العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-03-2009, 12:10 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

10ـ في مضمار التعليم

(( كذا جئتكم، يا أناس اليوم، وفي مضمار التعليم... فما الذي حدث لي؟ ضحكتُ رغم كل ما أشعر به من قلق.. لم ترَ عيناي أبداً شيئا مرقعا كهذا الثوب الشبيه بثوب البهلوان. ضحكت وضحكت بينما كانت قدماي ترتجفان، وقلبي في مثل ارتجافهما. وقلت: " من المؤكد أن هذا هو منبع الاختلاط والتخبط ". ))

نيتشه: هكذا تكلم زرادشت

(1)

يضع (فوكوياما) فرضية لمقالته هنا، بعد أن يختار تلك الفقرة مما قاله الفيلسوف الألماني نيتشه. فرضيته هنا، تقرر أن هناك علاقة بين تطور العلوم الطبيعية و التوجه نحو الديمقراطية الليبرالية. يوفق الكاتب أحيانا في اختيار الأمثلة ويخفق إخفاقا شديدا في اختيار أمثلة أخرى، حينما يفسر أو يحاول تفسير ظواهر التقدم التقني والاقتصادي في بعض الدول. كما يتحاشى الكاتب من ذكر بعض الديمقراطيات الكبرى (الهند) كون وضعها لا يخضع لفرضياته.

يؤشر الكاتب على تجارب أوروبا الجنوبية (اليونان، أسبانيا، البرتغال) وكيفية انتقالها من الحكم الديكتاتوري الى الحكم الديمقراطي، وكيف أن النمو الاقتصادي والدخل الفردي يتحكمان بتحقيق الشروط للانتقال للديمقراطية، فيذكر هنا مقولة للجنرال فرانكو (ديكتاتور أسبانيا) عندما تنبأ بإمكانية انتقال أسبانيا من الحكم الديكتاتوري الى الديمقراطي وقتما يصبح دخل المواطن الأسباني 2000 دولار، ويقر الكاتب بأن نبوءة (فرانكو) كانت دقيقة، حيث حصل التحول عندما أصبح دخل المواطن الأسباني (2446) دولار في عام 1974!

لن نناقش جدية تلك النظرة، فهي قاعدة تكاد تكون جوفاء، حيث أن مقاييس الدخل تؤخذ كمتوسط، فقد يكون هناك من يكون دخله مليون دولار وآخرون لا يزيد دخلهم عن بضع مئات من الدولارات، ويكون المتوسط العام فوق ال 2000 دولار، كما في بعض البلدان العربية اليوم!

كما أن هذا الشرط لم يكن ضروريا في تجربة الهند حيث أكبر ديمقراطية في العالم، مع وجود أناس يقتسمون الأرصفة!

(2)

يحاول الكاتب تلمس بعض النماذج التي تكون استثناءا لقاعدته، فيناقشها قبل أن يناقشها منتقدوه. فيمر على تجربة (بيرو) حيث يثمن فيه جهد النظام الديكتاتوري في انتزاع أراضي البلاد التي كانت مسجلة باسم (700) شخص ليقوم النظام بتوزيعها على الشعب، وهي خطوة ما كان للنظام الديمقراطي أن يفعلها دون جبروت النظام الديكتاتوري.

ثم يضرب مثل ديكتاتورية اليابان في عهد حكومة (ميجي) عام 1868 عندما ارتسمت خطا للتزود بالعلوم والنهوض بالبلاد بطريقة ديكتاتورية حازمة. ويشير لتجارب أخرى في الاتحاد السوفييتي (عهد ستالين).

لكنه يرهن النمو في الديكتاتوريات الى وجود قائد (ملهم)، ما أن يختفي هذا القائد لتختفي معه آثاره ويختفي معه استقرار الحكم، في حين لا تكون تلك الحالة موجودة في الليبراليات المستقرة.

ويضرب مثلا، في الفلبين، حيث أن من يفوز بالديمقراطيات هم من أرستقراطيي البلاد وبالذات من ملاك الأراضي (كورزان أكينو ـ مثالا).

(3)

عندما يأتي الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الكاتب لا يخفي إعجابه الشديد بالتفرد الذي تتمتع به تلك البلاد، حيث يولد المولود فيها ديمقراطيا ليبراليا متحررا من النزعات العرقية والطائفية والتمييز العنصري، بخلاف تلك البلاد التي تعج بالمشاكل الإثنية، فالمواطنون متساوون في الولايات المتحدة، يحق لكل واحد منهم أن يتنافس مع غيره في تبوء مراكز السلطة، وهذا ما يعلن (فوكوياما) عن عدم فهم أسراره!

أحقا ما يقول (فوكوياما) بهذا التفرد؟ قد يكون محقا في أن كل المواطنين لهم الحق في التنافس على تبوء مراكز السلطة، لكن الحق أيضا ما نقول: في أنه لا يمكن لهؤلاء المتنافسين أن يصلوا الى تلك المراكز، فمنذ وضع الدستور الأمريكي في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، والحزبان (الجمهوري والديمقراطي) يتناوبان على ملء تلك المراكز، رغم وجود عشرات الأحزاب التي حاولت وتحاول الوصول الى السلطة. وبالمناسبة فالأحزاب التي تحكم بأمريكا هي أحزاب ليس لها نظرية تنظيمية ولا منظومة أيديولوجية (فلا اجتماعات دورية ولا هناك مناهج تثقيفية) فالطفل يولد جمهوريا ويولد ديمقراطيا وفق رؤية أهله المتناسبة مع النظرة الإمبريالية. كما أن (بوش) سليل العائلة النفطية لا يختلف كثيرا عن (أكينو) سليلة عائلة ملاك الأراضي.

(4)

يمكن الاتفاق مع (فوكوياما) في القول أن التطور العلمي والتقني يدفع باتجاه الاتفاق على تناقل السلطة، فالمنتجون يحبون أن يكون هناك من يتفهم حركات إنتاجهم ويتفاعل معها في سن القوانين. كما أن انخراط الكثير من العمال المهرة والمصدرين والمسوقين يعنيهم ما يصدر عن الدولة من قوانين وتعليمات تخدم حركاتهم ولا تعيقها.

كما أن اكتساب الناس للعلوم والمعارف، يجعلهم لا يقتنعون بسهولة بضرورة الانخراط بالجيش للاعتداء على دولة أو شعب دون قناعات قوية. في حين من السهل على الشعب المتعلم أن ينخدع في اتباع أساليب تغذية أو رياضة تسوق له من أجل الربح.

لقد استفادت كوريا الجنوبية من تدفق العلوم بأشكالها لا من أجل تطوير اقتصادها فحسب، بل من أجل تطور عادة الانتخاب وتحسين نتائج تلك الانتخابات بما يتماشى مع التطور، ففي كوريا (برلمان) هو الأكثر شبابا بين برلمانات العالم حيث يقل متوسط أعمار الناجحين في البرلمان، وهي دلالة على توافق وتناغم أشكال التطور في كل المستويات.

(5)

لكن هناك مشكلة، حاول الكاتب التملص منها، وهي موضوع تلوث البيئة، فإن كان التقدم يفرض على شعب من الشعوب أن يطور أشكال قطاعاته وعلاقاتها مع بعض، فإن السمة العامة لهذا التطور لها علاقة بالربح وزيادة الدخل، سواء للأفراد أو للدولة المستفيدة من ضرائب الأفراد ونشاطاتهم فيها.

أما فيما يتعلق بالبيئة وتلوثها، فهي متعلقة بالجانب الأخلاقي الإنساني وتبتعد عن الجانب الربحي. وقد تساوت في تجاهلها كل نظم الحكم (مركزية أو ليبرالية) لكن الليبراليون يتبجحون بأنهم يتركون المجال لمنظمات مدنية تطالبهم بالالتزام ببيئة نظيفة. نعم تعطيهم ترخيص في التظاهر ضدها، لكنها تعطي نفسها ترخيص بعدم الاستجابة لتلك التظاهرات!






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:10 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

11)

الإجابة عن السؤال السابق

وهو سؤال كانط: هل بالوسع كتابة تاريخ العالم من وجهة نظر عالمية؟ وإجابتنا الآن مؤقتة، هي: نعم.

لقد زودتنا العلوم الطبيعية الحديثة بآلية أضفى ازدهارها المطرد على تاريخ الإنسانية عبر القرون الماضية غائية وتماسكا منطقيا. وقد باتت هذه الآلية عالمية في عصرنا هذا الذي لم يعد بمقدورنا فيه أن نعتبر تجارب الإنسانية في مجموعها هي تجارب أوروبا وأمريكا الشمالية. فبصرف النظر عن القبائل في أدغال البرازيل وغينيا الجديدة الآخذة بالاندثار سريعا، لا نجد سلالة بشرية واحدة لم تتأثر بهذه الآلية ولم ترتبط بسائر سلالات البشر بفضل الصلات الاقتصادية العالمية التي يخلقها الاستهلاك الحديث. إنها نظرة عالمية لا إقليمية ضيقة نتجت عن نمو حضاري عالمي خلال القرون القليلة الماضية.

من أوجد هذه القاعدة الحضارية؟

إن من يقرأ لهذا الكاتب، وهو يصف ذلك النشاط بأنه نشاط عالمي، وليس إقليمي أو ليس محصورا بأوروبا وأمريكا، سيصف هذا الكاتب بأنه كاتب منصف وعقلاني. لكن عندما يكتشف القارئ أن العالمية التي يقصدها الكاتب هي عالمية من فكرة وتأسيس وصناعة من يبشر لهم، سيكتشف القارئ عندها مدى استعلاء نظرة هذا الكاتب واستحقاره لغيره.

يقول الكاتب مدللا لما رميناه به: لم تستطع دول في إيقاف وحدة عالمية تلك الحضارة، فلم يكن باستطاعة الدولة العثمانية، ولا إمبراطورية اليابان، ولا قوة الاتحاد السوفييتي أو الصين الشعبية أو بورما أو إيران وكوبا وغيرها.

استشعار لتطبيق دورة التاريخ:

يقول الكاتب: أن قوة التقدم العلمي عطلت من فكرة أن (يعيد التاريخ نفسه)، وهنا يشير لمن يطبق فكرة (أن كل دولة أو إمبراطورية مهما بلغت قوتها، فإنها ستمر بأطوار الإنسان من الطفولة حتى الشيخوخة والموت). لا يريد الكاتب أن يشمل الولايات المتحدة بذلك السيناريو. فيقول أن الصراع بين أثينا وأسبارطة بما يعنيه من صراع بين الديمقراطية (أثينا) والدكتاتورية (أسبارطة)، لن يكون مماثلا لما كان يقوم في الحرب الباردة بين الليبرالية (الولايات المتحدة وحلفائها) وبين الشمولية (الاتحاد السوفييتي وحلفائه).

يؤكد الكاتب بأن تطور الليبرالية هو تطور تاريخي دياليكتيكي وجد من خلال تجارب (الشعوب المتحضرة) في حين أن التجربة النازية والشيوعية هي أشبه بالطرق الفرعية التي تنتهي بعلامة (نهاية خط أو الطريق مغلق).

دكتاتوريات صغيرة وطموحات لن تتحقق:

يترك الكاتب الديكتاتوريات الكبيرة (الصين والاتحاد السوفياتي) ، ويلتفت الى دكتاتوريات قبيحة (كما أسماها) كوبا، إيران، سوريا، العراق، أفغانستان، اليمن (الجنوبي)، إثيوبيا، كوريا الشمالية. ومن يتفحص تلك الدول ووضعها سيجدها تشترك في صفة واحدة وهي الفقر النسبي وقلة الإمكانيات، وهذا مما يدفعها لأن تكون ديكتاتورية!

ماذا عن ألمانيا و إيطاليا؟ (النازية والفاشية)

استند الكاتب الى تحليل أو وصف (والت روستو) الذي أطلق عليه: (مرض المرحلة الانتقالية) أي أن المرور بمرحلة الديكتاتورية ضروري جدا للانتقال لمرحلة التصنيع.

حسنا، إذا كان ذلك الوصف يصلح في الدكتاتوريات القبيحة (كما أسماها)، فما هو تفسير ظهور تلك الدكتاتوريات في مجتمعين صناعيين اجتازا مرحلة الانتقال؟ (ألمانيا وإيطاليا).

يمر الكاتب على الإجابة عن ذلك التساؤل بشكل غير مقنع نهائيا، فيقول إننا لا نستطيع أن ندافع عن أن النازية والفاشية هما نتاجان من إنتاج (الحداثة) ولن نضمن أن لا يتكرر نموذجهما مرة أخرى بالتاريخ.. لا ندري إن كان (فوكوياما) يحبذ شمول بوش بالنموذجين الألماني النازي والإيطالي الفاشي!

المحرقة في نظر فوكوياما

اعتاد الكاتب على عدة أنواع من الصياغات، فهو عندما يريد أن يمرر رأيا لا يضمن ردة فعل الآخرين تجاهه، فإنه يورده بشكل (هناك من يقول: كذا) ويدخل رأيه بين ثنايا تلك الصيغة. وأحيانا يريد أن يضع أسهما كالتي تستخدم في إشارات المرور ( الى رأي فوكوياما بالمسألة الفلانية).

هذا ما فعله بموضوع (المحرقة) حيث وصفها: بالحدث التاريخي الفريد، واستبعد أن يتكرر مرة أخرى في التاريخ، ويضع أسبابا وراء ذلك الحدث التاريخي الفريد، فالاحتقانات وخيبة أمل النازية هي التي كانت وراء موضوع المحرقة، وطالما أن النازية لن تتكرر فالمحرقة لن تتكرر، هذا وجه الفرادة في موضوع المحرقة.

من يقول أن المحرقة هي بالسيناريو الذي تم تلقينه للإعلام الخادم للإمبريالية؟ فالمحرقة من زاوية أخرى، هي صنيعة صهيونية للفت نظر العالم لمعاناة اليهود لكي يتم استعجال تهجيرهم الى فلسطين والتمهيد لقيام كيانهم، وبنفس الوقت أن الوشاية التي كان الصهاينة يقدمونها للمخابرات النازية، هي ضد يهود كانوا أعداء لفكرة الصهيونية، وهنا يضرب عصفورين بحجر واحد.

ثم لماذا تسليط الأضواء على المحرقة تلك ونسيان محارق أبادت سكان قارات كاملة (أمريكا واستراليا)، أو ما حدث في (هيروشيما ونجازاكي بعد ضربهما بالقنابل النووية). كما أن سنين الحصار على العراق والضحايا التي حدثت وتحدث لغاية اليوم تفوق عدة محارق (مزعومة). هذا غير ما يخلفه تلويث أرض العراق والمنطقة سيشوه الكثير من أبناء البشرية!






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:11 PM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

12)

لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين

بات واضحاً الآن أن الآلية التي بسطنا قواعدها هي في جوهرها تفسير اقتصادي للتاريخ، والواقع أن " منطق العلوم الطبيعية الحديثة " لا يملك قوة في حد ذاته مستقلة عن البشر الذين يريدون استخدام العلوم لتذليل الطبيعة من أجل إشباع احتياجاتهم، أو تأمين أنفسهم من أخطارها. أما العلوم في حد ذاتها (سواء في صورة الإنتاج الآلي، أو التنظيم المنطقي للعمالة).

لقد حاول (فوكوياما) أن يقول لمن كان يؤمن بالأفكار الاشتراكية، بأن الاشتراكية وعلى لسان ماركس بشرت بالعدالة الاجتماعية وتحقيق الرفاهية للناس بطريقة عادلة، أقر فوكوياما بذلك، لكنه سخر من الماركسية بأنها لم تحقق ما بشرت به في حين استطاعت الرأسمالية تحقيق ما عجزت عنه الاشتراكية. وهنا يورد فوكوياما فقرة من المجلد الثالث من كتاب رأس المال لماركس ليؤشر للقارئ ما يريد إثباته:
(( لا يبدأ ملكوت الحرية في الظهور إلا باختفاء العمل الذي تمليه الضرورة والاعتبارات الدنيوية. فهو إذن، وبطبيعة الأشياء، خارج نطاق الإنتاج المادي الفعلي. وكما أن على الهمجي أن يُغالب الطبيعة من أجل إشباع احتياجاته والبقاء على قيد الحياة والتناسل، فكذا على الإنسان المتحضر أن يفعل كل هذا في كافة التشكيلات الاجتماعية وفي ظل كل صور الإنتاج الممكنة. وبتطور الإنسان يتسع مجال الضرورة المادية نتيجة احتياجاته. غير أن قوى الإنتاج التي تشبع هذه الاحتياجات تتزايد هي الأخرى وفي نفس الوقت. ولا يمكن للحرية في هذا المجال إلا أن تقوم على التفاعل مع الطبيعة، بحيث يتحكم الإنسان فيها بدلا من أن يذعن لها إذعانه لقوى الطبيعة العمياء، على أن يتحقق ذلك بأقل جهد ممكن وفي ظل أنسب الظروف للطبيعة البشرية وأجدرها بها. ومع ذلك، فإن الأمر لن يتعدى مجال الضرورة. أما خارجه، فتبدأ تنمية الطاقة البشرية التي هي غاية في حد ذاتها، وهي ملكوت الحرية الحقيقي الذي لا يمكن مع ذلك أن يزدهر إلا باتخاذه مجال الضرورة أساسا له. والشرط الأساسي لهذا هو تقصير ساعات العمل))

لم يكن ل(فوكوياما) أن يكون كريما بهذا الشكل عندما يقتبس تلك الفقرة المطولة، لو لم يعتقد أن فلسفتها تنطبق على (الليبرالية الإمبريالية). فهو يتهكم بعد إدراجها على مصير الحالمين الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي وألمانيا الديمقراطية الذين كانوا يحلمون بتقليص ساعات العمل الى أربعة ليقضوا باقي يومهم في التزلج أو كتابة الأشعار ومراقبة المسرحيات والباليه. بل كانوا يقضون باقي ساعات يومهم في طوابير الانتظار للحصول على سلعة أو شرب (الفودكا) وإن حصل وتنزه أحدهم فإنه سيكون بأشبه بنزلاء المصحات الواقعة على شواطئ ملوثة.

ما أراد قوله فوكوياما في موضوع الديمقراطية

ينتهي فوكوياما في هذه المقالة الى أن الديمقراطية ليست متعلقة بالوضع الاقتصادي فحسب، بل هي آتية من إرادة روح الليبرالية وفهمها. ويضرب مثالين: أن أكبر الثورات في العصور الحديثة كانتا في الولايات المتحدة وفرنسا، وهما لم تقوما على هامش التطور الاقتصادي والصناعي بل قامتا بوازع يتعلق بالحرية الليبرالية.

كما أن المعالجات الاقتصادية التي تحاكي النموذج الليبرالي كالصين مثلا، لا توصل الى حالة ديمقراطية. كما يمكن سحب هذا الكلام على (لي كوان يو) في سنغافورة الذي ذهب الى أن الديمقراطية ستكون عقبة في سبيل النجاح الباهر في سنغافورة.

يريد فوكوياما أن يقول للعالم إن تداول السلطة والديمقراطية لن تتحقق بالشكل المطلوب إلا بالصورة التي تسير عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

نقد وتعليق

إن النقاط الفلسفية التي اختارها فوكوياما مما اقتطفه من كتاب رأس المال لماركس، صحيحة في جانب وكاذبة في جانب آخر:

1ـ إن الماركسية التي كانت شكلا من أشكال الرفض لسحق إنسانية العمال في بداية الثورة الصناعية، هي وما رافقها من أشكال احتجاج فكري وعملي من خفض ساعات العمل في البيئة الرأسمالية من 14 ساعة لما هي عليه الآن. فلم يكن الضمان الاجتماعي والصحي وتخفيض ساعات العمل كرما من الرأسمالية بل كانت نتيجة صراعات وإضرابات قام بها العمال من اليونان الى أمريكا حتى أصبح الشكل للتعاطي مع قضايا العمال كما هو عليه، وإن الدول التي تناوبت فيها الاشتراكية (المحسنة والمهادنة للرأسمالية) [ الدول الاسكندينافية وألمانيا] هي أكثر ثباتا وقوة من تلك التي انفردت بها الرأسمالية [الولايات المتحدة وبريطانيا]. وما يحصل اليوم من انهيارات مالية هو شاهد كبير.

2ـ إن كان يعاب على النظام الشمولي [الاتحاد السوفييتي وغيره] من أنه يبتعد عن أساليب تناقل السلطة بعدل. فإن هذا العيب موجود بالنظام الرأسمالي الليبرالي، فالديمقراطية المركزية التي كانت تجري في الدول الشمولية تنتخب المندوبين من بين أعضاء الحزب الحاكم في القرى والقصبات لترسلهم الى المدن ومن ثم تنتخب من بين أولئك المندوبين مندوبين أقل عددا لترسلهم للعاصمة، ليختاروا قياداتهم، وهي صورة يطلق عليها أعداء النظم الشمولية بأنها ديكتاتورية الحزب الواحد.

فإن الصورة لا تختلف كثيرا في الدولة الليبرالية، حيث يترشح من يملك الملايين لمتابعة حملته ويقوم (قادة الرأي) للتبشير بهذا القائد الجديد وتتبنى الشركات العملاقة تمويل الحملات بعد أن تتفاهم على عدد مرشحيها مع غيرها من الشركات، فهي ديكتاتورية رأس المال التي لا تعير اهتماما للجمهور، بل تسرقه لإنقاذها (حسب خطة إنقاذ بوش).

إن العيب البارز في النظام الشيوعي في إلغاء المواطن كفرد بشكل نهائي، لا يعطي الأفضلية للنظام الرأسمالي، حيث لا يلغى الفرد فحسب بل تلغى الإنسانية جمعاء لضمان رفاهية نخبة عفنة. والعالم ينتظر نموذجا أفضل ولا بد من ولادته.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:11 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

الجزء الثالث: الصراع من أجل نيل الاعتراف والتقدير.

13ـ في البدء كانت معركة حياة أو موت من أجل المنزلة الخالصة

( وليس بالوسع نيل الحرية إلا بالمخاطرة بالحياة. حينئذ فقط يمكننا التدليل على أن جوهر وعي الإنسان بذاته ليس مجرد البقاء على قيد الحياة، ولا هو مجرد الصورة المباشر التي يبزغ فيها هذا الوعي لأول مرة .. فالفرد الذي لا يخاطر بحياته قد يُعْتَرَف به فردا، غير أنه لم ينل حقيقة هذا الاعتراف باعتباره وعيا مستقلا بالذات)
............................. ج.ف.هيجل: [فينومينولوجيا العقل]

(( الرغبة الناشئة عن طبيعة الإنسان ـ الرغبة التي يتولد عنها الوعي بالذات وواقع الإنسان، هي في أصلها تعبير عن الرغبة في نيل الاعتراف والتقدير. وما المخاطرة بالحياة التي يبزغ بها واقع الإنسان الى النور، إلا مخاطرة من أجل إشباع تلك الرغبة. وبالتالي فإن أي حديث عن مصدر الوعي بالذات هو بالضرورة حديث عن معركة حياة أو موت من أجل الاعتراف والتقدير))

....................... ألكسندر كوجيف: [مقدمة لقراءة هيكل]

يستهل الكاتب مقالته هنا، والتي تتصدر الجزء الثالث، باقتباسين اثنين، ومن يجمع اقتباسات الافتتاح للكاتب يستطيع أن يتعرف على الدينامو المحرك لتفكيره أو ما يطلق عليه (الدافع الإبستمولوجي). فهو يريد أن يقرر أن الليبراليين هم ورثة كل المفكرين الجادين، والذي يحرص الكاتب أن يكونوا كتابا من الغرب.

أخطار و مخاوف وأحلام.

ما هي الأخطار والمحاذير بالنسبة لشعوب العالم؟ (يتساءل المؤلف): ويجيب: إنها ثقل الكولونيلات المكروهين أو قادة الأحزاب الذين يضطهدون غيرهم، والحكام الذين يلجئون للاعتقال التعسفي للمواطنين. إن الشعوب تحلم بالعيش دون خوف، والتمتع بقدر من الرخاء. ولكن الرخاء لن يأتي إلا بالديمقراطية والرأسمالية، وحتى إن جاء الرخاء في ظل حكومات غير ليبرالية كما في كوريا وسنغافورة وتايوان (وهي حكومات أوتوقراطية) فإن هذا الرخاء لن يكتمل إلا بالليبرالية!

يضيف الكاتب: وحتى نقف المعنى الحقيقي لليبرالية علينا الرجوع الى ما قبل (هيجل)، أي الى عهد ( توماس هوبز ـ توفي 1679)و(جون لوك المتوفى 1704) حيث منابع الليبرالية، لكنه يفضل الوقوف عند ما كتب (هيجل المتوفى عام 1831)، لأنه يفهمنا الليبرالية بطريقة أكثر نبلا، ولأن الآخرين كانوا يميلون لتغليب الحلم البرجوازي الذي ينشغل باستمرار برخاء عيشها المادي. في حين أن الليبرالية تتوجه للجانب الإنساني في فكرها.

لقد أنكر هيجل أن هناك طبيعة بشرية ثابتة لا تتغير، فالإنسان عنده حر غير محدد، وقادر على تشكيل طبيعته عبر الزمن التاريخي. وقد ذكر هيجل في كتابه (فينومينولوجيا العقل) أن الإنسان الأول (الطبيعي) يشترك مع الحيوان في حاجات طبيعية أساسية كالطعام والنوم والمأوى والحفاظ على حياته، لكن الإنسان الأول يتفوق على الحيوان في أنه يرغب أن يقدره الآخرون ويعترفون به وبوجوده وآثاره، وبقدر ما يفعلون ذلك بقدر ما يحس أنه كائن اجتماعي يختلف عن الحيوان.

انتصار وهزيمة ومخاطرة

يقرر هيجل بأن الإنسان هو كائن اجتماعي يميل للمخاطرة، واجتماعيته لا تؤدي به الى الحياة في مجتمع مدني يسوده السلام، وإنما الى صراع عنيف حتى الموت من أجل المنزلة الخاصة. التقى اثنان من (الإنسان الأول) ودارت بينهما معركة، وقد تسفر هذه المعركة الدموية عن نتيجة من ثلاث: فقد يموت المتصارعان، فتنتهي بموتهما الحياة نفسها. وقد يموت أحد المتنافسين، فيظل المنتصر غير راض عن الوضع إذ لم يعد ثمة وعي بشري آخر ليعترف به. وقد تنتهي المعركة بقيام علاقة بين سيد وعبد، إذ يقرر أحد المتنافسين الإذعان لوضع العبودية مفضلا إياه على خطر الموت. وحينئذ يشعر السيد بالرضا إذ خاطر بحياته ونال الاعتراف والتقدير بسبب هذه المخاطرة من كائن بشري آخر.

هذا التدريج بالفهم لحركة البشر، تكلم عنه أيضا (هوبز) في موضوع الطبيعة وعلاقتها بالإنسان. كما تكلم عنها (لوك) في الحديث عن (الحرب).

التراتب الاجتماعي والطبقية

إذا كان المجتمع عند (هيجل) و(لوك) ينقسم الى فئتين: فئة على استعداد أن تخاطر بحياتها وهم (السادة) الذين يرسمون في النهاية شكل حركة عبيدهم وكمية الضرائب الواجب عليهم دفعها الخ، وطبقة الذين ليسوا على استعداد للمخاطرة بحياتهم وهم العبيد، فإن ماركس رفض هذا التقسيم وآثر تقسيم المجتمع الى مالكين لأدوات الإنتاج (أرض، آلات، أموال الخ) وعمال أو زراع يقدمون جهدهم لهؤلاء رغما عنهم وبطريقة غير عادلة.

لكن هيجل يسوق أمثلة تدلل على نظريته، فيورد مثل الصخرة التي تتدحرج من أعلى جبل بفعل ثقلها وبفعل الجاذبية الأرضية، لا يوقفها شيء ويرجع ذلك الى حرية الظواهر الطبيعية. كما يضرب مثلا: دب جائع يتحرك بوحشية لسد جوعه. ولكن الإنسان بإنسانيته يرفض أن تكون الطبيعة هي من يوجه حركته و (يحدد حريته)، فكلما استطاع الوقوف في وجه تدخلها كلما اقترب من إنسانيته وكان حرا أي غير ملبي لنداء الطبيعة.

من هنا يشارك هيجل، كل الفلاسفة الذين يعتبرون أن الحروب، حتى لو كانت لأسباب تافهة، فهي تعبر عن الإنسان مستعد للمخاطرة بحياته ضد من يحاول إجباره على القبول بشيء. ويعاود هيجل للقول: أنه إذا كان صراع الحيوانات من أجل إطعام نفسها أو صغارها، أو تحديد الرقعة التي يتحرك فيها الحيوان، فإن الأمر يختلف عند الإنسان فقد يقاتل من أجل علم (راية) أو لتقلد منصب أو يهلك نفسه في تمارين من أجل وسام.

تعليق:

يستطيع أي متأمل ـ لغاية الآن ـ أن يفهم مغزى الترابط بين المقالات السابقة التي تمجد من الإنسان الليبرالي الغربي، الذي ورث فلسفة وحكمة من سبقه من أبناء بيئته، ليكون الإنسان المنتصر من أجل الإنسانية، والمستحق لقيادتها، مبعدا الهمجية من طريقه.

لقد قالها قبل (فوكوياما) كل من (مونتسكيو) و (فولتير) (روسو)، عندما مهدوا للثورة الفرنسية [ التي يجلها فوكوياما]، حيث كانت فحوى دعواهم بأنه لا يجوز احتلال ملك الغير إلا بقانون ولا يجوز قتل الغير إلا بقانون ولا يجوز سن قانون إلا بوجود ممثلين لمن تُسَن لهم القوانين (الشعب)، ولكن بعد عقدين من الزمن وجدنا أن رواد الثورة الفرنسية قد احتلوا (مصر) وكأن من يقطنها هم كائنات غير بشرية، وهذا ما تكرر في تبجح (فوكوياما) بإنسانية (ليبراليته) التي أذاقت العالم من ويلاتها في عقد من الزمن ما لم يذقه في قرون!






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:11 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

14

الإنسان الأول


((ذلك أن كل إنسان يسعى الى أن يقيمه زميله كتقييمه لنفسه. فإن بدرت من زميله بادرة تشير الى احتقاره أو الانتقاص من قدره، كان من الطبيعي أن يحاول، بقدر ما تواتيه الجرأة، أن ينتزع أكبر قدر من التقدير ممن ناصبوه الاحتقار، عن طريق إيذائهم، ومن الآخرين بجعلهم عبرة لهم)).
توماس هوبز[ الوحش البحري المخيف]

(1)

لم تظهر الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة من خلال ضباب التقاليد، وإنما خلقها البشر عامدين عند نقطة معينة من التاريخ. وليس من السهل تحديد بدايات ظهور الليبرالية نظريا، وحتى إن كان كارل ماركس هو من نبه على وجودها، فإن التعرف على آراء (توماس هوبز) سيعطينا فكرة أنه سبق غيره في التفكير بطريقة ليبرالية.

لقد اتصف (هوبز) بهجومه على الإنسان الطبيعي (الفطري) ووصفه بأنه وحيد، فقير، قميء، متوحش، قصير العمر. كما اتصف بهجومه على الحكومات وربط شرعيتها بقبول المحكومين لها، واستنكر ما وصف في عهده بالحق الإلهي الذي يتمتع به الملوك ويطلبون من الشعب القبول به دون مناقشة.

يصنف هوبز دوافع النزاعات عند البشر الى ثلاثة أسباب رئيسية: أولها التنافس وثانيها فقدان الثقة بالنفس وثالثها المجد.

وقد تدفع الرغبة في المجد الناس الى الغزو بسبب تفاهات، ككلمة قيلت، أو ابتسامة، أو رأي مخالف، أو أية إشارة تحمل في طياتها الاحتقار، إما للأفراد أنفسهم، أو لأولادهم وأقاربهم، أو لأصدقائهم، أو لأمتهم، أو لمهنتهم أو لاسمهم.

وقد يتنازع الناس في رأي (هوبز) على الضروريات، غير أن الأغلب أن يتنازعوا على التفاهات، وبعبارة أخرى من أجل نيل الاعتراف والتقدير. ولا تحسب الخسارات المادية في مثل تلك النزاعات. وهذا الشيء أطلق عليها (هيجل) العاطفة الإنسانية الشاملة للكبرياء واحترام الذات أو الغرور والصلف والأنانية في شكل آخر.

(2)

الخوف من الموت على حلبة الصراع.
هذه النقطة هي التي تجعل المغلوب و المهزوم أن يعيش في شكل دوني (عبد) مع الغالب والمنتصر (سيد). وتلك النقطة يلتقي بها هوبز مع هيجل، إلا أن هوبز يعتبر هذا الوضع بدائيا وقريبا من عصر الإنسان الأول، في حين يعتبرها هيجل نتيجة طبيعية تحول دون حدوث الفوضى بحيث يكون السيد المنتصر هو من يتحكم في العلاقات بين أفراد الشعب، ويمنعهم من أن يكون أحدهم ضد الكل مجربا قوته في النيل من أي أحد.

لكن هوبز يحاول أن يجد شرطا (وجدانيا)، إذ يطالب الأفراد الذين يريدون أن يجنبوا أنفسهم من الموت، مقابل التمتع بما ينالهم من نفع مادي، أن يتنازلوا عن كبريائهم و تطلعاتهم الذاتية.

من هنا كان سر تسمية أشهر كتبه (الوحش البحري المخيف) بهذا الاسم، وهو يرمز بهذا الرمز الى (الدولة) كونها كائن حي لا يشبع، لقد كان كتاب (هوبز) يسبق الثورة الأمريكية 1776 بعدة سنوات. ويعتبر هو أول من أشر على الروح الليبرالية بشكلها الأولي، وجاءت الثورة الأمريكية لتسير قدما في تطوير تلك الروح!

(3)

كانت رؤية (هوبز) لحكم الملوك أنهم ينزلقون تدريجيا الى الاستبداد. وكثيرا ما يكون من الصعب، دون آلية المؤسسات كالانتخابات التي تسجل رضا الرعية، أن نعرف ما إذا كان هذا الملك أو ذاك يتمتع بمثل هذا الرضا.

كان من السهل على (جون لوك) أن يلتقط تلك الإشارة من جانب (هوبز) فيعدل عليها، بتطوير المؤسسات البرلمانية دون الاضطرار للمس بالنظام الملكي، حيث تكون المؤسسات تضبط أداء الدولة محافظة على رمزية ومركزية الحكم المتمثل بالملك، ومراعية لحقوق الشعب بانتخابه لممثليه في كل مؤسساتهم التي يحكمها الدستور وتضبط حركتها القوانين التي يشرعها ممثلو الشعب، ويباركها الملك المهيوب جانبه من قبل مؤسسات الشعب.

رغم أنه يبدو أن الارتباط بين هوبز والنظام الأمريكي هو الأقوى، لكن الواقع يشير الى غير ذلك، فبالرغم من أن النظام في أمريكا هو جمهوري، إلا أن تأثره بأفكار (جون لوك) أكبر من تأثره بأفكار (هوبز).


تعليق

ليلاحظ القارئ الكريم كيف أن أسس هذا الفكر الليبرالي مهزوزة، يسهل التلاعب بها وتحويلها لتقوم بتفسير ما يريده الكاتب، أو لنقل ما يريده كل أصحاب هذا اللون من التفكير، والذي هو ـ مع الأسف ـ لا تزال السيادة على العالم بيده.

فمن جانب، يريد الكاتب وصف الصراعات بين البشر غير المتمدن (وهو ما اختار له عنوان الإنسان الأول) بأنها تقوم على أسباب تافهة، لا يهم فيها الربح المادي بقدر ما تكون أسبابها آتية من استصغار أو شتم الخصم لمن يبدأ الصراع. ولو أننا بحثنا في الصراعات خلال قرنين من الزمان في كل العالم لوجدنا مسببيها هم من أولئك التي يتغنى برجاحة عقولهم (فوكوياما).

كانت الولايات المتحدة، ولا تزال، كبقعة أرض واسعة، من أخصب وأغنى أراضي العالم، وكان شعبها من أغنى شعوب العالم، فبماذا تريد قياداتهم الليبرالية أن تستقوي من شعب أفغانستان، لتدفعه للتوجه لزراعة المخدرات ولتعطل نموه في كل الأصعدة؟ ألم تتشابه بسلوكها مع حيوانات الغابة التي تبول على حجر أو ساق شجرة لتعلم الآخرين بحدود سيطرتها؟ وهكذا فعلت مع غرينادا وبنما وتفعل مع العراق؟

أي فكر يبشر به هذا الأحمق، وعلمنا أنه تراجع عنه قبل سنتين وتنبأ بتراجع قوة أمريكا، وحماقة سلوك إدارة بوش، رغم أن فوكوياما كان أحد الموقدين لنار غزو العراق.

لكننا نحاول هنا في تلك المساهمة أن نطلع القارئ العربي على الحاضنة التي تخرج منها قرارات تلك القوى التي لا تتركنا نعيش بسلام كما نريد.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:13 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

15ـ إجازة في بلغاريا

(( ثم نطهر مدينتنا الفاضلة من كل هذه الأشياء، بادئين بالأبيات التالية:
إني لأفضل البقاء في الأرض، عبداً لغيري،
عبداً لرجل لا يملك إلا القليل،
على أن أكون سلطاناً على كل الهالكين ...))
سقراط، في جمهورية أفلاطون، الكتاب الثالث

(1)

كعادته، يبدأ (فوكوياما) مقالته بفقرة تعزز مفهوم أن الليبرالية الغربية الحديثة هي وريثة ذلك التراث العميق الإنساني والفكري، وأن تراكم هذا التراث هو من أنتج ذلك اللون من التسيد المطلق الجميل!

ولا ينسى (فوكوياما) أن يربط تلك القيم التي عملت كروافع لإيصال الحالة الراهنة، فيختار أسماء تلك القيم ويربطها بمفكرين معروفين عالميا بانتمائهم للحضارة الغربية فأفلاطون يطلق على تلك القيمة اسم (الثيموس) وميكافيللي يطلق عليها (المجد) وهوبز يطلق عليها (الكبرياء) وألكسندر هاملتون يطلق عليها (حب الشهرة) وهيجل يطلق عليها (الاعتراف من قبل الآخرين بالأهلية والأحقية ) الخ.

ويركز (فوكوياما) على مصطلح (الثيموس) عند أفلاطون، ويعترف بأنه لا يستطيع ترجمته إلا في (الهمة والشجاعة)، وقد يكون مفهوم الثيموس هنا ضائعا بين ثنايا الترجمات ولن نقف عنده الآن.

(2)

يورد الكاتب بعض الأمثلة للتدليل على ما يقصده في موضوع (الثيموس)، ففي المثال الأول: إذا كان هناك شخص عطشان وعرض عليه الماء ويتعرف بخبرته أن الماء ملوث، فإنه سيمتنع عن الشرب!

وفي المثال الثاني يورد مما كتبه سقراط عن جلاد اسمه (ليونتيوس) انتابته موجة من الصراع الداخلي، وهو أمام مجموعة من جثث ضحاياه، فغطى وجهه بكفيه بالمرة الأولى مشمئزا من فعلته، ثم أجبر نفسه (تحت رغبته) على فتح عينيه وخطى نحو الجثث قائلا: أنظرا أيتها العينان الملعونتان وحملقا ما شئتما في هذا المنظر الجميل!

في المثال الثالث: يتعمد الكاتب للحديث عما كتبه (فاسلاف هافيل) الذي كان معارضا سجينا في عهد الحكم الشيوعي في (تشيكوسلوفاكيا) ثم أصبح بعد انهيار المعسكر الاشتراكي رئيسا للجمهورية: كتب يتندر على الحالة السائدة في العهد الشيوعي عن بائع خضراوات يضع بين الجزر والبصل قطعة مكتوب عليها (يا عمال العالم اتحدوا).

يعلق الكاتب متسائلا: هل يعِ بائع الخضراوات ما علقه بين خضراواته؟ وكيف سيتحد عمال العالم بعد أن يشتري بعض المشترين الخضروات منه؟ ولمن تلك الرسالة؟ هل هي رسالة الى العمال فعلا من أجل اتحادهم؟ أما رسالة الى الأجهزة السرية الشيوعية ليقول لها أنه متماشيا معها ولا شأن له بمعارضتها؟

ويتهكم (فوكوياما) كما تهكم من قبله كاتب الفقرة السابقة (الرئيس التشيكوسلوفاكي) ويقول ماذا لو صدرت التعليمات لذلك البائع بأن يضع قطعة مكتوب عليها: (أنا خائف، ولذا فأنا مطيع بدون شك).. يستنتج الكاتب أن البائع لم يكن مكترثا بمعنى اليافطة التي كتبها، فما الضير لو أن عمال العالم اتحدوا؟ فالسبب أن البائع لا يريد أن تُخدش قيمه (الثيموس) إن وضع على يافطته كلاما يصف حقيقته (أنه خائف وجبان).

(3)

إن فكرة عنوان المقالة (إجازة في بلغاريا) تكمن في الجانب الذي أراد فوكوياما أن يستهزئ به وهو أقصى متعة كان من الممكن أن يحصل عليها الشيوعي في ظل الأنظمة الشمولية صورة متدنية جدا عن تلك التي يعيشها المواطن في ظل الليبرالية التي ينادي من أجلها.

تعليق

أولا: فيما يخص الثيموس

في تملصه من تعريف الثيموس، أراد فوكوياما أن يبقي القاعدة التي ينطلق منها ذات شكل مبهم ليركب عليها صورا يضفي عليها طابعا أكاديميا وغير قابل للنقاش.

في حياتنا اليومية، نتقابل مع أشخاص يزعم أحدهم أن يقدم حلولا للمجتمع الذي يعيش فيه خلال حديث لمدة خمسة أو عشر دقائق، كأن يقول: يُقضى على الفساد، ويُصار لتوعية الناس، ويُصار الى تنظيم انتخابات شفافة، ويصار الى نقل التكنولوجية وإشاعة الأمن فتنتهي المشكلة.

لم يفعل ذلك المتكلم، إلا أن استخدم (نائب الفاعل) و (الفعل المبني للمجهول)، وهذا النمط من الحديث والتفكير نشاهده عند عموم الناس، من مثقفيهم الى عامتهم. لكن من سيكون الفاعل الحقيقي ومتى وكيف سيتم تنفيذ ذلك؟ لا يعنيه.

عند الفلاسفة، يُستعاض عن نائب الفاعل والفعل المبني للمجهول، ويتم اختراع (فاعل) له اسم ابتكره ذلك الفيلسوف (لوغوس، ثيموس الخ)

وبالنسبة ل (الثيموس) يستطيع من أراد تتبع ذلك اللفظ أن يجده عند سقراط المقتول عام 399 ق م، ويستطيع أن يجده عند تلميذه (أفلاطون المولود سنة 428 ق م والمتوفى سنة 348 ق م) ثم سيجدها عند أرسطو طاليس تلميذ أفلاطون (ولد عام 384 ق م وتوفي عام 322ق م). ومن أراد متابعة ذلك المصطلح سيجده عند الفارابي في مدينته الفاضلة المتأثرة بجمهورية أفلاطون (وعلى فكرة لم يكن لأفلاطون مثل تلك الجمهورية بل له كتاب اسمه السياسة تناقله بعض الإخباريون باسم (جمهورية أفلاطون).

كما سيجده عند (ابن رشد) ولكن مطعما بمسحة إيمانية، كما هي عند الفارابي، وبعيدة عن الإلحاد كما هي عند سقراط وأفلاطون وأرسطو.

إنها النواميس،(وهناك مؤلف لأفلاطون باسم: النواميس) والناموس مصطلح دخيل على العربية، ويدلل على تلك القيم العليا الثابتة التي تقرها المفاهيم الروحية السائدة، فهي عند فلاسفة المسلمين ترتبط بالعقيدة الإسلامية، وحتى المواطن العادي يستعملها لنقد الآخرين (ناموس ما عنده). إذن فالمصطلح ليس شيئا ثابتا كما هو السماء أو الحجر، بل هو القيمة التي يفترضها الفيلسوف أو المفكر بما يعتقد.

ثانيا: مثال بائع الخضراوات

سهل على أي إنسان أن ينتقي صفة سيئة عند رجل ويركز (الكادر) عليها ليجعلها بصفة كاريكاتورية. فيقول: هو إنسان ولكن أنفه كبير! والصورة التي أوردها فوكوياما، دعنا نبحث عنها عند أصدقاء أمريكا وفي بلادنا بالذات والتي لا يتناولها (فوكوياما) بالتركيز نفسه، فكم شركة ترفع برقيات التهاني لأمير أو ملك أو رئيس جمهورية، وكم فئة تخرج رافعة يافطة صيغت بالكذب والنفاق. وحتى بالولايات المتحدة نفسها، فكم ناخب لا يقتنع لا بالحزب الجمهوري ولا بالديمقراطي، يخرج ويدلي بصوته، ولا يُطلب منه أن يقول عن نفسه جبانا؟

إنه سلوك يلازم ظهور القوة الراهنة التي بيدها الحكم منذ تأسيس الحضارة حتى اليوم، فما أن تنتهي تلك القوة الراهنة، لينتقل التأييد المفتعل الى القوة الراهنة التي سيكون بيدها الحكم






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:13 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

16ـ الوحش ذو الخَدَيْن الأحمرين

(( فإن شاء الله أن تستمر هذه الحرب حتى تضيع الثروة التي جمعها الرقيق خلال قرنين ونصف قرن من الجهد غير المأجور، وحتى تُدْفَع ثمن كل قطرة دم أسالتها السياط قطرة أخرى تسيلها السيوف، فعلينا أن نقول مع القائلين منذ ثلاثة آلاف عام مضت : { إن حكم الله حق لا ريب فيه}. ))
.......... من الخطبة الافتتاحية الثانية لأبراهام لينكولن 1865

يعود الكاتب في هذا الباب والباب الذي يليه بالإشارة لفعل (الثيموس)، وسنكتفي بالباب هذا للوقوف عند قضية الثيموس، التي جعلها الكاتب قاعدة تنطلق منها الحماسة لموقف، وهنا، يضيف الكاتب عما أورده في الباب السابق، بأن الثيموس، ليس لإثارة الفضيلة التي تخص الفرد نفسه كما ورد في جمهورية أفلاطون أو قضية بائع الخضراوات في تشيكيا، بل يتخطى ذلك في إثارة الفضيلة للدفاع عن الجماعة التي ينتمي لها الفرد.

(1)

إن تحرك الفرد في الدفاع عن نفسه مسألة مفهومة، أما أن يتحرك الفرد في الدفاع عن الآخرين، فهذا ما سيخضعه الكاتب على ضوء نظرية الثيموس.

تنبري إحدى النساء للدفاع عن قضايا المرأة، دون أن تأخذ تفويضا صريحا من النساء، ولا تهتم بالكيفية التي ينظر الناس الى تصديها للدفاع عن نساء ربما لم تلتق بهن أو أنهن يستنكرن تصرفها. كذلك يفعل مواطن أسود من جنوب إفريقيا عندما يحارب العنصرية، إنه يفترض أن لا يعترض على كفاحه أحد من أبناء لونه، وربما لا تؤرقه كثيرا الكيفية التي يتعامل معه فيها أبنا لونه. كذلك يفعل ابن أي بلد أو دولة عندما يغمز أحد أبناء غير دولته في شأن يخص بلده، فإنه يتصدى لذلك، دون انتظار كلمة شكر من رئيس دولته أو تكريما من شعبه.

يرجع الكاتب هذه التحركات الفردية لشيء سماه (الثيموس)، وقد سماه (جوزايا رويس) فلسفة الولاء، وقد تعمدت أن أستعرض الكتاب الأخير في نفس الفترة، لإعطاء المزيد من القدرة على التأمل بتلك النظرية.

(2)

يقول الكاتب: إن الرغبة في الاعتراف الناجمة عن الثيموس هي ظاهرة جد متناقضة حيث إن الثيموس هو الأساس النفسي للعدالة والإيثار، وهو مع ذلك وثيق الصلة بالأنانية. وتطالب الذات التي تسيطر عليها الثيموس باعتراف الآخرين بمفهومها عن تقييمها لنفسها ولغيرها، وتبقى الرغبة في الاعتراف في صورة تأكيد الذات وإسقاط قيم صاحبها على العالم الخارجي، وتستنفر مشاعر الغضب حين لا يعترف الآخرون بتلك القيم.

ويؤدي تأكيد الذات الذي تنطوي عليه طبيعة الثيموس الى الخلط الشائع بين الثيموس والرغبة. والواقع أن تأكيد الذات الناجم عن الثيموس يختلف عن الأنانية الناجمة عن الرغبة. ومثال ذلك الخلاف على تحديد الأجور بين الإدارة والتنظيم العمالي في مصنع ما، والذي يفسره علماء الاجتماع السياسي على أنه صراع بين جماعتين مختلفتين، هما جماعة المدراء وجماعة العمال، حيث يتذرع المدراء بأن زيادة الأجور غير ممكنة في إضافة كلفة جديدة تؤدي للخسارة، في حين ترى جماعة العمال أن الأمر يختلف حيث أن المسألة تتمثل في قطع جزء من أرباح المدراء لصالح العمال.

ويرى فوكوياما أن تلك الحالة تشبه حالة بائع الخضراوات الذي لم يكتب يافطة تقول: (أنا جبان) كما لم يكتب العامل في المصنع يافطة تقول: (أنا جشع، أود ابتزاز الإدارة بقدر الإمكان) .. وإذا كان الوجه المعلن لبائع الخضراوات أن قال: (أنا خائف) فإن الوجه المعلن عند عامل المصنع يقول: ( إنني عامل جيد أستحق أكثر مما تعطيني إياه الإدارة، وبفضلي هي تجني أرباحا، وتحرمني من جزء منها، وهذا ظلم).

إن حالة الثيموس هنا، تتجلى لا في إثبات البطولة، بل بتحقيق مزيد من العدالة ورفع الظلم.

(3)

إن الفقر والحرمان هما مفهومان نسبيان لا مطلقان ناجمان عن دور المال باعتباره رمزاً لقيمة المرء. فإن كان حد الفقر الرسمي في الولايات المتحدة مثلا، يمثل مستوى للمعيشة أعلى بكثير من مستوى معيشة الأغنياء في بعض الدول الإفريقية والآسيوية، فلا يعني أن إحساس فقراء الولايات المتحدة سيكون أقل من فقراء دول العالم الثالث، بل سيحسون بإذلال لا يختلف عن غيرهم.

إن القصور في فهم الثيموس (كما يقول الكاتب)، يؤدي الى سوء فهم السياسة والتطور التاريخي. فمن الشائع مثلا تأكيد أن الثورات تنجم عن الفقر والحرمان، أو أن ازدياد الفقر والحرمان يزيد من إمكانية الثورة. غير أن دراسة (توكفيل) الشهيرة للثورة الفرنسية توضح أن العكس تماما هو الذي حدث. ففي السنوات التي سبقت الثورة الفرنسية كان الفلاحون ورجال الأعمال المتوسطين يتفوقون على نظرائهم في شرق أوروبا، التي لم تحدث بها ثورة، وحتى ألمانيا نفسها. لكن ما الذي حدث؟ إن الطبقة الوسطى الفرنسية وفلاحوها الأكثر رخاءً من نظراءهم في الدول الأقل رخاءً كانوا وقودا للثورة الفرنسية في انطلاقها نحو التمهيد للعهد الليبرالي.

(4)

يمر الكاتب على الثورة الأمريكية، للتدليل على الخلط بين مفهوم الرغبة ومفهوم الثيموس، إن تلك الثورة التي ذهب ضحيتها 600 ألف قتيل من مجموع سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم وقتها 31 مليون نسمة، أي بنسبة 2% من السكان، هي ليست بسبب العوامل الاقتصادية التي يظن علماء التاريخ والاقتصاد السياسي أنها وراء تلك الحرب، بمعنى أنها دارت بين الشمال الرأسمالي الصناعي والجنوب الزراعي التقليدي.

وحسب (فوكوياما)، إن الحرب دارت بأسبابٍ غير اقتصادية، بين نظرة الشماليين الراغبين في بقاء الاتحاد، والجنوبيين الراغبين في تركهم وشأنهم ليعيشوا حياتهم كما اختاروها. وهي عند (أبراهام لينكولن: الأكثر حكمة حسب رأي فوكوياما)، حيث قال: ( كل الناس يعرفون أن الرق هو سبب الصراع) فأهل الشمال كانوا ضد تحرير العبيد، وكانوا يرغبون في إنهاء الحرب بحلول وسط، في حين أن أبراهام لينكولن أرادها أن تبقى مشتعلة حتى لو أتت على جهد 250 سنة من النضال ضد التحرر، حتى يحصل من تبقى من الناس على حريته. ويقول فوكوياما: لا يمكن تفسير ذلك إلا بالثيموس.

(5)

بعد أن يعدد الكاتب أمثلة على ما يريد أن يبرهن عليه من أثر الثيموس، يقول: لكن ليس دائما العوامل الكبيرة أو الهامة هي من تحرك الثورات، بل قد يحركها شيءٌ يبدو تافها وضئيلا، كما حدث في براغ عندما قتلت قوات الأمن عام 1989 طالبا، فتجمعت الجماهير التشيكوسلوفاكية في شوارع براغ واستمرت بانتفاضتها حتى أسقطت النظام، وتبين فيما بعد أنه لم يكن هناك طالب قد قتل، بل هي محض إشاعات.

وفي رومانيا تجمع الناس بعد حبس قسيس مجري في مدينة (تيمشوارا) واستمرت الاحتجاجات حتى سقطت حكومة شاوشيسكو في ديسمبر/كانون الأول 1989.

وهكذا، فبرأي الكاتب، عندما تتفاعل عناصر الثيموس وتتخمر فإن أي سبب تافه يحرك الجماهير من أجل الثورة.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:14 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

17ـ السيادة والعبودية

(( الإنسان الكامل الحر حرية مطلقة، الذي يرضيه حاله الذي هو عليه على نحو قاطع ونهائي، هذا الإنسان الذي بلغ حد الكمال والاكتمال بهذا الرضا ومن خلاله، هو العبد الذي "انتصر". فإن كانت السيادة الخاملة طريقاً مسدوداً، فإن العبودية النشيطة هي مصدر كل تقدم إنساني واجتماعي وتاريخي. وما التاريخ إلا تاريخ العبد النشيط))
.................. ألكسندر كوجييف: (مقدمة لقراءة هيجل)

حالة الحرب التي سادت (حياة الإنسان الأول) لم تؤدِ مباشرة الى تأسيس مجتمع مدني قائم على عقد اجتماعي، وإنما أدت الى قيام علاقة بين السيد والعبد، وذلك حين (اعترف) أحد المتحاربيْن البِدائيين نتيجة لخوفه على حياته بسيادة المتحارب الآخر وقنع بأن يصبح عبدا له.

لم تكن علاقة السيد بالعبد علاقة مستقرة في المدى الطويل، نظرا لأنه لا السيد ولا العبد رأيا فيها إشباعا لرغبتيهما في الاعتراف. ويمثل هذا الافتقار الى الرضا "تناقضا" ولد الحافز الى المزيد من التقدم التاريخي.

(1)

هنا، يمارس (فوكوياما) تحريك رغبته في التفلسف في هذه المسألة، ويقول أن الصراعات الدموية التي خاضها العبد تجاه سيده لم تحقق له الاستقرار، بل المزيد من العمل هو ما يحقق للبشرية تقدمها واستقرارها! [شهادة إقرار واضحة بقبول الرق].

أما أسباب عدم الرضا عند السيد والعبد، فإنها في رأي (فوكوياما) تختلف عند السيد الذي بنظره أكثر إنسانية من العبد، لأن السيد استعد للتغلب على طبيعته البيولوجية من أجل هدف غير بيولوجي، وهو (نيل الاعتراف). فهو إذ يخاطر بحياته إنما يثبت أنه حر.

أما العبد فقد استسلم لخوفه من القتل في حلبة الصراع، ويظل بالتالي حيوانا محروما غير قادر على جبريته البيولوجية أو الطبيعية. غير أن افتقار العبد لحريته وعدم اكتمال إنسانيته هما مصدر المأزق الذي يعيشه السيد الذي ينشد اعترافا مطلقا من قبل العبيد بسيادته.

(2)

حتى الاعتراف، عند فوكوياما، له طقوسه. فإن اعترف لك العبد من باب الاحترام لأنه عبد، فهو كالكلب الذي يهز ذيله محييا عند عودتنا للبيت، ولكنه قد يهز ذيله لساعي البريد أو للص.

إن التصفيق ومظاهرات التأييد في الدول الشمولية، يختلف عنه في الولايات المتحدة، فالكل يعلم أن الحافلات تحضر المؤيدين للقادة الدكتاتوريين من أجل الهتاف لهم، لكن الصورة تختلف عند شعب ديمقراطي حر، عندما يخرج الناس طوعا لتحية جورج واشنطن أو إبراهام لينكولن.

من هنا تكمن مأساة السيد في نيل اعتراف الآخرين طوعا، فلا يرضيه أن يجبر الآخرين على الحضور للهتاف له، بل يريدهم أن يأتوا من تلقاء أنفسهم، وكونهم لا يأتون فإنه سيمتعض وسيبحث عن وسائل لتغيير طبائع الناس (العبيد).

(3)

حياة السيد ساكنة دون تغيير، فهو لا يعمل ولا يحب العمل، لأن هناك من يعمل من أجله (العبد)، وحياته قوامها فارغ وتعتمد الاستهلاك، ويمكنه الحصول على كل ما يحتاجه أو يتمناه. مع ذلك قد يضحي السيد بحياته في القتال مع سادة آخرين من أجل السيطرة على إقليم، أو القتال مع أخوانه على وراثة عرش، ولكن كل نشاطه هذا ليس له علاقة بالتقدم والتطور التاريخي.

والعبد بدوره غير راضٍ. غير أن سخطه وعدم رضاه لا يؤديان الى جمود قاتل كما في حالة السيد، وإنما الى تغير خلاق. إنه يستعيد إنسانيته غير المعترف بها من قبل سيده، من خلال العمل، فيدرك عندها أنه كائن بشري يتمتع بأخلاقيات تدفعه ليخترع التكنولوجيا، فالعلم الطبيعي ليس من اختراع السادة الذين يتوافر لهم كل ما يشتهون، وإنما هو من اختراع العبيد المضطرين الى العمل والساخطين على وضعهم الراهن.

لم يقل (فوكوياما) أن اتجاه العبد للعمل هو رغبة منه لتغيير الطبيعة التي تضم السادة بين جناحيها، فبتغيير الطبيعة تتغير العلاقات بين السادة والعبيد. لم يقل ذلك ولكنه كاد أن يقوله.

(4)

العبد لا يبدأ بتحدي سيده، وإنما يمر بعملية طويلة عسيرة من تعليم الذات، فيتعلم التغلب على خوفه من الموت، والمطالبة بالحرية التي هي من حقه. وإذ يفكر العبد في حالته وفي المفهوم النظري للحرية، يطرح صورا عديدة مبدئية عن الحرية قبل أن يتبنى الصورة الحقيقية. هذه الصور المبدئية يسميها هيجل وكارل ماركس بالأيديولوجيات.

ثم يمضي (فوكوياما) بالتدرج بتلك الأيديولوجيات، ليقول أن بعض الفلاسفة قد أعلنوا أن الدين (هنا يقول المسيحية) بأنه قدم أيديولوجية واضحة عن فكرة المساواة لتهدي العبيد الى طريق تتشكل فيه مطالبهم بالحرية.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:14 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

18ـ الدولة العامة والمتجانسة

(( وجود الدولة هو سبيل الله في الأرض))
.................. ج. ف. هيجل [فلسفة الحق]

يُعتبر هذا الفصل من أهم الفصول، كونه يناقش الفهم العام لمسألة الدولة، والفروق الدقيقة بين هذا الفهم بين الليبراليين والماركسيين. ويُعتبر هيجل المساحة البينية بين الفهمين. إذ يستند إلى نظرياته كل من الليبراليين والماركسيين باعتباره مفكرا مؤسسا لأفكارهم.

وإننا ونحن ننتبه الى وجه الخلاف الدقيق بين الفهمين، ندعو القارئ للاستزادة في هذا الموضوع بالاطلاع على ما كتبه المفكر العربي المغربي ( عبد الله العروي)*1 وكيفية مقاربته للفهم الذي أشار إليه هيجل مع الفهم العام الإسلامي لفكرة الدولة، وواقعها الذي تعيشه منذ مدة مأزومة في هذا الشأن، وقد نعود لكتاب العروي في عرض مستقل مستقبلا.

(1)

كانت الثورة الفرنسية في رأي هيجل هي الحدث الذي تبنى الرؤية المسيحية عن مجتمع الحرية والمساواة، وحققه هنا على الأرض. وقد خاطر العبيد السابقون بحياتهم بقيامهم بهذه الثورة، فأثبتوا أنهم تغلبوا على خوفهم من الموت الذي جعلهم في الماضي عبيداً. ثم انتقلت مبادئ الحرية والمساواة الى سائر الدول الأوروبية مع زحف جيوش نابليون الظافرة.

وكانت الدولة الديمقراطية الليبرالية الحديثة التي نشأت في أعقاب الثورة الفرنسية مجرد تجسيد للمثال المسيحي عن الحرية والمساواة العامة بين البشر. ولا يعني هذا أنها كانت محاولة لتأليه الدولة أو إضفاء طابع ميتافيزيقي عليها لا نجده في الليبرالية الأنجلوسكسونية.

الفرق بين الفهم الهيجلي والليبرالي الأنجلوسكسوني، هو أن الدولة في مفهوم الأخير كما جاء على لسان (هوبز ولوك) ممن وضعوا الدستور الأمريكي وكتبوا إعلان الاستقلال، هو ثمرة لعقد اجتماعي بين أفراد لهم حقوق طبيعية معينة، أهمها الحق في الحياة (أي في الحفاظ على الذات) أو حق السعي من أجل السعادة الذي فهمه الناس على أنه يعني الحق في الملكية الخاصة.

أما هيجل فلا تعني عنده الديمقراطية الليبرالية أنها تتيح لنا حرية كسب المال وإشباع جوانب الشهوة في نفوسنا، فالأهم والأجدر بإرضائنا في النهاية ما تتيحه هذه الديمقراطية من الاعتراف بكرامتنا.

(2)

كل المجتمعات تقريباً السابقة على الثورة الفرنسية كانت إما ملكية أو أرستقراطية، لا يُعترف فيها إلا بشخص واحد (الملك)، أو بأشخاص قليلين (الطبقة الحاكمة أو الصفوة).

لقد جاءت الثورة الفرنسية معبرة عن (روح عام 1776): التي تمثلت بالعبارة (لا لانتصار جماعة جديدة من السادة، ولا بزوغ إحساس جديد من العبودية، بل تحقيق السيادة للذات في صورة حكومة ديمقراطية).

الوطنية هي مظهر من مظاهر الرغبة في نيل الاعتراف من الآخرين. والوطني مشغول بصفة أساسية لا بالكسب المادي وإنما باعتراف الآخرين به وتحقيق كرامته. غير أن الاعتراف الذي يريده المرء ليس الاعتراف به كفرد، وإنما الاعتراف بجماعة هو عضو فيها. وبدلا من أمراء أفراد يسعون وراء المجد الشخصي، لدينا الآن أممٌ بأسرها تطالب بالاعتراف بقوميتها. هذه الأمم أثبتت استعدادها للمخاطرة بالحياة في سبيل الاعتراف بها.

(3)

يستدرك (فوكوياما) القول، فيشير الى أن الرغبة في الاعتراف القائمة على أساس من الوطنية أو العرق ليست رغبة عقلانية. فالتمييز بين الإنسان وغير الإنسان هو وحده التمييز العقلاني، فالبشر وحدهم هم الأحرار، بمعنى أنهم قادرون ـ كأفراد ـ على الصراع من أجل المنزلة الخالصة.

نجد أن التمييز بين جماعة وأخرى من البشر هو ناتج جانبي وعرضي وتحكمي للتاريخ الإنساني. ويؤدي الصراع بين الجماعات القومية من أجل الاعتراف بالكرامة الوطنية على نطاق دولي، الى نفس المأزق الذي تؤدي إليه المعركة من أجل المنزلة بين السادة والعبيد، فتصبح أمة ما سيداً وأخرى عبداً! [سنعلق على تلك الفقرة فيما بعد]

(4)

يشرح (فوكوياما) الكيفية التي تتعامل بها الليبرالية مع (الآدميين). يقول: يولد الطفل في الولايات المتحدة أو فرنسا، أو أي دولة ليبرالية أخرى، وله حقوق معينة في المواطنة، وليس من حق أحد أن يلحق الأذى بحياة ذلك الطفل سواء كان غنيا أو فقيرا، أسود أو أبيض. يحق له التملك والانتخاب وممارسة شعائره الدينية، ويحق له الترشح لكل المناصب، ويكتب بالصحف.

يستبق فوكوياما ما قد يتعرض له من انتقاد فيقول: قد يعترض متخصص في فلسفة هيجل من فوره قائلا: إن هيجل كان يعترض على مفاهيم (هوبز ولوك) والنهج الذي تقوم عليه الليبرالية الإنجلوسكسونية، والتي تمثل في نظر فوكوياما نهاية التاريخ، ويضيف قد يكون المعترض محقا إذا كان نهج الدولة الليبرالية لا يسير إلا لتحقيق مصالح القائمين عليها! [ سنربط التعليق على ذلك مع سابقه].

(5)

يختتم فوكوياما هذا الفصل بالتطرق لوظائف الدولة الليبرالية، فيقول: إن مهمة الدولة تتجلى في الاقتصاد والاعتراف. أي تنمية اقتصاد الدولة وتأمين الاعتراف بأفرادها بما يشبع (الثيموس : الكرامة، الناموس أي شيء) .

تعليق:

لا يريد فوكوياما أن يُفسد صورة العولمة التي تمثل مرحلة (ما بعد الإمبريالية) والتي باعتقاده وباعتقاد أمثاله من الأمريكان أنهم قد وصلوا إليها، أو وصلوا لقيادة العالم بها، فلا يريدون من ينغص عليهم (أمركتهم للعالم الذي يسمونه عولمة). فيعتبر النشاط الفردي مسموح فيه طالما أنه يخضع لسيطرتهم ولكنه لا يجيز لجماعات قومية أو دينية أن تعترض على نهج أمريكا (من ليس معنا فهو ضدنا ـ بوش).

لكن هذا النهج مسموح للأمريكان في اللعب به لزعزعة الدول التي لا تشاطرهم رؤيتهم، فهم يدعمون أكراد العراق بالانفصال، ولكنهم يقبضون على (عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني) ويسلمونه لأصدقائهم في تركيا.

هم يدعمون القبض على الرئيس السوداني، ومحاكمته دوليا، ولكنهم لا يطيقون انتقادهم في جرائمهم بالعراق أو جرائم ربيبتهم (إسرائيل) في غزة وفلسطين.

إنه نفس النهج الذي يتغنى به مادحا الثورة الفرنسية، والتي لم تجز ـ في مبادئها ـ احتلال أرض الغير. لكنها وبعد مضي عشرة سنوات على ولادتها قامت بغزو مصر واحتلال أرضها. وعندما كان يواجه المدافعون عن مبادئ الثورة الفرنسية بذلك، يقولون أن تلك المبادئ وضعت للفرنسيين وليس للمصريين!

هامش
*1ـ عبد الله العروي/ مفهوم الدولة/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي ط7






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 12:15 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نهاية التاريخ / فوكوياما

الجزء الرابع: القفز فوق رودس.

20ـ أشد الوحوش لا مبالاة

{ (( في مكان ما ثمة بشر وقطعان. لكنهم ليسوا هنا حيث نعيش يا إخواني. فهنا ثمة دول. آه، دولة؟ وما الدولة؟ فلتصغوا جيداً إلي. ففي نيتي أن أحدثكم الآن عن مصرع الشعوب)).

(( الدولة هي اسم أشد الوحوش لا مبالاة. وهي تكذب أيضاً في لا مبالاة. وتخرج الكذبة من فمها فتقول: أنا الدولة، أنا الشعب. وهذا محض افتراء! فالخالقون هم الذين خلقوا الشعوب وزودوها بالإيمان والمحبة وبذا أصلحوا الحياة)).

(( أما من ينشدون العدم فينصبوا الفخاخ في طريق الكثرة ويسمونها دولة، ويشهرون السيف ويغرسون في النفوس عشرات الشهوات)).

(( وهذه آية أسوقها إليكم: كل شعب له لغته الخاصة عن الخير والشر لا يفهمها جاره. قد اخترع لغته عن عاداته وحقوقه. أما الدولة فتكذب بكل لغات الخير والشر. وكل ما تقوله كذب. وكل ما تملكه قد سرقته)). }

...اقتباس من كتاب: هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف فريدريك نيتشه

(1)

في نهاية التاريخ ليس ثمة منافسون أيديولوجيون للديمقراطية الليبرالية!

هكذا يبدأ فوكوياما أول سطر من مقالته بعد الاقتباس السابق. فيقول: كان الناس في الماضي يفضلون الحكومات الثيوقراطية (الدينية) أو الإمبراطوريات أو الحكومات الشمولية على الديمقراطية الليبرالية. أما اليوم، وإذا استثنينا العالم الإسلامي، فإن كل الشعوب تتجه للديمقراطية الليبرالية.

يستدرك ذلك بتساؤل: حسنا إذا كانت تلك الشعوب والدول تتجه الى الديمقراطية الليبرالية، فلماذا لم تحققها، وإن حققتها لماذا سرعان ما تتخلى عنها أو أنها لم تصنها؟

ثم يستعرض دول العالم التي اتجهت الى الديمقراطية الليبرالية منذ أكثر من قرنين، ولم يجد إلا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد حافظتا على تقاليد الديمقراطية الليبرالية! في حين وصل عدد الجمهوريات في فرنسا الى خمس جمهوريات، أي أن ديمقراطيتها لم تكن مستقرة. ودول في أمريكا اللاتينية قد استقلت عن إسبانيا وأسست ديمقراطيات، لكنها سرعان ما كانت تنقلب عليها بانقلاب عسكري.

(2)

يدخل هنا فوكوياما بتحليل الأسباب: فيقول: أن السبب وراء أن الديمقراطية الليبرالية لم تعم العالم، ولم تستطع الاستقرار في بعض الدول، يعود لقصور التجاوب بين الشعوب والدول. فالدول تشكيلات سياسية ذات هدف، أما الشعوب فجماعات معنوية سبقت الدول في الظهور. وهي كما وصفها نيتشه بالاقتباس السابق أن لكل شعب لغته الخاصة عن الخير والشر.

والدول تفرض نفسها على الشعوب من القمة. وهي أحيانا تُشكل الشعوب. فإن كان هم الدولة سياسيا، فهم الشعب لا يكون كذلك، فلذلك تعيش معظم دول العالم في حالة صراع مع شعوبها. فالدولة الشمولية مثلا، في الصين والاتحاد السوفييتي السابق كانت تسعى لهداية الشعب للطريق الاشتراكي على عكس رغبة تلك الشعوب.

نحن إذا تمعنا بنصوص نيتشه، سنجد أن الثقافة لدى شعب تنبع من قدرته على التقييم، وفق تراثه، ففي أمكنة ما في العالم أن الشخص الذي يطيع والديه إنسانٌ صالح، أو أن الإنسان الذي يتناول لحم الخنزير إنسان طالح. إنها قيم لأناس لا تستطيع بالقوة أن تجعلهم يغيرونها.

يخلص فوكوياما في هذه الفقرة الى القول بأن الإنسان حتى يصبح مهيأ لأن يكون ديمقراطيا ليبرالياً، عليه أن يكون: مشاركا و عقلانيا و علمانيا ومتحركا ومتسامحا.

(3)

ما هي العناصر الثقافية التي تعرقل تأسيس الديمقراطيات الليبرالية المستقرة؟

أولا: عناصر تتعلق بدرجة وطبيعة الوعي القومي والعرقي والجنسي في دولة من الدول. ليس هناك تناقض بين الوطنية والليبرالية (الكلام لفوكوياما) بل أنهما في كثير من الأحيان يكونان متحالفتين. (توحيد ألمانيا وإيطاليا في القرن19) انتفاضة بولندا في ثمانينات القرن20 ضد الارتباط بالسوفييت (نقابة تضامن).

غير أن الديمقراطية لا يمكن أن تنشأ في دولة تكون فيها النزعة الوطنية أو العرقية مبالغا فيها. لذلك نجحت الديمقراطية في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا (حيث الشعور بضرورة التوحد) ولم تنجح في جنوب إفريقيا (في عهد الفصل العنصري) أو في بيرو حيث أن الطبقة الحاكمة من البيض لا تعادل سوى 11% من السكان (89% هنود حمر)

ثانياً: الدين، يشير فوكوياما أن الديمقراطية لم تأخذ طريقها، إلا بمساعدة البروتستانتية التي نحت جانبا تدخل الكنيسة في الحكم. وقد كان للعلمانية دور كبير في ذلك، كما كان للعلمانية دور في الدول البوذية والكونفوشيوسية. أما الإسلام واليهودية، وبالذات الإسلام فهو يدعو للعدل كما تدعو المسيحية للعدل، لكن لا يحبذ المسلمون الليبرالية ولا الديمقراطية، وهم ينظرون نظرة ريبة نحو الدول الإسلامية التي تحاول التحول للمجتمعات الديمقراطية والليبرالية كتركيا.

ثالثا: العائق الثالث له علاقة بالاستعداد الشعبي لقبول الديمقراطية الليبرالية، فقد ولد الأمريكان والبريطانيون متساوون! لذلك كان سهلا لديهم قبول ذلك النظام، أما دول مثل البرازيل والأرجنتين والدول التي ورثت نظام الدول المستعمرة كإسبانيا والبرتغال، فإن المساواة معدومة، وتقبل النظام الديمقراطي صعب.

رابعاً: العائق الأخير يتعلق بقدرة المجتمع على أن يخلق بنفسه مجتمعا مدنيا سليماً، أي ما يسميه (توكفيل) (فن المعاشرة) دون الاعتماد على الدولة. وقد أشار (توكفيل) أن مسار الديمقراطية يكون أفضل ما يكون عليه عندما يصعد من القاعدة الى القمة، لا العكس. فتنظيم الناس لنقاباتهم وجمعياتهم وتكوين رؤى في تلك التجمعات، كما أن تكون الجامعات والمدن لها تنظيماتها المدنية، فإنها ستعرف الشكل الذي يجب أن يكون عليه شكل الديمقراطية وشكل قوانينها.

(4)

لا يمكن للديمقراطية أن تأتي من الباب الخلفي. بل ينبغي أن تنشأ عن قرار متعمد بإقامة الديمقراطية، ويبقي مجال السياسة بعيدا عن المجال الحضاري المدني، كما يجب أن يكون القائمون على ذلك النظام من الساسة الأكفاء الذين يفهمون فن السياسة فهما حكيما، ولديهم قدرة واضحة على تحييد القوات المسلحة في التدخل بشؤون السياسة والحضارة.

ويذكر الكاتب في نهاية هذا الباب، اندهاشه من التجربة الهندية التي لم يتوفر فيها شرطٌ واحد من الشروط التي ذكرها في تحقيق الديمقراطية، فبالرغم من التدني الحضاري وفقر الدولة وانخفاض مستوى التصنيع، وعدم التماسك القومي وليست بروتستانتية إلا أنها حققت ديمقراطية مستقرة تعيش منذ أكثر من ستين عاما.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:04 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator