العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-04-2010, 05:30 PM رقم المشاركة : 281
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

" هات السفير وكبير الخبراء والمترجم الساعة التاسعة مساء " .

وعندما وصلوا صعدنا إلى حجرة نوم الرئيس ، حيث أبلغا الرئيس بموافقة القيادة السوفيتية على مطالبه وأن المعدات وقطع الغيار المطلوبة قد وصلت فعلا مساء اليوم إلى مطار ألماظة الحربى .
ثم تحدث معهما الرئيس بعد ذلك قائلا :
" أنا مصاب بأزمة قلبية وبالنسبة للصديق عندما يعرف فلها مردود معين .
فقاما بعرض خدماتهما وتساءلا عما يمكن أن يقدمه الاتحاد السوفيتى فى هذا الشأن . ولم يمانع الرئيس قائلا لهما : " شوفوا إنتم حا تعملوا إيه وبلغوا سامى أو أنور السادات " . ومن ثم فقد حضر لزيارة القاهرة الدكتور " شازوف " نائب وزير الصحة السوفيتى وفحص الرئيس مرتين فى سنة 1969 و1970 وكان ذلك يتم بحضور ومشاركة الأطباء المصريين المعالجين للرئيس منصور فايز ومحمود صلاح الدين والصاوى حبيب .
ولم يمر يوم انقطع فيه الرئيس عبد الناصر عن متابعة كل أمور الدولة وبالذات الناحية العسكرية بكل دقة وإصدار التوجيهات والقرارات ، كما لم يمر أسبوع حتى عقد اجتماعا لمجلس الوزراء ، وأذكر أننا ونحن فى القاعة وقبل الاجتماع بالرئيس أن اتفقنا على أن نمتنع عن التدخين مجاملة له حيث كان هو قد امتنع عن التدخين ، إلا أنه بعد أن انعقدت الجلسة وبعد مضى حوالى عشرة دقائق أن لاحظ أن أحدا لم يشعل سيجارة ، فقال وهو يضحك : "هو أنتم بطلتم شرب السجاير ولا إيه ؟ أنتم ما بتشربوش سجاير ليه ؟ فلم يرد أحد .. فقال : "طيب أنا مبطل سجاير أنتم مالكومش دخل واللى بيشرب سجاير منكم يتفضل يولع سيجارته".
وكل ما يمكن قوله أننا ـ مكتب سكرتير الرئيس للمعلومات ـ حاولنا التخفيف عنه بقدر الإمكان ، لكنه عاد بعد هذه الأيام العشرة للاستغراق مرة أخرى فى العمل بنفس المعدلات مخالفا بذلك نصائح أطبائه وبخاصة فيما يتعلق بعدم الإطالة فى الوقوف أو ضرورة إلقاء خطاباته العامة وهو جالس ، الشىء الذى لم يستجب له بأى حال .

ـ 2 ـ
وخلال شهر أغسطس 1970 آثر أن يتفرغ للتخطيط الإستراتيجى للدولة والابتعاد عن القاهرة بمشاكلها اليومية التى لا تنتهى ، فسافر إلى المعمورة
وفى أوائل سبتمبر1970 كان عليه أن يدرس خطط معركة التحرير مع الفريق محمد فوزى ويصدق على مراحلها ، فآثر أن يبتعد أكثر فاتجه إلى برج العرب ومنها إلى مرسى مطروح حتى يتفرغ تماما لهذه القرارات التاريخية ، وبالفعل صدق على المرحلة الأولى من الخطة .
وهناك فى مرسى مطروح كانت مؤشرات الأزمة بين الملك حسين والحكم الأردنى من ناحية والمقاومة الفلسطينية قد بدت تتجمع فى الأفق وبدا أنه من الصعب تفاديها وجاء إليه فى مرسى مطروح معمر القذافى وأثناء اجتماعاتهما وجه العقيد القذافى إلى الرئيس ما يشبه العتاب حيث تساءل كيف يجلس الرئيس هنا فى مطروح تاركا الأزمة تتفاعل دون ضوابط ، فطلب إليه عبد الناصر أن يرفع سماعة التليفون الموجودة إلى جواره فاستغرب العقيد الطلب، لكن عبد الناصر أصر على طلبه ، فرفع القذافى السماعة وكنت أنا على الطرف الآخر متوقعا أن الطالب هو الرئيس فقلت الكلمة المعتادة " أفندم ؟ " ولكنى سمعت صوت عبد الناصر يقول للمتحدث أن يستفسر عمن معه فى هذه اللحظة ، فقلت له أنا سامى يا سيادة العقيد 0 فلما طلب منه عبد الناصر أن يستفسر منى عمن يكون متواجد معى فى هذه اللحظة فقلت له موجود معى كل من محمود رياض وشعراوى جمعة وأمين هويدى ومحمد حافظ إسماعيل ومحمد أحمد صادق تتابع ما يجرى فى عمان لحظة بلحظة حيث معنا على الجانب الآخر سفيرنا هناك وغرفة العمليات فى المخابرات العامة والمخابرات الحربية . . عندها فقط اطمأن القذافى من أن عبد الناصر على بينة من كل ما يحدث من تطورات الأحداث لحظيا.
وكان ما كان من تطورات قادت إلى انعقاد القمة العربية الطارئة التى عالجت أحداث سبتمبر ـ أيلول الأسود ـ فى الفترة من 21 حتى 27سبتمبر1970 فى فندق الهيلتون بالقاهرة حيث أقام جمال عبد الناصر به طوال فترة انعقاد المؤتمر.
وفى الساعة الحادية عشر من مساء يوم 27سبتمبر غادر الرئيس عبد الناصر فندق النيل هيلتون عائدا إلى منزله فى منشية البكرى بعد انتهاء اجتماعات القمة ، ولكنه بدلا من الخلود إلى الراحة عقد اجتماعا بالعقيد القذافى فى منزله وظل يتابع ردود فعل المؤتمر ومدى تنفيذ الطرفين لقرارات القمة حتى فجر يوم 28سبتمبر1970 .
وفى هذه الليلة التقى عبد الناصر مع عائلته الصغيرة لأول مرة منذ أكثر من أسبوع وعندما دخل غرفة نومه وكان التليفون المعتاد الليلى الأخير بينه وبينى قال لى :
" يا سامى إحنا حا نعمل إيه فى خالد بالنسبة للتجنيد لما يخلص الكلية السنة دى ؟ " فقلت له : " هل فى ذهن سيادتك قرار محدد أم ترى أن أتتشاور مع الفريق فوزى حول هذا الموضوع ؟ " . فقال : " أنا شايف إنه يجند ويلحق بالحرس الجمهورى كفرد عادى تحت إشراف الليثى ، لأنى أخشى لو جند فى أى وحدة أخرى فسيكون موضع محاباة ولن يستفيد من فترة التجنيد ، لكن فى الحرس وتحت أنظارك إنت والليثى سيعامل المعاملة العادية كجندى بسيط دون مجاملات أو محاباة . . وإلا إيه رأيك ؟ وعلى العموم خذ رأى فوزى والليثى ونتكلم بكرة فى هذا الموضوع ، ثم سأل عن آخر أخبار جبهة القتال وعمان وأطفأ الأنوار وكانت الساعة تقترب من الثانية صباحا.
وفى الحادية عشر من صباح اليوم التالى 28 سبتمبر توجه بإصرار إلى مطار القاهرة لتوديع باقى الرؤساء والملوك المغادرين القاهرة واحد تلو الآخر ، وكنا قد حاولنا ـ أكثر من مسئول ـ أن يكتفى الرجل بما قام به من مجهود وأن ينوب عنه كبار المسئولين فى توديع المغادرين ولكنه أصر على استكمال عملية التوديع بنفسه كما استقبلهم بنفسه . وقد عاد إلى منشية البكرى قبل أن يعود مرة أخرى للمطار لتوديع آخر المغادرين ـ أمير الكويت ـ وفور وصوله إلى منشية البكرى اتصل بى مستفسرا عن أى جديد فى الموقف وقد أبلغته بكل الأخبار والمواقف التى استجدت فى هذه الفترة وفى نهاية حديثى رجوته أن يأخذ حقه بقسط من الراحة واقترحت عليه ملحا أن يوافقنى على بدء اتخاذ ترتيبات السفر للإسكندرية أو برج العرب بالقطار ـ لتفادى السفر بالسيارات ـ وكان رده :
" طيب يا سامى ما فيش مانع نقوم بكرة بالعربيات لبرج العرب . " فقلت : ما سيادتك تركب القطار أريح . فقال : " مافيش مانع بس ما ترتبشى حاجة إلا لما أقول لك بعد ما أرجع من المطار . "
وأعتقد أن القارئ على بينة من حجم المجهود الذى يبذل فى عمليات التوديع والاستقبال بين الرؤساء وما بين مرافقة الضيف فى توديع الحاضرين من كبار المسئولين واستعراض حرس الشرف وأداء النشيد الوطنى لكل دولة ، وكلها إجراءات يتم تنفيذها والرئيس يقف على قدميه .
المهم أن بعض الأخوة المرافقين للرئيس اتصلوا بى فى أعقاب مغادرة أمير الكويت وأبلغونى أن الرئيس شعر بالتعب بعدما قبل الأمير قبلة الوداع ، وأنهم لاحظوا أن قدميه لن تتحمل الانتظار فتم استدعاء السيارة إلى حيث يقف وهو فى الطريق إلى المنزل حيث صعد إلى الدور الثانى لملاقاة أعضاء الأسرة الذين كانوا فى انتظاره لتناول طعام الغذاء الذى تناوله على عجل ودخل إلى غرفة نومه حيث اتصل بى مستفسرا عن آخر المعلومات . . وقطع المكالمة دخول جمال الصغير ـ ابن أشرف مروان ومنى عبد الناصر ـ إلى غرفة نوم جده ليطلب منه كما عوده ، قطعة من اللبان أو الشوكولاته وقال لى الرئيس ، ابقى ابعث لى بكمية جديدة من اللبان والشوكولاته لأن العلبة فرغت. . واستكملنا الحديث حيث كررت على الرئيس ـ دون إشارة إلى ما حدث فى المطار ـ ضرورة السفر للإسكندرية وأنى سأبدأ من الآن ترتيبات إعداد القطار ليغادر محطة سراى القبة فى العاشرة من صباح اليوم التالى فلم يمانع وقال لى سأبلغك بعد الظهر عمن سيرافقنا فى هذه الإجازة .
وفى هذه اللحظة وصلتنى رسالة عاجلة تفيد أن العملية التى كان سيقوم بها بعض عناصر المقاومة الفلسطينية ضد طائرة الملك حسين عند هبوطها إلى مطار عمان قد ألغيت بناء على تدخل من الرئيس .. تم فى الصباح الباكر من هذا اليوم باتصال تم من جانبى معهم لتفادى تنفيذ هذه العملية بناء على رغبة شخصية من عبد الناصر ، وقد استجاب الأخوة فى عمان لهذه الرغبة وألغيت العملية . . فقمت بإبلاغ الرئيس بنص الرسالة فقال : الحمد لله ، إنت عارف يا سامى رأيى . . الدم بيجيب دم . . "
طلب عبد الناصر منى بعد ذلك أن أذهب إلى بيتى لتناول طعام الغذاء وأنه سوف يستريح قليلا . وبالفعل غادرت إلى منزلى بعد ذلك بحوالى نصف الساعة أى حوالى الرابعة بعد الظهر .
وفى الساعة الخامسة إلا عشر دقائق تقريبا اتصل بى على الخط الساخن فؤاد عبد الحى السكرتير الخاص المناوب فى هذا اليوم لغياب محمد أحمد الذى أعطاه الرئيس الإذن بالتغيب لحضور حالة وضع لزوجته قائلا له : " على الله يا محمد يجىء لك المرة دى الولد الذى تنتظره" ـ لأن محمد أحمد كان كل أولاده من البنات ـ . . كان فؤاد عبد الحى يبكى وقال لى ما نصه : " إلحقنى يا أفندم . . سيادة الريس تعبان . . تعالى حالا ! "
فى تلك اللحظة أصابنى إحساس غامض انقبض له قلبى . . ونزلت بسرعة بعد ما بلغت شعراوى جمعة تليفونيا بأنى سأمر عليه فتساءل باندهاش عما حدث فقلت له موش وقته.. إلبس هدومك و لما آجى لك سأحكى لك ما حدث . ومررت على شعراوى فى منزله المجاور لمنزلى ووجدته منتظرا على بابه واصطحبته فى السيارة التى كنت أقودها بنفسى وكرر سؤاله فقلت له أن الريس عاوزنا دلوقت . فقال هل هو طلبنا ؟ فقلت له : لا هو تعبان شوية كما أبلغنى فؤاد عبد الحى . وكنا قد وصلنا إلى منشية البكرى فى تلك اللحظة حيث تركت السيارة أمام الباب الرئيسى ثم صعدنا مباشرة إلى الدور الثانى و إلى غرفة نوم عبد الناصر وكان نائما على سريره مغمض العينين ويديه إلى جانبه و مرتديا بنطلون بيجامة رمادى فاتح بخط أزرق عليه فانلة سبور وبدون جاكتة ، وحوله الأطباء زكى الرملى ومنصور فايز والصاوى حبيب يمارسون عملهم فى سكون مطبق وبعد قليل وصل الدكتور طه عبدالعزيز من الحرس الجمهورى ، وكانت الأجهزة وأنابيب الأوكسيجين منصوبة إلى جوار السرير والأسلاك ممدودة إلى أجزاء مختلفة من الجسم الساكن للزعيم الثائر . وبعد وصولنا مباشرة بدأ الأطباء فى إجراء صدمات كهربائية للقلب علاوة على محاولات التدليك اليدوى للصدر و التى كانوا يقومون بها طوال الوقت ووصل بعد ذلك بقليل حوالى الساعة1725 كل من الفريق فوزى وعلى صبرى الذى وصل حوالى الساعة1740 وهما الذين كلفت مكتبى بالاتصال بهما مع آخرين من المسئولين ووصل السيد أنور السادات حوالى الساعة1845 تصحبه السيدة جيهان وحسين الشافعى الذى وصل حوالى الساعة1745 وحافظ إسماعيل وأمين هويدى ومحمود رياض الذين وصلوا ما بين الساعة 1850 /1900 ومحمد حسنين هيكل الذى وصل حوالى الساعة1750 و محمد أحمد الذى وصل حوالى الساعة1800 ثم توالى حضور الباقين تباعا كمحمد أحمد صادق وحسن التهامى و آخرين إلى منشية البكرى ولم يستطع كل من أمين هويدى ومحمود رياض الوصول مبكرين لوجودهم فى أماكن بعيدة فى ذلك الوقت وكان آخر من وصل حوالى الساعة السابعة إلا ربع مساء السيد أنور والسيدة جيهان السادات التى كانت ترتدى فستان أخضر اللون وكان وصولهما بعد أن تأكد وفاة عبد الناصر ولم يلحق السادات بنا فى الدور العلوى لأننا كنا قد نزلنا للدور الأرضى لتقوم العائلة بإلقاء نظرة أخيرة على الفقيد الغالى ، وقد صعد بمفرده إلى الدور العلوى حيث ألقى نظرة أخيرة على الجثمان المسجى ثم نزل ليلحق بنا فى الصالون الرئيسى فى الدور الأرضى .
وكان الفريق فوزى أثناء وجودنا إلى جوار سرير عبد الناصر غير متقبل فكرة أو احتمال رحيل الرجل فلم يتقبل التصرف العادى للأطباء فما كان منه إلا أن شخط فيهم قائلاً : إعملوا حاجة !! وأمام هذه الرغبة أعاد الأطباء استخدام جهاز الصدمات الكهربائية التى كان ينتفض من تأثيرها الجسم الساكن الساكت مما دعى الفريق فوزى لتناول التليفون ليطلب الفريق طبيب رفاعى محمد كامل كبير أطباء القوات المسلحة ليحضرإلى منشية البكرى وهو بالمناسبة لم يكن فى يوم من الأيام من الأطباء المعالجين للرئيس جمال عبد الناصر وقدحضر رفاعى فعلاً إلى منشية البكرى ولكن بعد أن قرر جميع الأطباء الحاضرين أن أمر الله قد نفذ وقال الدكتورمنصورفايز أن الرئيس جمال عبدالناصر قد أسلم الروح حوالى الخامسة أو قبلها بدقائق قليلة وأنه استسلم لقضاء الله الذى لا راد لقضائه كما كان حسين الشافعى وشعراوى جمعة وأنا نصلى لله من حول سرير عبد الناصر طوال عمل الأطباء الصامت حول لجسد الساكت






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 05:31 PM رقم المشاركة : 282
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

الوثائق الأمريكية تفضح خطط الضغط على عبدالناصر قبل سحب تمويل السد العالي
بقلم د جمال شقرة
العربى 1712010


ن المتتبع للوثائق الأمريكية وكذا للتقارير التى كان يكتبها السفير المصرى بواشنطن أحمد حسين يلمس إلى أى حد كانت خطط الضغط على عبدالناصر ومحاصرته أو محاولة قص أجنحته حسب تعبير هيكل تتطور وتتبلور وتتصاعد للدرجة الذى كان من الممكن أن تؤدى بالفعل إلى خنقه وإذلاله ومعه الشعب المصرى فى حالة عدم إدراكه خطط الغرب أو فى حالة خنوعه أو تراجعه فى مواجهتها، فخلال الفترة بين فشل مهمة أندرسون مارس 1956 وسحب الولايات المتحدة وانجلترا لقرارهما بالمشاركة فى تمويل مشروع السد العالى 19 يوليو 1956 كانت إدارة أيزنهاور قد أصبحت أكثر تخوفا على مصالحها فى الشرق الأوسط من ممارسات عبدالناصر للدرجة التى دفعت جون فوستر دالاس فى أحد الاجتماعات التى عقدت مع الرئيس ايزنهاور إلى القول بأنه ربما يشرع عبدالناصر فى تصفية إسرائيل، وفى هذه الحالة سيتوجب علينا احتلال المنطقة «منطقة الشرق الأوسط» جميعها، حماية لخطوط أنابيب البترول، لكن سرعان ما توارى هذا الاحتمال البغيض الذى طرحه دالاس، لأن ايزنهاور كان مقتنعا بما نقله بابرود، من أن عبدالناصر لن يهاجم إسرائيل لذا اتجهت الخطط الأمريكية بالتنسيق مع انجلترا نحو الاستمرار فى الضغط على عبدالناصر ومحاولة عزله والتفريق بينه والسعودية وسوريا، فضلا عن تنفيذ بقية بنود الخطط التى تم الاتفاق عليها.
ولعله تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من التنسيق السياسى السرى بين الولايات المتحدة وانجلترا، الذى وافق عليه ايزنهاور فإن الولايات المتحدة الأمريكية النجم الصاعد فى سماء العلاقات الدولية وقتئذ وحسب توجيه ايزنهاور نفسه، احتفظت لنفسها بخطط مستقلة فيما يخص موقفها من عبدالناصر، كان من أهم أركان هذه الخطط، ما عبرت عنه الوثائق الأمريكية «بالجسور» التى يجب أن تترك لعبدالناصر حتى يمكنه أن يعود عليها، وحتى لا يرتمى تماما وإلى الأبد فى أحضان السوفيت، المهم أن يشعر بعد الضغوط بالندم، وبأنه لم يكن موفقا أو محظوظا بالتعامل مع السوفيت، وبالطبع كان الإبطاء والتسويف فى تحديد موقف الولايات المتحدة من تمويل مشروع السد العالى أحد أساليب الضغط بل أهمها




.

إلا أن عبدالناصر فى هذه الفترة كانت له خططه وتكتيكاته، بل لديه قرارات مدروسة وجاهزة لتعلن فى الوقت المناسب، وهى قرارات كان من المحتم فور الإعلان عنها والشروع فى تنفيذها، أن تقلب خطط الغرب رأسا على عقب، كانت أهم الخطط والقرارات التى درسها عبدالناصر وجمدها لحين توفر الظروف المناسبة على النحو التالي
:
أولا: قرار بضرورة تمصير المصالح الأجنبية وتأميم شركة قناة السويس


ثانيا: قرار بضرورة الاعتراف بالصين الشعبية

.
فمن ناحية كان عبدالناصر، وكما أعلن عن ذلك فى مرحلة مبكرة جدا «18 نوفمبر 1953» قد استفزت إحجام رأس المال الأجنبى عن المشاركة فى المحاولات المبكرة التى بدأتها ثورة يوليو لانعاش الاقتصاد المصرى، وذلك بالاتجاه إلى التصنيع ومن هنا درس موقف كبار الرأسماليين الأجانب، ومدى ثقلهم وحدود سيطرتهم على الاقتصاد المصرى، وقرر تمصير أو حسب تعبير على صبرى تأميم المؤسسات والشركات والبنوك وكل المصالح الأجنبية العاملة على أرض مصر كان ذلك فى أواخر 1954 لكنه انتظر أن تحن الظروف المناسبة

.
وكان الأهم والأخطر بالطبع هو دراسته لموضوع شركة قناة السويس وانتهاؤه إلى ضرورة تأميمها، فحسب رواية على صبرى وغيرها كان عبدالناصر قد حسم هذا الموضوع قبل سنتين من الإعلان عن يوم 26 يوليو 1956.
من ناحية أخرى، درس عبدالناصر بعد عودته من باندونج موقف مصر من الصين الشعبية، وكان رأيه أن الصين تمثل قوة كبرى فى آسيا وأن اعتراف مصر بفورموزا أو الصين الوطنية، دون الصين الشيوعية أمر غير منطقى وضد حركة التاريخ، لكنه أجل القرار أيضا لأنه فى ذلك الوقت، صيف 1955، لم يكن يرغب فى إثارة غضب الولايات المتحدة، فضلا عن أن محاولات الحصول على السلاح من الغرب كانت لاتزال مستمرة

.
على أية حال لم يتأخر كثيرا إعلان قرار اعتراف مصر بالصين الشعبية، فسرعان ما دفعته الظروف إلى إعلان ذلك يوم 19 مايو 1956 كان ذلك فى أعقاب زيارة خروشوف إلى لندن «أبريل 1956» وإعلانه موافقته ـ من حيث المبدأ ـ على أن تعمل الدول الكبرى على تخفيف حدة التوتر فى الشرق الأوسط، وأن يبدأ ذلك بالاتفاق بينهما على تحديد صادرات السلاح إلى المنطقة، حيث ترجم عبدالناصر موافقة خروشوف المبدئية على تحديد صادرات السلاح إلى المنطقة، على أنه من الممكن أن يؤدى إلى حرمان مصر من السلاح السوفيتى، فى الوقت الذى ستجد فيه إسرائيل أكثر من طريقة للحصول على السلاح من الغرب، لذا فكر أن يفتح بابا آخر يؤمن منه فرصة مصر فى الحصول على السلاح، وكان هذا المصدر هو الصين الشعبية التى لم تكن قد دخلت الأمم المتحدة كعضو مما يعفيها من الالتزام بالحظر الذى قد يفرض على تصدير السلاح عن طريق الأمم المتحدة






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 05:31 PM رقم المشاركة : 283
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو


وكان هذا الاعتراف صفعة عنيفة جديدة للغرب، عدتها إدارة ايزنهاور مظهرا وبرهانا لانحراف عبدالناصر واندفاعه بعيدا عن الغرب، أما القرار الثانى قرار تأميم شركة قناة السويس، فقد تأخر حتى كانت اللحظة التاريخية المناسبة، بعد أن قررت الولايات المتحدة وانجلترا، أن تنتقل من الضغوط إلى العمل المباشر ضد مصر، وذلك بسحب مساهمتها فى تمويل السد العالى 19 يوليو 1956 وبطريقة مهينة استهدفت إذلاله، فأعلن عبدالناصر 26 يوليو 1956قراره التاريخى بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية وليحقق بذلك حلما طالما رواد الشعب المصرى لسنوات طويلة

.
كان هذا القرار التاريخى، واحدا من سلسلة من القرارات المهمة التى تحدى بها عبدالناصر الاستعمار، إلا أنه كان أخطرها على الإطلاق، ولقد استقبله الشعب المصرى وكذا شعوب الأمة العربية بفرحة غامرة، حتى أن بعض رموز القوى السياسية الداخلية التى كانت لا تزال تعارض عبدالناصر منذ 1952 أيدت القرار، لقد فجر هذا القرار طاقات هائلة داخل مصر والوطن العربى وعبأ الشعب العربى من المحيط إلى الخليج على نحو غير مسبوق

.
ولقد أيد الاتحاد السوفيتى قرار عبدالناصر، حيث رحب وزير الخارجية السوفيتى شبيلوف بالقرار وأعلن أن سيادة الدولة المصرية على القناة أمر لا يمكن أن يثير أية شكوك، كما أعلنت الحكومة السوفيتية بيانا فى التاسع من أغسطس 56 وصفت فيه قرار تأميم القناة بأنه عمل مشروع

.
أما العواصم الغربية فكانت تغلى اثر إصدار هذا القرار الذى قدر له أن يضع العالم كله على حافة أزمة خطيرة، فكيف أدار عبدالناصر معركته مع الغرب هذه المرة؟ وهى معركة كانت جزءا من صراع طويل، بدأ فى أعقاب الحرب العالمية الثانية على مقادير الشرق الأوسط والعالم العربى ومصر فى القلب منه

.
كان عبدالناصر قد توقع أن تكون ردود الفعل فى الغرب عنيفة، خاصة رد فعل انجلترا وفرنسا كما توقع أن تواجه مصر بتهديدات عسكرية، يمكن أن تتحول إلى حرب، وكان تقديره أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريا ضد مصر لأن تدخلها ضد دولة صغيرة سينظر إليه على أنه دليل على إفلاسها السياسى، فضلا عن أنه سيحرجها أمام الدول العربية التى لها مصالح حيوية فيها، وفى مقدمتها السعودية، ومع أنه كان يعرف أن دالاس لا يختلف عن ايدن من حيث كراهيته له، لكنه قدر أن دالاس لن يشارك ايدن رغبته الشديدة فى القيام بعمل مسلح ضد مصر، وأن دالاس وايزنهاور سيفضلان الاستمرار فى الضغوط الاقتصادية وسياسة عزل مصر التى بدأتها الولايات المتحدة بالفعل قبل إعلان انسحابها من تمويل مشروع السد العالى، كما كان يعتقد أن فرنسا لن تتدخل بسبب انشغالها بثورة الجزائر أما إسرائيل فاستبعد أيضا اتخاذها تأميمه لشركة القناة ذريعة لتشن حربا ضد مصر، ستكون فى الواقع موجهة ضد الأمة العربية كلها، وفى حالة محاولتها، فإن الولايات المتحدة حسب تقديره ستقف حتما ضدها

.
وكان تقديره بالنسبة لانجلترا أنها بالفعل الطرف الذى يخشى من تحركه عسكريا ضد مصر، لكنه قدر أن انجلترا أمامها شهران على الأقل لتستعد عسكريا بسبب بعثرة قواتها، وكعادته، خطط عبدالناصر لفرض الأمر الواقع واحتواء غضب الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ليفوت الفرصة على انجلترا وذلك بإدارة القناة بكفاءة خلال الشهرين اللذين تحتاجهما انجلترا لتكمل استعداداتها العسكرية، ومن هنا انصب كل اهتمامه بعد إعلان القرار، على إدارة المرفق بنجاح، وعلى كسب الوقت حتى يتمكن من تعبئة الرأى العام العالمى لصفه، وضد اعتداء انجلترا إذا وقع، والأهم من ذلك أنه عاد إلى اسلوبه المفضل، محاولا استغلال التناقضات بين انجلترا والولايات المتحدة والتناقضات بين المعسكرين الشرقى والغربي

.
ونفذ عبدالناصر خططه بنجاح، ولعبت الدبلوماسية المصرية دورا مهما شهد له ايزنهاور حتى 29 أكتوبر 1956 فى الدفاع عن حق مصر فى تأميم القناة وحقها فى سيادتها على أراضيها

.
كان عبدالناصر قد انتهز فرصة العدوان الثلاثى وقام بتمصير المصالح الأجنبية ليدعم الاستقلال السياسى بالاستقلال الاقتصادى، كما قطعت مصر فى علاقتها الدبلوماسية بانجلترا وفرنسا فى الأول من نوفمبر 1956 ومع بداية العمليات الحربية كانت القوات المصرية بمنطقة القناة قد استولت على القاعدة البريطانية وفى أوائل يناير 1957 قام عبدالناصر بإلغاء اتفاقية الجلاء

.
إلا أن عبدالناصر بعد انسحاب قوات العدوان بدأ يستشعر أن معركة السويس لن تكون الأخيرة فى صراعه مع الغرب، وأن الولايات المتحدة رغم أنها وقفت ضد العدوان وأسهمت بدور كبير فى هزيمة انجلترا وفرنسا، إلا أن موقفها من ثورة يوليو لا يختلف كثيرا عن موقف انجلترا وفرنسا، اللهم إلا فى الوسائل، وكان عبدالناصر قد قام بجس نبض إدارة ايزنهاور، بعد العدوان عندما طلبت مصر معونة عاجلة من السلع الغذائية والوقود والأدوية فرفضت الولايات المتحدة كما رفضت أن تلغى قرارها بتجميد أرصدة مصر لديها، وعندما طلبت مصر الإفراج عن 27 مليون دولار من أموالها حتى تستطيع أن تشترى بها قمحا رفض طلب مصر أيضا.. وهكذا استمرت معركة مصر مع الغرب وكان لابد من جولة جديدة وهو ما سيتم التخطيط له بين 57 حتى 1967 حتى يكون العدوان والتآمر فى يونيو








آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 05:33 PM رقم المشاركة : 284
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

"الكـــاريـــزمــا charisme" : علاقة جمال عبد الناصر بـ: "الجماهير و النخبة"


الاثنين, 08/10/2009 - 17:26

في مفهوم الزعامة السياسية من فيصل إلى جمال عبد الناصر
يجيئ البطل التاريخي أحيانا في الوقت المناسب ليدرك اتجهاهات عصره و آمال شعبه،يتفاءل معه و يحقق له أهدافه، إنه "جمال عبد الناصر" الزعيم القومي العربي الذي ترك بصماته العميقة في كل بقاع الأرض و في صفحات التاريخ العربي





تكشف كتابات أن كثيرا ما كان الزعماء السياسيون يتنكرون للقضايا الوطنية و في الوقت نفسه كانوا يرددون الهتافات الشعبية و يرفعون الشعارات الشعبية بشكل ظاهري لاستحالة الجماهير و إسكاتها بعدما أدركوا نمو الوعي الشعبي، و هم يقفون في وادي بعيدا عن الوادي الذي يقف فيه الشعب ، و كانت مشاركة الشعب آلامه و آماله أمر صعب عجزت عن تحقيقه الزعامات السياسية التي انسجمت مع نفسها و مصالحها حتى لا يضيع مجدها
لم تنهار الزعامة و مسؤولياتها إلا بعدما انهارت المكونات التقليدية للزعامة في الذهنية العربية، لتحل محلها مفاهيم جديدة متحررة في أصول الزعامة، فلم يمر بلد عربي بالأحداث المصيرية التي مرت بها فلسطين في ربع قرن من الانتداب واجهت البلاد عدوا ذا وجهين، صهيونية تريد سلب الأرض و طرد أصحابها لتقيم كيانان عنصريا مغتصبا حقودًا، و استعمارا يمتص حيوية الشعب و يلهبه ليمكن الصهيونية من التغلغل و التوسع و الاستقرار، كان التحدي قويا وثار الشعب عدة ثورات..
احتاج عرب فلسطين إلى زعيم يقود النضال و يحمي البلاد و يدافع عن القضية و يقف أمام الطامعين بالمرصاد، فكان الحاج أمين هذا الرجل الذي قاد تظاهرة ضد الإنجليزيين و الصهيونيين عوقب عليها بالسجن لمدة 15 سنة لو لم يهرب إلى شرق الأردن و جاءت عمامة الزعامة الروحية و السياسية إلى الحاج أمين بفضل تلك الظروف ليصبح في عام 1934 أشهر زعيم عربي خارج القطر الذي ينتمي إليه بعد موت فيصل و بعد موت عميد العائلة الحسينية موسى كاظم باشا، و قد أهله منصبه الديني كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى أن يسيطر على ميزانية ضخمة يستطيع بواسطتها أن يمول الحركة الوطنية و أن يتسلم السلاح الذي ينطلق بالجماهير نحو الهدف الذي يريد، و أهلته سيطرته على عائلة الحسيني أن يسكون الممثل الرسمي لأكبر جماعة في البلاد من قبل تأسيس الأحزاب السياسية، و بعد تشكيل هذه ألأخيرة في النصف الأول من 1930 سمحت زعامته للحزب العربي الفلسطيني أن يكون الممثل الرسمي لغالبية الشعب الفلسطيني بل كان هو المسيطر على المؤتمرات القومية التي عقدها عرب فلسطين منذ نهاية الحرب الأولى الى أواخر العشرينيات و على مؤتمر "غزة" في 1948 الذي انبثقت عنه حكومة عموم فلسطين.
وكان مؤتمر القدس الإسلامي في 1931 أحد المؤسسات التي بنت للمفتي أمين الحسيني زعامته الفلسطينية و الجسر الذي خرج بواسطته من النطاق المحلي ليصبح زعيما عربيا إسلاميا لتزداد شعبيته كلما ازدادت ملاحقاته بين بلد و آخر متنكرا في بعض ألأحيان، و اضطرته الظروف أن يتنقل تنقلات محفوفة بالمخاطر ، فقد هرب قبل الحرب من فلسطين إلى لبنان و سوريا ، ثم إلى العراق إلى إيران ، تركيا، ألمانيا، ايطاليا ثم فرنسا إلى مصر لينتهي به المطاف في فلسطين من جديد، كان الحاج أمين الحسيني يتصف بجرأة المغامرة و هي صفة لا يتصف بها رجال الدين بخلاف فيصل الذي اتسم بالانطوائية و هي عادة لا يتصف بها رجال السياسة، لقد عاش فيصل بعيدا عن ألأضواء حتى و هو ملك و كان يجري مباحثاته سرًّا عكس أمين الحاج الذي كان يعشق الأضواء و يقف تحتها سواء دعي إليها أم لم يدع و يركض نحوها من أجل الشهرة السياسية و الحديث الشائع مع الناس في حركاته، تقول الكتابات أن ضياع فلسطين لم يكن بسبب سقوط الزعامة الحسينية، فقد سقط الحاج أمين كزعيم عربي و ليس كزعيم إسلامي بسبب التحول الذي حصل في العقلية العربية التي أصبحت لا تتستر عن أخطائها و كان المفتي ضحية تغيير هذه الذهنية التي جعلت الشعب ينزع عنه صفة القداسة حول عمامته.
وتكشف الكتابات أن الزعماء السياسيون يتنكرون للقضايا الوطنية و في الوقت نفسه كانوا يرفعون الشعارات الشعبية بشكل ظاهري لاستحالة الجماهير و إسكاتها بعدما أدركوا نمو الوعي الشعبي، و كثيرا ما كان الزعماء السياسيون يرددون الهتافات الشعبية و هم يقفون في وادي بعيدا عن الوادي الذي يقف فيه الشعب، و كانت مشاركة الشعب آلامه و آماله أمر صعب عجزت عن تحقيقه الزعامات السياسية التي انسجمت مع نفسها و مصالحها حتى لا يضيع مجدها" من هنا حرص الحاج أمين على توجيه المصالح الوطنية و المصلحة الحسينية و الدمج بينهما، و حرص الملك فيصل على دمج القضية العراقية بالمصلحة الهاشمية.
يقول الدكتور أنيس صانع في مذكراته التي عالج فيها "مفهوم الزعامة السياسية من فيصل إلى جمال عبد الناصر" لو قلبنا صفحات التاريخ السياسي المعاصر للعالم العربي في أقطاره المختلفة لوجدنا أن مجموعة من الزعماء ألأكثر شهرة تنقسم إلى فئات ثلاث: "عاهلو دول، و رجال ثورات و انقلابات، ورجال أحزاب" و قد لا يوجد بين هؤلاء كلهم رجل فكر واحد، و لعل اختراق العمل السياسي في البلاد العربية يتناسب مع الفكر، يقدم الكاتب مثالا بنوري سعيد كان هذا ألأخير يتبنى القضايا العربية كلاميا فقط و يعلن أنها و القضية العراقية من معدن واحد، بحيث أكد فشله في معالجة القضايا العربية العامة أو العراقية كرجل دولة حر، و قد أفقدته هذه السياسة الأمل في أن يكون زعيم العرب خارج العراق عكس سعد الذي عمل جاهدا لإيجاد قاعدة شعبية له و سياسته خارج البلاد ، مثال آخر يضربه الكاتب في هذا الصنف من رجال السياسة هو الرئيس الحبيب بورقيبة، فقد نال هذا ألأخير حب العرب و دعمهم له كمناضل تونسي إلا أنه بعدما كسب ثقتهم احتفظ لنفسه و لبلده سياسة إقليمية و أصبح لا يكترث بقضايا المشرق العربي فتخلت عنه الحركات السياسية العربية، بخلاف أحمد بن بلة الذي اعترف بالواقع العربي، كمما لم تطل فرحة العرب بالملك محمد الخامس الذي آثر النفي من المغرب على أن يرضخ للضغط الفرنسي..







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 05:33 PM رقم المشاركة : 285
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

(صفات الزعيم السياسي)
تعتبر المغامرة و الإقدام و الشدة من الصفات التي يشترطها العربيّ في الزعيم المرجو، و لعلها صفة رئيسية في الزعيم السياسي بشكل عام في معظم شعوب الأرض و النفسية العربية مغرمة بوجه خالص بصفات الرجولة، و" الرجل" في المفهوم العربي أكثر من مجرد أحد جنسين يكونان البشرية، إنه مؤسسة لها أخلاقها و مميزاتها عن سائر الناس، و النجاح و الفشل لا يقومان عن النتيجة النهائية للمعركة بقدر ما يقومان على تصرف الرجل و سلوكه في المعركة، لقد جاء مفهوم الزعامة الناصرية لتصحيح المفهوم اللغوي الخاطئ الذي وضعه اللغويين ، بأن "الزعامة" عبارة عن جاها مطلقا ، و لكنها في حقيقة الأمر تعني الخدمة المطلقة للشعب و تلتزم حقوقه، و عليه تبنت الزعامة الناصرية خدمة الشعب و مبررا لوجودها و استمرارها، وقد مهدت التغيرات العربية لإسقاط الزعامات التقليدية و مفاهيمها و التمهيد لقيام مفاهيم صحيحة للزعامة، مفاهيم تنسجم مع الواقع العربي المتطور، إنها الزعامة الناصرية الشاملة، فقد كسب جمال عبد الناصر ثقة الشعب بالتعبير عن أمانيهم الشعبية ليصبح زعيمهم ألأزل و الأوحد على الصعيد العربي العام، كما لعبت علاقاته السياسية و النفسية بين الشعوب و قادته السياسيين دورا كبيرا في القضاء على مفاهيم الزعامات القديمة و في إسقاط ما كان قد بقي من زعامات أو أشباه زعامات، بحيث اشتد الوعي السياسي و نموه وذلك بفضل عوامل عديدة أبرزها حصول بعض ألأقطاب العربية على استقلالها وانضمام معظمها إلى الأمم المتحدة، و ساعدت هذه الزعامة الجديدة المتمثلة في الزعامة الناصرية في إخراج "الإنجليز"، في هذه الفترة لم تجد التطورات صعوبة في فضح الأحزاب أساليبها الحزبية، لاسيما و قد فضحت هذه الأخيرة نفسها بتناقضاتها و تنازلاتها و مساوماتها حتى أصبحت الحزبية و هي أسلوب طبيعي في الديمقراطية السليم في أذهان الناس أسلوبا رخيصا و ملتويا لكسب الغير مشروع معنويا و ماديا على حساب المجموع، و قد نجحت التطورات في شل النشاطات الحزبية شللا كاملا ماعدا بعض ألأحزاب التي بقيت تنشط بحرية كحزب البعث و ألإخوان العاملون في سوريا.
كيف كسب جمال عبد الناصر ثقة الشعب؟
لم يكن ذلك بتثقيف الجماهير بالكتب المجانية و الصحف و ألإذاعة و التلفزيون و توسيع الجمعيات و النوادي فحسب، بل بفتح " أبواب مجلس ألأمة" و " الإتحاد الاشتراكي" لجميع طبقات الشعب و إشراكه في غدارة مؤسسات العمل و الإنتاج و بهذا الوعي استطاع جمال عبد الناصر القضاء على " الغوغائية" و الغوغائيين التي كانت قاعدة أساسية من قواعد الزعامات السابقة و قاعدة لبعض ألأحزاب التي اشتغلت عواطف الشعب خاصة الطائفية منها، كما استطاع جمال عبد الناصر تحقيق أول وحدة عربية قومية في التاريخ الحديث بتبنيه القضية الفلسطينية و العمل لتحقيق رغبات الشعب الفلسطيني و مؤازرة الحركات التحررية و التقدمية في الأقطار العربية و إعلان "عروبة" مصر. لقد استفاد جمال عبد الناصر على قيادة الحركة القومية العربية كونه مصري و استفادت مصر بأن أصبحت قاعدة هذه الحركة بفضل سياسة جمال عبد الناصر و رئاسته عليها،خاصة و هي تعد من أكبر الدول العربية في عدد السكان و ألإمكانات و أعرفها تاريخا و أشهرها في المجال الدولي و هي قاعدة الوطن العربي و قاعدة التحرر العربي و العمل القومي منذ أيام العثمانيين، ثم ترسخ دورها العربي السياسي بعد تأسيس الجامعة العربية و خروج وادي النيل من عزلته.
كما أعلن تطبيق العدالة الاجتماعية في كافة الأنظمة و مرافق الحياة و تأميم القطاعات العامة و تصنيع البلاد و منع الاحتكار الطبقي و الاستغلال الرأسمالي، و كانت علاقة جمال عبد الناصر بالطبقة الوسطى هي مصدر قوته ، ليس لأنه ابنها فقط بل تبناها و تبنى أحلامها و طموحاتها كما تبنى مشاريع الإصلاحات الاجتماعية المتمثلة في العدالة الاجتماعية و المساواة التي كان أبناء هذه الطبقة محرومون منها حتى أصبحت إصلاحاته تطبق في كل البلدان، رغم ما لفقيه من معارضات قوية ، غير أنها لم تتمكن من النيل منه، لأنها كانت وليدة الجهل أو قصر النظر أو لتصديق شائعات بعضها وليد الاختلاف في الرأي و أخرى وليدة الحقد و الحسد.

"الكـــاريـــزمــا charisme"
في علاقة جمال عبد الناصر بـ: "الجماهير و النخبة"

هناك من حاول تفسير التفاف الجماهير حول جمال عبد الناصر على اساس نظرية الزعيم " الكاريزمي" و الكاريزما charisme تعني في اليونانية هبة من الله تمكن صاحبها من امتلاك قوة خاصة تصل الى حد ألإيمان بأنه يصنع المعجزات، و ترجع جذور هذه النظرية الى ماكس فيبر الذي يرى أن الزعيم الكاريزمي هو الضي يستطيع أن يبعث في الجماهير المؤمنة حماسا يتجاوز السياسة الى عقيدة لا تتزعزع بقواه الخارقة، فإصرار الجماهير على التمسك بقيادة جمال عبد الناصر لمصر راجع الى التحديات الشرسة التي واجهها و التي اكدت لهم أنه همو الزعيم التاريخي الذي بحثت عنه طويلا.
رغم الحق الدفين الذي يكنه وولتر لا كير لجمال عبد الناصر إلا أن هذا ألخير اعترف بأن الرجل هو الزعيم الكاريزمي الوحيد الذي لم تتزعزع مكانته بالهزيمة، فعبد لالناصر حسب ما أكدته الكتابات الترايخية و السياسية كان يتمتع بقدرات تنظيسمية و إحساس عميق بمشكلات العصر و آمال الأمة و أحلام الشعوب في الحرية جعلت شعبيته تتزايد خاصة اثناء محاولة اغتياله في المنشية عام 1954 حيث وجهت إليه ست رصاصات و هو يخطب في أفسكندرية و يصف الكاتب و الصحفي القدير حسنين هيكل هذه الحادثة بالصفات الرئيسية للصورة الجماهيرية للزعيم و هبي القوة و الشجاعة، فرغم هذه الحادثة ظل عبد الناصر يضيف حسنين هيكل واقفا في مكانه يتحدى الموت و راح يخطب في الجماهير قائلا: "إني لم أمت و لو متُّ فإن كل واحد منكم هو جمال عبد الناصر، و لن تسقط الرّاية".
اما علاقته بالمثقفين فعبد الناصر حسب الكتابات لم يكن مختلفا معهم بسبب كتاباتهم أو آرائهم الفكرية، لقد اختلف معهم عندما دخلوا ضده في صراع سياسي مباشر كون البعض منهم كان ينتمي الى الحركة الشيوعية و آخرون الى الإخوان المسلمين الذين اصطدموا بعبد الناصر في العديد من المرات لدرجة أنهم كانوا على استعداد للقيام بحركة مسلحة يقتلون فيها عبد الناصر نفسه.
تشير الكتابات السياسية أن الإخوان المسلمين كانوا من ألذ أعداء القومية العربية و كانوا يتنكرون لها الى درجة التطرف بحيث اعتبرها الإخوان " كفرًا" مستوردا من الخارج يراد منه استبدال الإسلام بافكار علمانية غربية، و اعتبرها القوميون السوريون ( الحزب السوري القومي) خيانة بحق الوطن السوري، و شن كلاهما حربا شعواء ضد الفكرة العربية زو دعاتها و لا توزال الجماعتين تقف موقف نفسه تجاه الحركة القومية العربية باستثناء حزب البعث العربي الإشتراكي و حركة القوميين العرب، في حين يصرح الكثير من المثقفين الماركسيين بأنهم لم يكونوا ضد جمال عبد الناصر، و لم يهاجموه و لم يهتفوا برحيله و لم يطالبوا بسقوطه، فالقرارات الناصرية تؤكد على توثيق العرقة بين عبد الناصر و " النخبة" كقيامه بمنح أعلى الأوسمة لنجيب محفوظ، ووسام الأداب و الفنون ليوسف إدريس رغم انتقاداتهما له، كما يبرئ العديد من المثقفين الماركسيين عبد الناصر من عمليات التعذيب و القمع لأن المتهجمين على عبد الناصر تقول الروايات كانوا اشد المنتافعين من المؤسسات الناصر ية تقابلهم في ذلك مثقفي الإخوان المسلمين و جمعية مصر الفتاة الذين رفض كُتابُها تبرئة عبد الناصر من الجرائم التي ارتكبت خاصة في قضية تعذيب زينب الغزالي و إعدام سيد قطب و غيره من زعماء الإخوان، غير أن الدكتور سماح ادريس في كتابه المثصقف العرب و السلطة أن كتاب " ايام من حياتي" لزينب الغزالي و هي تلميذة للسيد قطب بأن هذا الكتاب يثير الكثير من الشكوك حول تصريحاتها عندما كانت في السجن.
إن الحديث عن القائد المثالي يجرنا بلا شك الى الحديث عن القيادة و خصائصها ن فالقائد هو الذي يمتلك العقلية و الشمولية الكلية التي تنظر الى ألأمور من كافة الزوايا و الذي ينظر الى مستقبل شعبه مرتكزا على المبادجئ و القيم السامية في العمل و العلاقات و اتخاذ المواقف المناسبة، جملة قالها الرئيس جيمي كارتر: إن الإختيار الحقيقي للقائد ليس في إجادته المعركة بل في مواجهته لتحديات المنصب و مسؤولياته، وهذا هو القائد الذي يحقق الثلاثية المشهورة: " دولة ، أمة و سيادة شعبية" و ليس ذلك الذي يستعمل فن الخطابة للتأثير على الجماهير بواسطة الكلمات المعسولة و المزيفة، أو يغريهم بالحفلات و المهرجانات للوصول الى الحكم، بل ذلك القائد الذي يدرك بأن تحقيق الديمقراطية يؤدي الى تحول الشعب الى "حاكم" حسب الطريقة التي ترغب فيها غالبيتهم، و قد قيل في القديم: " من كان يرغب ان يكون رئيسا فليكن خادما"، و المتقدم الى الرئاسة لابد أن يدرب نفسه على التخلي من كثير من مفاهيمه الذاتية، لأن الخدمة مرتبطة بمفهوم العمل و التضحية و لا يتحمل وطأة المسؤولية إلا "العظيم" و كما تقول الحكمة القديمة: " اعطني رجال عظماء أقاوم بهم الجبال".

المراجع/
رؤية جديدة للناصرية للد / مصطفى طيبة
المثقف العربي و السلطة بحث في روايات التجربة الناصرية للد/ سماح ادريس
في مفهوم الزعامة السياسية من فيصل الى جمال عبد الناصر للد/ أنيس الصايغ
الحكومة المثالية تأليف الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"
فن القيادة للد/ ج كورتو تعريب النقيب الهيثم الأيوبي







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:32 AM رقم المشاركة : 286
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو




مما لا شك فيه أن الرئيس جمال عبد الناصر كان صاحب كاريزما جعلته الأكثر شهرة وشعبية بين الرؤساء العرب. فقد احتل مكانة مرموقة في قلوب الملايين من أبناء الأمة العربية، حيث كان وما زال يمثل رمزا للوحدة العربية والكرامة والإستقلال والإستغناء عن النفوذ الغربي في أذهانهم وذاكرتهم.
وكأي قائد أو رمز أو رئيس، فإنه من الطبيعي جدا أن تتباين وتتضارب الآراء حول شخصيته وإنجازاته، نظرا لإختلاف المصالح والأهداف والأولويات، فهناك من كان يؤيده، وهناك من كان يعارضه.
لكن يبقى جمال عبد الناصر بالنسبة للغالبية العظمى من أبناء الأمة العربية، مثالا للقائد البطل النزيه الحريص على مصالح الأمة أولا وأخيرا، ومثالا للقائد الرافض لأي إستعمار أو أي هيمنة غربية على أي جزء من البلاد العربية، فقد رفض الإستعمار البريطاني في مصر تماما كما رفض الملكية القابعة تحت حكم وهيمنة هذا الإستعمار، فكانت ثورة 23 يوليو 1952 التي قضت على الملكية المسيطر عليها من قبل الإستعمار البريطاني الذي قام باستغلال موارد أرض مصر والتحكم في جل شؤونها، والسيطرة الكاملة عليها، وإعطاء الإقطاعيين الفرصة بالتحكم بثروات الأرض على حساب طبقة الفلاحين المعدمة. ثم كانت اتفاقية الجلاء مع بريطانيا عام 1954 التي أسفرت عن
خروج آخر جندي بريطاني عن مصر في 18 يونيو .1956





وقد شهدت جميع المرافق في عهد جمال عبد الناصر إزدهارا كبيرا، حيث إزدهر القطاع الزراعي والصناعي والتعليمي بشكل ملحوظ، فقد تم إنجاز العديد من المشاريع في عهده. منها توفير التعليم المجاني لجميع المراحل، ولجميع فئات المجتمع بجميع طبقاته، بحيث لم يعد مقتصرا على أبناء الطبقة الثرية فقط. كذلك قام بتأميم قناة السويس، إنشاء السد العالي على نهر النيل، تأميم البنوك الخاصة والأجنبية العاملة في مصر، إصدار قوانين الإصلاح الزراعي الذي تم بموجبه تمليك الأراضي لفلاحين مصر لأول مرة، وتحديد ملكيات الإقطاعيين، إنشاء التلفزيون عام 1960، تاسيس منظمة عدم الإنحياز، وغيرها من الإنجازات التي لا عد لها ولا حصر.
وقد كان دائما يتطلع إلى أمة عربية بعيدة عن أي نفوذ غربي، وتجلى ذلك بوضوح من خلال مساندته للحركات الثورية في الوطن العربي، منها عى سبيل المثال قيامه بإرسال القوات العسكرية إلى اليمن لمساعدة الثوار ضد الملكية آنذاك، كذلك مساندته لثورة الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي، دعم القضية الفلسطينية والمساعدة في قيام منظمة التحرير الفلسطينية.
وقد كان من أبرز الزعماء المنادين إلى قيام أمة عربية واحدة لتشكيل قوة كبيرة ضد الأعداء وضد أي إستعمار لأي دولة عربية، وتمخض عن ذلك، الإتحاد الذي تم بين مصر و سورية لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة التي لم تستمر طويلا نتيجة لإنقلاب الإقليم السوري عام 1961، ثم محاولته الإتحاد مع العراق وسوريه بعقد معاهدة وحدة بينهما، لم يكتب لها التوفيق بسبب وفاة الرئيس العراقي عبد السلام عارف آنذاك عام 1966.
وكما ذكرت سابقا، فإنه بالرغم من كل الإنجازات الكبيرة التي تمت في عهد جمال عبد الناصر، إلا أن منتقديه ومعارضيه كان لهم مآخذ كبيرة على شخصيته وعلى إنجازاته في فترة حكمه، بحيث وصفه البعض بأنه لم يكن حريصا على مصلحة الأمة كما كان يظن البعض، بل كان يضع شخصه، وحفظ مقامه عاليا بين الدول العربية ،على قائمة الأولويات في معظم إنجازاته. وانتقده البعض بسبب قيامه بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية دون أي حق ودون أي هدف يذكر، وأن ذلك قد أدى ألى أرهاق مصر ماديا. إذ رأى الكثيرون منهم أن إرساله القوات العسكرية لليمن لمساعدة الثوار ضد الملكية الحاكمة آنذاك كان من أكبر الأخطاء الفادحة التي ارتكبها، حيث رأوا أن إرسال ما يقارب السبعين ألف جندي إلى اليمن لم يكن له هدف يبرره، وأن هذه المساندة أدت إلى إستنزاف الكثير من موارد مصر، وأدت إلى إضعاف القوة العسكرية لها والتي كانت من أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى هزيمة مصر أمام العدو الصهيوني عام 1967.
ولكن مهما تعددت الأراء، ومهما كثر أعداء ومعارضي جمال عبد الناصر، فإن ذلك لن يغير أي شيء من الحقيقة التي تجزم وبشدة بأن الرئيس جمال عبد الناصر سيبقى البطل الأسطورة في ذاكرة محبيه الذين وجدوا فيه الرمز للوحدة العربية التي نصبو إليها، والذين وجدوا فيه الشخصية المحافظة على الكرامة العربية، والذين وجدوا فيه الشخصية المحترمة النظيفة التي تنزهت عن أي مال وجاه.
كما لا يمكن لأحد أن ينسى ما كان لخطاباته من إجلال وإحترام بحيث كانت الشوارع تخلو من أي إنسان حين كان يلقي خطاباته، حيث كان جميع أبناء الأمة العربية يتجمعون حول المذياع لسماع خطابات الأمل والكرامة. وقد أطلق الكثير من العرب إسم جمال على أبنائهم تخليدا لهذا البطل الذي لن يتكرر عبر العصور. وقد كانت جنازته الأكبر في هذا العصر حيث شارك الملايين من جميع أنحاء الدول العربية في تشييعها ليوارى إلى مثواه الأخير. فرحمة الله على هذا الرمز الذي سيظل خالد مخلدا في ذاكرة كل عربي، والذي سيظل مفترشا ذلك الحيز الذهبي في قلوب من أحبوه، والذي ستبقى نظافة يده وتعففه عن إهدار المال العام مضرب مثل للرئيس الأمين، والذي ستكتب أمجاده على صفحة ناصعة البياض في ذاكرة التاريخ.
رحمه الله.
هناء عبيد






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:33 AM رقم المشاركة : 287
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو


وبعد 40 عاماً من الوداع نتأكد أنه ساكن فيناً.. حولته سنوات البعاد من رجل إلى معنى.. لا يحتاج «ناصر» إلى مناسبة للكتابة عنه.. فما بالك إذا تعددت المناسبات وتنوعت الأسباب للحديث عن جبل الكبرياء وأمير الفقراء..



هذه الصفحات هى مرثية للزعيم.. فى ذكرى مرور 40 سنة كاملة على غيابه الطاغى.. وهل يغيب فارس الأحلام؟!

يعيش جمال حتى فى موته!

اسم جمال عبدالناصر سوف يبقى احدى منارات التاريخ الحديث.. رجل من الناس, وهب حياته للشعب والوطن.. لم يتمتع بملذات الحياة وعاش نظيف اليد.




أربعون عاماً مضت على وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ومازال الرجل وما مثله من مبادىء وقيم وأفكار محل خلاف وجدل ونقاش .. ومازالت سيرته وسياساته محل بحث ودراسة .. ومازالت تصدر عنه كتب كان أحدثها الكتاب الذى نشرته الجامعة الأمريكية بالقاهرة باللغة الإنجليزية بعنوان «ناصر حياته وزمانه» تاليف الكاتبة آن الكسندر . ولعل ذلك يرجع إلى أن عبد الناصر لم يكن رئيساً تقليدياً ولم يكن زمانه زماناً إعتيادياً .. كان الرجل زعيماً إستثنائياً بمعايير الزعامة والقيادة ، وكان زمانه ثورياً بمعايير سرعة التغيير والصدام والمواجهات . لذلك ، أصبح الرجل وزمانه محل اختلاف ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ .

وقصة الثمانية عشر عاماً ( من 1952 إلى 1970 ) التى مارس فيها عبد الناصر حكم مصر مليئة بالعبر والدروس . ولم تكن عادية فى تاريخ الشعب والوطن بل كانت فترة إنتقال كبرى ومرحلة تحول عظمى شهدت انتصارات وهزائم .. لحظات فرح وبهجة وأوقات حزن وأسى ..

والصور التى تختزنها الذاكرة عن عبد الناصر عديدة ومختلفة وأشير منها إلى خمس صور على سبيل المثال : الصورة الأولى فى يوليو 1956 – وهو العام الأول من رئاسة عبد الناصر للجمهورية المصرية – وهو يعتلى منبر الأزهر الشريف متحدثاً ومؤكداً على حقوق مصر فى تأميم شركة قناة السويس ومخاطباً المصريين بأننا سنقاوم وسوف نحارب من أجل حقوقنا .

والصورة الثانية فى عام 1958 فى دمشق وبعد إبرام الوحدة بين مصر وسوريا فى 28 فبراير ونشأة الجمهورية العربية المتحدة . وفى أول زيارة له قام السوريون بحمل سيارته وكان مشهداً فريداً لم يتكرر . والصورة الثالثة فى يونيو 1967 بعد الهزيمة العسكرية وكانت أول مرة يرى فيها المصريون زعيمهم فى صورة الأسد الجريح والتى تحدث فيها لأول مرة عن تركه مسئولية الحكم .

والصورة الرابعة فى 28 سبتمبر 1970 وهو فى فندق هيلتون النيل يتفاوض مع الزعماء العرب فى مؤتمر القمة الذى انعقد لإنهاء الأزمة بين الأردن والمقاومة الفلسطينية وظهر فيها عبد الناصر مرهقاً وفى غاية الإعياء . أما الصورة الخامسة والأخيرة فهى مشهد الجنازة المهيبة التى شارك فيه مئات الالاف من بسطاء المصريين ... كانت مشهداً رائعاً ودع فيه المصريون زعيمهم الذى ارتبطوا به لسنوات .

ومع تعدد الصور واختلافها ، تختلف التقييمات عن عبد الناصر وماذا يبقى منه للتاريخ ؟ ويقال عادة أن التقييم الموضوعى لأى حدث أو شخص ، يكون ممكناً بعد وفاة كل المعاصرين لهذا الحدث أو الشخص فمرور الوقت وعدم وجود إنحيازات أو أهواء شخصية تعطى الفرصة للحكم الموضوعى على الأمور . ومع أن ذلك لم يتحقق بعد ، فإن مرور أربعين سنة على وفاة عبد الناصر يتيح قدراً أكبر من الموضوعية ، فالظروف تغيرت بشكل حاسم وعدد سكان مصر اليوم يتجاوز الثمانين مليوناً مقارنة بالثلاثين مليون فى 1970... وشكل النظام السياسى تغير من التنظيم السياسى الواحد ( الإتحاد الإشتراكى ) إلى التعدد الحزبى ، وشكل النظام الاقتصادى تحول من اقتصاد يسيطر على مقدراته القطاع العام إلى القطاع الخاص وتغيرت أيضاً سياسة مصر الخارجية ...

وكما تغيرت مصر ، تغيرت المنطقة العربية بفعل الثروة النفطية وتغيرت موازين القوى الاقتصادية فى المنطقة ، وتغيرت أدوار إسرائيل وتركيا وإيران ، وتغير ايضاً العالم مع تحلل الإتحاد السوفييتى ودول الكتلة الشرقية . والخلاصة أنه لم يعد هناك مجال للدعوة إلى استعادة المؤسسات والسياسات التى شهدها عهد عبد الناصر فمؤسسات الحزب الواحد وسيطرة القطاع العام على الاقتصاد لم تعد واردة ، ولم يعد هذا محل خلاف فى التيار الرئيسى للعمل السياسى والحزبى فى مصر . ولكن ما يتبقى هو النقاش حول المبادىء والأفكار التى دافع عنها عبد الناصر وعمل من أجلها والتى أصبحت جزءاً من نسيج الثقافة السياسية ومنظومة القيم الاجتماعية السائدة فى بلادنا ..

فهناك أولاً قيمة العدل الاجتماعى وتكافؤ الفرص ومسئولية الدولة فى مكافحة الفقر وحماية محدودى الدخل . هذه القيمة ترسخت بشكل لم يعد ممكناً لأى حزب سياسى يتطلع إلى تأييد المواطنين أو يحرص على تحقيق الاستقرار السياسى أن يتجاوزه أو ينكره . وصحيح أنه ظهرت فى بلادنا – ولفترة - أصوات الرأسمالية المتوحشة وما يسمى باجماع واشنطن والليبرالية الجديدة التى ركزت على مفاهيم الانجاز والكفاءة الاقتصادية وتحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادى دون اهتمام مماثل بقضية التشغيل وبحسن توزيع عوائد النمو ولكن سرعان ما تراجعت هذه الأصوات لرفض المجتمع لها . ومازالت أهم هموم المواطن المصرى فى كل استطلاعات الرأى العام هى المحسوبية والوساطة وعدم تكافؤ الفرص . لقد كرس عبد الناصر لدى المصريين البعد الاجتماعى للمواطنة وأن المواطن له حقوق اقتصادية واجتماعية وأصبح ذلك حزءاً من التكوين الثقافى للمصريين اليوم .

وهناك ثانياً أن مصر دولة عربية يرتبط قدرها ومستقبلها بالمنطقة العربية وأن الدور الريادى الذى تقوم به يتم فى السياق العربى . وهذا المعنى له أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والاستراتيجية . وصحيح أيضاً أن أصواتاً أرتفعت بأن « مصر أولاً» وهذا أمر طبيعى فى كل الدول. فبالنسبة للأمريكيين فإن أمريكا أولاً وللروس فإن روسيا أولاً وللاردنيين فإن الأردن أولاً بمعنى أن سياسات الدولة الداخلية والخارجية تسعى لتحقيق أمنها ومصالحها الوطنية . وما كرسه عبد الناصر هو أن أمن مصر ومصالحها العليا يرتبطان بالمنطقة العربية. والعلاقة الوثيقة بين مصر وغيرها من البلاد العربية تسندها العاطفة والثقافة والمصلحة والأمن .

وهناك ثالثاً معنى الكرامة الوطنية والاستقلال الوطنى واتباع سياسة خارجية مستقلة سميت بالحياد الإيجابى ثم بعدم الإنحياز وجوهرها أن المواقف الخارجية للدولة تنبع من مصالحها وليس بسبب التحالف مع دولة كبرى هنا أو هناك. ولعل هذا المعنى هو من أكثر المعانى التى ارتبطت بشخص جمال عبد الناصر وسعيه لاستقلال مصر وعدم السماح للقوى الكبرى أو للآخرين عموماً بالتدخل فى شئونها ، ولم يتردد فى الدخول فى مواجهات سياسية ومعارك لتحقيق هذا التوجه فكان كسر الحصار الذى فرضه الغرب على مصر لمنعها من الحصول على سلاح متقدم ، واعتراف مصر بالصين الشعبية فى يناير 1956 ثم المواجهة مع البنك الدولى والغرب بشأن بناء السد العالى ، وقرار تأميم شركة القناة الذى أدى إلى مواجهة سياسية ودبلوماسية والعدوان الثلاثى على مصر فى 29 أكتوبر 1956 ، وكان الدعم المصرى لحركات الاستقلال والتحرير الوطنى فى المنطقة العربية وإفريقيا تأكيداً لحق الشعوب فى تقرير مصيرها والحصول على استقلالها .. والأحداث كثيرة ومعروفة ...

وعندما يستعيد المرء خطابات جمال عبد الناصر يجد أنها تمتلئ بكلمات العزة والكرامة وحق الشعوب فى نيل استقلالها ويجد عبارات قوية ضد الإستعمار والتدخل الأجنبى ومع ضرورة الثورة ضد الظلم والاستعمار ... ويجد معانى أن الاستقلال ليس مجرد الحصول على الاستقلال القانونى أو الشكلى ، ولكن توفير مقومات قدرة الدولة على ممارسة السيادة وحقها فى اتخاذ القرارات التى تخدم مصالحها دون إملاء من الخارج . لذلك اصطدم عبد الناصر مرة بالقوى الغربية ومرة أخرى مع الإتحاد السوفييتي..

وتقديرى أن إسم جمال عبد الناصر سوف يبقى إحدى منارات التاريخ المصرى الحديث ...رجل من الناس وهب حياته للشعب والوطن .. لم يتمتع بملذات الحياة وعاش نظيف اليد . وبعد وفاته قامت المخابرات الأمريكية بجهود حثيثة لكى تكتشف له حسابات فى بنوك خارجية أو تورطاً فى قضايا فساد مالى أو أخلاقى وانتهت بخفى حنين ... وكان أكثر ما يحرص عليه هو الكرامة للشعب . وأعتقد أن من أهم الكتب التى استطاعت التعبير عن هذا المعنى كتاب قديم صدر فى الستينيات من القرن الماضى للصحفى ويلتون وين الذى عمل رئيساً لمكتب مجلة التايم الأمريكية فى القاهرة وكان عنوان الكتاب «ناصر .. البحث عن الكرامة».







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:33 AM رقم المشاركة : 288
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

خالد جمال عبد الناصر: ما حدث فى بيت الريِّس الليلة االأخيرة







خالد جمال عبد الناصر

فى الأيام الأولى من حقبة الثمانينات التأمت الأسرة فى قاعة السينما فى الدور الأرضى من بيت منشية البكرى. وقاعة السينما بالأصل صالة طعام رئيسية كان يستضيف فيها الرئيس ضيوفه الكبار على موائد العشاء. جلست أمى تحية كاظم وحدها على كرسى فى الصف الأول، وجلست فى الخلف مع زوجتى داليا فهمى، وكان معنا شقيقاى عبدالحميد وعبدالحكيم بصحبة زوجتيهما إيمان ونجلاء، كانت أحاديثنا فى ذلك المساء عادية حول بعض شئوننا الاجتماعية، ولم نتوقع أننا بصدد حادث عاصف بالمواجع القديمة. أخذ عامل السينما عبدالعظيم يستعد لعرض شريط سينمائى حديث، ولكنه أخطأ فى الشريط وفوجئنا بالعرض يبدأ، وصورة أبى على غير انتظار تطل على الشاشة ومشاهد الملايين الملتاعة تزحف خلف نعشه بأنشودة وداع صاغتها بعفوية الوادع يا جمال يا حبيب الملايين. الشريط السينمائى عنوانه أنشودة الوداع للمخرج على عبدالخالق. شيء أقرب إلى الصاعقة ضربنا. أمى غرقت فى بكاء مرير بصوت مرتفع، ومع بكاء أمى أخذتنا الدموع إلى مدى بعيد لم نتصور منذ لحظات، وبعد عشر سنوات تقريبا من وفاة أبى، أننا سوف نذهب إليه.. كأنه مات الآن، كأننا فقدناه الآن، شعرنا بحسرة الفراق، وكما لم يحدث من قبل، لم استطع متابعة الشريط السينمائى وغادرت القاعة مسرعا.ا





بقميص أزرق طويل وبنطلون رمادى خفيف فى قدميه وقف أبى ذات مساء من الصيف الأخير فى شرفة واسعة على يسار استراحة المعمورة فى الإسكندرية، الاستراحة تواجه البحر مباشرة، كنا فى مطالع الصبا، نلهو على البحر، وأبى يتابعنا من بعيد، ويتمشى أحيانا فى البلكونة، وأحيانا ينزل للتمشى على البحر. كان يشاور لنا من بعيد، ونحن نرد التحية بحماسة، كنا متعلقين به بصورة لا تصدق، كانت مشيته فى الصيف الأخير تبدو عادية أو لعله أراد بعناده المعروف أن يتحدى المرض، وأن يخفى آلامه عنا، وأن يبدو طبيعيا، بدت حالته الصحية بالنسبة لى تحت السيطرة، لم يكن هناك ما يقلق ولا خطر فى بالنا أن هذه آخر أيامنا مع جمال عبدالناصر، غير أن ضغط الأحداث عليه، من الاستعداد لتحرير الأراضى المحتلة بقوة السلاح إلى مجازر أيلول الأسود أخذ ينال من صحته ويضع قلبه فى مرمى نيران النهاية.


ذات مرة قال لى لن يتركونى أبدا، ونهايتى إما مقتولا أو سجينا أو فى مقابر الغفير كان يدرك أن القوى العاتية التى حاربها سوف تحاول الانتقام، وأن الانتقام سوف يكون مريعا، وعندما حدثت هزيمة يونيو كان تصوره أن طالب الناس بشنقه فى ميدان التحرير، فإذا بالملايين يخرجون مطالبين القائد المهزوم بالبقاء، وكما لم يحدث فى التاريخ من قبل.


كنا على مائدة غداء ذات يوم عام 1970، ولسبب ما قلت: مضت ثلاث سنوات وكنت أتحدث عن موضوع شخصى مضت عليه هذه الفترة، التفت عبدالناصر تجاهى، قال وكأنه يحادث نفسه:ثلاث سنوات؟!. كانت هذه السنوات قد مضت على النكسة.. لم ينس أبدا هذا الجرح.


مارس 1969، استشهد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المصرية على جبهة القتال الأمامية، صدمة عبدالناصر باستشهاد رياض بدت صاعقة كان يراهن على الجنرال الذهبى فى تحرير أراضينا المحتلة بقوة السلاح تحت وابل من النيران وأفق مشتعل بالنار ثقته بالكفاءة العسكرية لرياض كانت بلا حدود، لكنه شعر أيضا بالفخر لاستشهاد رئيس أركان حرب القوات المسلحة على جبهة القتال، مصر تغيرت، ونفضت ثياب الهزيمة بإرادة المقاتلين وبدماء الشهداء، وهو المعنى الذى التقطته مئات الألوف التى خرجت تودع رياض فى جنازة مهيبة اخترقت ميدان التحرير من جامع عمر مكرم. أصر الرئيس على أن يتقدم صفوف الجنازة وتحدى إجراءات الأمن وأزاح رجال الحراسة وذاب وسط الجماهير، كان لديه إيمان صوفى بالجماهير، يشعر بالتوحد معها، وبأنه فى مأمن تماما بحمايتها، رجال الأمن أصابهم الفزع، اقترب أحد ضباط الحراسة من الرئيس بصعوبة شديدة وقال: يا فندم كفاية كده نهره عبدالناصر بيده ومضى فى الجنازة حتى نهايتها متأثرا بهتاف الشعب.. رياض ما متش والحرب لسه مانتهتش


حتى الآن.. ورغم مضى كل هذه السنوات الطويلة يساورنى شعور طاغ بتقصير الأطباء فى علاج الرئيس إلى حد كبير، حاولوا إرضاء الرئيس على حساب صحته، وقد تفرض أجندة الالتزامات أن يلقى خطابا جماهيريا أو يعقد اجتماعا سياسيا فى ظل أزمة صحية تستدعى أن يستريح. يقول للأطباء: عاوز أروح أخطب فيلتزمون بما طلب دون مناقشة أو اعتراض، يعطونه مضادات حيوية من أقوى جرعة ممكنة، وفى اعتقادى أن هذا النوع من العلاج بتسكين الآلام لمقتضيات السياسة هو أقرب إلى سوء استخدام تكنولوجيا المضادات الحيوية، وقد أنهك صحة أبى بصورة خطيرة. ليس من واجب الطبيب أبدا أن يستجيب لطلبات المريض، حتى ولو كان رئيس الجمهورية، ليس من واجب الطبيب حين يقول له الرئيس:تعال ادينى حقنة ريفالين أن يكون الرد الفورى حاضر لا أغفر لأطباء عبدالناصر هذا التساهل المفرط فى مقتضيات العلاج.ا







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:33 AM رقم المشاركة : 289
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

السيرة الصحية لوالدى ترتبط بتواريخ السياسة.. أثناء الحصار الاقتصادى الذى فرضه الغرب على مصر أصابه مرض السكر عام 1958 بعد نكسة 67 نالت منه مضاعفات السكر بصورة خطرة، إرهاق العمل المتواصل فى الليل والنهار لتحرير الأراضى المحتلة بقوة السلاح أصابه بأزمة قلب، وأزماته الصحية كان يمكن باستمرار تداركها، مضاعفات السكر تمت السيطرة عليها، أما الإرهاق وتحدى أوامر الأطباء بالراحة فلا سبيل لتداركهما، من عرف عبدالناصر فى تلك الأيام كان يدرك بسهولة أنه غير مستعد للنوم مرتاحا أو الاستمتاع بأى شيء قبل إزالة آثار العدوان. ا


قبل ذهاب والدى لمصحة تسخالطوبو فى الاتحاد السوفيتى للاستشفاء قضى شهرا كاملا فى الإسكندرية على سرير المرض متأثرا بمضاعفات مرض السكر، فيللا المعمورة ثلاثة أدوار وأبى وأمى يعيشان فى الدور الثالث.. دخلت عليه ذات يوم فى غرفة النوم فوجدته يتأوه من الألم، حاول أن يخفى علامات الألم، كنا نحس به، لكنه نجح لحد كبير فى خداعنا والتهوين علينا، لم نعرف أنه أصيب بأزمة قلبية حتى فوجئنا بالثانية القاتلة، حتى أمى لم تعرف.. لا أسامح نفسى حتى الآن على أننى لم أفهم أن إقامة المصعد فى بيت منشية البكرى فى 21 ساعة تعنى أن أبى أصيب بأزمة قلبية تمنعه من صعود السلم للدور الثانى. صاحبنا الرئيس والدتى وأنا وشقيقاى عبدالحميد وعبدالحكيم فى رحلة العلاج لمصحة تسخالطوبو فى الاتحاد السوفيتى، تحسنت حالته الصحية هناك، لم يكن مسموحا لنا بالحضور معه فى جلسات العلاج. قضينا فى تسخالطوبو أوقاتا رائعة، لم نكن قلقين على صحته.. لعله نجح فى خداعنا، ومازلت أعتقد أن والدى مات بالإرهاق أكثر مما مات بأزمة قلب أيلول الأسود.ا


نصحه الأطباء بممارسة الرياضة، بدأ يلعب التنس فى ملعب خلفى فى البيت، مدربه اسمه غريب مازال يمارس التدريب حتى الآن فى نادى القوات المسلحة فى الجلاء منذ الخمسينيات، كان أبى يلعب التنس مع محافظ القاهرة صلاح الدسوقى، بعودة أبى لممارسة الرياضة كنا نقول له:عايزين نلعب معاك يا بابا، ونستمر فى خبط الكوره كنا نلعب معه أحيانا كرة قدم، يشوط أبى الكرة ويقول اجر يا خالد كنت أسمع كلامه كجندى وأجرى أسابق الريح لإحضار الكرة، وفى السنوات الأخيرة عندما بدأ يتألم من مضاعفات مرض السكر،كان يطلب منى أن أرتدى أحذيته الجديدة الناشفة ويقول البس الجزمة يومين طريها واديها لى.


ا28 سبتمبر 1970 الساعة الخامسة من مساء هذا اليوم كنت انتهيت لتوى من تدريب كرة اليد فى نادى هليوبولس فى ضاحية مصر الجديدة، جلست مع أصدقائى فى التراس نحتسى الشاى والقهوة، كانت على المائدة المقابلة داليا فهمى زوجتى فيما بعد، لم يكن هناك شيء غير عادى، مؤتمر القمة الطارئ لايقاف نزيف الدم فى عمان انتهى بالنجاح، أبى يعود اليوم للبيت بعد أربعة أيام قضاها فى فندق هيلتون النيل للمشاركة فى القمة وإجراء الاتصالات الضرورية، لم أكن أعرف أنه لم ينم ولم يرتح طوال هذه الأيام بسبب أنه لابد من وقف نزيف الدم الفلسطينى فجأة رأيت أمامى عصام فضلى، وهو ضابط من قوة الحراسة الخاصة بالرئيس، لم يحدث من قبل أن أرسل والدى لاستدعائى ضابطا من حرسه الشخصى قال لى تعالا عاوزينك فى البيت. ولم يزد حرفا. فى أقل من خمس دقائق وصلت، صعدت سلم البيت قفزا بتساؤل كاد يشل الروح:ماذا حدث؟.فكرت فى كل احتمال، ولم يخطر على بالى أبدا ما حدث.ا


حركة غير عادية فى الدور الثانى فى غرفة الرئيس، الباب مفتوح، أبى أمامى على السرير مرتديا بيجامة.. طبيبه الخاص الدكتور الصاوى حبيب يحاول انقاذ حياته بصدمات كهرباء للقلب، السيد حسين الشافعى فى زاوية الحجرة، يصلى ويبتهل إلى الله، الدكتور الصاوى قال بلهجة يائسة كلمة واحدة:خلاص. الفريق أول محمد فوزى نهره بلهجة عسكرية:استمر ثم أجهش بالبكاء.. نفذ أمر الله، أخذت الأصوات ترتفع بالنحيب. لم أبك، وقفت مصدوما. بكيت بمفردى بعد أسبوعين لثلاث ساعات مريرة. لم أصدق أن أبى رحل فعلا، أمى أخذتها حمى الأحزان الكبيرة، أخذت فى الصراخ والعويل كأى زوجة مصرية بسيطة تنعى رجلها وجملها فى غمرة الحزن طلبت أمى من صديقى محمد الجيار ألا يغادر غرفة الرئيس أبدا، لمدة ثلاث ساعات جلس الجيار على الأرض بجوار سرير عبدالناصر يبكى بحرقة ويقبل قدميه. جاء أنور السادات وتبعته على عجل السيدة جيهان بفستان أزرق، السادات نهرها:امشى البسى أسود وتعالى. بدأ توافد كبار المسئولين فى الدولة على البيت، بعد قليل اجتمع عدد كبير من الوزراء وقيادات الدولة فى صالون منشية البكرى، تقرر نقل جثمان الرئيس لقصر القبة حيث تتوافر هناك امكانات الحفاظ عليه فى درجة تبريد عالية لحين إحضار ثلاجة خاصة لهذه الحالات، والانتهاء من إجراءات الجنازة وإعلان الخبر الحزين على الشعب. بدأت الإذاعة والتليفزيون فى بث آيات من القرآن الكريم، لم يدر أحد بما حدث، حاولت داليا الاتصال بى للاطمئنان، أخيرا أمكنها الوصول لعامل السويتش..أخبرها وهو يبكى:الريس مات.ا


قوة الحراسة الشخصية لعبدالناصر، وفى مقدمتهم محمد طنطاوى الذى كنا نطلق عليه لقب الطبيب حملت جثمان الرئيس على نقالة إسعاف بلا غطاء، وجهه مكشوف، ابتسامة رضا تعلو وجهه، رائحة الموت كريهة، لكنها بدت مسكا، أمى تابعت الجثمان المحمول على نقالة إسعاف بصراخ رهيب دوى فى المكان الذى كان للحظات قليلة مضت المقر الذى تدار منه مصر والصراعات على المنطقة، قال لها السادات على طريقة أهل الريف فى مثل هذه الأحوال: يا تحية هانم.. أنا خدامك مضى أبى أمام عيوننا محمولا على نقالة إسعاف ولم يعد، لم نره مرة أخرى. لم تذهب معه أمى ولا أحد من أبنائه لقصر القبة. أمى جلست على السلم تنتحب، حتى الآن مازالت تدوى فى وجدانى كلمات أمى الملتاعة، وهى تتابع الخروج الأخير لعبدالناصر من بيت منشية البكرى: وهو عايش خدوه منى وهو ميت خدوه منى. سيارة إسعاف الرئاسة نقلت جثمان أبى من بيت منشية البكرى إلى قصر القبة قبل إعلان الخبر المفجع على الرأى العام فى مدخل القصر الرئاسى قابلت أنور السادات، طلبت منه بإلحاح: عاوز أشوفه يا سيادة النائب. رفض السادات هذا الطلب، قد تكون له أسبابه، ربما خشى أن تنفلت مشاعر شاب صغير لرؤية جثمان والده، ومع ذلك لن أغفر للسادات أبدا أنه لم يمكنى من إلقاء نظرة أخيرة على أبى.ا







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:34 AM رقم المشاركة : 290
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

مساء الاثنين 28 سبتمبر، 1970، نهر الدموع امتد من الماء للماء على خريطة أمة العرب، فى كل قرية عربية مأتم، قال المصريون البسطاء: عمود الخيمة سقط قرأ المصريون فى طوفان الدموع ما سوف يحدث غدا وبعد غد بهتاف: عبدالناصر يا عود الفل من بعدك حنشوف الذل.. الأناشيد الحزينة أخذت تدوى فى سماء القاهرة التى كانت يومها عاصمة العرب وعاصمة حركات التحرير الوطنى، صرخات ملتاعة تستعيد اسما واحدا لخص كل شيء، حقبة كاملة من الصعود والانكسار، النصر والهزيمة، اسما بدا شهابا قد مضى وتاريخا قد مضى، وإرادة ومقاومة لم يعد يعرف أحد ماذا سوف يحدث بعدها، مات عبدالناصر فجأة، ولم يكن أحد يتوقع أن يغيب مبكرا فى سن الثانية والخمسين، الصدمة المروعة هزت مشاعر المصريين أخذ الملايين يصرخون باسم رجل يرقد وحده فى غرفة مبردة فى قصر القبة.ا


كان أبى فى ذهابه وإيابه إلى البيت يشاهد مسجدا تبنيه إحدى الجمعيات الخيرية فى شارع الخليفة المأمون عند كوبرى القبة، بدا للرئيس أن مشكلات مالية تحول دون استكمال بناء المسجد، استقصى الأمر من معاونيه، تدخل لتوفير الإمكانات اللازمة لاستكمال البناء، لم يكن يدرى أنه سوف يدفن فى ضريح بهذا المسجد.ا


عندما بدأت الحشود الهائلة من المصريين البسطاء تزحف باتجاه بيت منشية البكرى، فور الإعلان عن وفاة الرئيس وقفت عند مدخل البيت مأخوذا بالمشهد الحزين، شاهدت عن بعد شخصا يرتدى زى طلاب الكلية البحرية الأبيض، لم أتبين فى البداية من هو، حتى أدركت بعد قليل أنه أخى عبدالحميد، أتوا به على عجل من الإسكندرية، وقف عبدالحميد عاجزا عن دخول البيت من فرط الحشود التى حاصرته بقلوبها وأحزانها. كنت قد قاربت العشرين من عمرى يوم وفاة أبى، علاقتنا بالجيران فى منشية البكرى حكمتها قواعد أمن الرئيس، ومع ذلك لم نشعر يوما بأننا فى وضع أفضل لكوننا أبناء جمال عبدالناصر، ولا هو نفسه كان يسمح بأية ميزات لأبنائه، وذات مرة قال لى: لو استخدمت اسمى للإساءة إلى أحد أو تجاوز فى التصرف، فلن أتردد فى وضعك فى السجن الحربى. فى هذا اليوم الحزين طلب جيراننا من أطقم الحراسة رؤية خالد لتقديم واجب العزاء.ا


طلبوا من أمى فى اليوم التالى أن تذهب لقصر القبة لتلقى العزاء من الشخصيات الدولية والعربية التى وفدت للعاصمة المصرية للمشاركة فى مراسم الجنازة. أمى لم تشعر بأنها فى مكانها الطبيعى، كانت تقول باستمرار عن بيت منشية البكرى بيتى وقررت أن تعود لبيتها كى تتلقى العزاء فيه، وتتخفف من المراسم الرسمية، بلا قصر قبة أو إجراءات خاصة، فالعزاء أرادته من بسطاء المصريين وعامة الناس.


لثلاثة أيام تدفقت على بيتنا عشرات الألوف تعزى نفسها ولا تعزينا فى جمال عبدالناصر، الملايين أخذت طريقها من القرى البعيدة فوق أسطح القطارات فى أكبر عملية زحف فى التاريخ المصرى نحو العاصمة، ضافت الطرقات بأحزان المصريين، كانت مصر تبكى الرجل الذى أحبها كما أحبته، كنا فى بيتنا مأخوذين بالمشهد الجليل فى غمرة الحزن لم نشعر بأننا نحزن بمفردنا، مات عبدالناصر يوم الاثنين مضى الثلاثاء ببطء أشد. مضى يوم الأربعاء والأحزان تفيض على جنبات النيل، حان يوم الخميس، الوداع الأخير لعبدالناصر، يوم الهول العظيم فى مصر، ليلتها وفى ظلمة الحزن أخذت مصر تنشد بأصوات ملايينها الملتاعة أنشودة الليلة الأخيرة الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ثورتك ثورة كفاح عشتها طوال السنين.


فى صباح يوم الوداع الأخير وضع جثمان أبى فى طائرة هيلكوبتر بصحبة طائرتى شرف، حلقت الطائرات فى سماء القاهرة فوق النيل، فوق أمواج البشر التى تدفقت إلى الشوارع بالملايين، المشهد أثار الأحزان. أخذت الجماهير الغفيرة تتطلع بعيون دامعة إلى السماء:الوداع يا جمال.لحظتها وقفت فى أرض ملعب الجولف فى نادى الجزيرة الرياضى مع شقيقى عبدالحميد وعبدالحكيم وصديقى محمد الجيار ومحمود القيسونى وكأننا يتامى بانتظار هبوط الطائرة بجثمان الأب الراحل. هبطت الطائرة ببطء، تحرك حرس الرئيس لنقل الجثمان بسيارة خاصة من الباب الخلفى للنادى القاهرى الشهير إلى مقر مجلس قيادة الثورة على النيل، لم أذهب إلى نادى الجزيرة بعدها غير مرة أو مرتين، الذهاب إلى هذا النادى يستدعى أحزانا فوق طاقتى الإنسانية على التحمل، فى مجلس قيادة الثورة وضعوا النعش على مصطبة عالية من الجرانيت، حكيم ارتمى باكيا على النعش، تصورنا فى البداية أن الجنازة سوف تمضى بتنظيم محكم، غير أن الأمور كلها أفلتت بضغط هائل من الجماهير الحزينة التى أخذت تصرخ يا ريس.. سايبنا ورايح فين


بدأ الموكب الحزين من مجلس قيادة الثورة، وضعوا جثمان أبى على مدفع، مشينا وراءه كما كنا نمشى دائما، لكنه الآن لم يعد معنا، تدفقت الحشود تحاول أن تقتحم الموكب الرسمى، وفرضت كلمتها فى النهاية، ضغطت بتدافعها الرهيب على الرؤساء والقادة، تبخرت إجراءات الأمن المشددة ، وبعد قليل غادر المسئولون الكبار الجنازة بنصائح أمنية، ومضيت مع اخوتى وأصدقائى وحدنا وسط الحشود الهائلة وراء المدفع حتى فندق هيلتون النيل، الناس يضغطون علينا من الخلف فى محاولة للمس نعش الرئيس، وربما بأمل إلقاء نظرة أخيرة عليه من قريب، وفى تدافع الجموع بدا شقيقى الأصغر عبدالحكيم 51 عاما فى ذلك الوقت يعانى بشدة من ارتطام متوال بالمدفع، وأخذ يصرخ: ضلوعى حتتكسر ثم نظر حوله وكنا قد تباعدنا عنه، وخشى أن يكون قد ضاع فى وسط الزحام الرهيب، وأخذ ينادى بصوت عالأخوتى فين؟. كاد أن يضيع فعلا عبدالحكيم منا وسط تدفق أكثر من 5 ملايين مواطن فى تدافع رهيبب بأحزان كبرى على كوبرى النيل، خفت أن يضيع منا حكيم فى هذا اليوم، وأخذت أصرخ هاتوا أخويا الصغير. وكانوا قد حجزوا غرفة خاصة لوالدتى فى فندق هيلتون النيل، وعلى مقربة من هذا الفندق وقفت والدتى فى أعلى مقر الاتحاد الاشتراكى تتابع الجنازة بقلبها ودموعها، ولعلها خشيت فى هذا اليوم أن تفقد الزوج والابن الأصغر معا.


من عند فندق النيل هيلتون أخذت سيارة إلى الجامع الذى أصبح فيما بعد معروفا باسم جامع جمال عبدالناصر عبر طريق صلاح سالم بصحبة صديقى محمود الجيار، وصلنا بصعوبة بالغة قبل صلاة الجنازة، دخلنا إلى حرم الجامع من ناحية الكلية الفنية العسكرية، البوابة كانت مغلقة، وبدأت الجماهير المحتشدة تدرك أن أولاد عبدالناصر قد وصلوا ثم تحركوا باتجاهنا، وبسرعة أصدر الفريق أول محمد فوزى القائد العام للقوات المسلحة الذى كان يستند بظهره إلى جدار الجامع الخارجى أوامره بعمل كردون من قوات الصاعقة من حولى حرصا على حياتى من فيض عواطف الحشود، رأيت عمى عز العرب يبكى بهستيريا ويضع على طريقة أهل الصعيد فى إبداء الحزن التراب على رأسه ويقوم بتمزيق الستائر.


عاشت أمى سنوات طويلة بعد رحيل أبى، وتوفاها الله فى 25 مارس 1990، طوال هذه السنوات لم تخلع ملابس الحداد السوداء على جمال عبدالناصر، ألححنا عليها كثيرا لارتداء ملابس ملونة، وأحيانا كنا نبادر بشراء مثل هذه الملابس من أجلها، ونردد على مسامعها الحكمة المصرية الشهيرةالحزن فى القلب غير أنها لم تقتنع أبدا، وكان أملها الوحيد أن تدفن بجواره ذات يوم.


المدفن عبارة عن حجرتين، دفن أبى فى إحداهما، وفيما بعد دفنت أمى فى الثانية، يومها أخذت تطالب وسط موجات من البكاء ما يشبه الوصية. لازم ادفن معاه، فى حجرة الدفن رأيت أشرف مروان ومحمد الجيار، ربما كان هناك آخرون لا أتذكرهم الآن، وفى غمرة الحزن قال أحد ضباط الحرس الجمهورى: ياريت أنا اللى مت. وما إن انتهت إجراءات الدفن حتى أخذ بعض العمال يسدون القبر بالطوب، وهذه كانت أسوأ لحظة فى حياتى.


ا 2 ديسمبر1971، فى هذا اليوم عقدت قرانى على زوجتى داليا فهمى فى بيت منشية البكرى، فى حضور رئيس الجمهورية الجديد أنور السادات وعدد كبير من الوزراء وكبار المسئولين، حرصت يومها على دعوة أساتذتى فى كلية الهندسة من جامعة القاهرة، السادات شهد على وثيقة الزواج فى صالون جمال عبدالناصر، كل شيء يحيطه جلال الغياب، الملابس سوداء، وراعى الحضور إلى أقصى حد ممكن ضبط التصرفات المعتادة فى مثل هذه المناسبات حرصا على مشاعر أسرتى، نزلت أمى من الدور الثانى، سلمت على الضيوف. وبدا أنها قد تقبلت التهانى كما هو معتاد فى الأفراح، غير أنها كانت فى دنيا أخرى مع رجل آخر، فجأة أخذت تنظر حولها كمن تبحث عن شخص بعينه وتتوقع أن يكون على رأس الحفل السعيد، ثم أخذت تسأل :جمال فين.. الريس فين؟.. أمى سيدة مصرية بسيطة تؤمن بالله، وتصلى الفروض فى مواقيتها، وتزور أولياء الله الصالحين وفى الملمات تلجأ لمقام سيدنا الحسين، وتدرك أن هذه إرادة الله وحكمته، غير أنها فى هذه المناسبة العائلية افتقدت وجود رفيق حياتها، غابت كل الوجوه، وحضرت صورته، وحدها فى القلب.. لعشر دقائق كاملة أخذت تسأل.. والدموع فى عيوننا، ولا مجيب، ماتت أمى منذ خمسة عشر عاما، وهناك فى أمتنا بأوضاعها المحزنة الحالية، من لا يزال يسأل بإلحاح: جمال فين.. الريس فين؟.ا







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator