العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > المنتدى الاسلامى

المنتدى الاسلامى إسلام، سنة، قرآن، دروس، خطب، محاضرات، فتاوى، أناشيد، كتب، فلاشات،قع لأهل السنة والجماعة الذين ينتهجون نهج السلف الصالح في فهم الإسلام وتطبيقه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-04-2010, 05:59 PM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

وجميع الرسل إنما دعوا إلى " إياك نعبد وإياك نستعين " فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته ، من أولهم إلى آخرهم ، فقال نوح عليه السلام لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وكذلك قال هود وصالح وشعيب عليهم السلام وإبراهيم عليه السلام ، قال الله تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وقال وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال تعالى ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون .






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:00 PM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين





فصل في لزوم إياك نعبد لكل عبد إلى الموت

قال الله تعالى لرسوله
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وقال أهل النار وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين واليقين هاهنا هو الموت بإجماع أهل التفسير ، وفي الصحيح في قصة موت عثمان بن مظعون رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أما عثمان فقد جاءه اليقين من ربه أي الموت وما فيه ، فلا ينفك العبد من العبودية ما دام في دار التكليف ، بل عليه في البرزخ عبودية أخرى لما يسأله الملكان من كان يعبد ؟ وما يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ويلتمسان منه الجواب ، وعليه عبودية أخرى يوم القيامة ، يوم يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود ، فيسجد المؤمنون ، ويبقى الكفار والمنافقون لا يستطيعون السجود ، فإذا دخلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف هناك ، وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحا مقرونا بأنفاسهم لا يجدون له تعبا ولا نصبا .

ومن زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد ، فهو زنديق كافر بالله [ ص: 125 ] وبرسوله ، وإنما وصل إلى مقام الكفر بالله ، والانسلاخ من دينه ، بل كلما تمكن العبد في منازل العبودية كانت عبوديته أعظم ، والواجب عليه منها أكبر وأكثر من الواجب على من دونه ، ولهذا كان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على جميع الرسل أعظم من الواجب على أممهم ، والواجب على أولي العزم أعظم من الواجب على من دونهم ، والواجب على أولي العلم أعظم من الواجب على من دونهم ، وكل أحد بحسب مرتبته .











آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:01 PM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين



فصل في مراتب إياك نعبد علما وعملا

للعبودية مراتب ، بحسب العلم والعمل ، فأما مراتبها العلمية فمرتبتان :

إحداهما : العلم بالله ، والثانية : العلم بدينه .

فأما العلم به سبحانه ، فخمس مراتب : العلم بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأسمائه ، وتنزيهه عما لا يليق به .

والعلم بدينه مرتبتان ، إحداهما : دينه الأمري الشرعي ، وهو الصراط المستقيم الموصل إليه .

والثانية : دينه الجزائي ، المتضمن ثوابه وعقابه ، وقد دخل في هذا العلم العلم بملائكته وكتبه ورسله .

وأما مراتبها العلمية ، فمرتبتان : مرتبة لأصحاب اليمين ، ومرتبة للسابقين المقربين .

فأما مرتبة أصحاب اليمين : فأداء الواجبات ، وترك المحرمات ، مع ارتكاب المباحات ، وبعض المكروهات ، وترك بعض المستحبات .

وأما رتبة المقربين : فالقيام بالواجبات والمندوبات ، وترك المحرمات والمكروهات ، زاهدين فيما لا ينفعهم في معادهم ، متورعين عما يخافون ضرره .

وخاصتهم قد انقلبت المباحات في حقهم طاعات وقربات بالنية فليس في [ ص: 129 ] حقهم مباح متساوي الطرفين ، بل كل أعمالهم راجحة ، ومن دونهم يترك المباحات مشتغلا عنها بالعبادات ، وهؤلاء يأتونها طاعات وقربات ، ولأهل هاتين المرتبتين درجات لا يحصيها إلا الله .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:03 PM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين



فصل في منازل إياك نعبد


فصل : في منازل إياك نعبد التي ينتقل فيها القلب منزلة منزلة في حال سيره إلى الله

وقد أكثر الناس في صفة المنازل وعددها ، فمنهم من جعلها ألفا ، ومنهم من جعلها مائة ، ومنهم من زاد ونقص ، فكل وصفها بحسب سيره وسلوكه .

وسأذكر فيها أمرا مختصرا جامعا نافعا ، إن شاء الله تعالى .

فأول منازل العبودية اليقظة وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين ، ولله ما أنفع هذه الروعة ، وما أعظم قدرها وخطرها ، وما أشد إعانتها على السلوك ! فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح ، وإلا فهو في سكرات الغفلة فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى ، وأوطانه التي سبي منها .



فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلم

فأخذ في أهبة السفر ، فانتقل إلى منزلة العزم وهو العقد الجازم على المسير ، [ ص: 143 ] ومفارقة كل قاطع ومعوق ، ومرافقة كل معين وموصل ، وبحسب كمال انتباهه ويقظته يكون عزمه ، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده .

فإذا استيقظ أوجبت له اليقظة الفكرة وهي تحديق القلب نحو المطلوب الذي قد استعد له مجملا ، ولما يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه .

فإذا صحت فكرته أوجبت له البصيرة فهي نور في القلب يبصر به الوعد والوعيد ، والجنة والنار ، وما أعد الله في هذه لأوليائه ، وفي هذه لأعدائه ، فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق ، وقد نزلت ملائكة السماوات فأحاطت بهم ، وقد جاء الله ، وقد نصب كرسيه لفصل القضاء ، وقد نصب الميزان ، وتطايرت الصحف ، واجتمعت الخصوم ، وتعلق كل غريم بغريمه ، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب ، وكثر العطاش وقل الوارد ، ونصب الجسر للعبور ، ولز الناس إليه ، وقسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه ، والنار يحطم بعضها بعضا تحته ، والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين .

فينفتح في قلبه عين يرى بها ذلك ، ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها ، والدنيا وسرعة انقضائها .










آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:04 PM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين



فإذا استحكمت يقظته أوجبت له الفكرة ، وهي كما تقدم تحديق القلب إلى جهة المطلوب التماسا له .

وصاحب المنازل جعلها بعد البصيرة وقال في حدها : هي تلمس البصيرة لاستدراك البغية ، أي التماس العقل المطلوب بالتفتيش عليه .

قال : وهي ثلاثة أنواع : فكرة في عين التوحيد ، وفكرة في لطائف الصنعة ، وفكرة في معاني الأعمال والأحوال .

قلت : الفكرة فكرتان : فكرة تتعلق بالعلم والمعرفة ، وفكرة تتعلق بالطلب والإرادة .

فالتي تتعلق بالعلم والمعرفة فكرة التمييز بين الحق والباطل ، والثابت والمنفي ، والتي تتعلق بالطلب والإرادة هي الفكرة التي تميز بين النافع والضار .

ثم يترتب عليها فكرة أخرى في الطريق إلى حصول ما ينفع ، فيسلكها ، والطريق إلى ما يضر فيتركها .

فهذه ستة أقسام لا سابع لها ، هي مجال أفكار العقلاء .

فالفكرة في التوحيد استحضار أدلته ، وشواهد الدلالة على بطلان الشرك واستحالته ، وأن الإلهية يستحيل ثبوتها لاثنين ، كما يستحيل ثبوت الربوبية لاثنين فكذلك من أبطل الباطل عبادة اثنين ، والتوكل على اثنين ، بل لا تصح العبادة إلا للإله الحق ، والرب الحق ، وهو الله الواحد القهار .

[ ص: 167 ] وقد خبط صاحب المنازل في هذا الموضع ، وجاء بما يرغب عنه الكمل من سادات السالكين والواصلين إلى الله .

فقال : الفكرة في عين التوحيد اقتحام بحر الجحود .

وهذا بناء على أصله الذي أصله ، وانتهى إليه كتابه في أمر الفناء ، فإنه لما رأى أن الفكرة في عين التوحيد تبعد العبد من التوحيد الصحيح عنده ، لأن التوحيد الصحيح عنده لا يكون إلا بعد فناء الفكرة والتفكر ، والفكرة تدل على بقاء رسم لاستلزامها مفكرا ، وفعلا قائما به ، والتوحيد التام عنده لا يكون مع بقاء رسم أصلا ، كانت الفكرة عنده علامة الجحود ، واقتحاما لبحره ، وقد صرح بهذا في أبياته في آخر الكتاب :



ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته
عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده
ونعت من ينعته لاحد

ومعنى أبياته : ما وحد الله عز وجل أحد حق توحيده الخاص ، الذي تنفى فيه الرسوم ، ويضمحل فيه كل حادث ، ويتلاشى فيه كل مكون ، فإنه لا يتصور منه التوحيد إلا ببقاء الرسم ، وهو الموحد ، وتوحيده القائم به ، فإذا وحده شهد فعله الحادث ورسمه الحادث ، وذلك جحود لحقيقة التوحيد ، الذي تنفى فيه الرسوم ، وتتلاشى فيه الأكوان ، فلذلك قال : إذ كل من وحده جاحد ، هذا أحسن ما يحمل عليه كلامه ، وقد فسره أهل الوحدة بصريح كلامهم في مذهبهم .

قالوا : معنى " كل من وحده جاحد " أي كل من وحده فقد وصف الموحد بصفة تتضمن جحد حقه الذي هو عدم انحصاره تحت الأوصاف ، فمن وصفه فقد جحد إطلاقه عن قيود الصفات .

وقوله " توحيد من ينطق عن نعته " أي توحيد المحدث له الناطق عن نعته ، عارية مستردة ، فإنه الموحد قبل توحيد هذا الناطق ، وبعد فنائه ، فتوحيده له عارية أبطلها الواحد الحق بإفنائه كل ما سواه .

[ ص: 168 ] والاتحادي يقول : معناه أن الموحد واحد من جميع الوجوه ، فأبطل ببساطة ذاته تركيب نطق واصفه ، وأبطل بإطلاقه تقييد نعت موحده .

وقوله " توحيده إياه توحيده " يعني أن توحيده الحقيقي هو توحيده لنفسه ، حيث لا هناك رسم ولا مكون ، فما وحد الله حقيقة إلا الله .

والاتحادي يقول : ما ثم غير يوحده ، بل هو الموحد لنفسه بنفسه ، إذ ليس ثم سوى في الحقيقة .

قوله " ونعت من ينعته لاحد " أي نعت الناعت له ميل وخروج عن التوحيد الحقيقي ، والإلحاد أصله الميل ، لأنه بنعته له قائم بالرسوم ، وبقاء الرسوم ينافي توحيده الحقيقي .

والاتحادي يقول : نعت الناعت له شرك ، لأنه أسند إلى المطلق ما لا يليق به إسناده من التقييد ، وذلك شرك وإلحاد .

فرحمة الله على أبي إسماعيل ، فتح للزنادقة باب الكفر والإلحاد ، فدخلوا منه وأقسموا بالله جهد أيمانهم : إنه لمنهم ، وما هو منهم ، وغره سراب الفناء ، فظن أنه لجة بحر المعرفة ، وغاية العارفين ، وبالغ في تحقيقه وإثباته ، فقاده قسرا إلى ما ترى .

الفناء







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:06 PM رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين



فصل الفناء أقسامه ومراتبه

إذا عرفت مراد القوم بالفناء ، فنذكر أقسامه ومراتبه ، وممدوحه ومذمومه ومتوسطه .

فاعلم أن الفناء مصدر فني يفنى فناء إذا اضمحل وتلاشى وعدم ، وقد يطلق على ما تلاشت قواه وأوصافه مع بقاء عينه ، كما قال الفقهاء : لا يقتل في المعركة شيخ فان ، وقال تعالى
كل من عليها فان أي هالك ذاهب ، ولكن القوم اصطلحوا على وضع هذه اللفظة لتجريد شهود الحقيقة الكونية ، والغيبة عن شهود الكائنات .

وهذا الاسم يطلق على ثلاثة معان : الفناء عن وجود السوى ، والفناء عن شهود السوى ، والفناء عن إرادة السوى .

فأما الفناء عن وجود السوى : فهو فناء الملاحدة ، القائلين بوحدة الوجود ، وأنه ما ثم غير ، وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة ، ونفي التكثر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار ، فلا يشهد غيرا أصلا ، بل يشهد وجود العبد عين وجود الرب ، بل ليس عندهم في الحقيقة رب وعبد .

وفناء هذه الطائفة في شهود الوجود كله واحد ، وهو الواجب بنفسه ، ما ثم وجودان ممكن ، وواجب ، ولا يفرقون بين كون وجود المخلوقات بالله ، وبين كون وجودها هو عين وجوده ، وليس عندهم فرقان بين العالمين ورب العالمين ويجعلون [ ص: 175 ] الأمر والنهي للمحجوبين عن شهودهم وفنائهم ، والأمر والنهي تلبيس عندهم ، والمحجوب عندهم يشهد أفعاله طاعات أو معاصي ، ما دام في مقام الفرق ، فإذا ارتفعت درجته شهد أفعاله كلها طاعات ، لا معصية فيها ، لشهوده الحقيقة الكونية الشاملة لكل موجود ، فإذا ارتفعت درجته عندهم فلا طاعة ولا معصية ، بل ارتفعت الطاعات والمعاصي ، لأنها تستلزم اثنينية وتعددا ، وتستلزم مطيعا ومطاعا ، وعاصيا ومعصيا ، وهذا عندهم محض الشرك ، والتوحيد المحض يأباه ، فهذا فناء هذه الطائفة .

وأما الفناء عن شهود السوى : فهو الفناء الذي يشير إليه أكثر الصوفية المتأخرين ، ويعدونه غاية ، وهو الذي بنى عليه
أبو إسماعيل الأنصاري كتابه وجعله الدرجة الثالثة في كل باب من أبوابه .

وليس مرادهم فناء وجود ما سوى الله في الخارج ، بل فناؤه عن شهودهم وحسهم ، فحقيقته : غيبة أحدهم عن سوى مشهوده ، بل غيبته أيضا عن شهوده ونفسه ، لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته ، وبمذكوره عن ذكره ، وبموجوده عن وجوده ، وبمحبوبه عن حبه ، وبمشهوده عن شهوده .

وقد يسمى حال مثل هذا سكرا ، واصطلاحا ، ومحوا ، وجمعا ، وقد يفرقون بين معاني هذه الأسماء ، وقد يغلب شهود القلب بمحبوبه ومذكوره حتى يغيب به ويفنى به ، فيظن أنه اتحد به وامتزج ، بل يظن أنه هو نفسه ، كما يحكى أن رجلا ألقى محبوبه نفسه في الماء ، فألقى المحب نفسه وراءه ، فقال له : ما الذي أوقعك في الماء ؟ فقال : غبت بك عني فظننت أنك أني .

وهذا إذا عاد إليه عقله يعلم أنه كان غالطا في ذلك ، وأن الحقائق متميزة في ذاتها ، فالرب رب ، والعبد عبد ، والخالق بائن عن المخلوقات ، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، ولكن في حال السكر والمحو الاصطلام والفناء : قد يغيب عن هذا التمييز ، وفي هذه الحال قد يقول صاحبها ما يحكى عنأبي يزيد أنه قال " سبحاني " أو " ما في الجبة إلا الله " ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت عن قائلها وعقله معه لكان كافرا ، ولكن مع سقوط التمييز والشعور ، قد يرتفع عنه قلم المؤاخذة .

[ ص: 176 ] وهذا الفناء يحمد منه شيء ، ويذم منه شيء ، ويعفى منه عن شيء .

فيحمد منه : فناؤه عن حب ما سوى الله ، وعن خوفه ، ورجائه ، والتوكل عليه ، والاستعانة به ، والالتفات إليه ، بحيث يبقى دين العبد ظاهرا وباطنا كله لله .

وأما عدم الشعور والعلم ، بحيث لا يفرق صاحبه بين نفسه وغيره ، ولا بين الرب والعبد مع اعتقاده الفرق ولا بين شهوده ومشهوده ، بل لا يرى السوى ولا الغير ، فهذا ليس بمحمود ، ولا هو وصف كمال ، ولا هو مما يرغب فيه ويؤمر به ، بل غاية صاحبه أن يكون معذورا لعجزه ، وضعف قلبه وعقله عن احتمال التمييز والفرقان ، وإنزال كل ذي منزلة منزلته ، موافقة لداعي العلم ، ومقتضى الحكمة ، وشهود الحقائق على ما هي عليه ، والتمييز بين القديم والمحدث ، والعبادة والمعبود ، فينزل العبادة منازلها ، ويشهد مراتبها ، ويعطي كل مرتبة منها حقها من العبودية ، ويشهد قيامه بها ، فإن شهود العبد قيامه بالعبودية أكمل في العبودية من غيبته عن ذلك ، فإن أداء العبودية في حال غيبة العبد عنها وعن نفسه بمنزلة أداء السكران والنائم ، وأداؤها في حال كمال يقظته وشعوره بتفاصيلها وقيامه بها أتم وأكمل وأقوى عبودية .

فتأمل حال عبدين في خدمة سيدهما ، أحدهما يؤدي حقوق خدمته في حال غيبته عن نفسه وعن خدمته لاستغراقه بمشاهدة سيده ، والآخر يؤديها في حال كمال حضوره ، وتمييزه ، وإشعار نفسه بخدمة السيد ، وابتهاجها بذلك ، فرحا بخدمته ، وسرورا والتذاذا منه ، واستحضارا لتفاصيل الخدمة ومنازلها ، وهو مع ذلك عامل على مراد سيده منه ، لا على مراده من سيده ، فأي العبدين أكمل ؟

فالفناء : حظ الفاني ومراده ، والعلم ، والشعور ، والتمييز ، والفرق ، وتنزيل الأشياء منازلها ، وجعلها في مراتبها : حق الرب ومراده ، ولا يستوي صاحب هذه العبودية ، وصاحب تلك .

[ ص: 177 ] نعم ، هذا أكمل حالا من الذي لا حضور له ولا مشاهدة بالمرة ، بل هو غائب بطبعه ونفسه عن معبوده وعن عبادته ، وصاحب التمييز والفرقان - وهو صاحب الفناء الثالث - أكمل منهما ، فزوال العقل والتمييز والغيبة عن شهود نفسه وأفعالها لا يحمد ، فضلا عن أن يكون في أعلى مراتب الكمال ، بل يذم إذا تسبب إليه ، وباشر أسبابه ، وأعرض عن الأسباب التي توجب له التمييز والعقل ، ويعذر إذا ورد عليه ذلك بلا استدعاء ، بأن كان مغلوبا عليه ، كما يعذر النائم والمغمى عليه ، والمجنون ، والسكران الذي لا يذم على سكره ، كالموجر والجاهل بكون الشراب مسكرا ، ونحوهما .

وليس أيضا هذه الحال بلازمة لجميع السالكين ، بل هي عارضة لبعضهم ، منهم من يبتلى بها ، كأبي يزيد وأمثاله ، ومنهم من لا يبتلى بها ، وهم أكمل وأقوى ، فإن الصحابة رضي الله عنهم - وهم سادات العارفين ، وأئمة الواصلين المقربين ، وقدوة السالكين - لم يكن منهم من ابتلي بذلك ، مع قوة إرادتهم ، وكثرة منازلاتهم ، ومعاينة ما لم يعاينه غيرهم ، ولا شم له رائحة ، ولم يخطر على قلبه ، فلو كان هذا الفناء كمالا لكانوا هم أحق به وأهله ، وكان لهم منه ما لم يكن لغيرهم .

ولا كان هذا أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا حالا من أحواله ، صلى الله عليه وسلم ، ولهذا - في ليلة المعراج لما أسري به ، وعاين ما عاين مما أراه الله إياه من آياته الكبرى - لم تعرض له هذه الحال ، بل كان كما وصفه الله عز وجل بقوله
ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى وقال وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وقال ابن عباس : هي رؤيا عين ، أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، ومع هذا فأصبح بينهم لم يتغير عليه حاله ، ولم يعرض له صعق ولا غشي ، يخبرهم عن تفصيل ما رأى ، غير فان عن نفسه ، ولا عن شهوده ، ولهذا كانت حاله أكمل من حال موسى بن عمران صلى الله [ ص: 178 ] عليهما وسلم لما خر صعقا حين تجلى ربه للجبل وجعله دكا .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:07 PM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين


وأصل هذا الفناء الاستغراق في توحيد الربوبية ، وهو رؤية تفرد الله بخلق الأشياء ، وملكها واختراعها ، وأنه ليس في الوجود قط إلا ما شاءه وكونه ، فيشهد ما اشتركت فيه المخلوقات من خلق الله إياها ، ومشيئته لها ، وقدرته عليها ، وشمول قيوميته وربوبيته لها ، ولا يشهد ما افترقت فيه من محبة الله لهذا وبغضه لهذا ، وأمره بما أمر به ، ونهيه عما نهى عنه ، وموالاته لقوم ومعاداته لآخرين .

فلا يشهد التفرقة في الجمع ، وهي تفرقة الخلق والأمر في جمع الربوبية ، تفرقة موجب الإلهية في جمع الربوبية ، تفرقة الإرادة الدينية في جمع الإرادة الكونية ، تفرقة ما يحبه ويرضاه في جمع ما قدره وقضاه ، لا يشهد الكثرة في الوجود ، وهي كثرة معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى ، واقتضاؤها لآثارها في وحدة الذات الموصوفة بها .

فلا يشهد كثرة دلالات أسماء الرب تعالى وصفاته على وحدة ذاته .

فهو الله الذي لا إله إلا هو ، الرحمن الرحيم ، الملك القدوس ، السلام المؤمن ، المهيمن العزيز ، الجبار المتكبر ، وكل اسم له صفة ، وللصفة حكم ، فهو سبحانه واحد الذات ، كثير الأسماء والصفات ، فهذه كثرة في وحدة .

والفرق بين مأموره ومنهيه ، ومحبوبه ومبغوضه ، ووليه وعدوه ، تفرقة في جمع ، فمن [ ص: 179 ] لم يتسع شهوده لهذه الأمور الأربعة فليس من خاصة أولياء الله العارفين ، بل إن انصرف شهوده عنها مع اعترافه بها فهو مؤمن ناقص ، وإن جحدها - أو شيئا منها - فكفر صريح أو بتأويل ، مثل أن يجحد تفرقة الأمر والنهي ، أو جمع القضاء والقدر ، أو كثرة معاني الأسماء والصفات ووحدة الذات .

فليتدبر اللبيب السالك هذا الموضع حق التدبر ، وليعرف قدره ، فإنه مجامع طرق العالمين ، وأصل تفرقتهم ، قد ضبطت لك معاقده ، وأحكمت لك قواعده وبالله التوفيق .

وإنما يعرف قدر هذا من اجتاز القفار ، واقتحم البحار ، وعرض له ما يعرض لسالك القفر ، وراكب البحر ، ومن لم يسافر ولم يخرج عن وطن طبعه ومرباه ، وما ألف عليه أصحابه وأهل زمانه ، فهو بمعزل عن هذا ، فإن عرف قدره ، وكفى الناس شره ، فهذا يرجى له السلامة ، وإن عدا طوره ، وأنكر ما لم يعرفه ، وكذب بما لم يحط به علما ، ثم تجاوز إلى تكفير من خالفه ولم يقلد شيوخه ، ويرضى بما رضي هو به لنفسه ، فذلك الظالم الجاهل ، الذي ما ضر إلا نفسه ، ولا أضاع إلا حظه .









آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:08 PM رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين


فصل منزلة المحاسبة

فلنرجع إلى ذكر منازل "
إياك نعبد وإياك نستعين " التي لا يكون العبد من أهلها حتى ينزل منازلها .

فذكرنا منها اليقظة والبصيرة والفكرة والعزم .

وهذه المنازل الأربعة لسائر المنازل كالأساس للبنيان ، وعليها مدار منازل السفر إلى الله ، ولا يتصور السفر إليه بدون نزولها البتة ، وهي على ترتيب السير الحسي ، فإن المقيم في وطنه لا يتأتى منه السفر حتى يستيقظ من غفلته عن السفر ، ثم يتبصر في أمر سفره وخطره ، وما فيه من المنفعة له والمصلحة ، ثم يفكر في أهبة السفر والتزود وإعداد عدته ، ثم يعزم عليه ، فإذا عزم عليه وأجمع قصده انتقل إلى منزلة المحاسبة وهي التمييز بين ما له وعليه ، فيستصحب ما له ، ويؤدي ما عليه ، لأنه مسافر سفر من لا يعود .

ومن منزلة المحاسبة يصح له نزول منزلة التوبة لأنه إذا حاسب نفسه ، عرف ما عليه من الحق ، فخرج منه ، وتنصل منه إلى صاحبه ، وهي حقيقة التوبة فكان تقديم المحاسبة عليها لذلك أولى .

ولتأخيرها عنها وجه أيضا ، وهو أن المحاسبة لا تكون إلا بعد تصحيح التوبة .

والتحقيق أن التوبة بين محاسبتين ، محاسبة قبلها ، تقتضي وجوبها ، ومحاسبة بعدها ، تقتضي حفظها ، فالتوبة محفوفة بمحاسبتين ، وقد دل على المحاسبة قوله تعالى
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد فأمر سبحانه العبد أن ينظر ما قدم لغد ، وذلك يتضمن محاسبة نفسه على ذلك ، والنظر هل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ؟ .

والمقصود من هذا النظر ما يوجبه ويقتضيه ، من كمال الاستعداد ليوم المعاد ، وتقديم ما ينجيه من عذاب الله ، ويبيض وجهه عند الله ، وقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتزينوا [ ص: 188 ] للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية أو قال : على من لا تخفى عليه أعمالكم .











آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:09 PM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

قال صاحب المنازل : المحاسبة لها ثلاثة أركان :

أحدها : أن تقايس بين نعمته وجنايتك .

يعني تقايس بين ما من الله وما منك ، فحينئذ يظهر لك التفاوت ، وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته ، أو الهلاك والعطب .

وبهذه المقايسة تعلم أن الرب رب والعبد عبد ، ويتبين لك حقيقة النفس وصفاتها ، وعظمة جلال الربوبية ، وتفرد الرب بالكمال والإفضال ، وأن كل نعمة منه فضل ، وكل نقمة منه عدل ، وأنت قبل هذه المقايسة جاهل بحقيقة نفسك ، وبربوبية فاطرها وخالقها ، فإذا قايست ظهر لك أنها منبع كل شر ، وأساس كل نقص ، وأن حدها الجاهلة الظالمة ، وأنه لولا فضل الله ورحمته بتزكيته لها ما زكت أبدا ، ولولا هداه ما اهتدت ، ولولا إرشاده وتوفيقه لما كان لها وصول إلى خير البتة ، وأن حصول ذلك لها من بارئها وفاطرها ، وتوقفه عليه كتوقف وجودها على إيجاده ، فكما أنها ليس لها من ذاتها وجود ، فكذلك ليس لها من ذاتها كمال الوجود ، فليس لها من ذاتها إلا العدم - عدم الذات ، وعدم الكمال - فهناك تقول حقا " أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي " .

ثم تقايس بين الحسنات والسيئات ، فتعلم بهذه المقايسة أيهما أكثر وأرجح قدرا وصفة .

وهذه المقايسة الثانية مقايسة بين أفعالك وما منك خاصة .

قال : وهذه المقايسة تشق على من ليس له ثلاثة أشياء : نور الحكمة ، وسوء الظن بالنفس ، وتمييز النعمة من الفتنة .

[ ص: 189 ] يعني أن هذه المقايسة والمحاسبة تتوقف على نور الحكمة ، وهو النور الذي نور الله به قلوب أتباع الرسل ، وهو نور الحكمة ، فبقدره ترى التفاوت ، وتتمكن من المحاسبة .

ونور الحكمة هاهنا : هو العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والضار والنافع ، والكامل والناقص ، والخير والشر ، ويبصر به مراتب الأعمال ، راجحها ومرجوحها ، ومقبولها ومردودها ، وكلما كان حظه من هذا النور أقوى كان حظه من المحاسبة أكمل وأتم .

وأما سوء الظن بالنفس فإنما احتاج إليه ؛ لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش ويلبس عليه ، فيرى المساوئ محاسن ، والعيوب كمالا ، فإن المحب يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك .



فعين الرضى عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها ، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه .

وأما تمييز النعمة من الفتنة : فليفرق بين النعمة التي يرى بها الإحسان واللطف ، ويعان بها على تحصيل سعادته الأبدية ، وبين النعمة التي يرى بها الاستدراج ، فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر ، مفتون بثناء الجهال عليه ، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه ! وأكثر الخلق عندهم أن هذه الثلاثة علامة السعادة والنجاح ، ذلك مبلغهم من العلم .

فإذا كملت هذه الثلاثة فيه عرف حينئذ أن ما كان من نعم الله عليه بجمعه على الله فهو نعمة حقيقة ، وما فرقه عنه وأخذه منه فهو البلاء في صورة النعمة ، والمحنة في صورة المنحة ، فليحذر فإنما هو مستدرج ، ويميز بذلك أيضا بين المنة والحجة ، فكم تلتبس إحداهما عليه بالأخرى ! .

فإن العبد بين منة من الله عليه ، وحجة منه عليه ، ولا ينفك عنهما ، فالحكم الديني متضمن لمنته وحجته ، قال الله تعالى
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وقال بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان وقال فلله الحجة البالغة .

[ ص: 190 ] والحكم الكوني أيضا متضمن لمنته وحجته ، فإذا حكم له كونا حكما مصحوبا باتصال الحكم الديني به فهو منة عليه ، وإن لم يصحبه الديني فهو حجة منه عليه .

وكذلك حكمه الديني إذا اتصل به حكمه الكوني ، فتوفيقه للقيام به منة منه عليه ، وإن تجرد عن حكمه الكوني صار حجة منه عليه ، فالمنة باقتران أحد الحكمين بصاحبه ، والحجة في تجرد أحدهما عن الآخر ، فكل علم صحبه عمل يرضي الله سبحانه فهو منة ، وإلا فهو حجة .

وكل قوة ظاهرة وباطنة صحبها تنفيذ لمرضاته وأوامره فهي منة ، وإلا فهي حجة .

وكل حال صحبه تأثير في نصرة دينه ، والدعوة إليه فهو منة منه ، وإلا فهو حجة .

وكل مال اقترن به إنفاق في سبيل الله وطاعته ، لا لطلب الجزاء ولا الشكور ، فهو منة من الله عليه ، وإلا فهو حجة .

وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده فهو منة عليه ، وإلا فهو حجة .

وكل قبول في الناس ، وتعظيم ومحبة له ، اتصل به خضوع للرب ، وذل وانكسار ، ومعرفة بعيب النفس والعمل ، وبذل النصيحة للخلق فهو منة ، وإلا فهو حجة .

وكل بصيرة وموعظة ، وتذكير وتعريف من تعريفات الحق سبحانه إلى العبد ، اتصل به عبرة ومزيد في العقل ، ومعرفة في الإيمان فهي منة ، وإلا فهي حجة .

وكل حال مع الله تعالى ، أو مقام اتصل به السير إلى الله ، وإيثار مراده على مراد العبد ، فهو منة من الله ، وإن صحبه الوقوف عنده والرضى به ، وإيثار مقتضاه ، من لذة النفس به وطمأنينتها إليها ، وركونها إليه ، فهو حجة من الله عليه .

فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطر ، ويميز بين مواقع المنن والمحن ، والحجج والنعم ، فما أكثر ما يلتبس ذلك على خواص الناس وأرباب السلوك ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:11 PM رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين





الركن الثاني من أركان المحاسبة :

وهي أن تميز ما للحق عليك وبين ما لك وما عليك من وجوب العبودية ، والتزام الطاعة ، واجتناب [ ص: 191 ] المعصية ، وبين ما لك وما عليك ، فالذي لك : هو المباح الشرعي ، فعليك حق ، ولك حق ، فأد ما عليك يؤتك ما لك .

ولابد من التمييز بين ما لك وما عليك ، وإعطاء كل ذي حق حقه .

وكثير من الناس يجعل كثيرا مما عليه من الحق من قسم ما له ، فيتحير بين فعله وتركه ، وإن فعله رأى أنه فضل قام به لا حق أداه .

وبإزاء هؤلاء من يرى كثيرا مما له فعله وتركه من قسم ما عليه فعله أو تركه ، فيتعبد بترك ما له فعله ، كترك كثير من المباحات ، ويظن ذلك حقا عليه ، أو يتعبد بفعل ما له تركه ويظن ذلك حقا عليه .

مثال الأول : من يتعبد بترك النكاح ، أو ترك أكل اللحم ، أو الفاكهة مثلا ، أو الطيبات من المطاعم والملابس ، ويرى - لجهله - أن ذلك مما عليه ، فيوجب على نفسه تركه ، أو يرى تركه من أفضل القرب ، وأجل الطاعات ، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من زعم ذلك ، ففي الصحيح أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا عن عبادته في السر فكأنهم تقالوها ، فقال أحدهم : أما أنا فلا آكل اللحم ، وقال الآخر : أما أنا فلا أتزوج النساء ، وقال الآخر : أما أنا فلا أنام على فراش ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم ، فخطب ، وقال : ما بال أقوام يقول أحدهم : أما أنا فلا آكل اللحم ، ويقول الآخر : أما أنا فلا أتزوج ، ويقول الآخر : أما أنا فلا أنام على فراش ؟ لكني أتزوج النساء ، وآكل اللحم ، وأنام وأقوم ، وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس مني فتبرأ ممن رغب عن سنته ، وتعبد لله بترك ما أباحه لعباده من الطيبات ، رغبة عنه ، واعتقادا أن الرغبة عنه وهجره عبادة ، فهذا لم يميز بين ما عليه وما له .

ومثال الثاني : من يتعبد بالعبادات البدعية التي يظنها جالبة للحال ، والكشف والتصرف ، ولهذه الأمور لوازم لا تحصل بدونها البتة ، فيتعبد بالتزام تلك اللوازم فعلا وتركا ، ويراها حقا عليه ، وهي حق له ، وله تركها ، كفعل الرياضات ، والأوضاع التي [ ص: 192 ] رسمها كثير من السالكين بأذواقهم ومواجيدهم واصطلاحاتهم ، من غير تمييز بين ما فيها من حظ العبد والحق الذي عليه ، فهذا لون وهذا لون .










آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:27 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator