سلسلة الأحاديث الصحيحة ــ المجلد الأول
للشيخ الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
الحديث رقم 368
" المرأة أحق بولدها ما لم تزوج " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 641 :
أخرجه الدارقطني في " سننه " ( 418 ) من طريق المثنى بن الصباح عن # عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده # . " أن امرأة خاصمت زوجها في ولدها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .
وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه " : أخبرنا المثنى بن الصباح به .
وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " كما في " نصب الراية " ( 3 / 265 ) .
قال الحافظ في " التلخيص " ( 4 / 11 ) : " والمثنى بن الصباح ضعيف . ويقويه ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال : " خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر , وكان طلقها , فقال أبو بكر : هي أعطف وألطف وأرحم وأحن وأرأف , وهي أحق بولدها ما لم تتزوج " .
أقول : وهذا مع كونه موقوفاً , فهو مرسل , وقد روي من وجوه أخرى مرسلاً في " الموطأ " و " المصنف " لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولاً بإسناد ضعيف منقطع وقد خرجت ذلك كله في " إرواء الغليل " ( 2250 ) , ولذلك فإني أرى أن تقوية الحديث بهذا الموقوف ليس بالقوي , فالأولى تقويته بأن المثنى قد توبع عليه من غير واحد , فتابعه ابن جريج عند أحمد ( 2 / 182 ) والدارقطني , والأوزاعي عند أبي داود ( 2276 ) والحاكم ( 2 / 207 ) كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو به أتم منه , ولفظه : " أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا , كان بطني له وعاء , وثديي له سقاء , وحجري له حواء , وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي " .
وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .
وأقول : إنما هو حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
وقال المحقق ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد " : " هذا الحديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب , ولم يجدوا بدا من الاحتجاج هنا به , ومدار الحديث عليه , وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا , وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم , وقد صرح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو فبطل قول من يقول : لعله محمد والد شعيب فيكون الحديث مرسلاً , وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو , فبطل قول من قال : إنه منقطع . وقد احتج به البخاري خارج " صحيحه " , ونص على صحة حديثه , وقال : كان الحميدي وأحمد وإسحاق وعلي بن عبد الله يحتجون بحديثه , فمن الناس بعدهم ? ! هذا لفظه . وقال إسحاق بن راهويه : هو عندنا كأيوب عن نافع عن ابن عمر , وحكى الحاكم في " علوم الحديث " له الاتفاق على صحة حديثه .
وقولها : " كان بطني له وعاء " إلى آخره إدلاء منها وتوسل إلى اختصاصها به كما اختص بها في هذه المواطن الثلاثة , والأب لم يشاركها في ذلك , فنبهت في هذا الاختصاص على الاختصاص الذي طلبته بالاستفتاء والمخاصمة , وفي هذا دليل على اعتبار المعاني والعلل , وتأثيرها في الأحكام , وإماطتها بها , وأن ذلك أمر مستقر في الفطرة السليمة حتى فطر النساء .
وهذا الوصف الذي أدلت به المرأة , وجعلته سبباً لتعليق الحكم به قد قرره النبي صلى الله عليه وسلم ورتب عليه أثره , ولو كان باطلاً ألغاه , بل ترتيبه الحكم عقيبه دليل على تأثيره فيه وأنه سببه " .
قال : " ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد , فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي تخييره , وهذا ما لا يعرف فيه نزاع , وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ابن الخطاب ... " .
وقد أشار بقوله : " ما يمنع تقديمها " إلى أنه يشترط في الحاضنة أن تكون مسلمة دينة لأن الحاضن عادة حريص على تربية الطفل على دينه , وأن يربى عليه , فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه , وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده فلا يراجعها أبداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم .
وأشار بقوله " أو بالولد وصف يقتضي تخييره " .
إلى أن الصبي إذا كان مميزاً فيخير ولا يشمله هذا الحديث , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه " .
وهو حديث صحيح كما بينته في " الإرواء " ( 2254 ) .
ومن شاء الاطلاع على الأحكام المستنبطة من هذا الحديث مع البسط والتحقيق , فليرجع إلى كتاب العلامة ابن القيم : " زاد المعاد " .