العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-05-2010, 01:34 AM رقم المشاركة : 291
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

من يقرأ أو يشاهد أو يستمع لوسائل الإعلام الغربية خلال الفترة الأخيرة التى تلت هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، وبعدها فوز كل من حركة حماس فى فلسطين والإخوان المسلمين فى مصر فى الانتخابات التشريعية عامى 2005 و2006، يلاحظ مدى التخوف الذى يجتاح كثيرا من الأوساط الغربية من هذا التقدم السريع المتصاعد للحركات الإسلامية السياسية. وإلى جانب هذا التخوف الذى لا يخفى على أحد، يوضح تأمل وسائل الإعلام الغربية أنها تبدو مندهشة ومفاجأة من هذا الوجود الملحوظ والأهمية اللذين يتخذهما الإسلام وبعض الحركات المنتسبة إليه فى مختلف المجتمعات الإسلامية. وفى كثير من الأحوال اختلط التخوف بالدهشة ليفرزا رفضا صارما وعلنيا فى عديد من المناسبات من جانب شخصيات ومؤسسات سياسية وإعلامية غربية رئيسية فى بلادها لوجود أى دور للإسلام أو للحركات السياسية المنتمية إليه فى إدارة شئون البلدان المسلمة.



والحقيقة أنه على الرغم من أن تلك الدهشة وهذا التخوف يعكسان بدون أدنى شك مصالح غربية عديدة وكبيرة يرى أصحابها أن السماح بأى دور محورى للإسلام أو للحركات السياسية المنتسبة إليه فى بلدانها سوف يهدد هذه المصالح، فإن جزءا مهما من هذا الموقف الغربى المركب سواء على الصعيد الإعلامى أو السياسى يعكس قدرا هائلا من غياب المعرفة بحقيقة موضع الإسلام من المجتمعات والدول المسلمة ومن ثقافة شعوبها وقيمهم وتقاليدهم. فهذا الإسلام الذى يبدو اليوم بالنسبة لكثير من الغربيين كوافد جديد طارئ على تلك المجتمعات والدول والشعوب، لم يغب فى حقيقة الأمر عنها يوما واحدا، وكل ما فى الأمر أنه يتخذ ما بين فترة وأخرى صورا مختلفة للظهور السياسى والاجتماعى، تعد الحركات الإسلامية السياسية هى الأبرز منها خلال ربع القرن الأخير. وقد ظل الإسلام بكثير من أوجهه حاضرا حتى فى ظل نظم سياسية شاع عنها وأشيع حولها أنها ليست إسلامية بل ودخل بعضها فى صدامات واسعة مع قوى سياسية ذات طابع إسلامى، مثلما كان الحال بالنسبة لنظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (1952 ــ 1970) الذى تحل ذكرى رحيله الأربعين غدا.

وهذا الانطباع الشائع عن علاقة نظام الرئيس عبدالناصر بالإسلام يعود فى معظمه إلى ما جرى فى بداية حكمه ــ وتحديدا فى عام 1954 ــ من صدام واسع وحاد مع جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا إلى توجهه الفكرى والسياسى ذى الطبيعة الاشتراكية المرتبط بانحياز عربى وحدوى. إلا أن التأمل الأكثر دقة ليس فقط للوقائع العملية المشهورة التى عرفها ذلك النظام مثل إنشاء أول إذاعة للقرآن الكريم فى ظله أو تأسيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وغيرها، يوصلنا لحقيقة أنه كان النظام السياسى المصرى الوحيد الذى أقدم على دمج قطاع مهم ورئيسى من جماعة الإخوان المسلمين بداخل هيئاته ومؤسساته الحكومية والسياسية وفى مستويات عليا منها مع استمراره فى الاحتفاظ بالكتلة الأكبر منهم بداخل السجون والمعتقلات لسنوات طوال، الأمر الذى يؤكد أنه لم يكن كما يشاع عنه نظاما معاديا للإسلام أو أن الإسلام قد غاب عن مصر فى ظله. كذلك فإن قراءة الوثائق الرئيسية التى تبناها ذلك النظام ليعبر بها عن توجهه الفكرى والسياسى، يوضح إلى أى مدى كان الإسلام حاضرا فيها.

ففى كتاب فلسفة الثورة (1953) والذى يعد الوثيقة الفكرية الأولى لعبدالناصر بعد نجاح ثورته، يحدد الدوائر الثلاث التى يرى أن مصر تنتمى إليها وأن دورها الخارجى يجب أن يتوزع بينها، فيراها أولا فى الدائرة العربية وثانيا فى الدائرة الأفريقية وثالثا فى الدائرة الإسلامية. ولدى حديثه عن انتماء مصر للدائرة الإسلامية يربط عبدالناصر بينه وبين الدور التحررى لمصر خلال المراحل التاريخية القديمة التى مر بها ذلك الانتماء، حيث يرى أن الحضارة الإسلامية والتراث الإسلامى الذى أغار عليه المغول الذين اكتسحوا عواصم الإسلام القديمة تراجع إلى مصر وأوى إليها عندما ردت غزو المغول على أعقابه فى عين جالوت. وفى تلك الوثيقة يذهب عبدالناصر فى تفسيره ورؤيته للإسلام كقوة تحررية وتعبوية وتوحيدية لجموع المسلمين عبر العالم الإسلامى إلى اعتبار بعض أركان وطقوس الإسلام الرئيسية مثل الحج ــ كما يقول ــ بمثابة مؤتمر سياسى دورى يجتمع فيه كل قادة الدول الإسلامية ورجال الرأى فيها وعلماؤها فى كل أنحاء المعرفة وكتابها وملوك الصناعة فيها وتجارها وشبابها ليضعوا فى هذا البرلمان الإسلامى العالمى خطوطا عريضة لسياسة بلادهم وتعاونهم معها حتى يحين موعد اجتماعهم من جديد بعد عام. ويعيد عبدالناصر فى نفس الوثيقة التأكيد على رؤيته للإسلام كعنصر موحد ومعبئ للمسلمين المنتمين إليه على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم، حين يتحدث عن الإمكانيات الهائلة التى يمكن أن يحققها تعاون هؤلاء المسلمين جميعا، إذا تعاونوا معا تعاونا لا يخرج عن حدود ولائهم لأوطانهم الأصلية بما يكفل لهم ولإخوانهم فى العقيدة قوة غير محدودة.

وفى الوثيقة الرئيسية الثانية لعبدالناصر، أى ميثاق العمل الوطنى (1962)، يكتسب الإسلام بالإضافة إلى معانيه التحررية والتعبوية والتوحيدية معنى تقدميا باعتباره دين العدالة والمساواة بين البشر. فمنذ بداية تلك الوثيقة يرى عبدالناصر أن أحد عوامل نجاح نضال الشعب المصرى والشعوب العربية والمسلمة الأخرى هو وجود إيمان لا يتزعزع بالله ورسله ورسالاته المقدسة التى بعثها بالحق والهدى إلى الإنسانية فى كل مكان وزمان. ويتطرق الميثاق فى عدة مواضع منه وبخاصة الباب السابع إلى الأدوار العظيمة التى قام به الشعب المصرى فى إطار التاريخ الإسلامى وعلى هدى من الرسالة المحمدية من أجل الدفاع عن الحضارة والإنسانية. ويؤكد عبدالناصر فى الميثاق بلغة أكثر وضوحا المعنى التقدمى للدين عموما وللإسلام خصوصا بتأكيده على أن جوهر الأديان يؤكد حق الإنسان فى الحرية والحياة، بل إن أساس الثواب والعقاب فى الدين هو فرصة متكافئة لكل إنسان وأن كل بشر يبدأ حياته أمام خالقه الأعظم بصفحة بيضاء يخط فيها أعماله باختياره الحر. وفى الوثيقة الثالثة الرئيسية، أى بيان 30 مارس 1968 الذى قدمه عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967 القاسية، يعود الإسلام مرة أخرى لديه لكى يكتسب معانى تحررية نضالية ويبدو كقوة دافعة مهمة للصمود أمام العدوان الذى وقع على الأمة وحافزا رئيسيا لدحره وتجاوزه. ويمضى عبدالناصر فى وثيقته الثالثة الرئيسية لكى يجعل من دعم القيم الروحية والدينية واحدة من المهام الضرورية من أجل تجاوز الهزيمة وتحقيق النصر ورد العدوان على الشعب والأمة، ويدمج فى نهاية الوثيقة بين إرادة الشعب المصرى والشعوب العربية فى تحقيق ذلك النصر وبين إرادة الله التى هى حسب تعبيره إرادة الحق التى هى فوق كل إرادة.

إذا، فالإسلام بمختلف جوانبه ومعانيه وتفسيراته لم يغب يوما عن مجتمعاتنا ودولنا المسلمة بما فى ذلك تلك التى لم توصف «بالإسلامية» حسب التعبيرات الغربية الشائعة مؤخرا، مثل نظام الرئيس عبدالناصر. ومن هنا فإن استغراب ودهشة الإعلام الغربى مما يعتقد أنه حضور جديد مفاجئ للإسلام ليس هناك ما يبرره من وقائع حاضرة أو تاريخية، فالإسلام كان هنا وسوف يظل هنا بكل تلك الصور والجوانب والمعانى المتنوعة، وعلى من يهمه الأمر من الغربيين أن يبذل بعض الجهد فى إعادة قراءة ودراسة بلداننا ومجتمعاتنا وشعوبنا فعندها سوف يكتشف الحقيقة.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:35 AM رقم المشاركة : 292
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو



ليس في وسع أية كاريزما أن تصطنع نفسها اصطناعاً، فهي وإن كانت ظاهرة سياسية عريقة في تاريخ المجتمعات والأمم والحضارات، ليست صناعة سياسية تقوم بأمرها الدولة والسلطة والأيديولوجيا . وكل من جربوا أن يصطنعوا لهم كاريزما متوسلين هذه الأدوات، خسرت تجارتهم في حياتهم وبعد الممات خاصة . هيبة القائد، ورمزيته الأسطورية، وسحر تلك الرمزية في النفوس، ليس مما يكون بالاصطناع ولا القوة على الناس تفرضه . القوة الوحيدة التي تفتح لهذه إمكان الكينونة هي قوة الكاريزما نفسها . وهذه، وإن كانت أشبه ما تكون بالقوة السحرية غير القابلة للتعليل، تقبل تفسيراً اجتماعياً يخرج ظاهرتها من الإبهام والغموض . وبيان ذلك أن الكاريزما لا تخرج من عدم، وأن الناس لا يرفعون رجلاً إلى مقام الرمز الأسطوري، إن لم يكن قد أتى من عظيم الأفعال ما يمنحه استحقاق السمو به إلى ذلك المقام .




جمال عبدالناصر واحد من هؤلاء الذين استوطنوا الوجدان الجماعي، وارتفعوا في مخيال الناس إلى مقام الرمز الأسطوري، وشكلت كاريزماهم السياسية علامة فارقة في تاريخ العرب: قديماً وحديثاً . وعبدالناصر من هؤلاء الذين لم تصطنع الدولة هيبتهم وسحرهم في النفوس، ومن الذين لا تدين صورتهم وقامتهم إلى دعاية أو أيديولوجيا . وقد يقول قائل اعتراضاً منه على ما زعمناه إن عبدالناصر كان رئيساً لدولة ذات تاريخ عريق في التنظيم المجتمعي وفي إنتاج أساطير البطولة وتخليد الحكام في النقوش والمعابد والمدافن، وإنه لا يبعد أن تكون كاريزما عبدالناصر من ثمار هذه التراكمات والمواريث، فالدولة التي حكمها عرفت بقوة أجهزتها الدعائية، والمجتمع الذي عاش فيه مسكون بفكرة الأنا الجماعية المتجسدة في رمز، وحين تلتقي قدرة الدولة على تصنيع صورتها المهيبة، وصورة القائد الذي يقوم على أمرها، بالفكرة الفرعونية الضاربة بجذورها عميقاً في المخيال الجمعي للناس، فما الذي يحول دون قراءة وفهم أسباب كاريزما عبدالناصر من هذا المدخل الأنثروبو سياسي؟


وقد نسلّم مع القائل بما يقوله تسليم المفترض لا تسليم المعتقد لو أن الجغرافيا الرمزية والكاريزمية لعبدالناصر كانت مصرية حصراً . حينها قد يكون عسيراً رد هذه الفرضية على ما يعتور مادتها وبناءها من قصور . أما وأن جغرافيا تلك الكاريزما فاضت عن حدود مصر البشرية، والسياسية، والأنثروبو ثقافية، وغطت البلاد العربية من أقصى المغرب إلى أقصى الخليج، فالأمر قطعاً يختلف . فقد مر على العرب من غير شعب مصر حينٌ من الدهر لم يكن فيه عبدالناصر، بالنسبة إليهم، مجرد رئيس دولة من دول العرب المتكاثرة، كان أشبه ما يكون برئيس العرب أجمعين، يأمر فيطاع وتنقاد إليه النفوس والإرادات انقياداً، صوره معلقة على جدران الغرف ومحفورة في الذاكرة، صرخته تهتز لها الشوارع، ضحكته تفتح أفقاً، ونكسته أو وفاته قيامة قبل الميعاد . ليس قليلاً أن ملايين الأطفال الذين ولدوا في الخمسين عاماً الأخيرة حملوا اسم جمال: وما كان شعبياً اسمه قبل أن يهل هلال صاحبه، وأن جمهورا غفيراً من الآباء آثر تسمية البكر من أبنائه خالداً كي يكنى بأبي خالد تيمناً بعبدالناصر .


لم تكن كاريزماه، إذن، من فعل فاعل: إذاعة، أو جريدة، أو مجلة، أو تلفاز . ولا كان الولع الجماعي به زلفى ونفاقاً وتقرباً بالتجلة من حاكم . صنعتها له في الناس أفعاله بعد إذ أدركت الناس كم كانت ثمارها على حياتهم ومستقبل أبنائهم عظيمة . وصنعها له صدقه مع النفس والشعب والأمة، وتواضعه الاستثنائي، وعطفه الإنساني العميق على الفقراء والمحرومين ونضاله من أجل تحسين أوضاعهم وكفالة حقوقهم . ثم صنعتها له شجاعته في مواجهة الأعداء بإمكانات متواضعة ما كان له أن يغطي الثغر فيها بغير تفجير طاقات الأمة واستنهاضها من الخمود والخمول . “ارفع رأسك يا أخي”: عبارة في غاية البساطة، قد تقرأها في كتاب أو جريدة، أو تسمعها في حديث إذاعي أو من أفواه المارة، فلا يستوقفك فيها شيء ولا تحرك في أعماقك ساكناً راكداً . لكن عبدالناصر ملك بها دنيا العرب من أقصى الماء إلى أقصى الماء، وافتتح بها درساً في الكرامة القومية، وأفرج بها عن طاقات كانت تنتظر من يفلقها فتتفجر كينبوع ماء في بيداء يحرقها الصَّهْد . ولقد ارتفع رأس العرب في عهده لأن رأسه كان مرفوعاً .


هو وحده، مع شعبه وأمته، صنع كاريزماه . صنعها بما اجترحه من مكتسبات كثيرة، في بحر عقد ونصف، في ميادين التنمية الوطنية والعدالة الاجتماعية، ومقاومة الأحلاف الاستعمارية والمشروع الصهيوني، ودعم حركات التحرر الوطني، والعمل الدؤوب من أجل الوحدة العربية . في عهده، دخل الملايين من أبناء الفلاحين إلى المدارس، وعادت الأرض المسروقة من أهلها إلى أهلها بالإصلاح الزراعي وتحديد الملكية العقارية، وأصابت الكادحين النَّصفة في حقوقهم . وفي عهده تعلّم المشروع الصهيوني كيف يحسب حساباً للعسكرية العربية ولإرادة القتال في الأمة . وفي عهده، لم تعد الوحدة العربية مجرد فكرة نظرية أو فرضية سياسية، بل إمكان تاريخي قابل للتحقق متى صدقت الإرادات . وفي عهده، أصبح العرب شركاء في صوغ النظام الدولي من طريق اجتراح منظومة عالمية مستقلة عن المعسكرين . وفي عهده كانت مصر القائد والمعلم والقدوة والمثال، وكان الوطن العربي مركزاً من مراكز القرار في العالم . رجل النهضة العربية الثانية ورمزها كان، وذلك كان يكفي كي يرتفع مقامه في وجدان العرب أجمعين .


مثل ومضة سريعة شعّت واختفت ظهر عبدالناصر ورحل . وبين اللحظتين غيّر وجه التاريخ في المنطقة . ولقد ذهب الزمان بالكثير الكثير مما صنع وأنجز، وانقض على تراثه الثوري والنهضوي مَن انقضّ، وبقي منه اسمه وذكراه وما يبعثانه في النفس من حنين إلى حلم ضائع لم يجد من يعثر عليه ويبتعثه من تحت رماد الحريق العظيم . وكلما بلغ الاستنقاع العربي مداه وأوغلنا في عصر الانحطاط الجديد، نلتجئ إلى عبدالناصر ونلوذ به ونشهده على حالنا .






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:35 AM رقم المشاركة : 293
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

لو لم تتأكد “إسرائيل” تماماً من أن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 73 هي آخر الحروب بينها وبين الدول العربية على ما قال زعيم عربي في حينه لما جرؤت على غزو لبنان في العام 1978 (في ما سمي بعملية الليطاني)، وعلى تدمير المفاعل النووي العراقي بالقصف الجوي (1981)، وغزو لبنان واحتلال عاصمته بعد حصارها (صيف 1982)، والعبث بأمنه طيلة حربه الأهلية من خلال شبكاتها العاملة في الداخل، واستباحة سيادة تونس مرتين: في قصف مقر منظمة التحرير في حمّام الشط (1985) وفي اغتيال القائد الشهيد أبو جهاد في بيته بالعاصمة (1987)، واجتياح جنوب لبنان في يوليو/ تموز ،1993 وشن حرب “عناقد الغضب” على المقاومة اللبنانية (1996)، وإعادة اجتياح الضفة الغربية وحصار الشهيد ياسر عرفات (2002)، والعدوان على لبنان في حرب يوليو/ تموز ،2006 والعدوان على غزة في عملية “الرصاص المسكوب”، ناهيك باستباحة أمن بلدان عربية لاغتيال قادة المقاومة كما حصل في لبنان والأردن والإمارات (دبي) .






اطمأنت إلى أن جبهة الحرب في الصراع أقفلت، وتأكدت أكثر حين وقعت اتفاقية “كامب ديفيد” التي أطاحت بالتوازن العسكري وجعلت إمكانية الحرب أشبه ما تكون بالمستحيلة . ثم ما لبث اطمئنانها أن زاد وترسخ بعد أن حسم العرب أمرهم وسلموا بأن “السلام” بات خيارهم الاستراتيجي . وهكذا اجتمعت الأسباب كافة لتمنح “إسرائيل” أمناً استراتيجياً مفتوحاً من دون أن تدفع في مقابله أي ثمن سياسي . بل إنها استثمرت ذلك الأمن لإطلاق يدها في فلسطين استيطاناً وتهويداً وقمعاً، وفي لبنان عدواناً مستمراً وتخريباً وبثاً للفتنة . ولولا أن بعض الردع العربي لغطرستها وعدوانيتها أتاها من حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وكف جموح اندفاعتها الجنونية، وفرض عليها الانكفاء الاضطراري عن جنوب لبنان وغزة، وحساب التوازنات الجديدة في القوة (بعد حرب يوليو/ تموز 2006)، لأطلقت الدولة الصهيونية يدها في الأمن القومي من دون حسيب أو رقيب .


لم تكن حرب اكتوبر المجيدة استثناء شذ عن القاعدة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وإنما هي لحظة متقدمة في صراع حكمته الحرب كقاعدة كما تكرر التعبير عن أحكامها في أعوام 1948 و1956 و1967 . الاستثناء الشاذ، الخارج عن مألوف الصراع ومنطقه، هو هذه الهدنة الممتدة على مدى شارف على الأربعين عاماً . وبينما خاض العرب أربع حروب في ربع قرن (1948 1973)، خرجوا عن القاعدة منذ سبعة وثلاثين عاماً . ولم تكن الدولة الصهيونية قد احتلت الضفة والقطاع (ما يسمى بفلسطين اليوم) حين قاتلها العرب في 48 و67 . وهم قاتلوها في 73 كي تجلو عن أراضي ال 67 . أما حين هادنوها وأقفلوا الجبهات، وصالحها منهم من صالح، وتطلع اللاحق إلى ما فعل السابق، وترك الفلسطينيون وحدهم لقدرهم، وسلم مصير القضية لأكبر شركاء “إسرائيل” من القوى الدولية، حين حصل ذلك كله، لم تكن الدولة الصهيونية قد جلت عن الضفة والقطاع والقدس، واعترفت للشعب الفلسطيني بالحق في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة، وإنما أقامت على الأرض من الوقائع ما يجعل من هذه المطالب والحقوق على تواضعها أمراً مستحيل التحقق . وهكذا أعطيت السلام ولم تتخل عن شبر من الأرض؛ هل من شذوذ أبلغ في الوضوح والانفضاح من هذا؟


ليس عصرنا الحالي عصر سلام وأمن في العالم ينبذ الحروب ويستعيض عنها بحل النزاعات حلاً سلمياً، ينصف ذوي الحقوق المهضومة في حقوقهم، حتى نسقط خيار الحرب نهائياً ونهيل على قبره التراب . إنه عصر الحروب بامتياز، الحروب التي لم يوقفها انهيار الاستقطاب الدولي بين العظميين، وإنما أطلق جنونها من كل عقال . وفي منطقتنا بالذات، أصبحت الحرب (ضدنا طبعاً) من اليوميات، تتناسل من بعضها كالفطر، وتتحرك بإيقاعات زمنية استثنائية وبكميات خرافية لا سابق لها . في كل عقد حرب أو حربان، والثابت أننا لسنا طرفاً فيها إلا كما تكون الفريسة الطريدة “طرفاً” في المواجهة مع الوحش الكاسر . وكلما أمعنا في اللوذ بالسلم وطلبنا الأمان، أمعن العدو في ممارسة القوة أمام أنظارنا ونحن نتفرج، وهل قليل ما نشاهده كل يوم من وقائع التنكيل بشعبنا في فلسطين؟ ومن الاستهانة اليومية المتكررة بحكوماتنا وجيوشنا ورأينا العام؟


ثم إنه ليس في إقليمنا العربي ما يقوم به دليل شبهة دليل على أننا أصبحنا في منأى من خطر حروب “إسرائيل” وأن حاجتنا إلى الحرب أو إعداد النفس لها قد انتهت، فلا حروبها توقفت، ولا أسلحتها النووية وضعت تحت الرقابة الدولية، ولا إنفاقها العسكري على الصناعة الحربية واقتناء السلاح المتطور تراجعت، ولا مناوراتها العسكرية الكثيفة توقفت، هذا دون أن ننسى احتلالها المستمر لفلسطين والجولان وأجزاء من لبنان . ففيم إسقاط خيار الحرب إذن، بل لِمَ الإعلان عن ذلك جهراً وطمأنة العدو مجانياً على غير المعتاد والمألوف في الصراعات بين الدول؟


لا نبغي القول إن على الدول العربية أن تخوض حرباً جديدة، ولكنا ننبه إلى الحاجة الاستراتيجية إلى عدم إسقاط خيارها من الحسبان، لأن هذا أقل ما تفعله أية دولة أخرى في العالم تفهم معنى المصالح ومعنى الحقوق وكيف تحمى وتصان من الأخطار . وليس ينبغي أن ننتظر احتلالاً “إسرائيلياً” جديداً حتى ندخل الحرب في جدول أعمال السياسة لأن وظيفة القوة العسكرية، في الأساس، أن تمنع ذلك الاحتمال من الحصول . بل إننا نرى اليوم دولاً تخوض حروباً بعيداً جداً عن حدودها، ونحن لا نعلم إن كانت فيتنام أو العراق أو أفغانستان قد احتلت أراضي أمريكية كي تشن الولايات التحدة حروباً عليها . وهذه ليست دعوة إلى الاقتداء بأمريكا، ولكن إلى تعلم معنى الأمن القومي .


وبعد، مازال في وسع العرب أن يعيدوا النظر في مقولة “حرب اكتوبر آخر الحروب” إن أرادوا، ومازال يسعهم أن يتحدثوا عن الحرب والسلام كخيارين فيدفعوا العدو إلى الاختيار . والذين صنعوا ملحمة اكتوبر يشبهون في الكفاءة من صنعوا ملاحم المقاومة في العقود الثلاثة الأخيرة . وهذه الأرض ليست عاقراً وخلواً من الرجال . قليل من الإرادة يصنع الكثير من المعجزات .







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:36 AM رقم المشاركة : 294
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

لا يُذْكَر اسم جمال عبد الناصر ـ حين يُذْكَر ـ إلا مقترناً بقيمٍ ومبادئ وإنجازات عند مَن شايَعُوهُ، وانتصروا لمشروعه السياسي، واعتنقوا خياراته، وقَرَّ في نفوسهم أنها وحدها الخيارات التي تفتح أمام مِصْرَ والعرب أفقاً، وتأخذهم إلى سبيل النهضة والتقدُّم. ولا يُذْكَر اسمه ـ عند من ناصبوهُ الخصومة وعالنُوا مشروعَهُ الاعتراض ـ إلاّ مقترناً بنعوت الذَّمِّ لعهده والقدْح فيه، وافتراض العهد ذاك مثالاً مرجعياً للتجارب التي تقيم الحكم على مقتضى التسلّط والشعبوية والبيروقراطية كالتي قامت في البلاد العربية أو التي قد تقوم فيها. عبد الناصر عند الأوّلين هو البطل القوميّ ذو الشخصية الكاريزمية الساحرة الذي يرمزُ اسمُه للكرامة ولمشروعٍ تاريخيّ مترامي الأطراف والأهداف (التنمية الوطنية المستقلة القائمة على التصنيع والإصلاح الزراعي والتأميمات وسياسات التخطيط المركزي، والعدالة الاجتماعية القائمة على إعادة تحديد الملكية العقارية وإعادة توزيع الثروة ومحاربة الفوارق الطبقية وإنصاف الكادحين في حقوقهم، ومواجهة المشروع الصهيوني ونصرة شعب فلسطين من أجل تحرير وطنه المغتصب، والاشتباك مع السياسات والأحلاف الامبريالية في البلاد العربية ودعم حركات التحرُّر الوطني الاستقلالية فيها، والنضال من أجل الوحدة العربية وخوض تجربتها جزئياً، والانتظام في خط حركة التحرّر العالمية من طريق المشاركة في تأسيس سياسة الحياد الإيجابي ومنظومتها العالمية...الخ). وهو عند المعارضين حاكمٌ متسلّط؛ انتهك الديموقراطية وحقوق الإنسان وزجَّ بمعارضيه (الإسلاميين والشيوعيين) في السجون، ومكَّنَ الدولة من السيطرة على الاقتصاد، وخسر الوحدة مع سورية، وقاد جيشه إلى الهزيمة في حرب 1967، وأطلق أيدي الأجهزة الأمنية في الحريات والمؤسسات.
صورتان للرجلِ على طرفَيْ نقيض، رافقتاه طيلة عهده في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، واستمرَّتا في الذيوع والتجاذب طيلة الأربعين عاماً الأخيرة بعد رحيله. لم يَنْسَهُ الذين ناصروهُ وكانوا في جملة حزبه وشيعته، ولم يبرحوا يعتقدون أن مشروعه معاصر ومستقبليّ.





هل هي ازدواجية في الوعي العربي القارئ في شخصية عبد الناصر ومشروعه أم إنها (= ازدواجية) في صلب مشروعه؛ ينطوي عليها وتتجاذبه؟

تنتمي هذه الازدواجية إلى مشروع عبد الناصر بمقدار ما تنتمي إلى الوعي العربي القارئ في مشروعه. ولكن بينما هي تذهب في الحدّة والتقاطب إلى حدّ التضادّ والتلاغي بين رؤيتين وقراءتين في الوعي العربي، لا تعرف في مشروع عبد الناصر وتجربته تلك الدرجة الحادة من التناقض الذي تنطوي عليه هاتان الرؤيتان. بين النظرة التبجيلية إليه عند بعضٍ وشَيْطَنَةِ صورته عند بعض آخر مساحةٌ من الحقائق لم يلتقطها هؤلاء وأولئك. لم يكن عبد الناصر ملاكاً ولا كائناً خارقاً لنواميس البشريّ معصوماً من ارتكاب الأخطاء. وهو ما كان ـ في المقابل ـ حاكماً سيئاً يستحق من خصومه كل ذلك السّيْل من عبارات الاتهام والقَدْح والتشنيع. كان قائداً سياسياً وتاريخياً يصيب ويُخْطئ، ينجح ويُخفق مثل الذين يشبهونه من القادة الكبار في التاريخ الإنساني. قد تكون مكتسباته أعظم من هناته، وهي قطعاً أعظم، لكن الأخطاء التي فرضَتْها عليه ظروفُ عصره وثقافةًُ ذلك العصر لم تكن نتائجُها محايدة على مشروعه ومستقبل ذلك المشروع بعد رحيله.
إنصاف عبد الناصر لا يكون بغير قراءة مشروعه في سياق الجدلية التاريخية التي حكَمَتْه: جدلية النجاح والإخفاق، وهي جدلية موضوعية في تاريخ السياسة وفي تاريخ الاجتماع الإنساني. لم يخطئ مناصروه حين ذكروا له فضْل ما فعل وأنجز في ميادين التنمية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني والاستقلال القومي والتوحيد...الخ، لكنهم أخطأوا ـ قطعاً ـ حين جرّبوا السكوت عمّا كان في مشروعه التاريخي الكبير من وجوه القصور التي نالت كثيراً من بريقه، ومن فرص استمراره بعد رحيل القائد الذي أطلقه. ولم يخطئ معارضوه حين توقفوا طويلاً أمام أوضاع الحريات السياسية في عهده وشنعوا على سلطان الأجهزة الأمنية المطلق، لكنهم أخطأوا حين لم يروا من عهده سوى الصدام مع «الإخوان المسلمين» والشيوعيين وأعرضوا عن رؤية إنجازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة. وليس للمرء، في مثل هذه الحال من الانتقاء والاختزال، سوى أن يدعو إلى تحرير عبد الناصر من الحبّ الأعمى له ومن الحقد الأسود عليه، فَهُمَا ـ وإنِ اختلفا ـ سواءٌ في الإساءة له، طبعاً مع حفظ الفارق بينهما في درجة الإساءة المرتكبة: فليس من أحيا كمن قتل.
لسنا في معْرض التقديس أو التبجيل حين نقول إن عهد عبد الناصر عهدٌ استثنائيٌّ في تاريخ العرب الحديث استثنائيةَ الرجل الذي صنعه ورمز له، ولعله يكون آخر عهدٍ وفرصةٍ لهم ـ في هذا التاريخ ـ يكونون بهما على قَدْرِ ما أرادوا أن يكونوا. إن شئنا الاحتراس أكثر، قلنا: لعله آخر عهدٍ لهم قبل زمنٍ يطول قطعاً، قبل أن يأزف بعهد كرامةٍ شبيه. عبد الناصر، كشخص، من طينة القادة التاريخيين الكبار، وهؤلاء لا يولدون دائماً ولا يتوفرون في كل الظروف والأوقات. ولحظتُه التاريخية لحظةٌ خاصة: لحظة مدّ حركات التحرر الوطني في قارات العالم الثلاث، ولحظة التوازن الدولي بين قطبين ومعسكرين. وهذه لحظة لا تتكرر دائماً. وحين تجتمع مَلَكَاتُ الفرد وممكنات اللحظة التاريخية، كما اجتمعا في مشروع الناصرية وعهدها، فذلك من المغانم التي لا يغنمها البشر دائماً. لذلك استطاع عبد الناصر ـ في بحر عقد ونصف ـ ما لم يستطعه غيرُه في عقود في العالم المعاصر، والذين أدمنوا على القَدْح في مشروعه وعهده، باسم الحريات السياسية والاقتصادية، ينسون أن ما بعد الناصرية كان عصر تلك «الحريات»، التي أنتجت أشدّ أنواع العبث بالسياسة: من تفريخ برلمانات مزوّرة التمثيل حتى مأْسَسَة الاستبداد وتحويل الجمهوريات إلى ملكيات، والتي أنتجت أشدّ أنواع العدوان على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشعب باسم «الاقتصاد الحر» أعلى أشكال الفساد الاقتصادي والمالي. دعْكَ من أن صاحب ذلك العهد المجنيّ عليه عاشَ في شقّة ومات في شقة، ولم يَرِث أهلُه من عهده غير الذكر الطيب لعهده.
لسنا أيضاً في معرض القدْح والتشنيع حين نقول إن نقطة ضعف مشروعه هي الديموقراطية، بل لعلّها مكان المقْتَل منه الذي أودَى به بعد رحيل قائده. لنا أن نقول هنا من باب الاستدراك ـ وهو قولٌ مشروع ـ إنّ ما يشفع للرجل قليلاً أن الديموقراطية حينها ما كانت ثقافة عصره، على الأقل في بيئة الحركات الوطنية والتقدمية في العالم، وأن مؤاخذته على ذلك أشبه بمؤاخذة قادةٍ كبار يشبهونه مثل لينين وماوتسي تونع وفيديل كاسترو والماريشال تيتو وهوشي منه، وأنها مؤاخذة لا تنال من عظمة مشروعه كما لم تنل من عظمة مشروع أيّ من هؤلاء. وفي الاستدراك ما يسمح بالقول ـ أيضاً ـ إن محاكمة مشروعه من مدخل الديموقراطية يشبه أن يكون إسقاطاً تاريخياً غيرَ مبرَّر نفكّر فيه في الماضي بأفكار الحاضر ومفاهيمه التي هي نتاج زمن مختلف.
نعرف أن عبد الناصر انتبه إلى فقْر مشروعه إلى هذه الفقرة المفصلية فيه (= الديموقراطية) على ما يفيدنا بذلك بيانه الشهير، بعد هزيمة 5 حزيران 67، الذي عُرف باسم «بيان مارس»، وأنه ـ من أسفٍ ـ ما تابع أمْرَ ذلك الانتباه فترجمه في إجراءات كانت ستُحصّن مكتسبات مشروعه في ما لو قيّض لها أن تشهد النور. والحاصل أن عدم إقامته مشروعَه على مقتضًى ديموقراطيٍّ ومؤسَّسي كان له الأثر الشديد في التمكين لخصومه من الإتيان على ذلك المشروع بمعاول الهدم من دون أن يجدوا أمامهم من يقيّد اندفاعاتهم من مؤسسات، فالرجل رَحَلَ ولم يترك خلفه مؤسسات تحمي ثورته ومكتسباتها، فبدا كما لو أن رحيله رحيلٌ للعهد كلِّهِ والمشروع. تلك مشكلة شخصنة السلطة والكاريزما السياسية: تكون ضمانةً للإنجاز في لحظة، وتصبح في أخرى عبئاً ثقيلاً.
أربعون عاماً مرّت على رحيل قائدٍ تاريخيّ استثنائي ظهر فجأةً على مسرح التاريخ ورحل فجأة منه، ولكنه لم يخْتَف لأننا نتذكره؛ نتذكره حين ننهزم، ونتذكره حين ننتصر، ونتذكره حين نعيش الزمن الفاصل بين اللحظتين.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:36 AM رقم المشاركة : 295
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو






مشروع عربي يغتاله التدخل الأجنبي آخر تحديث:الاثنين ,22/02/2010




عبد الاله بلقزيز



ليس شأناً في باب التفكير المسكون بفكرة المؤامرة أن يميل الوعي القومي إلى تفسير نكبة المشروع القومي العربي المعاصر بالأثر التدميري الذي كان للاستعمار والقوى الامبريالية في مواجهته، وإنما السقوطُ في فكرة المؤامرة يكون، بالتعريف، حينما يركن الوعي ذاك إلى تفسيرها بالعامل الخارجي وحده وينجح لتعليق نكباتنا وهزائمنا وإخفاقاتنا كافة على شمَّاعة خارج يتربَّصُ بنا الشرّ . وإذا ما تركنا جانباً هذا الجنوح - الذي ازدهر فعلاً في الوعي القومي - ونظرنا إلى حالة النكبة التي مني بها ذلك المشروع من مدخل التساؤل عمّا كان للعامل الخارجي (الاستعماري) من أثرٍ في ذلك، لوجدنا أمامنا فعلاً طائفةً من الشواهد على ذلك الأثر السلبي تشهد للرواية القومية عن دوره التدميري بالصحَّة أو بالوجاهة . وسواءٌ تَعَلّق الأمر بتجربة التوحيد الأولي في عهد محمد علي، أو بالتجربة الثانية في العهد الناصري، فإن النتيجة سواء: انهيار المشروع أمام التدخّل الاستعماري المعادي .



وكان في وُسْع القوميين، ولا يزال، أن يضيفوا إلى قائمة العوامل الخارجية المعادية لتجارب التوحيد القومي عاملاً جديداً طرأ على مشهد السياسة في المنطقة منذ نهايات النصف الأول من القرن العشرين هو العامل الصهيوني . فلقد كان قيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين، في حدِّ ذاته، حجراً أساساً في مشروع اسقاط التواصل الجغرافي بين الإقليمين الإفريقي والآسيوي من الوطن العربي . ومن هذا الموقع المُغْتَصَب، بقوة السّلاح والتآمُر الاستعماريّ، أطلقت الدولةُ الصهيونية حروبها التي لم تتوقف ضدّ كل مظهر من مظاهر التوحيد العربي أو ما يقود إليه من إنجازات أو مكتسبات في ميادين التنمية والأمن الوطني والقومي والديمقراطية . كانت حروبها على التيار القومي معلنَةً وشرسةً في العامين 1956 و،1967 وبصماتُها التخريبية للوحدة المصرية السورية ظاهرة للعيان، وتفجيرُها للوحدة الوطنية وللكيانات السياسية العربية القائمة جارٍ على قدمٍ وساق، من طريق هندستها للحروب الأهلية في لبنان والسودان والعراق وفلسطين الضفة وغزة، ومن طريق رعايتها لمشاريع التقسيم والفَدْرلَة والكانتونات في لبنان ولحركات الانفصال في كردستان العراق وجنوب السودان، وتدميرُها لمشاريع التنمية الصناعية في البلاد العربية متواصلاً منذ “حرب السويس” (1956) إلى ضرب البرنامج العلميّ السوري في مجال الطاقة الذّريّة (2008)، مروراً بتدمير “مفاعل تمّوز” النووي العراقي (1981) واغتيال العلماء العراقيين بعد الغزو الأمريكي للعراق (2003) والتهديد الإجراميّ بتدمير السدّ العالي في مصر، ثم كان ضيقُها بمساحات الحرية والديمقراطية القليلة، والشاذة في البَيْداء السياسية العربية القاحلة، واضحاً في هندسة الحروب الطائفية في لبنان .



أَوَّلُ تلك العناوين استعماريّ . فلقد كان التدخُّل الأجنبيّ العنيف لضرب وتدمير محاولات النهضة والتوحيد، في تاريخنا العربيّ الحديث والمعاصر، شديدَ الصِّلة بسعْي القوى الأجنبية في استعمار البلاد العربية، وإدراكِها العميق بأن أيَّ نجاحٍ تُحْرِزُهُ تلك المحاولات في مضمار الإصلاح والنهضة والوحدة سيضع في حوزة البلاد العربية موارد قوَّةٍ دفاعية و بالتالي سيقطع على الدول الاستعمارية طريقَ الوصول إلى هدف السيطرة عليها . ذلك ما يفسِّر لماذا كان الانقضاض البريطاني الفرنسي الاستعماريّ على تجربة النهضة والتوحيد في مصر محمد عليّ وإبراهيم باشا، ولماذا كان ردّ بريطانيا على “الثورة العربية” أثناء الحرب العالمية الأولى معاهدة “سايكس بيكو” و”وعد بلفور” . كان لا بدّ للاستعمار كي ينجح، في التحاليْف، من أن يَمُرَّ على جسدِ ذلك المشروع .



وثاني تلك العناوين جيو ستراتيجي . ذلك أن حُلُمَ السيطرة على المنطقة العربية لأهداف استراتيجية راودَ الامبراطوريات الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر وتَمَظْهر في صورةِ هاجسيْن متلازمين: أمنيّ عسكريّ، وأمنّي اقتصادي . أولهما، في القرن التاسع عشر، كان إخراج النفوذ العثماني من المنطقة العربية وقطع الطريق على التطلّع القيصري الروسي إلى بعض أطرافها . وتزايدت حدّتُهُ في القرن العشرين بعد ميلاد الاتحاد السوفيتي وتزايد “الخطر الشيوعي” والحاجة إلى تطويقه من الجنوب (المشرق العربي والخليج) . وثانيهما السَّعي الاستعماري الحثيث في تأمين طرق التجارة الدولية والسيطرة على مداخلها ومفاصلها، وخاصةً مع شرق آسيا، وهو ما كان في أساس شق قناة السويس والسيطرة على مصر . وكما اقتضى ذلك في الماضي الاستعمارَ المباشر، اقتضى في النصف الثاني من القرن العشرين زَرْع البلاد العربية بالقواعد العسكرية الأجنبية، والعدوان على مصر في 1956 للردّ على تأميم جمال عبدالناصر “شركة قناة السويس”، و قبل ذلك زرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية لحماية المصالح الاستراتيجية الامبريالية .



أمّا ثالث تلك العناوين، فاقتصادي: السيطرة على منابع الثروة النِّفْطية في الوطن العربيّ وفي إقليم الخليج العربيّ بخاصة .



،،، حين يضع الخطابُ القوميّ العربيّ كلّ هذه اللوحة من المعطيات والوقائع تحت بصره، يَحِقّ له أن يفترض من دون تردُّد أن الكثير ممَّا أصاب المشروع الوحدويّ والنهضويّ العربيّ من نكسات وإخفاقات إنما كان بسبب الدور الاستعماري والصهيونيّ التخريبيّ المعادي الذي استَعْمَل في تخريبه الوسائل كافة بما فيها بل وعلى رأسها الحرب .









آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:37 AM رقم المشاركة : 296
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

الطريق إلى الوفاق الوطني اللبناني


عبد الاله بلقزيز

,
26/05/2008






ما كان أقسى على حكومة فؤاد السنيورة أن تجتمع فتلغي قرارين اتخذتهما قبل ذلك بعشرة أيام ضد نظام الاتصال السلكي الخاص ب “حزب الله” ورئيس جهاز أمن المطار وفيق شقير، بعد أن أوحى إصدارها القرارين بأنها ذاهبة إلى مواجهة حازمة ضد الحزب وسلطانه الذاتي الخارج على رقابة الدولة، ثم بعد أن أوحى رئيسها وبعض وزرائها - عقب الأحداث - بأن التراجع عنهما ليس وارداً، ثم ترك لأحد أركان 14 آذار (سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية لحزب “القوات اللبنانية”) أن ينقل الإيحاء إلى لغة الإفصاح وإلى موقف حازم خاله الكثيرون موقفاً نهائياً للموالاة في الموضوع، على الأقل لأن كلام جعجع قيل في السراي الحكومي - بعيد اجتماعه بالرئيس السنيورة - ولم يقل في “معراب” حيث مقره الرسمي. أما الذين استبعدوا أن يكون كلام رئيس الهيئة التنفيذية ل “القوات” موقفاً رسمياً نهائياً للموالاة ولحركة 14 آذار، مستندين إلى موقف وليد جنبلاط الداعي إلى العودة عن القرارين، على ما تبلّغ ذلك نبيه بري رئيس المجلس النيابي، أو مستندين إلى المعلومات التي أفادت بأن سعد الدين الحريري - زعيم تيار “المستقبل” - متجاوب مع مطلب الجيش ومع ما ذهب إليه جنبلاط من وجوب التراجع عن القرارين، (أما هؤلاء) فقطعوا بأن التراجع الحكومي سيكون مكلفاً للموالاة ولتماسك حركة 14 آذار، وأنه لذلك السبب قد يصرف عنه النظر بطريقة أو أخرى.

وربما أتى تأجيل اجتماع مجلس الوزراء يوماً عن موعده المفترض واتساع نطاق الحديث، في أوساط قوى الموالاة، عن حاجة الحكومة إلى الاجتماع باللجنة الوزارية العربية (المشكّلة في اجتماع مجلس وزراء جامعة الدول العربية في القاهرة) قبل النظر في مذكرة الجيش (المتضمنة طلباً بالتراجع عن القرارين)، يرفع من منسوب الاعتقاد بأنه قد لا يصار إلى إلغاء القرارين في النهاية، أو - على الأقل - قد يجري وضع موضوع الإلغاء ضمن صفقة سياسية أشمل تقطع حبل نجاحات المعارضة. وما كان مثل ذلك الاعتقاد ليفتقر إلى ما يحتج به من قرائن على تماسكه ومنها تكثيف الاتصالات الأمريكية برئيس الحكومة، والإعلان عن إرسال البارجة الحربية “يو إس إس كول” إلى المياه اللبنانية، وتسريع المساعدة العسكرية الأمريكية للجيش اللبناني، واحتداد لهجة بعض الدول العربية تجاه “حزب الله”، وسوى ذلك مما عُد شواهد على أن “سياسة تقطيع الزمن” مرة بدعوى حاجة اجتماع الحكومة إلى اكتمال النصاب القانوني، وأخرى بدعوى الاجتماع باللجنة الوزارية العربية، لا تبغي سوى احتواء الموقف والتحلل من التزام الرد على مذكرة مديرية التوجيه في الجيش.

غير أن الهواجس تبددت، إذ لم يمس اليوم الرابع عشر من مايو/أيار، حتى كانت الحكومة تلتئم وتتخذ قرارها بإلغاء ما قررته في اليوم الخامس من الشهر نفسه. وبصرف النظر عما إذا كان من أعضائها مَنْ عارض التراجع عن القرارين، على ما أوردت الصحف والفضائيات، أو عما يمكن أن يكون قد أداه موقف وليد جنبلاط وسعد الدين الحريري من دور في إنضاج قرار التراجع في اجتماع مجلس الوزراء، فإن الذي ليس يخفى على المتابع ليوميات الأزمة اللبنانية المفتوحة منذ خريف العام 2006 (تاريخ انسحاب وزراء “حزب الله” و”أمل” من الحكومة) والمتفاقمة منذ شغور منصب رئاسة الجمهورية (24 نوفمبر/تشرين الثاني 2007)، أن تراجع حكومة فؤاد السنيورة عن القرارين لم يكن خياراً سهلاً أو طبيعياً، كان مؤلماً بالمعايير النفسية، ولكنه كان أشد إيلاماً بالمعايير السياسية. فإلى أنه يوحي بأن قرارات الخامس من مايو خاطئة (وإلا لما تُروجع عنها) يوحي - ضمناً - بإلقاء الحكومة تبعات المسؤولية عما جرى عليها هي نفسها، أو قل على ذينك القرارين الصادرين عنها.

لكن الأهم من ذلك أن التراجع يُشَرعن سلاح الإشارة لدى “حزب الله” بعد أن كان هدف قرار الخامس من الشهر نزع تلك الشرعية السياسية عنه.

هل هي، إذن، هزيمة سياسية للحكومة والموالاة وقوى 14 آذار؟

قد يكون السؤال موضوعياً، وقد يكون خبيثاً، لكن الجواب الصحيح عنه في الحالين هو أنها كانت هزيمة للفتنة وانتصاراً للعقل والواقعية السياسية وإرادة الوفاق الوطني. إذ ماذا كانت ستكون النتيجة لو تمسكت الحكومة بقرارات 5/5/2008 ورفضت التراجع عنها غير فتح الصراع الداخلي على المجهول، خاصة وأن المعارضة أقدمت على ما أقدمت عليه من ضغط مسلح لم يكن ممكناً تبريره إلا بنتيجة سياسية مجزية من قبيل العودة عن القرارين وإلا فإن التراجع عن مطلبها هذا (أي عودة الحكومة عن القرارين) يعادل في مفاعيله الانتحار السياسي: أمام جمهورها الذي أنزلته إلى الشارع ودعته إلى حسم المعركة مع قوى الموالاة، وأمام عائلات ضحايا الأحداث، وأمام الرأي العام العربي والدولي الذي سيسألها - بتفاوت - عما جنته من المواجهات.

نعم، لم تكن الحكومة وحدها مسؤولة عما حصل من صدام مسلح، المعارضة أيضاً مسؤولة باندفاعها إليه، من دون أن ندخل في تفاصيل التمييز أو المضاهاة بين المسؤوليتين: أحجاماً ومقادير أو فعلاً ورد فعل. ولكن بينما لم يكن في وسع المعارضة أن تتراجع عن مطالبها موضوعياً، كان يسع الحكومة أن تُقْدِم على مثل ذلك التراجع، ذلك أن الأهداف التي رسمها “حزب الله” والمعارضة للمواجهة كانت متواضعة وهي - قطعاً - دون ما أسفرت عنه تلك المواجهة من نتائج على صعيد موازين القوى الداخلية، ومع أن هذه النتائج تغري بطرح مطالب جديدة، مثل استقالة الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية أو تفويض الجيش إدارة الأمور في البلاد انتقالياً، إلا أن المعارضة اكتفت بما طرحته منذ البداية من أهداف، كما أن المعارضة وفّرت للموالاة فرصة تراجع مشرّف من طريق وقفها المواجهة في بيروت وعاليه وعدم استكمال تمددها في الشوف أو نقلها المعارك إلى مناطق أخرى مثل حاصبيا وراشيا والبقاع والشمال (طرابلس، عكار، الضنّية...) من أجل الحسم النهائي. وهو الأمر الذي التقطته الموالاة والحكومة فأنضج فكرة التراجع عن القرارين بوصفه الخيار الأسلم لاحتواء معركة كان استمرارها سيكلّف لبنان كثيراً. وهذا معنى ما قصدناه بالقول إن الحكومة كانت تملك أن تتراجع عن قراريها. أما الثمن، فحفظ وحدة الوطن وسلامه الأهلي: وذلك من مشمولات دورها الدستوري.

وهي حسناً فعلت بذلك التراجع، لأنها وضعت حداً لحال من التأزم السياسي لم يشهد لبنان لها مثيلاً منذ حربه الأهلية (1975 - 1990)، وفتحت الباب أمام نجاح عمل اللجنة الوزارية العربية، وأمام تسريع إجراءات بدء الحوار الوطني في الدوحة، ووصوله إلى ما وصل إليه من اتفاق.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:37 AM رقم المشاركة : 297
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

نظرتان إلى المسألة الكيانية../ عبد الإله بلقزيز

يَتَنَازَعُ إدراكَ المسألة الكيانية في البلاد العربية المعاصرة نظرتان شديدتا التمايز والتجافي، تفترض الأولى أن البلاد العربية تشكل، على تفرق جغرافيتها السياسية والبشرية، وطناً قومياً واحداً جامعاً - هو الوطن العربي - مزقته الغزوة الكولونيالية وأخضعته للتجزئة الاقليمية. أما الثانية، فتذهب الى القول إن فكرة الوطن الواحد الجامع ليست اكثر من فكرة إيديولوجية وتطلع طوباوي، وان الموجود فعلاً أوطان متعددة بتعدد شعوبها. تميل الأولى الى التشديد على عوامل الوحدة والترابط في علاقات الاجتماع العربي، ناحية منحى تغليبها على عوامل التجزئة والانقسام، فيما تميل الثانية الى التشديد على عوامل التنوع والتميز والتمايز في نسيج ذلك الاجتماع، ناحية هي الأخرى منحى تظهيرها.

أنتجت النظرة الأولى مقالة قومية في الفكر العربي المعاصر انصرفت الى تأسيس رؤية فكرية وسياسية في مسائل الأمة، والتجزئة، والوحدة القومية والدولة القومية وفكرتي التعاون الإقليمي والتضامن القومي.

لم تذهل تماماً عن حقائق التنوع الأقوامي والديني في النسيج الاجتماعي العربي، ولا تجاهلت مطالب أخرى داخلية تتصل بحقوق الأفراد والجماعات في البلاد العربية المعاصرة، لكنها رأت في المسألة الكيانية أم المسائل التي تفرض نفسها أولوية في الفكر والممارسة.

وأنتجت النظرة الثانية مقالة حقوقية في الفكر العربي المعاصر اهتمت بالتفكير في الماهيات الاجتماعية والثقافية المختلفة والمتنوعة - ضد فكرة الماهية القومية الواحدة - فشددت على عوامل التعدد الأقوامي والديني والطائفي مدافعة - عن حقوق الأقليات بوصفها جوهر الحقوق الديمقراطية المطلوبة في المجتمع العربي، لكنها ما استطاعت إنكار ما بين الأقاليم العربية من روابط التداخل والاجتماع في نسيجها الثقافي والنفسي والاجتماعي، ناهيك عن التاريخي، وإن حسبتها غير ذات أهمية كبيرة امام نقائضها.

ليس بين المقالتين حوار حقيقي: تكتفي كل واحدة منهما بما لديها من معطيات فكرية في الموضوع فتنظر الى الأخرى كلغوٍ إيديولوجي شديد التجافي مع الواقع. وما قد يبدو من “حوار” بينهما احياناً هو شيء في باب المضاربات الايديولوجية. وإذا كان ممكناً عيار مضمون كل من تينك المقالتين، من وجهة نظر المعرفة التاريخية، أو المعرفة المستندة الى الخبرة التاريخية، لأمكن القول انهما تشتركان في اعتماد رؤية انتقائية - اجتزائية - الى الموضوع الذي تتناولانه: المسألة الكيانية. رؤية ضيقة، غير شمولية ولا تاريخية، إذن: ايديولوجية. ويكمن مضمونها الايديولوجي في قيامها على تصورات مسبقة، وجاهزة في الوعي، لطبيعة الكيان الاجتماعي العربي. وليست “معرفتها” سوى الاثبات النظري لتلك التصورات القبلية مع بعض من التوسل بمتفرقات من الواقع والتاريخ تقدم لها مدداً تحتج به!

لم يكن صحيحاً ان الوحدة قانون رئيس في الاجتماع الكياني العربي، كما ليس صحيحاً أن الاستعمار وجد كياناً عربياً موحداً - حين دخوله - فمزَّقه. لقد كان لعوامل الانقسام في المجال العربي الأدوار عينها التي كانت لعوامل الوحدة، ولم يكن في وسع الاطار العثماني “الجامع” ان يرتق خروق ذلك الانقسام حتى لا نقول إنه عمَّقها بتوليده آليات التنمية الدائمة للعصبيات المحلية وما كان لها من ترجمات سياسية في صورة سلط لا مركزية. ولم تكن الهندسة السياسية الاستعمارية جراحة قيصرية لتوليد كيانات من عدم دائماً، بل مالت الى تأسيس تلك الكيانات على الحدود نفسها التي رسمتها الاصطفافات العصبويَّة وانقساماتها، ولو لم تكن عوامل الانقسام تعمل في جوف المجتمع العربي، منذ ما قبل الحقبة الكولونيالية، لما وسع تلك الهندسة السياسية الاستعمارية أن تقوم أولاً، وأن تجد لها من يستجيب لها من الزعامات المحلية ثانياً، وأن تنجح أخيراً في تكريس الدولة الإقليمية (القطرية).

إن الأمة التي حلم بها القوميون الأوائل هي غير الأمة التي كانت ماثلة امامهم. الأمة التي تحدثوا عنها مشروع مستقبلي: أمة متمثلة على صورة الأمم الحديثة انصهرت مكوناتها - بفعل آلية الاندماج الاجتماعي والقومي - وتطابقت شخصيتها الثقافية مع كيانيتها السياسية. وهذه - كما في أوروبا - لا تنشأ إلا بنشوء الدولة القومية. وقطعاً ليست هي التي تنتج الدولة القومية وإنما هذه الأخيرة هي التي تنتجها. أما الأمة الماثلة أمامهم، فهي حصيلة عملية توحيد تاريخي على أساس مِلِّيّ وإن كان الحكم فيه للعرب شطراً من الزمن قبل أيلولة السلطة و”الخلافة” الى غيرهم. خارج وحدتها المليَّة، كانت ثمة مطالب لجماعات عديدة، إما غير مسلمة وإما غير عربية كان انفراط الامبراطورية العثمانية مناسبة للجهر بنفسها. وما برحت الجماعات إياها تطرح كثيراً من تلك المطالب حتى اليوم، بل إن حدتها ارتفعت اكثر، منذ ثلث قرن، في امتداد الاخفاق الذي مني به المشروع القومي العربي.

ولم يكن صحيحاً ان الكيانات السياسية العربية، التي نشأت في - أعقاب انكفاء المشروع الاستعماري وجلاء قواته العسكرية، تستمد شرعيتها من قاع اجتماع داخلي: شعب مكتمل البنيان وذي شخصية وطنية مستقلة. فالجراحة الكولونيالية وقعت على كيانات كان بعضها موحداً وكان نسيجه الاجتماعي متماسكاً كما في حالة سوريا الطبيعية، فأنتجت دولاً داخل الشعب الواحد موزعة اياه عليها. ثم إن بعض الهندسة السياسية الاستعمارية اخترع جغرافيات سياسية وبشرية منتزعة من سياقها التوحيدي (الواحد) السابق، مركباً إياها على قوانين العصبية التقليدية. هكذا أصبح في وسع قبائل أو عشائر أو طوائف ان تصير شعوبا فيكون لها ملك وصولجان، وأن تتعهد عصبيتها بالتنمية المديدة مستخدمة ترسانة الدولة في ذلك.

وإذا كان من المسلَّم به تاريخياً أن الاستعمار لم يجد وطناً عربياً موحداً كي يقسمه على مقاس أطماعه وحساباته، فليس ثمة ما ينفي ان شكلا ما من اشكال الوحدة السياسية بين معظم الأقاليم العربية كان قائماً يعاد انتاجه في اطار الدولة العثمانية، مع حساب ان ما لم يكن يدخل في نطاق السلطنة العثمانية، كان ايضاً كياناً سياسياً موحداً في حدوده الجغرافية الموروثة منذ القرن السادس عشر (المغرب الأقصى). وليس ينال من هذه الحقيقة أن العرب كانوا مجتمعين في كنف دولة امبراطورية لا يحكمونها بأنفسهم، وانما تقوم على أمرها أمة أخرى هي الأمة التركية، ذلك بأنهم كانوا شركاء في تلك الرابطة (العثمانية) ولو من خلال الشراكة في الدين، والأهم أنهم كانوا موحدين داخل اطار تلك الرابطة، ونما شعورهم القومي فيها - كأمة عربية - بعد أن ضعف محتواها الإسلامي الجامع، وتضخم فيها الهاجس القومي التركي والنزعة الطورانية فترجم نفسه في سياسة تتريك قسري نبهت العرب أخيراً الى شخصيتهم القومية المستقلة.

أما ان يقال، من باب نفي الأمة، إن البلاد العربية زاخرة بالأقليات الدينية والطائفية والأقوامية، أي بنسيج اجتماعي فسيفسائي انقسامي تمتنع معه علاقات الاندماج القومي، فذلك مردود لأكثر من سبب لعل أهم تلك الأسباب ان ذلك مما نجد له النظائر في سائر الأمم. فليس في الأرض أمة تخلو من القلات “الأقليات”. ولم يكن وجود هذه سبباً في اسقاط فكرة الأمة أو في تفكيك المسألة القومية وردها الى مسائل حقوقية ديمقراطية، حقوق الجماعات الصغرى ما قبل - القومية.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:38 AM رقم المشاركة : 298
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

الأمة والوطن في نماذج تاريخية معاصرة ................ د. عبدالإله بلقزيز



إذا كان الانطباق ممتنعاً بين الدولة والأمة، بين الأمة والوطن، في نموذج الدولة الأمة الأوروبي الحديث، فكيف يسوغ في نماذج أخرى من الدول القومية المعاصرة دون النموذج الأول انسجاماً وتجانساً وهي الأغلب الأعم من دول العالم اليوم؟
في سائر المجتمعات والبلدان، اليوم، لا نعثر على صلة التطابق بين الأمم والأوطان من نوع الصلة التي افترضها منظرو الفكرة القومية في أوروبا القرن التاسع عشر، أو التي جرب المشروعان الألماني (النازي) والإيطالي (الفاشي) الذهاب بها إلى حد التحقق التاريخي الكامل. أمامنا، اليوم، ثلاثة نماذج للصلة بين الأمم والأوطان على الصعيد العالمي:
النموذج الأول نموذج الأمم التي تفيض أوطانها فتتجاوز حدود الأمة، في حالتها، حدود الدولة. الجغرافيا السياسية، في هذا النموذج، دون الجغرافيا البشرية (القومية) مدي ومساحة. يحدث هذا التخالف بين الجغرافيتين لأسباب شتى: ثقافية اجتماعية، كيانية سياسية، إقليمية أو دولية.. الخ. مما في حوزتنا من أمثلة على ذلك نسوق ثلاثة: ألمانيا والصين وكوريا. الأمة الألمانية أوسع انتشاراً مما تفيده القومية الألمانية المجسدة في كيان ألمانيا المعاصر. استعادت ألمانيا وحدتها القومية الممزقة إلى شطرين أو كيانين بعد نهاية الحرب الباردة والاستقطاب الدولي وانهيار “المعسكر الاشتراكي” لكنها لم تستعد وحدة الأمة الألمانية سياسياً. ففي بولونيا والنمسا ومقاطعتي الألزاس واللورين في الشمال الفرنسي، مازال ثمة قسم من الألمانية يعيش خارج كيان ألمانيا ولا يدين لها بالولاء. إن حدودها ليست سياسية، وإنما هي حدود اللسان والتاريخ الجرمانيين. وتشببها الأمة الصينية في أن حدودها أوسع من حدود كيان الصين، لكنها تختلف عنها في أن حدودها السياسية (القومية) غير المكتملة معلومة وتطابق إن استعيدت كلها حدود الأمة، بينما لا خارطة كيانية سياسية معلومة لألمانيا غير كيانها السياسي الحالي ولا يعترف لها أحد في العالم بغير هذه الحدود. استعادت الصين جزيرة هونج كونج من بريطانيا، لكن قسماً من كيانها مازال منفصلاً عنها بقوة الأمر الواقع هو تايوان. ولما كانت الأخيرة دولة مستقلة تتمتع بالاعتراف القانوني الدولي ويتصرف أهلها وكأنهم شعب مستقل، جاز أن يقال إن الأمة الصينية مازالت حتى إشعار آخر أكبر من الوطن القومي القائم. أما في كوريا، فالأمة ممزقة ب “التساوي” بين وطنين كلاهما يحسب نفسه الأصل. الأمة تدفع ثمن التجزئة الدولية للكيان، وبينما كان في وسع ألمانيا أن تستعيد وحدتها، بعد الحرب الباردة، لم يكن ممكناً لكوريا ذلك لأسباب دولية (أمريكية و إلى حد ما يابانية).
والنموذج الثاني نموذج الوطن الخاص بالأمة الواحد غير الممزقة كيانياً في الغالب (قلنا: في الغالب لأنها قد تكون ممزقة في حالات أخرى مثل حالتنا العربية)، لكنها الأمة التي تعيش داخل وطنها تعدداً أقوامياً يفرض عليها التعايش مع جماعات إثنية أخرى والاعتراف لها بشراكتها لها في الوطن ذاته. الأغلب الأعم من الأوطان في العالم من هذا الضرب من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وكندا إلى الهند وإندونيسيا وماليزيا والبرازيل وجنوب إفريقيا. تختلف درجة التمايز بين الجماعة القومية الكبرى أو “الأكثرية” وبين الجماعات الأقوامية الصغرى باختلاف النسبة العددية لعدد السكان الاجمالي، لكنها تختلف في المقام الأول باختلاف الرابطة السياسية الداخلية التي تشد الجماعات إياها إلى بعضها البعض. كلما كان النظام السياسي ديمقراطياً كما في البلدان الغربية كلما أمكن ذلك المجتمع الوطني أن يمتص التناقضات الناجمة عن التعدد الأقوامي وتصريفها سلمياً أو محو آثارها تماماً في إطار نظام المواطنة وعلاقاته الذي تذوب فيه الجماعات وتعثر على حقوقها كاملة فيه. وكلما كان النظام السياسي مغلقاً، كلما عانى النظام الاجتماعي من نقص متزايد في الاندماج القومي كما الحال في كثير من مجتمعات الجنوب فتكون النتيجة مزيداً من الانشقاق الداخلي، وربما مزيداً من الاحتقان ومن خوف الجماعات الأقوامية الصغرى من ابتلاع الجماعة القومية الكبرى لها. وبكلمة، يكون الوطن (الكيان السياسي) أكبر من الأمة، في هذا النموذج، لاحتوائه جماعات أقوامية غيرها. وهو بذلك يختلف عن النموذج الأول في الصلة بين الأمة والوطن.
أما النموذج الثالث، فنموذج الدولة ثنائية القومية أو متعددة القوميات. وهو غير (النموذج) الثاني لأن الأمر لا يتعلق فيه بجماعات أقوامية بل بأمم كاملة التشكل التاريخي. المثال الأعلى لهذا النموذج في العصر الحديث هو مثال الاتحاد السوفييتي السابق والاتحاد اليوغسلافي (السابق)، ثم تشيكوسلوفاكيا (سابقاً) في حالة الدولة ثنائية القومية. وليس معنى ذلك أن هذا النموذج انحصر نطاقاً في روسيا وأوروبا الشرقية، ذلك أن ما يشبهه ولو في حدود نسبية عرفته مجتمعات عديدة في الغرب نفسه مثل كندا وسويسرا و إلى حد ما بلجيكا. لكن فيما كانت هذه البلدان الأخيرة قادرة على توحيد مكوناتها القومية ومجموعاتها اللغوية المختلفة، عجز الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا عن ذلك. وحين تداعى الإطار الاتحادي الجامع، كان الانفصال القومي دراماتيكياً. وباستثناء تشيكوسلوفاكيا، التي حصل فيها طلاق ديمقراطي بين القوميتين الشريكتين فيها، شهد الاتحاد السوفييتي انفصالاً عسيراً لدول البلطيق فيما نشبت حروب الاستقلال في يوغسلافيا. وتكاد اليوم تنتهي معالم هذا النموذج للدولة (متعددة القوميات أو ثنائية القومية) في العالم.
أين نضع الوطن العربي في هذه النمذجة؟
من الصعب وضعه في خانة من الخانات الثلاث. لكنه ليس صعباً أن نعثر على ملامح من بعض تلك النماذج في شخصيته الكيانية. نستبعد النموذج الثالث لأن الوطن العربي ليس دولة ثنائية القومية أو متعددة القوميات، ونستعيد بعض خصائص النموذجين الأول والثاني ونحن نقارن:
قلنا إن الأمة في النموذج الأول تفيض عن حدود الوطن، أو قل عن حدود الكيان السياسي. وقلنا إن الوطن في النموذج الثاني أوسع حدودا من حدود الأمة لأن مكوناته جماعات أقوامية أخرى غير تلك الأمة وإن لم تكن الجماعات تلك منفصلة عنها. والوطن العربي يبدو بمعنى من المعاني مزيجاً من النموذجين: فالأمة العربية تفيض عن حدود الكيان السياسي (الدولة الوطنية أو القطرية: إن كان يجوز تسميتها وطناً)، وتتعالى عليه. إذ حدودها ليست سياسية، بل قومية وثقافية ولغوية. كما أن حدود الوطن العربي أشمل من حدود الأمة العربية لأن جماعات أقوامية أو ثقافية لغوية كالكرد والتركمان والأرمن وزنوج السودان وموريتانيا والأمازيغ تعيش جنباً إلى جنب مع الأمة العربية في هذا الوطن وتتقاسم معها الانتماء إليه.
هل يعني هذا أن الوطن العربي يمثل نموذجاً رابعاً للصلة بين الأمة والوطن؟
لا يمثل نموذجاً، ويكاد لا يجد نظيراً له في هذا الحال الكيانية الملتبسة. إنه يعيش وضعاً انتقالياً منذ ثلاثة أرباع القرن، أعني منذ انهيار الرابطة العثمانية الجامعة إلى حد ودخوله في طور التجزئة الإقليمية: لم تستطع الدول الوطنية (القطرية) أن تشكل أوطاناً نهائية لساكنتها، لأن في جوفها قوى اجتماعية وسياسية وثقافية، ترفض أن تعترف بتلك الدول أوطاناً نهائية لها. ولم تستطع، في الوقت نفسه، تصنيع أمم جديدة مصرية ومغربية وعراقية ويمنية على أنقاض فكرة الأمة العربية وعلى مقاس تلك الدول، لأن الأمم لا تصنع بقرار سياسي. ولكن، في الوقت نفسه، لم تستطع فكرة الوحدة القومية أن تجد لنفسها سبيلاً إلى التحقق التاريخي والسياسي في كيان جامع إندماجي أو فيدرالي أو كونفدرالي، أما العوامل الاجتماعية السياسية التي حملت المشروع القومي العربي، فلم تكن دائماً في مستوى ما انتدبت نفسها له من مهام، وقد اقترف بعض قواها أخطاء فادحة حين وصل إلى السلطة وحكم باسم الفكرة القومية.
هل يمكن أن تنتهي الدول الوطنية (القطرية) يوماً إلى أوطان نهائية وتذوي فكرة الأمة الكبرى والوطن الكبير ثم تنشأ من خلف ذلك أمم جديدة تبدو لها الأمة العربية غداً كما تبدو لنا اليوم الأمة الإسلامية: جزءاً من ماض تصرم؟



ليست الوحدة القومية العربية حتمية تاريخية موضوعية يقود إليها التاريخ تلقائياً. إنها مشروع تصنعه إرادة واعية وعمل يخطط. وإذا ما غابت هذه العناصر، فقد لا تظل فكرة الأمة الموحدة مجرد طوبى، بل قد ينشأ ما يناقضها وينقضها.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:38 AM رقم المشاركة : 299
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

دعوة متجددة إلى الوحدة .

د. عبدالإله بلقزيز

عانت فكرة التوحيد القومي، التي تمتعت بالشرعية التاريخية منذ ميلادها في مواجهة لخطتي التتريك والتجزئة الكيانية الاستعمارية، من عسر في التحقق المادي منذ انطلقت محاولات تنفيذها في نهاية خمسينات القرن العشرين الماضي. ثم لم يلبث ذلك العسر أن تفاقم مع الوقت منذ انهيار تجربة الوحدة المصرية السورية وفشل “محادثات الوحدة الثلاثية” وولوج “اتفاقات الوحدة” طور الارتجال والاستعمال السياسي الدعوي في الداخل لمصلحة النظام، ولم تكن الفكرة الإسلامية الجديدة فكرة العالم الإسلامي قد أخذت في الظهور والاستخدام في مواجهة الفكرة القومية العربية (بعد هزيمة 67)، حتى كان الاستقطاب السياسي العربي الرسمي حول مطلب الوحدة العربية قد بلغ مستوى من الاحتداد أنتج اصطفافات حيالها: بين مدافع عنها يحسبها أفقاً للأمة للخروج من التأخر والتجزئة والهزيمة، ومناهض لها تحت عنوان طوباويتها أو عدم واقعيتها السياسية.
منذ عقد السبعينات الماضي، تناقصت أعداد المؤمنين بفكرة التوحد القومي داخل النظام العربي دون أن يتزايد جمهور المؤمنين بها من القوى الاجتماعية والشعبية، وتكاثرت أعداد المتراجعين عنها في ذلك النظام دون أن تتناقص أعداد غير المكترثين لأمرها في الجمهور. شيئاً فشيئاً، خرجت الفكرة من حيز المشروع السياسي إلى حيز الخطاب السياسي: الصادق أو الإيديولوجي. وفيما كانت تترسخ الفكرة الوطنية النهائية (أو القطرية في خطاب قومي مشرقي). بدا كما لو أن الرد على فكرة الوحدة العربية ممكن من خلال فكرة الوحدة نفسها، ولكن هذه المرة ليس بحسبانها وحدة العرب أجمعين، بل “وحدة” أبعاض منهم يجمعهم الانتماء إلى نفس الإقليم الجغرافي. وهكذا ولدت التجمعات الإقليمية في بداية عقد الثمانينات ونهايته، وأحيط ميلادها بموجة من التهليل ومن التبشير بتجربة في التعاون جديدة قيل إنها (هي) ما سيؤسس لوحدة عربية حقيقية مختلفة عن تلك التي بشر بها القوميون والناصريون وانتهت إلى إخفاق.
لكن أزمة الخليج وتدمير العراق وحصاره أتى على ما بناه غير القوميين من “وحدات” (تجمعات إقليمية). إذ سرعان ما قضى تحت دمار الحرب “مجلس التعاون العربي”، فلحق به “اتحاد المغرب العربي”، أما “مجلس التعاون الخليجي”، فلم يتقدم كثيراً في مشروعه نحو الاندماج الإقليمي وخاصة مع بداية مد فكرة “الشراكة” الأمريكية مع دوله. ثم لم تلبث الروابط الإقليمية العربية التقليدية أو الموروثة أن بدأت هي نفسها في التمزق أمام زحف منظومات إقليمية مفروضة من خارج على المنطقة من طراز “نظام الشرق الأوسط” و”النظام المتوسطي” وما أشبه ذلك. استيقظنا في مطلع هذا القرن الجديد على حصيلة ثقيلة من الخسارات الصافية في مضمار مشروع التوحيد العربي: بدأت بخسارة تجربة التوحيد الحقيقية في تاريخ العرب المعاصر (الوحدة المصرية السورية)، دون أن تنتهي بخسارة تجربة التعاون الإقليمي وأطره المؤسسية، مروراً بتآكل الهاجس الوحدوي، وتراجع إيديولوجيته السياسية، والضعف الحاد الذي أصاب القوى التي حملته مشروعاً سياسياً، وتناقص قاعدة جمهوره الاجتماعي. لكن الأسوأ من ذلك كله والأكثر فداحة وخطباً هو أن الدولة القطرية التي أريد لها أن تكون إطاراً كيانياً وبديلاً لأي مشروع كياني توحيدي لم تعد قادرة على أن تضمن لنفسها أن تكون إطاراً نهائياً بعد، إذ بدأ التشقق يدب في بنيانها نتيجة ما تولد داخلها من تناقضات وصراعات ذات طبيعة عصبوية (طائفية ومذهبية وعرقية وقبلية) من نوع ما يجري في العراق والصومال والسودان ولبنان!
أمام هول ما يجري اليوم في هذه المجتمعات العربية من وقائع التفكيك والتفتيت الذاهبة نحو توليد كيانات عصبوية انشقاقية جديدة (ولو تحت عنوان فيدرالي)، نقطع الشوط سريعاً إلى طور من التجزئة جديد: تجزئة ما جزأه الاستعمار سلفاً وأراده في شكل دويلات لا قدرة لها على البقاء حية بإمكاناتها الذاتية! وإذا كانت التجزئة الأولى قد أنتجت عصبيات وطنية (قطرية) أو كان بعضها أحياناً سبباً لتلك التجزئة، فإن الطور الثاني من هذه التجزئة إنما يستثمر المخزون العصبوي الأهلي ليعيد تصنيعه في صورة عصبيات فرعية (قروسطية) تبحث لنفسها عن كيانات على مقاسها! والنتيجة: يهبط مطلب الوحدة عن مستوى قامته إلى حدود سقف الدولة القطرية نفسها ليأخذ شكل دفاع عن هذه الدولة.. على سوءاتها.
ربما طاب لكثيرين، ممن جهروا طويلاً بالعداوة لفكرة الوحدة العربية، أن يروا في إخفاق تجارب التوحيد القومي دليلاً على تهافت الفكرة ذاتها وليس فقط على تهافت محاولتها أو تجربة تحقيقها. لكن هؤلاء الذين ظلوا متربصين طويلاً بالمشروع القومي، متسقطين أخطاءه أو عثراته للانقضاض عليه، سيكون عليهم أن يفسروا لماذا تتعرض الدولة الوطنية (القطرية) التي كانوا من عبدتها للتفكيك والتفتيت والتقسيم هي أيضاً؟ كان يسعهم أن يقولوا بقدر هائل من اليقين إن وحدة عربية غير ممكنة لأنها محض خرافة إيديولوجية تختلق كياناً وهمياً، وتفترض أمة واحدة في مواجهة الحقيقة الوحيدة التي تتمتع بالصحة في رأيهم، وهي وجود وطنيات متباينة وشعوب مستقلة الهوية عن بعضها تبرر للدولة القطرية قيامها. هل في وسعهم أن يفسروا اليوم لماذا تنفجر هذه الوطنيات والهويات من الداخل وينقسم الشعب على نفسه إلى شعوب وقبائل وطوائف ومذاهب يقاتل بعضها بعضاً، وكأن رباطاً أو وشيجة ما قاما بينها يوماً، وكأن وطناً ما جمع بينها قبلاً؟
إن التجزئة مسار مترابط الحلقات: تضرب العام فيتداعى لها الخاص، وقد تستعمل في تجزئة الخاص الموارد عينها التي استعملت في تجزئة العام (العصبيات والهويات الفرعية)، ولا سبيل إلى رد أخطارها إلا بالمزيد من التمسك بفكرة التوحيد الوطني والقومي على السواء لأنها وحدها العاصم من المزيد من التمزيق والتقسيم، وإن أخطأنا التوحيد، فعلينا أن نجرب ثانية.. وعاشرة.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2010, 01:39 AM رقم المشاركة : 300
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

جدل عقيم حول الإسلاميين والعلمانيين../ د.عبدالإله بلقزيز
في أي حديث عن الديمقراطية، يجري في البلاد العربية المعاصرة، ينبغي الانتباه الى قصور بعض المفاهيم وبعض التعيينات المفهومية (للقوى الاجتماعية والسياسية والثقافية)، في إنجاز التعريف الدقيق، أو المناسب، لواقع حال من هم معنيون بالجدل حول الديمقراطية من تلك القوى، أو من ينقسمون حول الموقف منها أو من الأساسات التي ينبغي أن تقوم عليها في نظر كل فريق (من القوى تلك). أكثر تلك التعيينات استعمالاً ورواجاً - لتعريف القوى المنقسمة حول خيار الديمقراطية - وأكثرها قصوراً والتباساً هو الذي يذهب إلى تعيينها في فريقين سياسيين وثقافيين هما: الإسلاميون والعلمانيون.

يبدو للوهلة الأولى أن التعيين صحيح في المبدأ لأن الخلاف يدور حول أم المسائل في النظام السياسي في البلاد العربية المعاصرة: العلاقة بين الديني والسياسي، وتتفرع عنها أسئلة ذات اعتبار في تنظيم المجال السياسي من قبيل: ما مصدر السلطة والتشريع: الشعب أم الشريعة؟ هل الدولة مدنية أم محكومة بالرجوع إلى مبادئ الشريعة؟ هل تنفصل الدولة وتستقل عن الدين أم ترتبط به؟.. إلخ. وهي أسئلة خلافية ينتج عنها اصطفاف سياسي وثقافي يتوزع فيه المتساجِلون على فريقين متباعدين في الرأي متمايزين في المقالة.

ومع التسليم بأن هذا الخلاف حقيقي، وبأنه ينتج استقطاباً سياسياً وثقافياً، إلا أنه خلاف ثقافي أكثر مما هو سياسي في نفسه. نقول “في نفسه”، ولا نقول “في طبيعته”، لأنه بالطبيعة خلاف سياسي ويرتبط برهان الصراع على السلطة. غير أنه من نوع الخلافات التي لا تُحسم إلا ثقافياً، أي من طريق إعادة بناء مفهوم الدولة والسلطة والسياسة في الوعي، أي من طريق إعادة تشكيل ثقافة سياسية جديدة أو مختلفة.

ولتلك الأسباب نحسب نفسه ثقافياً، أي من نوع الخلافات طويلة الأمد، علماً بأن الحدود بين السياسي والثقافي ليست مقفلة، وبأن حركة انتقال المشكلات والأزمات بين السياسة والثقافة تتحرك وقائعها بسيولة على نحو تعيش فيه السياسة مشكلات ثقافية وتستدخلها في جدول أعمالها (مشكلات الهوية مثالاً)، وتتداول فيه الثقافة كمّاً غير محدود من المشكلات السياسية باحثة لها عن أجوبة وحلول ومستعملة في سبيل ذلك عُدَّتها من ضروب التأصيل أو التسويغ والشرعنة.. إلخ.

لا بد من الانتباه - ابتداء - الى أن هذا الخلاف يدور بين الفريقين وبعضهما منخرط في الحياة التمثيلية وله حصة ما في مؤسساتها المحلية والنيابية، والبعض القليل (من الفريق الإسلامي على الأقل)، شريك في أجهزة حكومية. ومعنى ذلك أنه يجري في سياق القبول - الواقعي على الأقل - بإطار النظام السياسي القائم والقواعد التي عليها يقوم، وليس يجري خارجه، ويشترط للاعتراف بشرعيته (أعني النظام) أن يكون على مثال صورة مُطابقة لما في وعي هذا الفريق أو ذاك. وإذا أضفنا الى هذه الملاحظة أن المشاركين في الحياة السياسية والتمثيلية من الفريقين ممن يسلِّمون سلفاً بمرجعية الدستور كقانون أساسي للدولة (وإلا ما تمتعت أحزابُهُم بالشرعية القانونية ولا شاركوا في الانتخابات ولا كان لهم نوّاب في البرلمانات)، اجتمعت قرائن عدة على أن وجود نظام سياسي وعملية “ديمقراطية” غير مطابقين للمثال العلماني عند هذا وللمثال الإسلامي عند ذاك ما مَنَعَ الفريقين من المشاركة فيه مثلما لم يمنعهما من السجال حول النموذج الذي يسعى كل منهما في تحقيقه وتمكينه من السيادة.

نحن، إذن، أمام حالة من “التواطؤ” الضمني على تنظيم النزاع حول الدولة وعقيدتها السياسية، مقتضاه المشاركة السياسية فيها وعدم الإضراب عنها، وترحيل عوائق السياسة الى مجال الجدل الفكري والايديولوجي. يعرف الإسلاميون، من جهتهم، أن بين الدولة القائمة والدين بوْن لا يقْبَل الجسْر. فهي لا تحكم “بما أنزل الله”، وليس فيها حاكمية الشريعة وإنما القانون الوضعيُّ حاكمها، والإسلام فيها لا يكاد يبارح نطاق الأحوال الشخصية والنصّ الدستوري على أنه دين الدولة وطقوس السلطان السياسي المتدثر بأردية الدين لتحصيل الشرعية، وما دون ذلك لا سلطان للدين على الدولة. كما يعرف العلمانيون، من جهتهم، أن الدولة القائمة ليست منفصلة تماماً عن الدين وليست مدنية تماماً وبالمعنى الذي تكوّن لديهم من قراءة نصوص الليبرالية الغربية أو من معاينة نموذج الدولة العلمانية في الغرب. غير أن الفريقين معاً يتجاوزان ما لديهما من تحفظات في السياسة لينقلاها الى منطقة السجال الايديولوجي.

لا معنى، إذن، لأن نفترض ان الصراع حول الديمقراطية يجري بين إسلاميين وعلمانيين إلا إذا فهمنا من العبارة أنه صراع يجري داخل “الحياة الديمقراطية” من أجل كسب السلطة أو حيازة مواقع فيها، ومع أنه يجري بين فهمين ورؤيتين للدولة والديمقراطية فيها، إلا أنه لا يضع قيوداً على مشاركة من شارك في العملية السياسية ولا يفرض كوابح على سيرورة اندماج القوى المشاركة الاندماج التدريجي في النظام القائم. وهو لذلك السبب يوفّر لذلك الجدل بين الفهمين والرؤيتين فرصة الترشُّد في إلقاء أسئلته بواقعية سياسية تغتني بالتدريج كلما رَسَخَ الاندماج.

لِنَقُل، إذن، إن التعيين الدقيق للصراع وقواه تعيين سياسي وليس تعييناً ثقافياً أو هكذا ينبغي أن يكون. إنه -بالأحرى- صراعٌ حول الموقف من الديمقراطية بين فريقين سياسيين متباينين ومتقابلين: بين ديمقراطيين ومعادين للديمقراطية أو رافضين لها. وهذان معاً موجودان داخل الإسلاميين وداخل العلمانيين. في الإسلاميين مَن يَحْسَب الديمقراطية كفراً بحاكمية الله ومشاركة في أنظمة الطواغيت. وفي العلمانيين من يرى القبول بها اعترافاً بالأنظمة الاستبدادية وشرْعنة لمؤسساتها وخيانة لقضية الشعب وخروجاً عن خيار التغيير الراديكالي. وقد يكون الرافضون لها من الجانبين قلّة، لكنها “قلة” قادرة على ممارسة الإزعاج المستمر لخيار العمل الديمقراطي.

إن اسقاط حجج المعادين للديمقراطية وتوسعة دائرة المؤمنين بها هما المسألة الأساسية التي نحن في حاجة إلى الانصراف إليها. أما الجدل -من داخل النضال من أجل الديمقراطية- حول النماذج والمثل والمعاني، فلا معنى له في السياسة إلا بما هو أسئلة سياسية برسم حوار فكري.
"الخليج"







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:53 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator