى أصدقاء السوء وأصحاب السوء وأماكن السوء التي كنت تعمل فيها بمعاصي الله، فإخوانك يعينونك على الطاعة ويذكرونك إذا نسيت وينصحونك إذا أخطأت فلابد أن تكون معهم فإذا قلت حينها استغفرك وأتوب إليك كنت صادقا في ذلك و تبدلت السيئات بالحسنات.
قد لا يجد الإنسان في محلته أهل صلاح، فليهاجر وليبحث عن قرية صالحة، وإن عجز أو حبس أو منع فلم يصل فالقلب يكفي إن عجز عن ذلك بالبدن، فصحبة الصالحين بالقلب لا تحتاج إلى زمان ولا إلى مكان، لذلك تستطيع أن تصحب الأنبياء بقلبك وتستطيع أن تصحب الصالحين وذلك إذا قرأت القرآن مع التدبر لسيرتهم ومعرفة صفاتهم، وكذلك دراسة سنة النبي فتكون صحبة بالقلب، فإن الأرواح جنود مجندة يقترب بعضها من بعض ويبتعد بعضها عن بعض عبر الزمان والمكان ودون حواجز الموت والحياة كما قال عز وجل عن إبراهيم ونوح قال عز وجل عن نوح (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ) الصافات83، فمع أن بين نوح وإبراهيم مسافة - الله عز وجل أعلم بها- صار من شيعته أي من أهل طريقته ومنهجه وملته رغم تباعد الزمان، ولذلك فإن صحبة أهل الصلاح بالقلب و بالبدن ما استطعت لذلك سبيلا علامة توبة صادقة.
وفي قوله تبارك وتعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) الفرقان70، وجهان:
الأول أنهم يتركون العمل بالسيئات ويعملون بالحسنات،
والثاني أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، لأن كل سيئة تاب منها فقد محي الذنب وبقيت عبودية التوبة فصارت حسنة توضع في ميزانه، ثم الله يتكرم على من شاء فيجعل مكان كل كبيرة من الكبائر وكل صغيرة من الصغائر حسنات لمن أراد أن يغفر له تفضلا من عنده عز وجل، فاللهم اغفر لنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.
إذا استحضر العبد هذه المعاني استعد قلبه أعظم استعداد للدخول في فاتحة الكتاب بعد الاستعاذة من الشيطان الرجيم فينهل من كنوزها ويناجي ربه بها، فهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه النبي ، قال عز وجل (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحجر87، وقال عليه الصلاة والسلام لأبي سعيد بن المعلى عندما قال له (لأعلمنك أعظم سورة في كتاب الله فقال هي فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته).
و يكفي أن الفاتحة سميت القرآن العظيم لأن معاني القرآن موجودة في الفاتحة، لذلك فالفاتحة هي الكنز الأعظم ولذلك تكرارها في الصلاة في كل ركعة ضرورة من الضرورات وحاجة الإنسان إليها حاجة ماسة.
نسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم وبسنة رسوله الكريم ، وأن يجعل قرة عيوننا في الصلاة، وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه، والشوق إلى لقاءه في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


صوت السلف

منقول






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:58 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
كمال بدر

الصورة الرمزية كمال بدر

إحصائية العضو







كمال بدر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

الأخت الفاضلة :


جزاكِ الله خيراً عن هذا الطرح الطيب المبارك إن شاء الله .








آخر مواضيعي 0 موسى بن نصير .. القائد الفذ .
0 قبسات من الطب النبوي العلاجي .
0 حــــوار مع الشيطان .
0 الأمانة ـ روائع أخلاق الرسول .
0 القرآن الكريم دليل على نبوة رسول الله .
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 09:34 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

شكراا لمرورك الطيب الاخ الكريم كمال بدر

وتواجدك يسعدنى

بارك الله فيك






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 10:07 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
طارق سرور

الصورة الرمزية طارق سرور

إحصائية العضو







طارق سرور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

طرح رائع وقيم ونافع بإذن لله

جزاك الله خيرا عنه اختى أمــــــل







آخر مواضيعي 0 خوف
0 اسرار
0 اللهم اجعلنا من المحسنين
0 اعرف مين هى مصر
0 البقلة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 11:15 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

امل
سلمت على الاطروحة والسلسلة الرائعة
دوما تقدمى كل عطر
بارك الله فيك
جزاك الله خيرا







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 05-30-2011, 04:25 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

شكراا لمروركم الطيب

وتواجدكم يسعدنى

بارك الله فيكم






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:29 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator