العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-30-2011, 03:20 AM رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

بداية المرابطين، وبداية الرسول صلى الله عليه وسلم
مع كثرة الخيام وازدياد العدد إلى الخمسين فالمائة فالمائة وخمسين فالمائتين، أصبح من الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع، فقسمهم إلى مجموعات صغيرة، على كل منها واحد من النابغين، وهو نفس منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية من دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحين كان يجلس صلى الله عليه وسلم مع صحابته في مكة يعلمهم الإسلام، ومرورا ببيعة العقبة الثانية حين قسم الاثنين والسبعين رجلا من أهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسما، وجعل على كل قسم (خمسة نفر) منهم قيبا عليهم، ثم أرسلهم مرة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلمين دولتهم.

وهكذا أيضا كان منهج الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى بلغ العدد في سنة أربع وأربعين وأربعمائة من الهجرة، بعد أربعة أعوام فقط من بداية دعوته ونزوحه إلى شمال السنغال إلى ألف نفس مسلمة [نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {الصَّف13}.

فبعد أن طرد الرجل وأوذي في الله وضرب وهدد بالقتل، إذا به ينزل بمفرده إلى أعماق الصحراء حتى شمال السنغال وحيدا طريدا شريدا، ثم في زمن لم يتعدى الأربع سنوات يتخرج من تحت يديه ألف رجل على أفضل ما يكون من التبعية والتعليم.

وفي قبائل صنهاجة المفرقة والمشتتة توزع هؤلاء الألف الذين كانوا كما ينبغي أن يكون الرجال، فأخذوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يعلمون الناس الخير ويعرفونهم أمور دينهم، فبدأت جماعتهم تزداد شيئا فشيئا، وبدأ الرقم يتخطى حاجز الألف إلى مائتان وألف ثم إلى ثلاثمائة وألف، يزداد التقدم ببطء لكنه تقدم ملموس جدا.

معنى المرابطون
أصل كلمة الرباط هي ما تربط به الخيل، ثم قيل لكل أهل ثغر يدفع عمن خلفه رباط، فكان الرباط هو ملازمة الجهاد، وهو في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.

ولأن المرابطين أو المجاهدين كانوا يتخذون خياما على الثغور يحمون فيها ثغور المسلمين، ويجاهدون في سبيل الله، فقد تَسمى الشيخ عبد الله بن ياسين ومن معه ممن كانوا يرابطون في خيام على نهر السنغال بجماعة المرابطين، وعُرفوا في التاريخ بهذا الاسم.

يحيى بن عمر اللمتوني والمرابطون
وفي سنة خمس وأربعين وأربعمائة من الهجرة يحدث ما هو متوقع وليس بغريب عن سنن الله سبحانه وتعالى فكما عهدنا أن من سنن الله سبحانه وتعالى أن يتقدم المسلمون ببطء في سلم الارتفاع والعلو، ثم يفتح الله عليهم بشيء لم يكن هم أنفسهم يتوقعونه، وكما حدث للمسلمين - كما ذكرنا - في عهد عبد الرحمن الناصر من دخول سرقسطة وموت عمر بن حفصون، أيضا في هذه البلاد تحدث انفراجة كبيرة، ويقتنع بفكرة الشيخ عبد الله بن ياسين وجماعته من شباب قبيلة جدالة يحيى بن عمر اللمتوني زعيم ثاني أكبر قبيلتين من قبائل صنهاجة - القبيلة الأولى هي جدالة كما ذكرنا - وهي قبيلة لمتونة.

فدخل في جماعة المرابطين، وعلى الفور وكما فعل سعد بن معاذ رضي الله عنه حين دخل الإسلام وذهب إلى قومه وكان سيدا عليهم وقال لهم إن كلام رجالكم ونسائكم وأطفالكم عليّ حرام، حتى تشهدوا أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قام يحيى بن عمر اللمتوني وفعل الأمر نفسه، وذهب إلى قومه وأتى بهم ودخلوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين في جماعته، وأصبح الثلاثمائة وألف سبعة آلاف في يوم وليلة، مسلمون كما ينبغي أن يكون الإسلام.

وفي مثال لحسن الختام وبعد قليل من دخول قبيلة لمتونة في جماعة المرابطين يموت زعيمهم الذي دلهم على طريق الهداية الشيخ يحيى بن عمر اللمتوني، ثم يتولى من بعده زعامة لمتونة الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني.

دخل الشيخ أبو بكر بن عمر المتوني بحماسة شديدة مع الشيخ عبد الله بن ياسين، وبدأ أمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حول المنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال، فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهم من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا، وأدخلوا معهم جدالة، فأصبحت جدالة ولمتونة وهما القبيلتان الموجودتان في شمال السنغال وجنوب موريتانيا جماعة واحدة تمثل جماعة المرابطين.

أما الشيخ عبد الله بن ياسين ففي إحدى جولاته وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في إحدى القبائل، حاربوه وقاتلوه حتى استشهد رحمه الله سنة إحدى وخمسين وأربعمائة من الهجرة، وبعد أحد عشر عاما من الدعوة، خلّف على إثرها اثنا عشر ألف رجل على منهج صحيح في فهم الاسلام.

أبو بكر بن عمر اللمتوني وزعامة دولة المرابطين
بعد الشيخ عبد الله بن ياسين يتولى الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة جماعة المرابطين، وفي خلال سنتين من زعامته لهذه الجماعة الناشئة يكون قد ظهر في التاريخ ما يعرف بدويلة المرابطين، وأرضها آنذاك شمال السنغال وجنوب موريتانيا، وهي بعد لا تكاد تُرى على خريطة العالم.

وبعد سنتين من تولي الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين، وفي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة من الهجرة يسمع بخلاف قد نشب بين المسلمين في جنوب السنغال في منطقة بعيدة تماما عن دويلة المرابطين، وبعلمه أن الخلاف شر وأنه لو استشرى بين الناس فلن يكون هناك مجال للدعوة، فينزل بعجالة ليحل هذا الخلاف رغم أن الناس ليسوا في جماعته وليسوا من قبيلته، لكنه وبحكمة شديدة يعلم أنه الحق ولا بد له من قوة تحميه.

وفي السنة المذكورة كان قد وصل تعداد المرابطين قرابة الأربعة عشر ألفا، فأخذ نصفهم وجاب أعماق السنغال في جنوبها ليحل الخلاف بين المتصارعين هناك، تاركا زعامة المرابطين لابن عمه يوسف بن تاشفين رحمه الله.

يستطيع أبو بكر بن عمر اللمتوني أن يحل الخلاف الذي حدث في جنوب السنغال، لكنه يفاجأ بشيء عجيب، فقد وجد في جنوب السنغال وبجانب هذه القبائل المتصارعة قبائل أخرى وثنية لا تعبد الله بالكلية، وجد قبائل تعبد الأشجار والأصنام وغير ذلك، وجد قبائل لم يصل إليها الإسلام بالمرة.

حزّ ذلك في نفسه رحمه الله حيث كان قد تعلم من الشيخ عبد الله بن ياسين أن يحمل همّ الدعوة إلى الله، وأن يحمل همّ هداية الناس أجمعين حتى إن لم يكونوا مسلمين، وأن يسعى إلى التغيير والإصلاح بنفسه، فأقبل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بالسبعة آلاف الذين معه يعلمونهم الإسلام ويعرفونهم دين الله، فأخذوا يتعلمون ويتعجبون كيف لم نسمع بهذا الدين من قبل! كيف كنا بعيدين عن هذا الدين الشامل المتكامل! حيث كانوا يعيشون في أدغال أفريقيا ويفعلون أشياء عجيبة، ويعبدون أصناما غريبة، ولا يعرفون لهم ربا ولا إلها.

وبصبر شديد ظل أبو بكر بن عمر اللمتوني يدعوهم إلى الإسلام، فدخل منهم جمع كثير وقاومه جمع آخر؛ ذلك لأن أهل الباطل لا بد وأن يحافظوا على مصالحهم، حيث هم مستفيدون من وجود هذه الأصنام، ومن ثم فلا بد وأن يقاوموه، فصارعهم أيضا والتقى معهم في حروب طويلة.

ظل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني يتوسع في دعوته ويتنقل من قبيلة إلى قبيلة، ثم في سنة ثمان وستين وأربعمائة من الهجرة، وبعد خمس عشرة سنة كاملة من تركه جنوب موريتانيا وهو زعيم على دويلة المرابطين، يعود رحمه الله بعد مهمة شاقة في سبيل الله عز وجل يدعو إلى الله على بصيرة، فيُدخل في دين الله ما يُدخل، ويحارب من صد الناس عن دين الله سبحانه وتعالى حتى يرده إلى الدين أو يصده عن صده.

يوسف بن تاشفين ومهام صعبة
منذ أن ترك الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني دويلة المرابطين في جنوب موريتانيا وشمال السنغال في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة من الهجرة والشيخ يوسف بن تاشفين ينتظر وصوله، مر يوم ويومان وشهر وشهران ولم يرجع، وحين علم أنه قد توغل في أفريقيا ما كان منه رحمه الله إلا أن بدأ ينظر في الشمال باحثا عمن ابتعد عن دين الله فيعلمه ويرده إليه.

نظر يوسف بن تاشفين في شمال موريتانيا (المنطقة التي تعلوه) وفي جنوب المغرب العربي فرأى من حال البربر الذين يعيشون في هذه المنطقة وبالتحديد في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة من الهجرة رأى أمورا عجبا، هذه بعض منها

أولا قبيلة غمارة
هي من قبائل البربر وقد وجد فيها رجلا يُدعى حاييم بن منّ الله يدّعي النبوة وهو من المسلمين، والغريب أنه لم ينكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال إنه نبي على دين الإسلام، ثم أخذ يُشرّع للناس شرعا جديدا وهم يتبعونه في ذلك ويظنون أن هذا هو الإسلام.

فرض حاييم بن منّ الله على قبيلته صلاتين فقط في اليوم والليلة، إحداها في الشروق والأخرى في الغروب، وبدأ يؤلف لهم قرآنا بالبربرية، ووضع عنهم الوضوء، ووضع عنهم الطُّهر من الجنابة، كما وضع عنهم فريضة الحج، وحرّم عليهم أكل بيض الطيور وأحلّ لهم أكل أنثى الخنزير، وأيضا حرّم أكل السمك حتى يُذبح.

وإنه لخلط وسفه بيّنٌ خاصة حين يدّعي أنّه من المسلمين، كما أنه من العجب أن يتبعه الناس على هذا الأمر ويعتقدون أن هذا هو الاسلام.

قبيلة برغواطة
هي قبيلة أخرى من قبائل البربر في تلك المنطقة، على رأسها كان رجل يُدعى صالح بن طريف بن شمعون، ذلك الذي لم يكن بصالح ادّعى أيضا النبوة، وفرض على الناس خمس صلوات في الصباح وخمس في المساء، وفرض عليهم نفس وضوء المسلمين بالإضافة إلى غسل السُّرّة وغسل الخاصرتين، كما فرض عليهم الزواج من غير المسلمات فقط، وجوّز لهم الزواج بأكثر من أربعة، وأيضا فرض عليهم تربية الشعر للرجال في ضفائر وإلا أثموا، ومع كل هذا فقد كان يدّعي أنه من المسلمين.

قبيلة زناتة
كانت قبيلة زناته من القبائل السنيّة في المنطقة، وكانت تعرف الإسلام جيدا، لكنها لم تكن تعرف منه غير جانب العبادات وأمور العقيدة، فقد كانوا يصلون كما ينبغي أن تكون الصلاة، ويزكون كما يجب أن تكون الزكاة، لكنهم كانوا يسلبون وينهبون مَن حولهم، والقوي فيهم يأكل الضعيف، فَصَلُوا الدين تماما عن أمور الدنيا وسياسة الحياة العامة، فلم يكن الدين عندهم إلا صلاة وصيام وحج، وفي غير ذلك من المعاملات افعل ما بدا لك ولا حرج.

كان من هذا القبيل الكثير والكثير الذي يكاد يكون قد مرق من الدين بالكلية، وقد كانت هناك قبيلة أخرى تعبد الكبش وتتقرب به إلى رب العالمين، وبالتحديد في جنوب المغرب، تلك البلاد التي فتحها عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير رضي الله عنهما.

يوسف بن تاشفين وصناعة النصر والحضارة
شق ذلك الوضع كثيرا على يوسف بن تاشفين رحمه الله فأخذ جيشه وانطلق إلى الشمال ليدعو الناس إلى الإسلام، دخل معه بعضهم لكن الغالب قاومه وحاربه، فحاربه حاييم بن منّ الله، وحاربه صالح بن طريف، وحاربته كل القبائل الأخرى في المنطقة، حتى حاربته قبيلة زناتة السنية، فحاربهم بالسبعة آلاف رجل الذين تركهم معه أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله، ثم بمرور الأيام بدأ الناس يتعلمون منه الإسلام ويدخلون في جماعته المجاهدة.

وبعد رجوع الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في سنة ثمان وستين وأربعمائة من الهجرة، وبعد خمس عشرة سنة من الدعوة - كما ذكرت - في جنوب السنغال وأدغال أفريقيا، يرى يوسف بن تاشفين رحمه الله الذي كان قد تركه فقط على شمال السنغال وجنوب موريتانيا في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة من الهجرة يراه أميرا على السنغال بكاملها، موريتانيا بكاملها، المغرب بكاملها، الجزائر بكاملها، تونس بكاملها، وعلى جيش يتخطى حاجز السبعة آلاف ليصل إلى مائة ألف فارس غير الرجالة، يرفعون راية واحدة ويحملون اسم المرابطون.

وجد أبو بكر بن عمر اللمتوني كذلك أن هناك مدينة قد أُسست على التقوى لم تكن على الأرض مطلقا قبل أن يغادر، وتلك هي مدينة مراكش، والتي أسسها الأمير يوسف بن تاشفين، وكان أول بناء له فيها هو المسجد الذي بناه بالطين والطوب اللبن، تماما كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحمل بنفسه الطين مع الناس تشبها أيضا به صلى الله عليه وسلم وهو الأمير على مائة ألف فارس.

وكذلك وجد الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رجلا قد أسس حضارة لم تُعرف في المنطقة منذ سنوات وسنوات، ثم هو بعد ذلك يراه زاهدا متقشفا ورعا تقيا، عالما بدينه طائعا لربه، فقام الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بعمل لم يحدث إلا في تاريخ المسلمين فقط، حيث قال ليوسف بن تاشفين أنت أحق بالحكم مني، أنت الأمير، فإذا كنت قد استخلفتك لأجل حتى أعود فإنك تستحق الآن أن تكون أميرا على هذه البلاد، أنت تستطيع أن تجمع الناس، وتستطيع أن تملك البلاد وتنشر الإسلام أكثر من ذلك، أما أنا فقد ذقت حلاوة دخول الناس في الإسلام، فسأعود مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا أدعو إلى الله هناك.

أبو بكر بن عمر اللمتوني رجل الجهاد والدعوة
نزل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله مرة أخرى إلى أدغال أفريقيا يدعو من جديد، فأدخل الإسلام في غينيا بيساو جنوب السنغال، وفي سيراليون، وفي ساحل العاج، وفي مالي، وفي بوركينا فاسو، وفي النيجر، وفي غانا، وفي داهومي، وفي توجو، وفي نيجريا وكان هذا هو الدخول الثاني للإسلام في نيجريا؛ حيث دخلها قبل ذلك بقرون، وفي الكاميرون، وفي أفريقيا الوسطى، وفي الجابون.

فكان أكثر من خمس عشرة دولة أفريقية قد دخلها الإسلام على يد هذا المجاهد البطل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله هذا الرجل الذي كان إذا دعا إلى الجهاد في سبيل الله - كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية - كان يقوم له خمسمائة ألف مقاتل، خمسمائة ألف مقاتل غير من لا يقومون من النساء والأطفال، وغير بقية الشعوب في هذه البلاد من أعداد لا تحصى قد اهتدت على يديه.

فلا شك أنه كلما صلى رجل صلاة في النيجر أو في مالي أو في نيجريا أو في غانا، كلما صلى رجل صلاة هناك، وكلما فعل أحد منهم من الخير شيئا إلا أُضيفت إلى حسنات الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني ومن معه رحمهم الله.

وها هو رحمه الله وبعد حياة طويلة متجردة له سبحانه وتعالى يستشهد في إحدى فتوحاته في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة من الهجرة، وما رأى عزًّا وما رأى ملكا، وكان يغزو في كل عام مرتين، يفتح البلاد ويعلم الناس الإسلام، لتصبح دولة المرابطين قبل استشهاده رحمه الله ومنذ سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة تتربع على خريطة العالم من تونس في الشمال إلى الجابون في وسط أفريقيا، وهي تملك أكثر من ثلث مساحة أفريقيا.

لذلك فحين قرأ ألفونسو السادس رد رسالة المعتمد على الله بن عباد أمير أشبيلية المحاصرة من قِبل الأول لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين، علم أنه سيواجه ثلث أفريقيا، وعلم أنه سيقابل أقواما عاشوا على الجهاد سنوات وسنوات، فقام من توه بفك الحصار ثم الرحيل.

دولة المرابطين ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين وناصر
كان بداية حديثنا عن تاريخ المرابطين هو سنة أربعين وأربعمائة من الهجرة، وكانت البداية برجل واحد فقط هو الشيخ عبد الله بن ياسين، ثم بعد صبر وتربية متأنية في الدعوة إلى الله على النهج الصحيح القويم يصل عدد المرابطين وانتشارهم إلى هذا الشكل الذي أشرنا إليه، والذي يمثل الآن أكثر من عشرين دولة أفريقية.

فقط كان ذلك بعد ثمان وثلاثين سنة، وتحديدا في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة، ويصبح يوسف بن تاشفين رحمه الله زعيم هذه الدولة العظيمة، ويسمي نفسه أمير المسلمين وناصر الدين، وحين سُئل لماذا لا تتسمى بأمير المؤمنين؟ أجاب هذا شرف لا أدعيه، هذا شرف يخص العباسيين وأنا رجلهم في هذا المكان.

كان العباسيون في هذه الفترة لا يملكون سوى بغداد فقط، وكان يوسف بن تاشفين يريد أن يكون المسلمون تحت راية واحدة، فلم يرد رحمه الله أن يشق عصا الخلافة، ولا أن ينقلب على خليفة المسلمين، وكان يتمنى أن لو استطاع أن يضم قوته إلى قوة الخليفة العباسي هناك، ويصبح هو رجلا من رجاله في هذه البلاد فقال مجمّعا مؤمّلا وأنا رجلهم في هذا المكان.

يوسف بن تاشفين ووفد الأندلس
في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة وفي مراكش يستقبل يوسف بن تاشفين الوفد الذي جاء من قِبل بعض ملوك الطوائف - كما ذكرنا - يطلبون العون والمساعدة في وقف وصد هجمات النصارى عليهم، وإذا به رحمه الله يتشوّق لمثل ما يطلبون، حيث الجهاد في سبيل الله ومحاربة النصارى، فيالها من نعمة، ويالها من منّة.

ما كان منه رحمه الله إلا أن انطلق معهم وبنحو سبعة آلاف فقط من المجاهدين، رغم أن قوته في الشمال الأفريقي مائة ألف مقاتل، وكان لديه في الجنوب خمسمائة ألف، وقد كان هذا ملمح ذكاء منه؛ إذ لم يكن رحمه الله وهو القائد المحنك ليخرج ويلقي بكل قواته في الأندلس، ويتحرك هكذا بمثل هذه العشوائية، ويترك كل هذه المساحات الكبيرة في شمال وجنوب أفريقيا بلا حراسة ولا حماية، ومن ثم فقد رأى أن يظل جيش رابض في تونس وآخر في الجزائر ومثله في المغرب وهكذا في كل البلاد الإفريقيه التي فتحت.

أعد العدة رحمه الله وجهز السفن، وهو يعبر مضيق جبل طارق، وفي وسطه يهيج البحر وترتفع الأمواج وتكاد السفن أن تغرق، وكما كان قائدا يقف هنا قدوة وإماما، خاشعا ذليلا، يرفع يديه إلى السماء ويقول

اللهم إن كنت تعلم أن في عبورنا هذا البحر خيرا لنا وللمسلمين فسهّل علينا عبوره، وإن كنت تعلم غير ذلك فصعبه علينا حتى لا نعبره، فتسكن الريح، ويعبر الجيش، وعند أول وصول له، والوفود تنتظره ليستقبلونه استقبال الفاتحين، يسجد لله شكرا أن مكنّه من العبور، وأن اختاره ليكون جنديا من جنوده سبحانه وتعالى ومجاهدا في سبيله.

يوسف بن تاشفين وقدوة كانت قد افتقدت وغُيّبت
يدخل يوسف بن تاشفين أرض الأندلس، ويدخل إلى أشبيلية والناس يستقبلونه استقبال الفاتحين، ثم يعبر في اتجاه الشمال إلى ناحية مملكة قشتالة النصرانية، تلك التي أرعبت كل أمراء المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس في ذلك الوقت، يتجه إليها في عزة نفس ورباطة جأش منقطعة النظير بسبعة آلاف فقط من الرجال.

كان الأندلسيون ومنذ أكثر من سبعين سنة، في ذل وهوان وخنوع يدفعون الجزية للنصارى، وحينما شاهدوا هؤلاء الرجال الذين ما ألفوا الذل يوما، وما عرفوا غير الرباط في سبيل الله، حينما شاهدوهم يعبرون القفار ويتخطون البحار حاملين أرواحهم على أكفهم من أجل عز الإسلام وإعلاء كلمة الله ورفعة المسلمين، حينما شاهدوهم على هذه الحال تبدلوا كثيرا، وتاقت نفوسهم إلى مثل أفعالهم، فأقبلوا على الجهاد، وأذّنوا بحي على خير العمل.

وبدأ يلحق بركب يوسف بن تاشفين الرجل من قرطبة والرجل من أشبيلية، وآخر من بطليوس، وهكذا حتى وصل الجيش إلى الزلاّقة في شمال البلاد الإسلامية على حدود قشتالة، وكان عددهم يربو على الثلاثين ألف رجل.

ولا نعجب فهذه هي مهام القدوة وماهيتها وفعلها في المسلمين وصورتها كما يجب أن تكون، تحركت مكامن الفطرة الطيبة، وعواطف الأخوة الصادقة، والغيرة على الدين الخاتم، تلك الأمور التي توجد لدى عموم المسلمين بلا استثناء، وتحتاج فقط إلى من يحركها ويفيقها من سباتها.

بين جيش المسلمين وجيش النصارى
تحرك الثلاثون ألف رجل بقيادة يوسف بن تاشفين ليصلوا إلى الزلاّقة، وهو ذلك المكان الذي دارت فيه موقعة هي من أشهر المواقع الإسلاميه في التاريخ، وذلك المكان الذي لم يكن يُعرف بهذا الاسم قبل ذلك، لكنه اشتهر به بعد الموقعة، وسنعرف قريبا ودون قصد لماذا سُميت بالزّلاقة.

في الوقت الذي يصل فيه يوسف بن تاشفين وجيشه إلى الزلاقة يصله نبأ مفزع من بلاده بالمغرب، إنه يحمل مصيبة قد حلت به وبداره، فابنه الأكبر قد مات، لكنه ورغم ذلك فلم تفت هذه المصيبة في عضده، ولم يفكر لحظة في الرجوع، ولم يرض أن يرسل قائدا من قواده ويرجع هو، بل ذهب وهو الأمير على ثلث أفريقيا وأخذ معه أكبر قوّاد المرابطين وهو داود بن عائشة، وأرسل وزيره ليحكم البلاد في غيابه هناك.

كان النصارى قد استعدوا لقدوم يوسف بن تاشفين بستين ألفا من المقاتلين، على رأسهم ألفونسو السادس بعد أن جاءه العون من فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وألمانيا، وبعد أن أخذ وعودا من البابا وصكوكا بالغفران لكل من شارك في حرب المسلمين هذه.

قدم ألفونسو السادس يحمل الصلبان وصور المسيح وهو يقول بهذا الجيش أقاتل الجن والإنس وأقاتل ملائكة السماء وأقاتل محمدا وصحبه، فهو يعرف تماما أنها حرب صليبية ضد الإسلام.

الرسائل والحرب الإعلامية
وكعادة الجيوش في ذلك الوقت في تبادل الرسائل، أرسل يوسف بن تاشفين برسالة إلى ألفونسو السادس يقول له فيها بلغنا أنك دعوت أن يكون لك سفنا تعبر بها إلينا، فقد عبرنا إليك، وستعلم عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال، وإني أعرض عليك الإسلام، أو الجزية عن يد وأنت صاغر، أو الحرب، ولا أؤجلك إلا لثلاث.

تسلم ألفونسو السادس الرسالة وما إن قرأها حتى اشتاط غضبا، إذ كيف يدفع الجزية وقد أخذها هو من المسلمين، ومن قبله آباؤه وأجداده؟! فأرسل ليوسف بن تاشفين متوعدا ومهددا فإني اخترت الحرب، فما ردك على ذلك؟ وعلى الفور أخذ يوسف بن تاشفين الرسالة، وقلبها وكتب على ظهرها الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بأذنك، والسلام على من اتبع الهدى.

وفي محاولة ماكرة لخديعة المسلمين أرسل ألفونسو السادس يحدد يوم المعركة، وكان يوم ذاك هو الخميس، فأرسل أن غدا الجمعة، وهو عيد من أعياد المسلمين ونحن لا نقاتل في أعياد المسلمين، وأن السبت عيد اليهود وفي جيشنا كثير منهم، وأما الأحد فهو عيدنا، فلنؤجل القتال حتى يوم الإثنين.

استلم يوسف بن تاشفين الرسالة، وبوعي تام وبقيادة تعلم خبايا الحروب وفنون مقدماتها لم يُرِي جيشه هذه الرسالة، إذ إنه يعلم أن هذا الرجل مخادع، كيف وهم يكذبون على الله فيكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، وكيف والله قال فيهم [أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {البقرة100}

تجهيز الجيش ورؤيا ابن رميلة
بحذر تام لم يلتفت يوسف بن تاشفين إلى ما جاء في رسالة ألفونسو السادس، وقام بتعبئة الجيش وتجهيزه يوم الخميس هذا، ووضعه على أتم الاستعداد، وفي ليلة الجمعة كان ينام مع الجيش شيخ كبير من شيوخ المالكية في قرطبة، وهو ابن رميلة، إذ لم تكن مهمة الشيخ يوما ما مجرد الجلوس في المسجد أو إلقاء الدروس أو تعليم القرآن فقط، فقد كان هذا الشيخ يفقه أمور دينه ويعلم أن هذا الجهاد هو ذروة سنام هذا الدين.

في هذه الليلة يرى ابن رميلة هذا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له يا ابن رميلة، إنكم منصورون، وإنك ملاقينا.

يستيقظ ابن رميلة من نومه وهو الذي يعلم أن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل به، فيقوم فرحا مسرورا، لا يستطيع أن يملك نفسه، بشّره رسول الله، وسيموت في سبيل الله، الحسنيين أمام عينيه، نصر للمؤمنين وشهادة تناله، فيالها من فرحة، وياله من أجر.

وعلى الفور يذهب ابن رميلة رحمه الله في جنح الليل فيوقظ يوسف بن تاشفين، ويوقظ المعتمد على الله بن عبّاد الذي كان يقود وحدة كبيرة من قوات الأندلس، ويوقظ المتوكل بن الأفطس وعبد الله بن بلقين، ويوقظ كل قوّاد الجيش، وأخذ يقص عليهم رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هزت تلك الرؤيا يوسف بن تاشفين وكل قواد الجيش، وقاموا من شدة فرحهم وفي منتصف الليل وأيقظوا الجيش كله على صوت رأى ابن رميلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له إنكم لمنصورون وإنك ملاقينا.

وفي لحظة لم يتذوقوها منذ سنوات وسنوات في أرض الأندلس، يعيش الجيش كله أفضل لحظات السعادة، وتتوق النفوس إلى الشهادة، ويأمر يوسف بن تاشفين بقراءة سورة الأنفال، ويأمر الخطباء بتحفيز الناس على الجهاد، ويمر هو بنفسه رحمه الله على الفصائل ينادي ويقول طوبى لمن أحرز الشهادة، ومن بقي فله الأجر والغنيمة.

الجيش الإسلامي وخطة الإعداد والهجوم
بعد ترتيب الجيش وصلاة فجر يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر رجب لسنة تسع وسبعين وأربعمائة من الهجرة، لم تكن مفاجأة ليوسف بن تاشفين أن يخالف ألفونسو السادس طبيعته وينقض عهده ويبدأ بالهجوم في ذلك اليوم، إذ ذاك هو الأصل، والذي يجب أن نعلمه جميعا.

أما المفاجئة فأصابت ألفونسو السادس الذي وجد الجيش الإسلامي على أتم تعبئة وأفضل استعداد، وبخطة محكمة، كان يوسف بن تاشفين قد قسم الجيش إلى نصفين، نصف أمامي ونصف خلفي، أما النصف الأمامي فقد طلب المعتمد على الله بن عبّاد أن يكون على قيادته على من معه من الأندلسيين، يريد بذلك أن يكون بين المسلمين وبين النصارى، يريد أن يغسل عار السنين السالفة، يريد أن يمحو الذل الذي أذاقه إياه ألفونسو السادس، إنه يريد أن يتلقى الضربة الأولى من جيش النصارى.

في نصف عدد الجيش، وفي خمسة عشر ألف مقاتل يقف المعتمد على الله بن عبّاد في مقدمة الجيش ومن خلفه داود بن عائشة كبير قوّاد المرابطين، أما النصف الثاني أو الجيش الخلفي ففيه يوسف بن تاشفين رحمه الله يختفي خلف أحد التلال البعيدة تماما عن أرض المعركة، ويضم أيضا خمسة عشر ألف مقاتل، ويستبقي من الجيش الثاني أو الخلفي الذي فيه يوسف بن تاشفين أربعة آلاف مقاتل، فيبعدهم أكثر عن هذا الجيش الخلفي، وقد كان هؤلاء الأربعة آلاف من رجال السودان المهرة، يحملون السيوف الهندية والرماح الطويلة، وكانوا أعظم المحاربين في جيش المرابطين، فاستبقاهم يوسف بن تاشفين في مؤخرة الجيش.

أصبح جيش المسلمين مقسم إلى ثلاث فرق، الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد على الله وتضم خمسة عشر ألف مقاتل، والفرقة الثانية خلف الأولى وعلى رأسها يوسف بن تاشفين وتضم أحد عشر ألف مقاتل، وأخيرا ومن بعيد تأتي الفرقة الثالثة وتضم أربعة آلاف مقاتل هم من أمهر الرماة والمحاربين.

لم تكن خطة يوسف بن تاشفين رحمه الله جديدة في حروب المسلمين، فقد كانت هي نفس الخطة التي استعملها خالد بن الوليد رضي الله عنه في موقعة الولجة في فتوح فارس، وهي أيضا نفس الخطة التي استعملها النعمان بن مقرن رضي الله عنه في موقعة نهاوند في فتوح فارس أيضا، فكان رحمه الله رجلا يقرأ التاريخ ويعرف رجالاته ويعتبر بهم.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:21 AM رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

الزلاّقة ومعركة الوجود الإسلامي في الأندلس
لما كان يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر رجب لسنة تسع وسبعين وأربعمائة من الهجرة هجم ألفونسو السادس بستين ألفا نصرانيا على الجيش الأول للمسلمين المؤلف من خمسة عشر ألف فقط، وقد أراد يوسف بن تاشفين من وراء ذلك أن تحتدم الموقعة فتنهك قوى الطرفين حتى لا يستطيعان القتال، وكما يحدث في سباق الماراثون فيقوم هو ويتدخل بجيشه ليعدل الكفة لصالح صف المسلمين.

وأمام أمواج تتلوها أمواج وأسراب تتبعها أسراب، يصبر المسلمون أمام ستين ألفا من النصارى، حتى مات تحت المعتمد على الله بن عبّاد ثلاث خيول كان يقاتل عليها، حتى إنه كان لا يُرى من الدماء عليه.

وهناك وبعد عصر ذلك اليوم يشير يوسف بن تاشفين إلى من معه أن انزلوا وساعدوا إخوانكم، وذلك بعد أن كانت قد أُنهكت قوى الطرفين من المسلمين والنصارى، وبعد طول صبر ينزل يوسف بن تاشفين بالأحد عشر مقاتلا الذين كانوا معه وهم في كامل قوتهم، فيحاصرون الجيش النصراني.

قسّم يوسف بن تاشفين الجيش الذي كان معه إلى قسمين، فالأول يساعد مقدمة المسلمين، والثاني يلتف خلف جيش النصارى، وكان أول فعل له خلف جيش النصارى هو أن حرّق خيامهم، وذلك حتى يعلم النصارى أن يوسف بن تاشفين ومن معه من ورائهم وهم محيطون بهم، فقد كان يعلم رحمه الله أن مثل هؤلاء الناس ما يهمهم من الدنيا إلا أن يظلوا أحياء، وأن ينجوا بأنفسهم.

حين علم النصارى أن المسلمين من ورائهم وأنهم محاصرون بهم دبت الهزيمة في قلوبهم، وبدأ الخلل يتغلغل في صفوفهم، وبالفعل بدأ الانسحاب التدريجي التكتيكي الذي ينحو أقل خسارة ممكنة، وقد التف الناس حول ألفونسو السادس يحمونه، ثم حدثت خلخلة عظيمة في جيشهم.

وفي الضربة الأولى ليوسف بن تاشفين يُقتل من النصارى عشرة آلاف رجل، وفي وصف لهذا القائد في تلك المعركة يقول المؤرخون بأن يوسف بن تاشفين وهو الأمير على ثلث إفريقيا كان في هذه الموقعة يتعرض للموت ويتعرض للشهادة ولا يصيبها، يلقي بنفسه في المهالك، رحمه الله ورضي عنه وأمثاله.

تزداد شراسة الموقعة حتى قبيل المغرب، ثم ومن بعيد يشير يوسف بن تاشفين إلى الأربعة آلاف فارس أو الفرقة الثالثة والأخيرة، والتي كانت من رجال السودان المهرة، فيأتون فيعملون القتل في النصارى ويستأصلونهم.

وتنجلي الحقيقة المروعة عن قتل خمسين وخمسمائة وتسع وخمسين ألفا من النصارى من مجموع ستين ألفا منهم، ممن كانوا سيهزمون الإنس والجن والملائكة، في موقعة كانت تنزلق فيها أقتاب الخيول وأرجل الفرسان من كثرة الدماء في هذه الأرض الصخرية، حتى سُمّيت من بعدها بالزلاقة.

وكان قد بقي من النصارى أربعمائة وخمسون فارسا فقط، منهم ألفونسو السادس الذي نجا من الموت بساق واحدة، ثم انسحب في جنح الظلام بمن معه إلى طليطلة، وقد مات منهم في الطريق من أثر الجراح المثخنة ثلاثمائة وخمسون فارسا، وهناك دخل طليطلة بمائة فارس فقط.

فكانت الزلاقة وبلا أدنى مبالغة يرموكا أخرى وقادسية ثانية.

لا نريد منكم جزاء ولا شكورا

بعد هذه المعركة جمع المسلمون من الغنائم الكثير، لكن يوسف بن تاشفين وفي صورة عقمت الدنيا أن تلد مثلها يترك كل هذه الغنائم لأهل الأندلس، ويرجع في زهد عجيب وورع كبير إلى بلاد المغرب، لسان حاله

[لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورً] {الإنسان9} .

فيعود رحمه الله إلى بلاد المغرب ليس معه إلا وعودا منهم بالوحدة والتجمع ونبذ الفرقة، والتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نصحهم باتباع سنة الجهاد في سبيل الله، وعاد يوسف بن تاشفين البطل الإسلامي المغوار وعمره آنذاك تسع وسبعون سنة.

كان من الممكن له رحمه الله أن يرسل قائدا من قواده إلى أرض الأندلس ويبقى هو في بلاد المغرب، بعيدا عن تخطي القفار وعبور البحار، وبعيدا عن ويلات الحروب وإهلاك النفوس، وبعيدا عن أرض غريبة وأناس أغرب، لكنه رحمه الله وهو الشيخ الكبير يتخطى تلك الصعاب ويركب فرسه ويحمل روحه بين يديه، لسان حاله أذهب إلى أرض الجهاد علّي أموت في سبيل الله، شعاره هو

إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومٍ فَلَا تَقْنَعُ بِمَا دُونَ النُّجُومِ

فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ

لكنه رحمه الله لم يمت هناك، فلا نامت أعين الجبناء.

صراعات ملوك الطوائف وعودة يوسف بن تاشفين من جديد

بعد عودة يوسف بن تاشفين إلى أرض المغرب، حدثت الصراعات بين أمراء المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس بسبب الغنائم وتقسيم البلاد المحررة.

وهنا ضج علماء الأندلس وذهبوا يستنجدون بيوسف بن تاشفين من جديد، لا لتخليصهم هذه المرة من النصارى، وإنما أنقذنا من أمرائنا.

يتورع يوسف بن تاشفين عن هذ الأمر، إذ كيف يهجم على بلاد المسلمين وكيف يحاربهم؟! فتأتيه رحمه الله الفتاوى من كل بلاد المسلمين تحمّله مسئولية ما يحدث في بلاد الأندلس إن هو تأخر عنها، وتحذره من ضياعها إلى الأبد، وتطلب منه أن يضمها إلى أملاك المسلمين تحت دولة واحدة وراية واحدة، هي دولة المرابطين.

فجاءته الفتوى بذلك من بلاد الشام من أبي حامد الغزالي صاحب "إحياء علوم الدين"، وقد كان معاصرا لهذه الأحداث، وجاءته الفتوى من أبي بكر الطرطوشي العالم المصري الكبير، وجاءته الفتوى من كل علماء المالكية في شمال أفريقيا.

لم يجد يوسف بن تاشفين إلا أن يستجيب لمطلبهم، فقام في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة من الهجرة، وبعد مرور أربعة أعوام على موقعة الزلاقة، وجهز نفسه ودخل الأندلس.

يوسف بن تاشفين ودولة واحدة على المغرب والأندلس
لم يكن دخول يوسف بن تاشفين الأندلس أمرا سهلا، فقد حاربه أمراء المؤمنين هناك بما فيهم المعتمد على الله بن عبّاد، ذلك الرجل الذي لم يجد العزة إلا تحت راية يوسف بن تاشفين رحمه الله قبل وبعد الزلاقة، قام المعتمد على الله بمحاربته وأنّى له أن يحارب مثله.

استطاع يوسف بن تاشفين أن يضم كل بلاد الأندلس تحت لوائه، وأن يحرر سرقسطة، تلك التي كانت قد احتُلت بعد أن قسمها أميرها بين ولديه - كما ذكرنا - واستطاع أن يضمها إلى بلاد المسلمين، وقد أصبح أميرا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط أفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين.

ظل هذا الشيخ الكبير يحكم حتى سنة خمسمائة من الهجرة، وكان قد بلغ من العمر أرذله، حتى توفي رحمه الله وقد وفّى تمام المائة، وقرابة سبع وأربعين سنة في الحكم، وكان تمام ستين سنة على ميلاد دولة المرابطين، تلك التي أصبحت من أقوى دول العالم في ذلك الزمان.

ذلكم هو الشيخ الكبير الذي كانت أموال الدنيا تحت يديه، حيث الأندلس تلك البلاد الغنية، لكنه رحمه الله يزهد في كل هذا، ولم يُفتن بالدنيا لحظة واحدة، وكان لباسه حتى مات الخشن من الصوف، وأكله الخبز من الشعير، وشربته لبن الإبل، فرحمة الله عليه.






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:21 AM رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

بين المرابطين والموحدين

حروب اليوم وهل تتكرر انتصارات المسلمين؟ وقفة متأني
قبل أن نخوض في الأحداث التي تلت موقعة الزلاقة، وامتداد دولة المرابطين إلى الأندلس، كان هناك سؤال يفرضه الذهن الشارد على طول ما سبق من أحداث

لا شك أن انتصارات المسلمين في السابق في مثل مواقع الزلاقة ووادي برباط، وأي من المواقع الإسلامية الأخرى في غير تاريخ الأندلس، لا شك أنه أمر يبعث العزة ويدعو إلى الفخر، لكن مثل هذه الانتصارات السابقة كانت حيث السيوف والرماح والخيول، ولقاء الجندي بالجندي، أما الآن وقد اختفت مثل هذه الأمور، بل واندثرت تماما، وتبدّل الوضع؛ فأصبحت الحرب غير الحرب، والطاقة غير الطاقة، حيث الحرب الإلكترونية، وحيث الطائرات والقنابل العنقودية، والصواريخ العابرة والموجهة، والأسلحة الكيماوية والنووية، وغير ذلك مما لم يكن على سابق ما مضى تماما،

فهل يستطع المسلمون أن يحققوا نصرا في مثل هذه الظروف وتلك المستجدات ورغم ما هم فيه من تخلف وانحطاط كانتصارات سابقيهم؟!

والحقيقة أن مبعث مثل هذا الخاطر وذاك السؤال هو عدم فهمٍ ووعي لعامليْن مهمين جدا كنا قد تحدثنا عنهما فيما مضى، وهما

العامل الأول أمة الاسلام أمة لا تموت
فقد اقتضت سنة الله في كونه كما ذكرنا أن تكون أمة الإسلام أمة لا تموت، وأنها أبدا في قيام، وأنه لا بد من القيام بعد السقوط كما كان السقوط بعد القيام، بصرف النظر عن مدى قوة وعظم الكافرين وضعف المسلمين، فالله سبحانه وتعالى يقول [لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلَادِ] {آل عمران196}.

العامل الثاني طبيعة المعركة بين الحق والباطل
فالحرب بين المسلمين وغيرهم ليست متمثلة في شكل دول أو أشخاص، إنما هي حرب عقائدية، حرب بين الحق والباطل، وهي بأيسر تعبير معركة بين أولياء الله سبحانه وتعالى وبين أولياء الشيطان.

فماذا تكون النتيجة إذن إذا كانت المعركة على هذا النحو؟ وهل ينتصر حزب الشيطان وأولياؤه مهما تعاظمت عناصر القوة لديهم، أم ينتصر حزب الله وأولياؤه وإن قلت وضعفت إمكاناتهم وطاقاتهم؟

وفي استدعاء للتاريخ والمواقع الإسلامية السابقة خير مثال ودليل على ما ذهبنا إليه، فهل كان من الطبيعي بالقياسات القديمة أن يحقق المسلمون النصر في معاركهم أجمع فيما مضى؟! هل كان من الطبيعي في معركة القادسية على سبيل المثال أن ينتصر اثنان وثلاثون ألف مسلم على مائتي ألف فارسي؟! بكل قياسات الماضي وقياسات الوضع الطبيعي هل من الممكن أن يحدث مثل هذا؟ وأين؟ في بلادهم وعقر دارهم.

وهل كان من الطبيعي في معركة اليرموك أن ينتصر تسع وثلاثون ألف مسلم على مائتي ألف رومي؟! وهل كان من الطبيعي أن ينتصر ثلاثون ألف مسلم في توستر على مائة وخمسين ألف فارسي ثمانين مرة متتالية في خلال سنة ونصف وفي عقر دارهم أيضا؟! وهل كان من الطبيعي كما ذكرنا في أحداث الأندلس السابقة أن ينتصر اثنا عشر ألف مسلم على مائة ألف قوطي في معركة وادي برباط؟!

هذه كلها أمور من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تحدث حتى بقياسات الماضي، وهو لغز لا يمكن حله إلا بطريقة واحدة، هي أن نعلم ونتيقن أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحارب الكافرين [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى] {الأنفال17} . يقول أيضا سبحانه وتعالى [وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ] {محمد4}.

فالله سبحانه وتعالى يختبر المؤمنين بحربهم مع الكافرين، وليس هو سبحانه وتعالى في حاجة إلينا لينتصر على أعدائه أو المشركين به من اليهود والأمريكان والروس، أو غيرهم من أمم الأرض الذين جحدوا وحدانيته واجتاحوا بلاد المسلمين، إنما كان من فضله علينا وجوده وكرمه أن عملنا جنودا عنده سبحانه وتعالى، وإنما نحن كمن يستر القدرة ويأخذ الأجرة، فنحن نستر قدرة الله سبحانه وتعالى في هزيمته للكافرين، ونأخذ الأجر على الثبات في هذا الموقف أمام الكفار.

والذي يقول بأن الموقف في الماضي مخالف عن الموقف في الحاضر، أو أن حروب الماضي مختلفة بالكلية عن حروب الحاضر وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي نصر الصحابه ونصر من تبعهم بإحسان وإلى يوم الدين، من يرى هذا كأنه يقول وحاشا لله من هذا بأن الله كان قادرا على عاد وثمود وفارس والروم، ولكنه ونعوذ بالله من ذلك ليس بقادر على أمريكا واليهود وروسيا ومن حالفهم أو شايعهم من الأمم الحاضرة المقاتلة لأمة الاسلام.

يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حكاية عن الأمم العاتية السابقة [فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ] {فصِّلت15} .

ويقول أيضا في وصف حال الكافرين [اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا] {فاطر 43 ،44}.

لكن المهم والذي من المفترض أن يشغل بال المسلم الحريص على دينه هو معرفة دوره هو في هذا القيام وهذه الدعوة، ومعرفة دوره في انتصار مثل انتصار الزلاقة أو غير الزلاقة من مواقع المسلمين الخالدة.

فإن كان قيام أمة المسلمين بنا فنحن مأجورون على ذلك حتى ولو لم نرى نصرا، وإن كان القيام بغيرنا فقد ضاع منا الأجر، حتى ولو كنا معاصرين لذلك النصر وذاك التمكين، وهذا هو الذي يجب أن يستحوذ على أذهان المسلمين، وأن يعملوا ليكون لهم دور في إعادة بنيان هذه الأمة بعد ذاك السقوط الذي تحدثنا عنه.

الموقف بعد الزلاقة وقفة تحليلية
كانت الزلاقة- كما ذكرنا- في سنة تسع وسبعين وأربعمائة من الهجرة، وبعدها بما يقارب الثلاثة أشهر مات كمدا وحزنا ألفونسو السادس قائد النصارى في هذه المعركة بعد تلك الهزيمة الساحقة التي نالته، والتي راح ضحيتها تقريبا كل الجيش الصليبي، وبترت فيها ساقه.

وقبل موته استخلف ألفونسو السادس ابنه على الحكم، ومع أن الاستخلاف كان سريعا إلا أن النصارى لم يستطيعوا أن يقيموا لهم قوة لمدة عشرين سنة تالية أو أكثر من ذلك؛ حيث لم تحدث مواقع بين المسلمين وبين النصارى إلا بعد سنة خمسمائة من الهجرة، أي بعد حوالي اثنتين وعشرين سنة من الزلاقة.

وعلى الجانب الآخر فقد ظل يوسف بن تاشفين رحمه الله في الحكم حتى وفاته سنة خمسمائة من الهجرة عن مائة عام كاملة، وقد استُخلف على دولة المرابطين من بعده ابنه عليّ بن يوسف بن تاشفين.

حاول المرابطون بعد دخولهم الأندلس تحرير الأراضي الأندلسية التي أُخذت من المسلمين على مدار السنوات السابقة، فحاربوا في أكثر من جبهة، واستطاعوا أن يحرروا سرقسطة في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس ويضمونها إلى بلاد المسلمين، وقد اقتربت حدود دولة المرابطين من فرنسا.

كما حاولوا كثيرا تحرير طليطلة (وكانت كما ذكرنا من قبل أنّها من أكثر وأشد مدن الأندلس حصانة على الإطلاق) لكن الحق أنهم فشلوا في هذا الأمر وإن كانوا قد أخذوا معظم القرى والمدن التي حولها.

المرابطون ومواصلة الانتصارات
بعد موت يوسف بن تاشفين بعام واحد، وفي سنة إحدى وخمسمائة من الهجرة، وبعد ما يقرب من اثنتين وعشرين سنة من الزلاقة، تدور واحدة من أضخم المواقع بين المسلمين وبين النصارى، وهي التي سميت في التاريخ بموقعة أقليش، وقد تولى القيادة فيها على المسلمين عليّ بن يوسف بن تاشفين، وتولى القيادة على الصليبيين ابن ألفونسو السادس، وانتصر المسلمون أيضا انتصارا ساحقا في هذه الموقعة، وقُتل من النصارى ثلاثة وعشرون ألف نصراني.

استمرت انتصارات المسلمين بعد هذه المعركة تتوالى، ففي عام تسعة وخمسمائة من الهجرة استطاع المسلمون أن يفتحوا جزر البليار، تلك التي كانت قد سقطت من جديد في عهد ملوك الطوائف، وقد أصبح المسلمون يسيطرون على جزء كبير جدا من أراضي الأندلس تحت اسم دولة المرابطين.

وفي سنة اثنتي عشرة وخمسمائة من الهجرة تحدث في داخل بلاد المغرب وفي عقر دار المرابطين ثورة تؤدي بأثر سلبي إلى هزيمتين متتاليتين لهم في بلاد الأندلس، كانت الأولى هزيمة قاتندة، والثانية هزيمة القُليّعة.

المرابطون الهزيمة والانحدار.. وقفة متأنية
على إثر قيام ثورة في المغرب في عقر دار المرابطين، وعلى إثر هزيمتين متتاليتين لهم في الأندلس من قِبل النصارى، يحق لنا أن نتساءل لماذا تقوم الثورة في هذا الوقت في دولة المرابطين؟! ولماذا هذا الانحدار وتلك الهزائم المتتالية؟!

وفي تحليل موضوعي لهذه الأحداث نعود بالتاريخ إلى بداية نشأة دولة المرابطين وقيامها، ففي سنة أربعين وأربعمائة من الهجرة، وحيث قدوم الشيخ عبد الله بن ياسين، ظلت الأمور بعدها تتدرج ببطء حتى دخل أبو بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله مع الشيخ عبد الله بن ياسين وحدثت انفراجة قليلة للمسلمين كانت غير متوقعة في ذلك الوقت، حدث بعدها انتشار بطيء ثم انتشار سريع، ثم فتح عظيم وتمكين، ثم دنيا وسلطان وعز كبير للمسلمين، حتى عام تسع وخمسمائة من الهجرة كما رأينا سابقا.

ومن خلال واقع دراستنا تلك، ومن خلال واقع تاريخ المسلمين قبل ذلك، ما الذي يمكن أن نتخيله بعد هذا؟!

فمنذ سنة أربعين وأربعمائة من الهجرة ولمدة سبعين سنة، وحتى سنة تسع وخمسمائة من الهجرة حيث الانتصارات المتتالية، وحيث العلو والارتفاع، وحيث الأموال والغنائم والقصور، وحيث الدنيا التي فتحت على المسلمين، والتي وصلوا فيها إلى درجة عالية من العز والسلطان والتمكين، فما هو المتوقع بعد ذلك، وما هي الأحداث الطبيعية التي من الممكن أن تحدث كما سبق ورأينا؟!

لا شك أن الشيء الطبيعي والمتوقع حدوثه هو حصول انكسار من جديد للمسلمين، وحدوث فتنة من هذه الدنيا التي فتحت على المسلمين، وفتنه من هذه الأموال التي كثرت في أيديهم.

وقد يتساءل البعض هل من المعقول بعد انتصارات أبو بكر بن عمر اللمتوني، وانتصارات وأعمال يوسف بن تاشفين، وبعد الزلاقة، هل من المعقول بعد كل هذا أن يحدث انكسار للمسلمين؟!

وفي معرض الرد على هذا فكيف نتعجب حدوث هذا الانكسار الذي حدث بعد وفاة يوسف بن تاشفين، ولا نستغربه وقد حدث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متجسدا في الردّة الكبيرة التي حدثت بين المسلمين؟! وهو بلا شك أعظم تربية وأقوى أثرا من يوسف بن تاشفين ومن على شاكلته، وخاصة إذا كانت هناك شواهد بينة لهذا الانكسار وتلك الرجعة.

شواهد الانكسار في دولة المرابطين
كدورة طبيعية جدا من دورات التاريخ، ومما لا يعد أمرا غريبا أو غير متوقعا، كانت هناك شواهد بينة لانكسار وتراجع دولة المرابطين عما كانت عليه قبل ذلك، نستطيع أن نجملها فيما يلي

أولا فتنة الدنيا وإن ظل أمر الجهاد قائما
بالرغم من عدم توقف الجهاد، وبالرغم من صولات وجولات علي بن يوسف بن تاشفين التي كانت له مع النصارى وفي أكثر من موقعة، إلا أن المرابطين كانوا قد فتنوا بالدنيا، وهو يعد في بادئ الأمر شيء غريب جدا،

وفي تحليل لمنشأ هذا الشاهد وُجد أن سببه خطأ كبير جدا كان قد ارتكبه المسلمون في دولة المرابطين وهم عنه غافلون، وليت العظة تكون لنا منه، فجعلوا جل اهتمامهم التركيز على جانب واحد من جوانب الإسلام وتركوا أو أهملوا الجوانب الأخرى، فقد انشغل المرابطون في أرض الأندلس وفي بلاد المغرب وما حولها من البلاد، انشغلوا بالجهاد في سبيل الله عن تعليم الناس وتثقيفهم أمور دينهم، ومهمة التعليم بالذات مهمة شاقة جدا خاصة في هذا الزمن؛ فالناس بطبيعتها متفلّتة من التعلم ومن الالتزام بتعاليم الدين، والناس بطبيعتها لا تحب من يأتي لها بقوانين وبرامج تربوية تعتقد أنها في غنى عنها، ومن ثم كان لا بد وأن يتضاعف المجهود الضخم الذي يُبذل من أجل هذه المهمة، حتى تتعلم الأمة أمور دينها، وتعرف ما يجوز وما لا يجوز، وتعرف الواجبات من المحرمات من المستحبات، وقد انشغل المرابطون بالجهاد في سبيل الله عن غيره من المهمات ذات الأولوية المطلقة مثل قضية التعليم تلك، ولم يعد الأمر مثل ما كان عليه عهد عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين في حرصهم على تعليم الناس وتفقيههم أمور دينهم، وجعلهم كُلّا في رباط وكُلّا في مهمة منوطة به عليه أن يؤديها.

شُغل المرابطون بالجهاد عن إدارة الحكم وعن السياسة داخل البلاد، شغلوا بالأمور الخارجية عن الأمور الداخلية، والإسلام بطبيعته دين متوازن ونظام شامل لا يغلّب جانبا على جانب، وقد رأينا مثال ذلك واضحا في تلك الدولة المتوازنة التي أقامها عبد الرحمن الناصر رحمه الله في نواحي العلم والجهاد والاقتصاد والقانون والعمران والعبادة، وكل شيء، حيث الدولة التي تسد حاجات الروح والجسد، فسادت وتمكنت وظلت حينا من الدهر،

ومثلها أيضا كانت بداية دولة المرابطين وإقامة الجماعة المتوازنة على يد الشيخ عبد الله بن ياسين، تلك التي اهتم في قيامها بكل جوانب الحياة وعوامل ومقومات الدولة المتكاملة، التي تعطي كل جانب من مقوماتها قدرا مناسبا من الجهد والوقت والعمل، فتعلموا أن يكونوا فرسانا مجاهدين ورهبانا عابدين، كما تعلموا أن يكونوا سياسيين بارعين، ومتعاونين على منهج صحيح من الإسلام وأصوله، لكن أن يوجه المسلمون كل طاقاتهم إلى الجهاد في سبيل الله في سنة خمسمائة من الهجرة وما بعدها، ويتركوا أمور السياسة الداخلية وتثقيف الناس وتعليمهم أمور دينهم، فتلك هي قاصمة الظهر ومهبط التل.

ثانيا كثرة الذنوب رغم وجود العلماء
كثرت الذنوب جدا في أرض دولة المرابطين، سواء أكان ذلك في الأندلس أم في أرض المغرب، مع وجود علماء كثيرين في ذلك الوقت، وكثرة الذنوب كان أمرا طبيعيا خاصة بعد أن فُتحت البلاد وكثرت الأموال؛ وذلك لأن معظم الذنوب تحتاج إلى أموال كثيرة جدا لاقترافها، فالخمر والمخدرات والملاهي الليلية، ذنوب تحتاج إلى كثير مال للحصول عليها واقترافها، تلك الأموال التي لو كثرت ما برحت هذه الذنوب تكثر وتصير إلفا بين الأقران، وأصحاب النفوس الضعيفة الذين كانوا يقطنون في دولة المرابطين (في المغرب) كانوا يفكرون في الذنوب لكن لا يقدرون عليها، أما الآن وقد فُتحت الدنيا عليهم وكثرت الأموال في أيديهم، فتحركت هذه النفوس الضعيفة ناحية الذنوب، وبدأت ترتكب من الذنوب والكبائر ألوانا وأشكالا.

ولا شك أنه كان هناك الغني الشاكر، لكن الحق أن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة، والأصل أن الناس جميعا يُفتنون بالدنيا ويقعون في الذنوب إذا كثر المال في أيديهم، يقول سبحانه وتعالى في معرض قصة نوح عليه السلام [فَقَالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ] {هود27} . والأراذل هم ضعاف الناس وبسطاء القوم وفقراؤهم، وهم الذين اتبعوا نوحا عليه السلام، واتبعوا الرسل من بعده، واتبعوا كل الدعاة إلى يوم القيامة،

ومن هنا فإن كثرة الذنوب أمر طبيعي ومتوقع كنتيجة مباشرة لكثرة الأموال، لكن أين العلماء الكثيرون المنتشرون في بلاد الأندلس وبلاد المغرب العربي في ذلك الوقت؟!

كيف تفتن الناس بالدنيا والجهاد رايته خفاقة، وكيف تكثر الذنوب رغم وجود العلماء الأجلاء؟!

وواقع الأمر أن العلماء هم الذين يقع على عاتقهم العبء الأكبر من هذا التدني وذاك الانحدار، إذ نراهم وقد انشغلوا بفرعيات الأمور وأغفلوا أساسياتها، طرقوا المهم وتركوا الأولى والأهم، أخذوا يؤلفون المؤلفات ويعقدون المناظرات ويقسمون التقسيمات في أمور لا ينبني عليها كثير عمل ولا كثير جدوى، بينما أغفلوا أمورا ما صح لهم أبدا أن يتركوها أو يغفلوها، شغلوا أنفسهم بوضع اليد أثناء الصلاة، هل توضع على الصدر أم على البطن؟ وإذا كانت على الصدر ففي أي مكان منه؟ وكيف يكون وضع السبابة أثناء التشهد؟ هل ترفع من بداية التشهد أم من منتصفه؟ وهل ترفع ساكنة أم متحركة؟ وإذا كانت متحركة فهل حركتها رأسية أم هي دائرية؟ ثم ما هو معدل الحركة أسريع هو أم بطيء؟

وهذا بخلاف المناظرات والمجادلات الحادة والطويلة في أمر الخوارج والشيعة والمرجئة والمعطلة والمشبهة والمجسمة، وغيرها من الأسماء والفرق التي ما كان يراها المسلمون أو يسمعون عنها، أخذوا يُنقّبون في الكتب ويبحثون عن كل غريب من أجل هذه المناظرات وتلك المجادلات التي لا نهاية لها، والتي لم يفتحها عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم.

النتائج التي تربت على تعمق العلماء في الفروع دون الأصول
كان اتجاه العلماء في ذلك الوقت إلى التعمق في الفروع وإهمال الأصول كمن ترك لجة البحر واتجه إلى القنوات الفرعية، فأنى له الوصول وأنى لعمله الفائدة المرجوة منه؟! فكان وكنتيجة طبيعية لذلك أن نتج عن هذا القلب الخاطئ وذاك التعمق في الفروع تلك الأمور الخطيرة التالية

أولا جدال عظيم بين العلماء والعامة
وذلك أن العلماء لم يفهموا أو لم يستطيعوا أن يتفهموا حاجة العامة، كما لم تعرف العامة ما يتنطع به العلماء، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر وأحكم الخلق يتكلم بالكلمة فيفهمه علماء الصحابة ويفهمه الأعرابي البسيط، كما كان يفهمه الرجل وتفهمه المرأة والكبير والصغير كل على حد سواء.

ثانيا عزلة العلماء عن مجتمعاتهم
باتجاه العلماء إلى دقائق الأمور من الفروع لم يعد يشغلهم بال مجتمعاتهم، ولم يعودوا هم يعرفون شيئا عما يدور فيها وما يحل بها من مصائب وذنوب، فتوسعت الهوة كثيرا بينهم وبين مجتمعاتهم، وحدث بذلك عزلة خطيرة لهم في عهد المرابطين الأخير، فكانت الخمور تباع وتشترى بل وتصنّع في البلاد ولا يتكلم أحد، وكانت الضرائب الباهظة تفرض على الناس غير الزكاة وبغير وجه حق ولا يتكلم من العلماء أحد، وكان ظلم الولاة لأفراد الشعب ولا يتكلم من العلماء أحد، وكانت هناك ملاهي الرقص لا تتستر بل تعلن عن نفسها بسفور ولا يتكلم من العلماء أحد، وإنه لعجب والله أن تحدث مثل هذه الأمور في هذا الزمن (من بعد سنة خمسمائة من الهجرة) وتلك الدولة المرابطية، فقد كانت النساء تخرج سافرات بلا حجاب والعلماء لاهون بالحديث عن المرجئة والمعطلة وغيرها من أمور الجدال والفرقة، ويعتقدون أن مثل هذه الأمور هي التي يجب أن يشغل بها المسلمون، وغيرها هي الأقل قيمة من وجهة نظرهم.

ثالثا أزمة اقتصادية حادة
كان من بين شواهد الانكسار الأخرى في نهاية دولة المرابطين، وبعد فتنة الدنيا والمال، وغياب الشمولية، وكثرة الذنوب، وجمود الفكر عند العلماء وانعزالهم عن المجتمع كان فوق كل هذه الأمور أن حدثت أزمة اقتصاديّة حادة في دولة المرابطين؛ حيث غاب المطر لسنوات وسنوات، فيبست الأرض وجف الزرع وهلكت الدواب، وقد يرى البعض أن هذا من قبيل المصادفة البحتة والعجيبة في نفس الوقت، لكنها والله ليست مصادفة بل هي في كتاب الله عز وجل ومن سننه الثوابت، يقول تعالى في كتابه الكريم [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {الأعراف96}.

وهذا كلام نوح عليه السلام في حديثه لقومه حيث يقول [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُم ْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا] {نوح10 ،11 ،12 ،13} .

فالله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمنين دائما بالقحط وبالأزمات الاقتصادية الحادة عندما يبتعدوا عن طريقه وعن نهجه القويم الذي رسمه لهم، ومن هنا فلو لوحظ تدهور في الحالة الاقتصادية لأحد البلدان أو المجتمعات، وبدأت الأموال تقل في أيدي الناس، وبدءوا يعملون لساعات وساعات ولا يحصل لهم ما يكفي لسد رمقهم أو ما يكفي لعيشهم عيشة كريمة، فاعلم أن هناك خللا في العلاقة بين العباد وربهم سبحانه وتعالى، وأن هناك ابتعاد عن منهجه وطريقه المستقيم؛ إذ لو كانوا يطيعونه لبارك لهم سبحانه وتعالى في أقواتهم وأرزاقهم.

وبالطبع تلا هذه الأحداث التي وقعت في بلاد المرابطين هزائم متعددة من قِبل النصارى، فكانت كما ذكرنا موقعة قاتندة في سنة أربع عشرة وخمسمائة من الهجرة، والتي هُزم فيها المسلمون هزيمة منكرة، ومثلها وبعدها أيضا كانت موقعة القُليّعة في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة من الهجرة، مُني فيها المسلمون أيضا بالهزيمة المنكرة.

محمد بن تومرت وبداية الثورة الإصلاحية
كانت البلاد تتجه بقوة صوب هاوية وكارثة محققة، وكان لا بد وأن يقوم مصلحون من جديد يعدلون المسار نحو الجادة، ونحو طريق الله سبحانه وتعالى وطريق رسوله صلى الله عليه وسلم، فقام رجل من قبائل مصمودة البربريّة يُدعى محمد بن تومرت، والذي قال عنه البعض بأنه عربي، بل وهناك من نسبه إلى القرشيّة، لكن غالب الأمر أنه من قبائل البربر في هذه المنطقة، قام في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة من الهجرة بثورة إصلاحية في دولة المرابطين، كان منهج محمد بن تومرت في التغيير والإصلاح مختلفا بالكلية عن منهج الشيخ عبد الله بن ياسين رحمه الله فقد ولد محمد بن تومرت المصمودي سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة من الهجرة، ونشأ في بيت متدين في قبيلة مصمودة، وقد ظلّ في هذا البيت إلى سنة خمسمائة من الهجرة، وكان قد بلغ من العمر آنذاك سبع وعشرين سنة، ولأنه كان شغوفا بالعلم، ولأنه كان من عادة العلماء في ذلك الزمن أنهم يتجولون ويسيحون في سائر الأرض يتعلمون من علماء المسلمين في مختلف الأقطار، سافر محمد بن تومرت في سنة خمسمائة من الهجرة إلى قرطبة وتلقى العلم هناك، ثم لم يكتف بذلك بل عاد وسافر إلى بلاد المشرق، فذهب إلى الأسكندرية ثم إلى مكة حيث أدى فريضة الحج، وهناك أخذ يتعلم على أيدي علماء مكّة فترة من الزمان، ثم رحل إلى بغداد وقضى فيها عشر سنوات كاملة يتلقى العلم على أيدي علماء بغداد جميعهم، وقد كانت تموج آنذاك بتيارات مختلفة من علماء السنة وعلماء الشيعة والمعتزلة وغيرهم الكثير ممن أخذ وتلقى على أيديهم العلم.

ذهب محمد بن تومرت بعد ذلك إلى الشام، وفيها تلقى العلم على أيدي أبي حامد الغزالي رحمه الله وعاد بعدها إلى الأسكندرية ثم إلى بلاد المغرب العربي، يقول ابن خلدون يصف محمد بن تومرت بعد عودته تلك في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة من الهجرة، حيث كان قد بلغ من العمر تسعا وثلاثين سنة، يقول أصبح محمد بن تومرت بحرا متفجرا من العلم وشهابا في الدين. يعني أنه جمع علوما كثيرة وأفكارا جمة من تيارات مختلفة من تيارات المسلمين، وأصبح بالفعل من كبار علماء المسلمين في هذه الآونة.

محمد بن تومرت ونهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
في طريق عودته من بلاد العراق والشام مكث محمد بن تومرت فترة في الأسكندريه يُكمل فيها تعليمه، وهناك بدأ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن خلال سيرته ورغم أنه- كما ذكرنا- كان عالما كبيرا إلا أنه كان يتصف بصفة قلما نجدها عند أمثاله من العلماء، وهي مما يثير الدهشة وتدعو إلى التعجب، ذلك أنه كان شديدا جدا في إنكار المنكر والأمر بالمعروف، شدة تصل إلى حد التنفير، فكان ينفر عنه كثير من الناس حينما يأمرهم بالمعروف أو يناهم عن المنكر، وصلت حدته وفظاظته في دعوته تلك إلى الدرجة التي جعلت أهل الأسكندرية يطردونه منها ويلقون به في سفينة متجهة إلى بلاد المغرب العربي، وعلى السفينة أيضا ظل محمد بن تومرت على حدته في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى منع الخمور على ظهر السفينة وأمر بقراءة القرآن.

وبالطبع فقد كان الناس على السفينة بعيدين تمام البعد عن المنهج الإسلامي، فاشتد عليهم واختلف معهم كثيرا، الأمر الذي دفعهم إلى إلقائه في عرض البحر وتركوه وساروا إلى بلاد المغرب، وبعد فترة من السباحة جانب السفينة أشفقوا عليه ورقوا لحاله، ومن ثم فقد أخذوه معهم مرة ثانية شريطة أن يظل صامتا إلى أن يصل إلى بلاد المغرب العربي، وفي تونس تنتهي رحلته فينزل إلى بلد تسمى المهدية، وهناك وكالعاده بدأ من جديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبنفس الطريقة التي كان قد سلكها قبل ذلك، وكردٍّ طبيعي من قِبل الناس نفروا منه وبعدوا عن طريقته، فقد كان محمد بن تومرت يريد تغيير المنكر كله تغييرا جذريا ودفعة واحدة وسريعا.

والحق أن هذا أمر مخالف لسنن الله تعالى؛ فحين بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في مكة ما أُمر وما سعى إلى هذا التغيير المفاجئ الجذري، بل إن الأمور كانت تتنزل عليه صلى الله عليه وسلم من عند الله سبحانه وتعالى بصورة متدرجة، فقد نزل أمر اجتناب الربا على درجات متسلسلة ومراعية التدرج مع الناس، وكذلك كان الأمر في تحريم الخمور وتجريمها، والناس قبل لم تكن تعرف لكليهما حرمة، حتى في أمر الجهاد والقتال في سبيل الله؛ فلم يتنزل هذا التكليف دفعة واحدة.

تلك الأمور التي فقهها جيدا عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين تولى الخلافة، فقد كان هناك كثير من المنكرات في دمشق وما حولها من البلاد، وكان ابن عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديدا في الحق، فأراد أن يغير كل هذه المنكرات مستقويا بسلطان أبيه، إلا أنه وجد أن أباه عمر بن عبد العزيز يسير فيها بطريقة متدرجة فشق ذلك عليه، فذهب إليه وقال له يا أبي، أنت تملك الأمور الآن، ولك هيمنة على بلاد المسلمين، فيجب أن تغير هذا المنكر كله وتقيم الإسلام كما ينبغي أن يُقام، فقال له عمر بن عبد العزيز رحمه الله يا بني، لو حملت الناس على الحق جملةً واحدة تركوه جملةً واحدة.

لكن محمد بن تومرت لم يكن ينحو مثل هذا النهج ومثل تلك الخطى، إنما يريد أن يغير كل شيء تغييرا جذريا، بل وبأسلوب فظ شديد، وقد قال جل شأنه يخاطب نبيه الكريم [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] {آل عمران159} . خطاب لشخصه صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي وأحكم الخلق وأعلم البشر جميعا، إن دعوت إلى الله سبحانه وتعالى بفظاظة وغلظة انفضّ الناس عنك، فما البال وما الخطب بعموم الناس من دونه؟!

محمد بن تومرت وعبد المؤمن بن عليّ ولقاء الأفكار الثورية
عندما كان في تونس وفي المهديّة قابل محمد بن تومرت رجلا كان يبغي ما كان يبغيه هو في أول رحلته في طلب العلم إلى الأقطار الإسلامية المختلفة، ذلك الرجل كان يُدعى عبد المؤمن بن عليّ، وفي أول لقاء له به سأله عن سبب تركه لبلاد المغرب العربي وسياحته في البلاد، فأجابه بأنه يبحث عن العلم والدين، فرد عليه محمد بن تومرت بأن بضاعتك وما تبغيه لديّ وعندي، فالتقيا كثيرا، وقد أخذ محمد بن تومرت يعلمه من علمه ما أعجب عبد المؤمن بن علي كثيرا، وتآخيا في الله، وظلا سويا في طريقهما لم يفترقا حتى مات محمد بن تومرت على نحو ما سيأتي بيانه.

تعلم العلم عبد المؤمن بن علي من محمد بن تومرت مع الطريقة الفظة في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدآ يدعوان إلى الله سبحانه وتعالى في بلاد المغرب العربي، وقد انضم إليهما خمسة آخرون وأصبحوا بذلك سبعة أفراد بمحمد بن تومرت نفسه، وعلى هذا الحال وجد محمد بن تومرت ومن معه أن المنكرات قد كثرت بصورة لافتة في بلاد المرابطين، ووجد أن الخمور قد تفشت حتى في مراكش، تلك العاصمة التي أسسها يوسف بن تاشفين رحمه الله من قبل وكانت ثغرا من ثغور الإسلام، كما رأى الولاة وقد بدأوا يظلمون الناس ويفرضون عليهم الضرائب، ويأكلون أموال اليتامى، ووجد أيضا ذاك السفور والاختلاط وقد انتشر وصار شيئا مألوفا بين الناس، حتى إنه شاهد بنفسه امرأة سافرة وقد خرجت في فوج كبير وعليه حراسة مما يماثل أفواج الملوك، وحينما سأل عن صاحبة هذا الفوج وتلك المرأة السافرة علم أنها ابنة عليّ بن يوسف بن تاشفين، ابنة أمير المسلمين.

محمد بن تومرت وفكرته في التغيير
لا بد من تغيير لهذا الوضع المخزي، كانت هذه هي الفكرة التي اختمرت واستحوذت على رأس محمد بن تومرت، فجلس مع أصحابه وعددهم ستة نفر، ثم عرض عليهم فكرته في التغيير، فكان رأيه أن المعاصي والمنكرات قد استشرت في بلاد المرابطين، وأن السيل قد بلغ الزبى، وأن الحل في هذا الأمر هو أن نبدأ بالرأس ونُقصي الحكام عن الحكم، فنبدأ بعليّ بن يوسف بن تاشفين ومن معه من الحكام والولاة وقادة الجيش، فنخرج عليهم فنقصيهم عن الحكم، ومن ثم فيكون الأمر في أيدينا فنستطيع أن نغير في البلاد وفق ما يقتضيه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

يريد محمد بن تومرت أن يختصر طريق التربية ويختصر الطريق الطويل الذي بدأه عبد الله بن ياسين من قبل، والذي سار فيه سنوات وسنوات حتى تمكن من الأمور، يريد إقصاء علي بن يوسف بن تاشفين ومن معه ثم بعد أن يتملك الأمور يبدأ في تعليم الناس من فوق كرسي الحكم وبسلطان القانون.

وإذا أكملنا السير مع محمد بن تومرت فإن عليّ بن يوسف بن تاشفين كان يقيم شرع الله سبحانه وتعالى وكان يجاهد في سبيل الله، إلا أنه كانت تشوبه بعض التجاوزات والمخالفات مثل التي ذكرناها وهذه المخالفات لم تكن تعطي الحق لمحمد بن تومرت ومن معه أيا كانت نواياهم فيما يبدو لنا، وأيا كان تقشفهم وزهدهم وعلمهم الغزير أن يخرجوا عليه، بل كان عليهم أن يُقيموا الأمر من جديد، وأن يعاونوه على العوده إلى طريق الإسلام الصحيح، وكان عليهم تعليم الناس وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة.

ولننظر إلى تغيير رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة، وحين خالفه المشركون في مكة، فقد كان من الممكن أن يفعل الأمر نفسه الذي فكّر فيه محمد بن تومرت، كان من الممكن أن يوصي عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوّام وطلحة بن عبيد الله أن يقوم كل منهم فيقتل رجلا من صنانيد قريش، ثم يتولى هو الحكم في مكة ومن ثم يقيم شرع الله سبحانه وتعالى.

ولأنها ليست سنة الله في التغيير لم يتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أخذ يربي الناس بالتدريج سنة بعد سنة بعد سنة، حتى قضى ثلاث عشرة سنة في مكة على هذا الحال، ثم هاجر إلى المدينة المنورة وتابع مسيرته في تربية الناس بالتدريج، حتى كانت موقعة بدر مع الكافرين وتلتها المواقع الكثيرة التي أصقلت معادن المؤمنين، حتى تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من السيطرة على الأمور كلها في جزيرة العرب، واستطاع أن يُنشئ جيلا من الرجال على طراز فريد من نوعه، استطاعوا من بعده أن يحملوا الرسالة إلى أهل الأرض قاطبة.

بين علي بن يوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت
كان ما سبق هو المنهج الذي سلكه محمد بن تومرت قاصدا به الإصلاح والتغيير، وهو بلا أدنى شك مخالف تماما للنهج القويم ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل ذاته على نحو ما رأينا.

سمع عليّ بن يوسف بن تاشفين بمحمد بن تومرت وعلم أنه يدعو الناس إلى الخروج عليه، وبمنطق سليم فكر في عقد مناظرة بينه (محمد بن تومرت) وبين علماء دولة المرابطين، يكون مقرها قصر الخليفة نفسه.

قدم محمد بن تومرت على رأس أتباعه الستة، وأتى علماء المرابطين وكان على رأسهم كبير العلماء وقاضي القضاة مالك بن وهيب، وبدأ الفريقان في المناظرة.

ونظرة أولية إلى فكرة عقد مثل هذه المناظرة ليوحي بأن عليّ بن يوسف بن تاشفين كان رجلا ما زال يحمل من الخير الكثير، وإلاّ وعلى أقل تقدير كان من الممكن أن يفتعل مثل هذه المناظرة ويقوم بعدها بسجن محمد بن تومرت أو قتله أو فعل أي شيء آخر من هذا القبيل، خاصة وهو ذلك الثائر على الحاكم، والذي يريد قلب وتغيير نظام الحكم، الأمر الذي سيزداد تأكيدا في نهايه هذه المناظرة في صالح الأمير على نحو ما سيأتي.

وفي هذه المناظرة تفوّق محمد بن تومرت على علماء دولة المرابطين تفوقا ملحوظا، فقد كان كما ذكرنا من كبار العلماء المتشبعين بالعلم، وكان كما وصفه ابن خلدون بحرا متفجرا من العلم وشهابا في الدين، وهو الذي أمضى عشر سنين في بغداد يتعلم علم المجادلة وفنون المحاورة على يد العقليين من المعتزلة وغيرهم، استطاع محمد بن تومرت أن يحاجّ علماء دولة المرابطين جميعا في كل القضايا التي أثيرت بينه وبينهم، حتى بكى عليّ بن يوسف بن تاشفين في مجلسه لما رأى من كثرة المعاصي في دولته وهو لا يدري عنها شيئا، أو هو يدري عنها لكنه لم يغيرها، بكى من الخشية لما سمع حجج وأقاويل محمد بن تومرت، لكن ذلك لم يشفع له عنده وظلت الحدة واضحة جلية في كلامه وحديثه مع الأمير، كان علماء الدولة ووزراؤها يعلمون أنه يحرّض الناس على الخروج على الحاكم، فأسر مالك بن وهيب قاضي القضاة في أذن عليّ بن يوسف بن تاشفين بأن عليه أن يعتقل هذا الرجل وينفق عليه دينارا كل يوم في السجن وإلا ستمر عليك الأيام فتنفق عليه كل خزائنك دون أن تقدر عليه، لكن الوزير أشار على علي بن يوسف بن تاشفين بعدم فعل ذلك حتى لا يكون متناقضا مع نفسه، خاصة وأنه جلس في مجلسه وبكى من خشية الله سبحانه وتعالى حين سمع كلماته، فلا يُعقل أن تأتي بعد ذلك وتعتقله، فتحدث بذلك بلبلة عند عموم الناس، كما أنه بمن معه سبعة نفر فقط أما أنت فحاكم دولة ضخمة وهي دولة المرابطين، فكيف تخشى من هذا الرجل؟!

وازن عليّ بن يوسف بن تاشفين بين رأي مالك بن وهيب قاضي القضاة وبين رأي الوزير، واستقر أخيرا على إطلاق سراح محمد بن تومرت تأثما أن يحبسه دون وجه حق، فالرجل كان ما زال به خير، وكان من الممكن أن يصلح أمره إذا حاول معه محمد بن تومرت ومن معه بالتي هي أحسن، لكنه لم يفعل.









آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:22 AM رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

محمد بن تومرت وجماعة الموحدين
ما إن خرج محمد بن تومرت من مجلس الأمير علي بن يوسف بن تاشفين من مراكش حتى نزل على صديق له في بلد مجاور، وذهبوا بعدها إلى قرية في عمق الجبل اسمها تاين ملل وهي التي ستكون عاصمة للدولة التي سوف يؤسسها محمد بن تومرت بعد ذلك.

كان محمد بن تومرت في الحق زاهدا جدا، وكان لا يحمل في يده إلا العصا ولا يأكل إلا القليل من الطعام، وكان كما ذكرنا صاحب علم غزير، فبدأ الناس في هذه القرية الصغيرة يلتفون حوله ويسمعون لكلامه، وبدأ هو يؤثر فيهم نتيجة طبيعية لما كانوا عليه من المعاصي والمنكرات تلك التي انتشرت في بلاد المرابطين، ثم بدأ يكوّن حوله جماعة بدأت صغيرة وقد سماها جماعة الموحدين، وهي تسمية خطيرة جدا لما سنعلمه بعد قليل.

قويت شوكة محمد بن تومرت، وبمجرد أن قويت شوكته ظهرت عليه انحرافات عقائدية خطيرة، فقد كان لاستقائه العلم من تيارات مختلفة تمثل سنة وشيعة ومعتزلة، وغيرهم في بلاد الشام وبغداد ومكة ومصر وغيرها من البلاد كان من جراء ذلك أن ظهر عليه خليط من العقائد المختلفة، والتي تمثلت فيما يلي
أولا ادّعى العصمة

وكان ادعاء العصمة في الإمامة خاص بطوائف الشيعة، فتأثر بهم وتمثل بهذا الادعاء وهو عصمته من الخطأ.

ثانيا ادعى أن المرابطين من المجسمة

كان المرابطون يثبتون لله تعالى صفاته كما هي، لكن محمد بن تومرت أخذ فكر المعتزلة في نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى وهي قضية جدليّة طويلة لا نخوض في تفصيلاتها، وخلاصة الأمر في ذلك أنه لما أثبت أن المرابطين يُثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى ادّعى أنهم من المجسمة، و تبعا لهذا الادعاء فقد راح يُكفر المرابطين، وادّعى بأن عليّ بن يوسف بن تاشفين ومن معه من الولاة والعلماء، ومن يعمل تحت حكمهم ومن يرضى بحكمهم، هو من الكافرين.

وهذا منحى خطير جدا؛ إذ إنه كفر حكام البلد التي كان يعيش فيها، وهي بلاد الأندلس والمغرب العربي في ذلك الوقت.

ثالثا استحل دماء المرابطين

وتبعا لهذا التكفير السابق استحل محمد بن تومرت دماء المرابطين، ومن ثم فقد أمر بالخروج عليهم وقتلهم، وأنه ليس هناك إثم في ذلك، بل إن قتلهم فيه إحراز لثواب عظيم، وقد كان متساهلا جدا في الدماء، وهي خاصية من خصائص الخوارج الذين تعلم على أيدي بعضهم كما ذكرنا أثناء رحلته لطلب العلم.

وقفة مع محمد بن تومرت وجماعته الموحدة
في جماعته الجديدة كان محمد بن تومرت يقتل العشرات من المخالفين له حتى من فرقته وجماعته (الموحدين)، فالذي يخالفه في الرأي ليس له من دواء إلا القتل، وهو أمر في غاية الغرابة نظرا لما عنده من العلم الغزير، وأغرب منه كان ادعاؤه بعض الخوارق، وأنه هو المهدي المنتظر،

ولا شك في أن يعتقد في صدقه وما يذهب إليه من أقواله تلك كثير من الناس، وذلك كما ذكرنا لانشغال علماء الدولة بالأمور الفرعية عن تعليم هؤلاء الناس أصول العقائد وأصول العبادات، وقد أقاموا (العلماء) جدارا عازلا بينهم وبين العامة الذين لا يعرفون أين الحق وأين الصواب، والذين لا يستطيعون أن يميزوه (الحق) كثيرا عن الباطل،

ومن هنا فحين رأى مثل هؤلاء الناس رجلا مثل محمد بن تومرت في شخص العالم الكبير، وهو يروي من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فلان وفلان، ثم هو يحفظ كتاب الله ويعلم سير الصالحين والسابقين، ويعلم فقه كذا وكذا وكذا، حين رأوا ذلك ما كان منهم إلا أن يسمعوا ويطيعوا لما يقوله وما يمليه عليهم محمد بن تومرت عالمهم ومعلمهم، وقد اعتقدوا جميعا بعصمته واعتقدوا جميعا بحل قتل المرابطين، بل والثواب الجزيل على قتلهم.

ولنا أن نتخيل مثل هذا الأمر في حق المرابطين الذين فتحوا البلاد وأقاموا صرح الاسلام في بلاد المغرب والأندلس لسنوات وسنوات، الآن وبعد ظهور بعض المنكرات في بلادهم، وبعد انشغالهم بالجهاد عن التعليم أصبحوا يُكفّرون ويحل دمهم ويقاتلون من قبل جماعة الموّحدين، ذلك الاسم (الموحدين) الذي فيه إشارة قوية إلى أن غيرهم كفار وليسوا بموحدين أو مسلمين.

المرابطون والموحدون وقتال الأعداء
من هذا المنطلق السابق حمل محمد بن تومرت على عاتقه وجماعته الموحدون أمر مقاتلة المرابطين وسفك دمهم، وقد التقوا مع المرابطين في مواقع عديدة، كان منها تسع مواقع ضخمة جدا انتهت سبع منها بانتصارهم على المرابطين، وهُزموا في اثنتين.

ومن مواقعهم مع المرابطين كان هناك على سبيل المثال واحدة في سنة ثمان عشرة وخمسمائة من الهجرة، قتل فيها من المرابطين خمسة عشر ألف مسلم على أيدي الموحدين، خمسة عشر ألف مسلم ممن كانوا شوكة في عنق النصارى لسنوات وسنوات يقتلهم الموحدون حتى يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويقيموا دولة على نهج الله ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومثلها أيضا كانت موقعة البحيرة أو موقعة البستان، في سنة أربع وعشرين وخمسمائة من الهجرة، والتي انتصر فيها المرابطون على الموحدين، وقتل فيها من الموحدين أربعون ألفا.

وبنظرة إجمالية فإن عدد من قتل من المسلمين في المواقع التي دارت بين المرابطين والموحدين وفي نحو ثمان وعشرين سنة، وذلك منذ سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وحتى قيام دولة الموحدين في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة عدد من قُتل منهم في تلك الفترة يربو على الثمانين ألف مسلم.

قامت دولة الموحدين كما قامت دولة المرابطين من قبل، قامت لكن على أشلاء ثمانين ألف مسلم، وكان هذا هو الطريق الذي سلكه محمد بن تومرت ومن معه، وكان هذا نهجهم في التغيير والإصلاح.

وكنا قد رأينا سابقا كيف كان الطريق الذي سار فيه الشيخ عبد الله بن ياسين ومن معه، وقد وصل الاثنان إلى قيام دولة وتأسيس حكم، لكن شتان بين أحداث ونتائج قيام كل منهما، وشتان بين كلا المنهجين في القيام، وإنا لنعجب كيف يسير محمد بن تومرت في مثل هذا الطريق وقد رسم له السابقون قبلا الطريق الصحيح الذي ليس فيه دماء تراق، وليس فيه قتل وذبح لأمة كبيرة من المجاهدين مثل أمة المرابطين.

عبد المؤمن بن علي وأفول نجم المرابطين وبزوغ نجم الموحدين
في سنة أربعة وعشرين وخمسمائة من الهجرة وبعد موقعة البحيرة يموت محمد بن تومرت، وإلى آخر لحظة من حياته يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويأمرهم باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع نهج الخلفاء الراشدين، وعدم النقوص أبدا عن الجهاد في سبيل الله، لكن على فهمه وعلى طريقته.

وقبل موته أمر الناس أن يسمعوا ويطيعوا لعبد المؤمن بن عليّ من بعده (الرجل الذي قابله لأول مرة في مدينة المهدية في بداية طريقه لدعوته سنة اثنتي عشرة وخمسمائة)، أمرهم أن يسمعوا ويطيعوا له ما أطاع الله فيهم، فإن بدل فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هكذا كان يأمر أتباعه قبل موته محمد بن تومرت.

ومن بعده تولى عبد المؤمن بن عليّ مقاليد الأمور في جماعة الموحدين في سنة أربع وعشرين وخمسمائة من الهجرة، واستمر يقود الجماعة على النهج السالف إلى أن سقطت دولة المرابطين السنيّة المجاهدة بالكلية في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة على إثر مجزرة شديدة داخل مراكش، قتل فيها معظم المرابطين الذين كانوا بالمدينة المذكورة، وتملّك الموحدون الحكم في البلاد






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:22 AM رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

دولة الموحدين

في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة بزغ نجم دولة الموحدين، وكان أول حكامها عبد المؤمن بن عليّ صاحب محمد بن تومرت المؤسس الحقيقي والفعلي لجماعة الموحدين.

أخذ عبد المؤمن بن عليّ من محمد بن تومرت وكذلك أخذ عنه كل أتباعه أسلوب الحدة والغلظة في المعاملة، وتعلم منه التقشف والزهد في الدنيا، وحب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنه كان شخصية قوية مهابة، وكان صاحب جهاد كبير وصولات وجولات، وقد استطاع أن يُقيم دولة قوية تربعت على بلاد المغرب وبلاد الأندلس وهي دولة الموحدين.

مؤسسو الموحدين.. ورهبانية ابتدعوها
في وصف لشخص عبد المؤمن بن عليّ ذكر الذهبي في كتابه العبر، وابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكا عادلا، سائسا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير - وهذا يعني أن لبس الحرير كان عادة وإلفا في زمانه - وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الملك كأنما خُلق له. ثم بعد هذه الأوصاف نجد هذه العبارة التي تحمل كثيرا من علامات الاستفهام، وهي وكان سفّاكا لدماء من خالفه.

ومثل هذه الأوصاف ذكرها ابن كثير أيضا في البداية والنهاية، وأضاف أنه كان يعيبه كثرة سفك الدماء لمن عارضه من أتباعه أو من غير أتباعه.

وهذه بالطبع- وكما ذكرنا- هي تعاليم محمد بن تومرت.

وإضافة إلى هذا المنهج العقيم وتلك الصفة السابقة فقد كان محمد بن تومرت حين يعلم أن أتباعه ينظرون إلى الغنائم التي حصّلوها من دولة المرابطين في حربهم معهم كان يأخذها كلها فيحرقها.. وكان يعذّر بالضرب من يفوته قيام الليل من جماعته. فنشأت جماعة من الطائعين الزاهدين العابدين، لكن على غير نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يحرق الغنائم أو يضرب المتباطئين أو المتثاقلين عن قيام الليل، أو يتبع مثل هذا المنهج وتلك الرهبنة المتشددة، فكره كثير من الناس مثل هذا الأسلوب، لكنهم اتبعوه بحكم أنه الغالب والمتفرد الذي ليس هناك غيره.

وعلى ما يبدو فقد كانت فكرتا العصمة والمهدية التي ادعاهما محمد بن تومرت واقتنع بها أتباعه من بعده لم يكن مقتنعا بهما عبد المؤمن بن عليّ؛ لأنه أبدا ما دعى أيا منهما، ولا أيٍا من فكر الخوارج الذي كان قد اعتقد به أو ببعضه محمد بن تومرت.

وعلى الجانب الآخر فإن عبد المؤمن بن عليّ لم ينف مثل هذه الأفكار الضالة صراحة؛ وذلك لأن غالب شيوخ الموحدين كانوا على هذا الفكر وذلك الاعتقاد، فخاف إن هو أعلن أن أفكار محمد بن تومرت هذه مخالفة للشرع أن ينفرط العقد ويحدث التفكك في هذه الفترة الحرجة من دولة الموحدين.

تداعيات سقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين
متابعة للأحداث بصورة متسلسلة فقد كان لسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين في عام واحد وأربعين وخمسمائة من الهجرة، ومقتل ما يربو على الثمانين ألف مسلم في بلاد الأندلس نتيجة الحروب بينهما - كان لهذه الأحداث العظام تداعيات خطيرة على كل بلاد المغرب العربي والأندلس، وما يهمنا هنا هو ما حدث في الأندلس، فكان ما يلي

أولا بعد قيام دولة الموحدين بعام واحد وفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة من الهجرة سقطت ألمرية في أيدي النصارى، وهي تقع على ساحل البحر المتوسط في جنوب الأندلس، أي أنها بعيدة جدا عن ممالك النصارى، لكنها سقطت عن طريق البحر بمساعدة فرنسا.. وفي ألمرية استشهد آلاف من المسلمين وسبيت أربعة عشر ألف فتاة مسلمة.

ثانيا بعد ذلك أيضا بعام واحد وفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من الهجرة سقطت طرطوشة ثم لاردة في أيدي النصارى أيضا، وهما في مملكة سراقسطة التي تقع في الشمال الشرقي، والتي كان قد حررها المرابطون قبل ذلك.

ثالثا وفي نفس العام أيضا توسعت مملكة البرتغال في الجنوب، وكانت من أشد الممالك ضراوة وحربا على المسلمين.

رابعا بدأ النصارى يتخطون حدود الأندلس ويهاجمون بلاد المغرب العربي، فاحتلت تونس في ذات السنة أيضا من قِبل النصارى، وهي خارج بلاد الأندلس.

ولقد كانت مثل هذه التداعيات شيئا متوقعا نتيجة الفتنة الكبيرة والحروب التي دارت بين المسلمين في بلاد المغرب العربي.

عبد المؤمن بن عليّ وأعمال عظام في المغرب
كان عبد المؤمن بن علي - كما ذكرنا - صاحب شخصية قوية جدا وفكر سياسي عالٍ، فبدأ وبطريقة عملية منظمة وشديدة في تأسيس وبناء دولته الفتية الناشئة، فعمل على ما يلي

أولا أطلق حرية العلوم والمعارف وأنشأ الكثير من المدارس والمساجد، وكان هذا على خلاف نهج محمد بن تومرت صاحب الفكر الأوحد، فأصبح الناس يتعلمون أكثر من طريقة ومنهج وأكثر من فكر وفقه، وأصبحوا لا يرتبطون بقطب واحد كما كان العهد أيام محمد بن تومرت، لكن هذا لم يكن ليغضّ الطرف عن كون عبد المؤمن بن عليّ ذو فرديّة في نظام الحكم والإدارة، أي أنه كان - بلغة العصر - حاكما ديكتاتورا، فردي الرأي لا يأخذ بالشورى.

ثانيا عمل عبد المؤمن بن عليّ على إقران الخدمة العسكريّة بالعلوم التثقيفية، وأنشأ مدارس كثيرة لتعليم وتخريج رجال السياسة والحكم، وكان يمتحن الطلاب بنفسه، فأنشأ جيلا فريدا من قوّاد الحروب والسياسيين البارعين في دولة الموحدين، وكان يدربهم على كل فنون الحرب، حتى إنه أنشأ بحيرة صناعية كبيرة في بلاد المغرب لتعليم الناس كيف يتقاتلون في الماء، وكيف تكون الحروب البحرية، وكان أيضا يختبر المقاتلين الموحدين بنفسه.

ثالثا أقام مصانع ومخازن ضخمة وكثيرة للأسلحة، و أصبحت دولة الموحدين من أقوى الدول الموجودة في المنطقة من الناحية العسكرية.

هذا كله في بلاد المغرب العربي، ولم تكن بلاد الأندلس بعد قد دخلت في حسابات عبد المؤمن بن عليّ في ذلك الوقت؛ لأنه كان يحاول أن يستتب له الأمر أولا في بلاد المغرب العربي حيث أنصار المرابطين في كل مكان. وكان الوضع في بلاد الأندلس - كما ذكرنا - حيث سقوط أكثر من مدينة في أيدي النصارى، وأصبح التدهور هناك سريعا.

عبد المؤمن بن عليّ في الأندلس
في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من الهجرة، وبعد التدهور الكبير الذي حدث في بلاد الأندلس، قدم إلى بلاد المغرب العربي القاضي ابن العربي صاحب (العواصم من القواصم) قدم من الأندلس وبايع عبد المؤمن بن علي، وطلب النجدة لأهل الأندلس.

وإن مبايعة القاضي ابن العربي لعبد المؤمن بن عليّ لتعطي إشارة واضحة إلى أن عبد المؤمن بن عليّ لم يكن ليعتقد أو يدعو إلى أفكار ضالة كما في الدعوة إلى العصمة أو المهدية أو غيرها مما كان يدين بها محمد بن تومرت وبعض من أتباعه، وإلا لم يكن للقاضي ابن العربي - وهو الذي اشتهر وعرف عنه الذبّ عن الإسلام من الضلالات والانحرافات - أن يقدم من بلاد الأندلس لمبايعته على الطاعة والنصرة.

قبِل عبد المؤمن بن عليّ الدعوة من القاضي ابن العربي، وجهزّ جيوشه وانطلق إلى بلاد الأندلس، وهناك بدأ يحارب القوات الصليبية حتى ضم معظم بلاد الأندلس الإسلامية التي كانت في أملاك المرابطين إلى دولة الموحدين، وكان ممن قاتله هناك بعض أنصار دولة المرابطين إلا أنه قاتلهم وانتصر عليهم وذلك في سنة خمس وأربعين وخمسمائة من الهجرة.

وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة من الهجرة استطاع أن يستعيد ألمريّة، وفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة من الهجرة استعاد تونس من يد النصارى، وبعدها بقليل - ولأول مرة - استطاع أن يضم ليبيا إلى دولة الموحدين، وهي بعد لم تكن ضمن حدود دولة المرابطين.

وهو بهذا يكون قد وصل بحدود دولة الموحدين إلى ما كانت عليه أثناء دولة المرابطين إضافة إلى ليبيا، وقد اقتربت حدود دولته من مصر كثيرا، وكان يفكر في أن يوحّد كل أطراف الدولة الاسلامية تحت راية واحدة تكون لدولة الموحدين.

يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ وحكم الموحدين
في عام ثمانية وخمسين وخمسمائة من الهجرة يتوفي عبد المؤمن بن عليّ، ثم يخلفه على الحكم ابنه يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ، وكان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما، وقد كان مجاهدا شهما كريما إلا أنه لم يكن في كفاءة أبيه القتالية.

ظل يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ يحكم دولة الموحدين الفتية اثنين وعشرين عاما متصلة، منذ سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وحتى سنة ثمانين وخمسمائة من الهجرة، وقد نظم الأمور وأحكمها في كل بلاد الأندلس وبلاد المغرب العربي، وكانت له أعمال جهادية ضخمة ضد النصارى، لكنه كان يعيبه شيء خطير وهو أنه كان متفرد الرأي لا يأخذ بالشورى، وهذا - بالطبع - كان من تعليم وتربية أبيه عبد المؤمن بن علي صاحب محمد بن تومرت كما ذكرنا.

كان لانفراد يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ بالرأي سببا قويا في حدوث أخطاء كثيرة في دولته، كان آخرها ما حدث في موقعة له مع النصارى حول قلعة من قلاع البرتغال كان يقاتل فيها بنفسه، فقد قتل فيها ستة من النصارى، ثم طُعن بعد ذلك واستشهد رحمه الله في هذه الموقعة في سنة ثمانين وخمسمائة من الهجرة.

أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي والعصر الذهبي لدولة الموحدين
بعد وفاة يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ تولى من بعده ابنه يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ، وقد لُقب في التاريخ بالمنصور، وكان له ابن يُدعى يوسف فعُرف بأبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي.

تولى أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي حكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة متصلة، من سنة ثمانين وخمسمائة وحتى سنة خمسة وتسعين وخمسمائة من الهجرة، وكان أقوى شخصيه في تاريخ دولة الموحدين، ومن أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين بصفة عامة، وقد عُدّ عصره في دولة الموحدين بالعصر الذهبي.

ونستطيع أن نتناول سيرته في الأندلس من خلال هذين العنصرين
أولا المنصور الموحدي الرجل الإنسان

مثل عبد الرحمن الداخل ومن قبله عبد الرحمن الناصر وغيرهم ممن فعلوا ما لم يفعله الشيوخ والكبار تولى أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي وكان عمره خمسا وعشرين سنة فقط، وقد قام بالأمر أحسن ما يكون القيام، وقد رفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، ونظر في أمور الدين والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن.

واستطاع أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أن يغير كثيرا من أسلوب السابقين له، فكان سمته الهدوء والسكينة والعدل والحلم، حتى إنه كان يقف ليقضي حاجة المرأة وحاجة الضعيف في قارعة الطريق، وكان يؤم الناس في الصلوات الخمس، وكان زاهدا يلبس الصوف الخشن من الثياب، وقد أقام الحدود حتى في أهله وعشيرته، فاستقامت الأحوال في البلاد وعظمت الفتوحات.

بلغت أعمال أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي الجليلة في دولته أوجها، حتى وصلت إلى أن حارب الخمور، وأحرق كتب الفلاسفة، واهتم بالطب والهندسة، وألغى المناظرات العقيمة التي كانت في أواخر عهد المرابطين وأوائل عهد الموحدين، وقد أسقط الديون عن الأفراد وزاد كثيرا في العطاء للعلماء، ومال هو إلى مذهب ابن حزم الظاهري لكنه لم يفرضه على الناس، بل إنه أحرق الكثير من كتب الفروع وأمر بالاعتماد على كتاب الله وعلى كتب السنة الصحيحة.

وفي دولته اهتم أيضا أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي بالعمران، وقد أنشأ مدينة الرباط وسمّاها رباط الفتح، وأقام المستشفيات وغرس فيها الأشجار، وخصّص الأموال الثابتة لكل مريض، وكان رحمه الله يعود المرضى بنفسه يوم الجمعة، وأيضا كان يجمع الزكاة بنفسه ويفرقها على أهلها، وكان كريما كثير الإنفاق حتى إنه وزّع في يوم عيد أكثر من سبعين ألف شاة على الفقراء.

ويعد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أول من أعلن صراحة فساد أقوال محمد بن تومرت في فكرة العصمة والمهدية، وقال بأن هذا من الضلالات، وأنه ليس لأحد عصمة بعد الأنبياء، وكان مجلسه رحمه الله عامرا بالعلماء وأهل الخير والصالحين. وقد ذكر الذهبي رحمه الله في العبر أنه كان يجيد حفظ القرآن والحديث، ويتكلم في الفقه ويناظر، وكان فصيحا مهيبا، يرتدي زي الزهّاد والعلماء ومع ذلك عليه جلالة الملوك.

كل هذه الصفات السابقة لأبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي وهو ما زال شابا بدأ الحكم وعمره خمس وعشرون سنة فقط.

ثانيا المنصور الموحدي وبلاد الأندلس
إضافة إلى أعماله السابقة في دولة الموحدين بصفة عامة، فقد وطد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي الأوضاع كثيرا في بلاد الأندلس، وقوى الثغور هناك، وكان يقاتل فيها بنفسه، وقد كانت أشد الممالك ضراوة عليه مملكة البرتغال ثم من بعدها مملكة قشتالة. وقد كان له في الأندلس ما يلي
أولا القضاء على ثورات بني غانية

في سنة خمسة وثمانين وخمسمائة من الهجرة وفي جزر البليار من بلاد الأندلس قامت قبيلة بني غانية من أتباع المرابطين بثورة عارمة على الموحدين، وقد كان لهذه القبيلة ثورات من قبل على عبد المؤمن بن عليّ وابنه يوسف بن علي أيضا من بعده، فقاموا بثورة في جزر البليار وأخرى في تونس.

ما كان من أبي يوسف يعقوب المنصور إلا أن عاد من داخل بلاد الأندلس إلى جزر البليار فقمع ثورة بني غانية هناك، ثم رجع إلى تونس فقمع أيضا ثورتهم، وكان من جراء ذلك أن ضعفت كثيرا قوة الموحدين في الأندلس.

استغل ملك البرتغال انشغال أبي يوسف يعقوب المنصور بالقضاء على هذه الثورات واستغل الضعف الذي كان نتيجة طبيعية لذلك، واستعان بجيوش ألمانيا وإنجلترا البرية والبحرية، ثم حاصر أحد مدن المسلمين هناك واستطاع أن يحتلها ويخرج المسلمين منها، وقد فعل فيها من الموبقات ما فعل، ثم استطاع أن يواصل تقدمه إلى غرب مدينة أشبيليّة في جنوب الأندلس. وهنا يكون الوضع قد أضحى في غاية الخطورة.

وحول ثورات بني غانية. فقد كان مقبولا منهم أن يقوموا بثورات على السابقين من حكام الموحدين قبل أبي يوسف يعقوب المنصور بحجة أفكارهم الضالة التي خرجت عن منهج الله سبحانه وتعالى، لكن السؤال هو لماذا الثورة على هذا الرجل الذي أعاد للشرع هيبته من جديد، والذي أقام الإسلام كما ينبغي أن يقام، والذي أعاد القرآن والسنة إلى مكانهما الصحيح؟!

كان من الواجب على بني غانية أن يضعوا أيديهم في يد أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي رحمه الله ويضموا قوتهم إلى قوته ليحاربوا العدو الرئيس الرابض والمتربص لهم، والمتمثل في دول الشمال الأندلسي، سواء أكانت دول قشتالة أو البرتغال أو الممالك الأخرى، لكن هذا لم يحدث، فأدت هذه الثورات الداخلية إلى ضعف قوة الموحدين في بلاد الأندلس، وإلى هذا الانهيار المتدرج في هذه المنطقة.

ثانيا المواجهات مع النصارى واستعادة السيطرة
بعد القضاء على ثورات بني غانية أخذ أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي يفكر في كيفية إعادة الوضع إلى ما كان عليه، ووقف أطماع النصارى في بلاد الأندلس.

علم أولا أن أشد قوتين عليه هما قوة قشتالة وقوة البرتغال، لكنه رأى أن قوة البرتغال أشد وأعنف من سابقتها، فقام بعقد اتفاقيه مع قشتالة عاهدهم فيها على الهدنة وعدم القتال مدة عشر سنوات.

اتجه أبو يوسف يعقوب المنصور بعد ذلك إلى منطقة البرتغال، وهناك حاربهم حروبا شديدة وانتصر عليهم في أكثر من مرة، واستطاع أن يحرر المنطقة بكاملها ويسترد إلى أملاك المسلمين من جديد ما كان قد فقد هناك.

وقبل أن يكتمل له تحرير تلك المنطقة نقض ملك قشتاله العهد الذي كان قد أبرمه معه، وعليه فقد بدأ يعيث تهجما وفسادا على أراضي المسلمين، ثم بعث ألفونسو الثامن- ملك قشتالة في ذلك الوقت، وهو من أحفاد ألفونسو السادس الذي هُزم في موقعة الزلاّقة الشهيرة - بعث برسالة إلى أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي يهين فيها المسلمين ويهدده ويتوعده.

ما كان من المنصور الموحدي إلا أن مزق خطاب ألفونسو الثامن، ثم على جزء منه وقد أرسله مع رسولهم كتب [ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ] {النمل37} . وعلى الفور أعلن الجهاد والاستنفار العام في كل ربوع المغرب والصحراء، وقد نشر ما جاء في كتاب ألفونسو الثامن ليحمس الناس ويزيد من تشويقهم للجهاد.

قبل هذا الوقت بسنوات قلائل كان المسلمون في كل مكان يعيشون نشوة النصر الكبير الذي حققه صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في موقعة حطين الخالدة في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من الهجرة، أي قبل هذه الأحداث بسبع سنوات فقط، وما زال المسلمون في المغرب يعيشون هذا الحدث الإسلامي الكبير ويتمنون ويريدون أن يكرروا ما حدث في المشرق، خاصة بعد أن قام فيهم أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي بتحفيزهم في الخروج إلى الجهاد، فتنافسوا في ذلك [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ] {المطَّففين26} .

بدأ هذا الاستنفار في سنة تسعين وخمسمائة من الهجرة، وبعدها بعام واحد وفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة انطلقت الجيوش الإسلامية من المغرب العربي والصحراء وعبرت مضيق جبل طارق إلى بلاد الأندلس لتلتقي مع قوات الصليبيين الرابضة هناك في موقعة ما برح التاريخ يذكرها ويجلها.

موقعة الأرك الخالدة
في التاسع من شهر شعبان لسنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة وعند حصن كبير يقع في جنوب طليطلة على الحدود بين قشتالة ودولة الأندلس في ذلك الوقت يسمى حصن الأرك التقت الجيوش الإسلامية مع جيوش النصارى هناك.

أعد الفونسو الثامن جيشه بعد أن استعان بمملكتي ليون ونافار، وبجيوش ألمانيا وإنجلترا وهولندا.. في قوة يبلغ قوامها خمسة وعشرين ألفا ومائتي ألف نصراني، وقد أحضروا معهم بعض جماعات اليهود لشراء أسرى المسلمين بعد انتهاء المعركة لصالحهم، ليبيعونهم بعد ذلك بدورهم في أوروبا.

وعلى الجانب الآخر فقد أعد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي جيشا كبيرا، بلغ قوامه مائتي ألف مسلم من جراء تلك الحمية التي كانت في قلوب أهل المغرب العربي وأهل الأندلس على السواء، خاصة بعد انتصارات المسلمين في حطين القريبة.

البدايات وأمور جديدة على الموحدين
في منطقة الأرك وفي أول عمل له عقد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي مجلسا استشاريا يستوضح فيه الآراء والخطط المقترحة في هذا الشأن، وقد كان هذا على غير نسق كل القادة الموحدين السابقين له والذين غلب عليهم التفرد في الرأي، فنهج منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر.

وفي هذا المجلس الاستشاري استرشد أبو يوسف يعقوب المنصور بكل الآراء، حتى إنه استعان برأي أبي عبد الله بن صناديد في وضع خطة الحرب، وهو زعيم الأندلسيين وليس من قبائل المغرب البربرية، وهذا أيضا كان أمرا جديدا على دولة الموحدين التي كانت تعتمد فقط على جيوش المغرب العربي، فضم أبو يوسف يعقوب المنصور قوة الأندلسيين إلى قوة المغاربة وقوة البربر القادمين من الصحراء.

الاستعداد ووضع الخطط
في خُطة شبيهة جدا بخطة موقعة الزلاقة قسم أبو يوسف يعقوب المنصور الجيش إلى نصفين، فجعل جزءا في المقدمة وأخفى الآخر خلف التلال كان هو على رأسه، ثم اختار أميرا عاما للجيش هو كبير وزرائه أبو يحيى بن أبي حفص، وقد ولى قيادة الأندلسيين لأبي عبد الله بن صناديد؛ وذلك حتى لا يوغر صدور الأندلسيين وتضعف حماستهم حين يتولى عليهم مغربي أو بربري.

وإتماما لهذه الخطة فقد جعل الجزء الأول من الجيش النظامي الموحدي ومن الأندلسيين، وقد قسمه إلى ميمنه من الأندلسيين وقلب من الموحدين وميسرة من العرب، ثم جعل من خلفهم مجموعة المتطوعين غير النظاميين، الذين ليست لهم كفاءة عالية في القتال.

وهو يريد بذلك أن تتلقى الجيوش النظامية التي في المقدمة الصدمة والضربة الأولى من قوات الصليبيين فيصدونهم صدا يليق بتدريباتهم؛ مما يوقع الرهبة في قلوب الصليبيين ويرفع من معنويات الجيش الإسلامي، أما المتطوعين غير النظاميين الذين ليست لهم كفاءة عالية في القتال فوضعهم من وراء المقدمة حتى لا يُكسروا أول الأمر، ومكث هو - كما ذكرنا - في المجموعة الأخيرة خلف التلال.

راح بعد ذلك أبو يوسف يعقوب المنصور يوزع الخطباء على أطراف الجيش يحمسونه على الجهاد، وعند اكتمال الحشد وانتهاء الاستعداد للقتال أرسل الأمير الموحدي رسالة إلى كل المسلمين يقول فيها إن الأمير يقول لكم اغفروا له فإن هذا موضع غفران، وتغافروا فيما بينكم، وطيبوا نفوسكم، وأخلصوا لله نياتكم. فبكى الناس جميعهم، وأعظموا ما سمعوه من أميرهم المؤمن المخلص، وعلموا أنه موقف وداع، وفي موقف مهيب التقى المسلمون مع بعضهم البعض وعانقوا بعضهم بعضا، وقد ودّعوا الدنيا وأقبلوا على الآخرة.

اللقاء المرتقب
في تلك الموقعة كان موقع النصارى في أعلى تل كبير، وكان على المسلمين أن يقاتلوا من أسفل ذلك التل، لكن ذلك لم يرد المسلمين عن القتال.

وقد بدأ اللقاء ونزل القشتاليون كالسيل الجارف المندفع من أقصى ارتفاع، فهبطوا من مراكزهم كالليل الدامس وكالبحر الزاخر، أسرابا تتلوها أسراب، وأفواجا تعقبها أفواج، وكانت الصدمة كبيرة جدا على المسلمين، فقد وقع منهم الكثير في تعداد الشهداء، ثم ثبتوا بعض الشيء ثم تراجعوا، وحين رأى المنصور ذلك نزل بنفسه ودون جيشه، وفي شجاعة نادرة قام يمر على كل الفرق مناديا بأعلى صوته في كل الصفوف جددوا نياتكم وأحضروا قلوبكم. ثم عاد رحمه الله إلى مكانه من جديد.

استطاع المسلمون بعدها أن يردوا النصارى في هذا الهجوم، ثم ما لبث النصارى أن قاموا بهجوم آخر، وكان كسابقه، انكسار للمسلمين ثم ثبات من جديد وردّ للهجوم للمرة الثانية، ثم كان الهجوم الثالث للنصارى وكان شرسا ومركزا على القلب من الموحدين، فسقط آلاف من المسلمين شهداء، واستشهد القائد العام للجيش أبو يحيى بن أبي حفص.

وهنا ظن النصارى أن الدائرة قد دارت على المسلمين وأن المعركة قد باتت لصالحهم، فنزل ملك قشتالة إلى الموقعة يحوطه عشرة آلاف فارس، عندئذ كانت قد تحركت ميمنة المسلمين من الأندلسيين وهجمت على قلب الجيش القشتالي مستغلة ضعفه في تقدم الفرسان القشتاليين نحو الموحدين في القلب، وهجمت بشدة على النصارى ، واستطاعت حصار العشرة آلاف الذين يحوطون ألفونسو الثامن.

حدث لذلك اضطراب كبير داخل صفوف الجيش القشتالي، واستمرت الموقعة طويلا، وقد ارتفعت ألسنة الغبار الكثيف، وأصبح لا يسمع إلا صوت الحديد وقرع الطبول وصيحات التكبير من جيش المؤمنين، وبدأت الدائرة تدريجيا تدور على النصارى، فالتفوا حول ملكهم وقد تزعزت قلوبهم.

وهنا وحين رأى ذلك أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أمر جيشه الكامن خلف التلال بالتحرك، وقد انطلق معهم وفي مقدمة جيشه علم دولة الموحدين الأبيض، وقد نقش عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا غالب إلا الله.

ارتفعت بذلك معنويات الجيش الإسلامي كثيرا، وقد أسلم النصارى رقابهم لسيوف المسلمين فأعملوها فيهم قتلا وتشريدا، وانتصر المسلمون انتصارا باهرا في ذلك اليوم الموافق التاسع من شهر شعبان لسنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة، وأصبح يوم الأرك من أيام الإسلام المشهودة، قالوا عنه مثل الزلاقة، وقالوا عنه بل فاق الزلاقة.

وقد هرب ألفونسو الثامن في فرقة من جنوده إلى طليطلة، وطارت أخبار النصر في كل مكان، ودوت أخبار ذلك الانتصار العظيم على منابر المسلمين في أطراف دولة الموحدين الشاسعة، بل وصلت هذه الأخبار إلى المشرق الاسلامي، وكانت سعادة لا توصف، خاصة وأنها بعد ثمانية أعوام فقط من انتصار حطيّن العظيم.








آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:23 AM رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

نتائج انتصار الأرك

تمخض عن انتصار الأرك الكبير آثار ونتائج جمة وعظيمة، أهمها ما يلي

أولا الهزيمة الساحقة لقوات النصارى

كان من أهم آثار انتصار الأرك تبدد جيش النصارى بين القتل والأسر، فقد قتل منهم في اليوم الأول فقط - على أقل تقدير - ثلاثون ألفا، وقد جاء في نفح الطيب للمقرّي، وفي وفيات الأعيان لابن خلّكان أن عدد قتلى النصارى وصل إلى ستة وأربعين ألف ومائة ألف قتيل من أصل خمسة وعشرين ألفا ومائتي ألف مقاتل، وكان عدد الأسرى بين عشرين وثلاثين ألف أسير، وقد منّ عليهم المنصور بغير فداء؛ إظهارا لعظمة الإسلام ورأفته بهم، و عدم اكتراثه بقوة النصارى.

ثانيا النصر المادي

رغم الكسب المادي الكبير جدا، إلا أنه كان أقل النتائج المترتبة على انتصار المسلمين في موقعة الأرك، فقد حصد المسلمون من الغنائم ما لا يحصى، وقد بلغت - كما جاء في نفح الطيب - ثمانين ألفا من الخيول، ومائة ألف من البغال، وما لا يحصى من الخيام.

وقد وزع المنصور رحمه الله هذه الأموال الضخمة وهذه الغنائم كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوزع على الجيش أربعة أخماسها، واستغل الخمس الباقي في بناء مسجد جامع كبير في أشبيلية؛ تخليدا لذكرى الأرك، وقد أنشأ له مئذنة سامقة يبلغ طولها مائتي متر، وكانت من أعظم المآذن في الأندلس في ذلك الوقت، إلا أنها - وسبحان الله - حين سقطت أشبيليّه بعد ذلك في أيدي النصارى تحولت هذه المئذنة والتي كانت رمزا للسيادة الإسلامية إلى برج نواقيس للكنيسة التي حلت مكان المسجد الجامع، وهي موجودة إلى الآن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثالثا النصر المعنوي

كان من نتائج موقعة الأرك أيضا ذلك النصر المعنوي الكبير الذي ملأ قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد ارتفع نجم دولة الموحدين كثيرا، وارتفعت معنويات الأندلسيين وهانت عليهم قوة النصارى، وارتفعت أيضا معنويات المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي حتى راحوا يعتقون الرقاب ويخرجون الصدقات فرحا بهذا الانتصار.

وكان من جراء ذلك أيضا أن استمرت حركة الفتوح الإسلامية، واستطاع المسلمون فتح بعض الحصون الأخرى، وضموا الشمال الشرقي من جديد إلى أملاك المسلمين كما كان في عهد المرابطين، وحاصروا طليطلة سنوات عديدة إلا أنها - كما ذكرنا من قبل - كانت من أحصن المدن الأندلسية فلم يستطيعوا فتحها.

وارتفعت معنويات الموحدين كثيرا حتى فكروا بجدية في ضم كل بلاد المسلمين تحت راية واحدة، خاصة وأن المعاصر لأبي يوسف يعقوب المنصور في المشرق هو صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، لكن لم يرد الله سبحانه وتعالى لهذا الأمر أن يتم، حيث وافت أبا يوسف يعقوب المنصور الموحدي المنية قبل أن يكتمل حلمه هذا.

رابعا صراعات شتى بين ممالك النصارى

نتيجة لموقعة الأرك أيضا حدثت صراعات شتى بين ليون ونافار من ناحية وبين قشتالة من ناحية أخرى.. فقد ألقى عليهم ألفونسو الثامن (ملك قشتالة) مسؤلية الهزيمة، وكان من نتائج ذلك أيضا أن وقعت لهم الهزيمة النفسية. وترتب على هذا أيضا أن أتت السفارات من بلاد أوروبا تطلب العهد والمصالحة مع المنصور الموحدي رحمه الله والتي كان من أشهرها سفارة إنجلترا، تلك التي جاءت المنصور الموحدي في أواخر أيامه.

خامسا معاهدة جديدة بين قشتالة والمسلمين

أيضا كان من نتائج موقعة الأرك أن تمت معاهدة جديدة بين قشتالة و المسلمين على الهدنة ووقف القتال مدة عشر سنوات، بداية من سنة خمس وتسعين وخمسمائة وحتى سنة خمس وستمائة من الهجرة، أراد المنصور أن يرتب فيها الأمور من جديد في بلاد الموحدين.

وفاة المنصور الموحدي وبداية عهد ينذر بالنهاية

في نفس العام الذي تمت فيه الهدنة بين قشتالة وبين المسلمين، وفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة من الهجرة يلقى المنصور الموحدي ربه عن عمر لم يتعدى الأربعين سنة، تم له فيه حكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة، منذ سنة ثمانين وخمسمائة وحتى وفاته في سنة خمس وتسعين وخمسمائة من الهجرة.

ومن بعده يتولى ابنه الناصر لدين الله أبو محمد عبد الله، وعمره آنذاك ثمان عشرة سنة فقط، ورغم أن صغر السن ليس به ما يشوبه في ولاية الحكم، خاصة وقد رأينا من ذلك الكثير، إلا أن الناصر لدين الله لم يكن على شاكلة أبيه في أمور القيادة.

كان المنصور الموحدي قد استخلف ابنه الناصر لدين الله قبل وفاته على أمل أن يمد الله في عمره فيستطيع الناصر لدين الله أن يكتسب من الخبرات ما يؤهله لأن يصبح بعد ذلك قائدا فذا على شاكلة أبيه، لكن الموت المفاجئ للمنصور الموحدي عن عمر لم يتجاوز الأربعين عاما بعد كان أن وضع الناصر لدين الله على رئاسة البلاد، وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره. وقد كان من الواجب على الموحدين أن ينتخبوا من بينهم ومن حين الوفاة من يصلح للقيادة بدلا منه.

الناصر لدين الله وعقبات في الطريق

كان الناصر لدين الله شابا طموحا قويا مجاهدا لكنه لم يكن في كفاءة أبيه، وفضلا عن هذا فقد كانت البلاد محاطة بالأعداء من كل جانب، و النصارى بعد لم ينسوا هزيمتهم في موقعة الأرك التي كانت قبل سنوات قلائل، ويريدون أن يعيدوا الكرة من جديد على بلاد المسلمين، وفوق ذلك فبعد وفاة المنصور الموحدي قامت من جديد ثورات بني غانية المؤيدة لدولة المرابطين السابقة.

وقطعا - كما ذكرنا قبل ذلك - ما كان يجوز لبني غانية أن يثوروا وينقلبوا على الناصر لدين الله، إلا إن ذلك هو عين ما حدث، فبدأت الخلخلة والاضطرابات تتزايد داخل الدولة الاسلاميّة الكبيرة.

وفي سبيل استعادة الوضع إلى ما كان عليه وجّه الناصر لدين الله جلّ طاقته للقضاء على ثورات بني غانية داخل دولة الموحدين، فخاض معهم معارك وحروب كثيرة، حتى استطاع نهاية الأمر إخمادها تماما، وذلك في سنة أربع وستمائة من الهجرة، أي أنها استمرت تسع سنوات كاملة منذ بداية حكمه وحتى ذلك التاريخ.











آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:23 AM رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

ألفونسو الثامن واستغلال الوضع الراهن
في هذه الأثناء التي كان يسعى فيها الناصر لدين الله للقضاء على ثورات بني غانية، كان قد تجدد الأمل عند ألفونسو الثامن، فعمل على تجهيز العدة لرد الاعتبار، وأقسم على ألا يقرب النساء ولا يركب فرسا ولا بغلا، وأن ينكس الصليب حتى يأخذ بثأره من المسلمين، فأخذ يعد العدة ويجهز الجيوش ويعقد الأحلاف ويعد الحصون تمهيدا لحرب جديدة معهم.
وقبل انتهاء الهدنة ومخالفة للمعاهدة التي كان قد عقدها مع المنصور الموحدي قبل موته هجم ألفونسو الثامن على بلاد المسلمين، فنهب القرى وأحرق الزروع، وقتل العزّل من المسلمين، وكانت هذه بداية حرب جديدة ضد المسلمين.

دولة الموحدين وعيوب خطيرة في مواجهة النصارى
إضافة إلى ضعف كفاءة القيادة في دولة الموحدين المتمثلة في الناصر لدين الله، والتي لم تكن بكفاءة السابقين، فقد كان ثمة عيب خطير آخر في القيادة كان متأصلا في أجداده من قبله، وهو اعتداد الناصر لدين الله برأيه ومخالفته أمر الشورى، ذلك العيب الذي تفاداه أبوه من قبله، فأفلح وساد وتمكن ونصره الله سبحانه وتعالى، وفوق هذا وذاك فكان المسلمون قد أنهكوا في رد الثورات المتتالية لبني غانية داخل دولة الموحدين.

وزاد من ذلك أمر آخر كان في غاية الخطورة، وهو أن الناصر لدين الله كان قد استعان ببطانة سوء ووزير ذميم الخلُق يدعى أبا سعيد بن جامع، والذي شكّ كثير من المؤرخين في نواياه، وشك كثير من الأندلسيين والمغاربة المعاصريين له في اقتراحاته.

ورغم أن هذا الوزير كان من أصل أسباني فإن كثيرا من الناس قالوا بأنه كان على اتصالات مع النصارى، والتي أدّت بعد ذلك إلى أمور خطيرة جدا في دولة الموحدين، ومع كل هذا فقد كان هو الرجل الوحيد الذي يأمن له الناصر لدين الله ويستعين بآرائه، ضاربا عرض الحائط كل آراء أشياخ الموحدين وقادة الأندلسيين في ذلك الوقت.

النصارى والتعبئة العامة
على الجانب الآخر من أحداث دولة الموحدين فقد كانت هناك تعبئة روحية عالية في جيش النصارى يقودها البابا في روما بنفسه، وقد أعلنوها حربا صليبية وراحوا يضفون عليها ألوانا من القداسة، وقد رفعوا صور المسيح، وصرح البابا بأن من يشارك في هذه الحرب سيمنح صكوك الغفران، تماما كما حدث في موقعة الزلاّقة
.

أتبع ذلك استنفار عام في كل أنحاء أوروبا، اشتركت فيه معظم الدول الأوروبية حتى وصل إلى القسطنطينية في شرق أوروبا وبعيدا جدا عن بلاد الأندلس، وقد تولت فرنسا مهمة الإنفاق على الجيوش بالإضافة إلى إمداد الجيش القشتالي بالرجال، وكانت فرنسا يهمها كثيرا هزيمة المسلمين لكونها البلاد التالية لبلاد الأندلس، فإن قامت لدولة الموحدين دولة قوية فحتما ستكون الدائرة عليها في المرحلة التالية.

وقد زاد الأمر تعقيدا إرسال البابا رسالة إلى مملكة نافار - وكانت قد وقعت معاهدة مع المنصور الموحدي قبل وفاته - يحضها فيها على نبذ المعاهدة التي مع الموحدين، وعلى استعادة العلاقة مع القشتاليين، وكان القشتاليون - كما ذكرنا - قد اختلفوا مع مملكة ليون ونافار بعد هزيمة الأرك، لكن البابا الآن يريد منهم التوحد في مواجهة الصف المسلم، فخاطبه بنقض عهده مع المسلمين ومحالفة ملك قشتالة، فما كان من ملك نافار إلا أن أبدى السمع والطاعة.

تكون دول أوروبا بذلك قد توحدت، وبلغ عدد جيوشها مائتي ألف نصراني يتقدمهم الملوك والرهبان نحو موقعة فصل بينهم وبين المسلمين.

جيش الموحدين وطريقه نحو العقاب
في مقابل جيوش النصارى تلك كان الناصر لدين الله قد أعلن الجهاد وجمع المجاهدين من بلاد المغرب العربي والأندلس في عدد قد بلغ خمسمائة ألف مقاتل، أي أنه أكثر من ضعف جيوش النصارى مجتمعة، كانت أقل الروايات قد ذكرت أن عدد المسلمين قد بلغ ستين ألفا ومائتي ألف، وكانت هي نفسها التي ذكرت أن عدد النصارى لم يتجاوز ستين ألفا ومائة ألف، فكان جيش المسلمين في كل الأحيان يزيد على جيش النصارى أكثر من مرة ونصف أو مرتين على الأقل.

انطلق الناصر لدين الله بجيشه من بلاد المغرب وعبر مضيق جبل طارق، ثم توجّه إلى منطقة عُرفت باسم العِقَاب - وذلك لوجود قصر قديم كان يحمل هذا الاسم في تلك المنطقة -وهي تلك المنطقة التي دارت فيها الموقعة، وقد كانت- وسبحان الله - اسما على مسمى، فكانت بحق عقابا للمسلمين على مخالفات كثيرة، ظهر بعضها سابقا وسيظهر الباقي تباعا.

دخل الناصر لدين الله أرض الأندلس بهذا العدد الكثيف من المسلمين، وفي أول عمل له حاصر قلعة سَالْبَطْرَة، وكانت قلعة كبيرة وحصينة جدا وبها عدد قليل من النصارى، وكانت تقع في الجبل جنوب طليطلة، لكن حصانة القلعة أعجز المسلمين عن فتحها، وكان أن اجتمع قادة الأندلسيين وقادة الموحدين وأشاروا على الناصر لدين الله بأن يترك حامية عليها ثم يدعها ويتجه إلى جيش النصارى في الشمال؛ وذلك خوفا من إنهاك قوتهم فيما لا طائل من ورائه، لكن الناصر لدين الله رفض هذا الأمر واستمع لرأي وزيره الذي رأى أنه لا يجب أن تُجوّز هذه القلعة، فظل يحاصرها طيلة ثمانية أشهر كاملة.

نتائج الاستبداد وملامح الهزيمة
كان من جراء هذا العمل الذي قام به الناصر لدين الله أن حدث ما يلي
أولا إضاعة ثمانية أشهر كان من الممكن أن يستغلها في الشمال، والانتصار على النصارى هناك قبل أن يتجمعوا في كامل عدتهم.

ثانيا أكمل النصارى استعداداتهم خلال هذه الفترة الطويلة، واستطاعوا أن يستجلبوا أعدادا أخرى كثيرة من أوروبا.

ثالثا هلك الآلاف من المسلمين في صقيع جبال الأندلس في ذلك الوقت، حيث كان الناصر لدين الله قد دخل بلاد الأندلس في شهر مايو وكان مناسبا جدا للقتال، إلا أنه ظل يحاصر سَالْبَطْرَة حتى قدم الشتاء القارس وبدأ المسلمون يهلكون من شدة البرد وشدة الإنهاك في هذا الحصار الطويل.

أبو الحجاج يوسف بن قادس والتحيز إلى فئة المؤمنين
في بداية لحرب فاصلة قُسّم الجيش النصرانى القادم من الشمال إلى ثلاثة جيوش كبيرة، فالجيش الأول هو الجيش الأوروبي، والجيش الثاني هو جيش إمارة أراجون، والجيش الثالث هو جيش قشتالة والبرتغال وليون ونافار، وهو أضخم الجيوش جميعها.

قامت هذه الجيوش الثلاث بحصار قلعة رباح، وهي قلعة إسلامية كان قد تملكها المسلمون بعد موقعة الأرك، وكان على رأسها القائد البارع الأندلسي الشهير أبو الحجاج يوسف بن قادس رحمه الله وهو من أشهر قواد الأندلس في تاريخها.

حوصرت قلعة رباح حصارا طويلا من قبل الجيوش النصرانية، وقد طال أمد الحصار حتى أدرك أبو الحجاج يوسف بن قادس أنه لن يفلت منه، كما بدأت بعض الحوائط في هذه القلعة تتهاوى أمام جيش مملكة أراجون.

أراد أبو الحجاج يوسف بن قادس أن يحقق الأمن والأمان لجيشه، وأراد أن يتحيز إلى فئة المؤمنين وينضم إلى جيش المسلمين، فعرض على النصارى معاهدة تقضي بأن يترك لهم القلعة بكامل المؤن وكامل السلاح على أن يخرج هو ومن معه من المسلمين سالمين ليتجهوا جنوبا فيلتقوا بجيش الموحدين هناك ودون مؤن أو سلاح.

وافق ألفونسو الثامن على هذا العرض، وبدأ بالفعل انسحاب أبي الحجاج يوسف بن قادس من الحصن ومن معه من المسلمين، وقد اتجهوا إلى جيش الناصر لدين الله.

ولأن الوليمة ليست قصرا على ألفونسو الثامن، فقد اعترض على هذا الانسحاب جيش النصارى الأوروبي المتحد مع جيش قشتالة.. فقد كانوا يرون أنهم ما أتوا من أبعد بلاد أوروبا ومن إنجلترا وفرنسا والقسطنطينية إلا لقتل المسلمين؛ فلا يجب أبدا أن يتركوا ليخرجوا سالمين.

وقد فعل ألفونسو الثامن ذلك حتى إذا حاصر مدينة أخرى من مدن المسلمين فيفتحون له كما فعل سابقوهم؛ لأنه لو قاتلهم بعد العهد الذي أبرمه معهم فلن يفتح له المسلمون بعد ذلك مدنهم، فاختلف الأوروبيون مع ألفونسو الثامن، وعليه فقد انسحبوا من الموقعة.

وبذلك يكون قد انسحب من موقعة العقاب وقبل خوضها مباشرة خمسون ألفا من النصارى، وبالطبع فقد كان هذا نصرا معنويا وماديا كبيرا للمسلمين، وهزيمة نفسية وهزة كبيرة في جيش النصارى، وقد أصبح جيش المسلمين بعد هذا الانسحاب أضعاف جيش النصارى.

أمر البطانة وقتل أبي الحجاج يوسف بن قادس
حين عاد أبو الحجاج يوسف بن قادس إلى الناصر لدين الله، وعندما علم منه أنه قد ترك قلعة رباح وسلمها بالمؤن والسلاح إلى النصارى، أشار عليه الوزير السوء أبو سعيد بن جامع بقتله بتهمة التقاعس عن حماية القلعة.

لم يتردد الناصر لدين الله، وفي ميدان موقعة العقاب يمسك بالقائد المجاهد أبي الحجاج يوسف بن قادس ثم يقتله.

وإن هذا - وبلا شك - ليعد خطأ كبيرا من الناصر لدين الله، وعملا غير مبرر، ويضاف إلى جملة أخطائه السابقة، وذلك للآتيأولا أن أبا الحجاج يوسف بن قادس لم يخطئ بانسحابه هذا، بل كان متحرفا لقتال، ومتحيزا إلى الجيش المتأهب للحرب، كما أنه لو مكث لهلك، ولو لم يهلك لكانت قد حيدت قواته عن الاشتراك في الموقعة بسب الحصار المفروض عليها.

ثانيا وعلى فرض أن أبا الحجاج يوسف بن قادس قد أخطأ، فلم يكن - على الإطلاق - عقاب هذا الخطأ القتل، خاصة وأنه لم يتعمده بل كان اجتهادا منه.

وإن مثل ذلك قد حدث في حروب الردة حينما أخطأ عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه في أحد المعارك، وكان خليفة المسلمين حينئذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه فما كان من أبي بكر في معالجة خطأ عكرمة إلا أن عنّفه باللسان وأوضح له خطأه، ثمّ أعاده مع جيشه من جديد إلى القتال لمساعدة جيش آخر من جيوش المسلمين، بل أرسل إلى قائد هذا الجيش الآخر- يرفع من روح عكرمة وجيشه - بأن يستعين برأي عكرمة بن أبي جهل فإنّ له رأيا.

ومن هنا وبهذه الطريقة وبجانب فقْد قوة كبيرة جدا بفقد هذا القائد البارع، فقد فقَدَ الجيش الإسلامي أيضا قوة الأندلسيين الذين شعروا أن هناك فارقا بينهم وبين المغاربة؛ مما كان له أثر سلبي كبير على واقع المعركة على نحو ما سيأتي بيانه.

خطة الناصر لدين الله ومتابعة الأخطاء
تكملة للأخطاء السابقة فقد وضع الناصر لدين الله خطة شاذة في ترتيب جيشه وتقسيمه، حيث لم يسِر فيه على نهج السابقين، ولم يقرأ التاريخ كما قرأه المنصور الموحدي ويوسف بن تاشفين.. فقد قسم جيشه إلى فرقة أمامية وفرقه خلفيه، لكنه جعل الفرقة الأمامية من المتطوعين وعددهم ستين ألفا ومائة ألف متطوع، وضعهم في مقدمة الجيش ومن خلفهم الجيش النظامي الموحدي.

وإنْ كان هؤلاء المتطوعة الذين في المقدمة متحمسين للقتال بصورة كبيرة، فإنهم ليست لهم الخبرة والدراية بالقتال كما هو الحال بالنسبة لتلك الفرقة المنتخبة من أجود مقاتلي النصارى، والتي هي في مقدمة جيشهم.

فكان من المفترض أن يضع الناصر لدين الله في مقدمة الجيش القادرين على صد الهجمة الأولى للنصارى؛ وذلك حتى يتملك الخطوات الأولى في الموقعة، ويرفع بذلك من معنويات المسلمين ويحط من معنويات النصارى، لكن العكس هو الذي حدث حيث وضع المتطوعه في المقدمة.

ولقد زاد من ذلك أيضا فجعل الأندلسيين في ميمنة الجيش، وما زال الألم والحرقة تكمن في قلوبهم من جراء قتل قائدهم الأندلسي المجاهد المغوار أبي الحجاج يوسف بن قادس، فكان خطأ كبيرا أيضا أن جعلهم يتلقون الصدمة الأولى من النصارى.

فنستطيع الآن حصر أخطاء الناصر لدين الله وهو في طريقه نحو العقاب على النحو التالي
أولا حصار قلعة سَالْبَطْرَة طيلة ثمانية أشهر كاملة
.

ثانيا الاستعانة ببطانة السوء الممثلة في الوزير السوء أبي سعيد بن جامع.

ثالثا قتل القائد الأندلسي المشهور أبي الحجاج يوسف بن قادس.

رابعا تنظيم الجيش وتقسيمه الخاطئ في أرض الموقعة.

خامسا أمر في غاية الخطورة وهو الاعتقاد في قوة العدد والعدة، فقد دخل الناصر لدين الله الموقعة وهو يعتقد أنه لا محالة منتصر؛ فجيشه أضعاف الجيش المقابل. ومن هنا تتبدى في الأفق سحائب حنين جديدة، يخبر عنها سبحانه وتعالى بقوله [وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] {التوبة25}.

العقاب.. والعقاب المر
تماما وكما تكررت حُنين في أرض الأندلس قبل ذلك في بلاط الشهداء، وفي موقعة الخندق مع عبد الرحمن الناصر وهو في أعظم قوته، تتكرر حُنين أيضا مع الناصر لدين الله في موقعة العقاب وهو في أعظم قوة للموحدين، وفي أكبر جيش للموحدين على الإطلاق، بل وفي أكبر جيوش المسلمين في بلاد الأندلس منذ أن فتحت في سنة اثنتين وتسعين من الهجرة
.

لتوالي الأخطاء السابقة كان طبيعيا جدا أن تحدث الهزيمة، فقد هجم المتطوعون من المسلمين على مقدمة النصارى، لكنهم ارتطموا ارتطاما شديدا بقلب قشتالة المدرّب على القتال، فصدوهم بكل قوة ومزّقوا مقدمة المسلمين وقتلوا منهم الآلاف في الضربة الأولى لهم.

واستطاعت مقدمة النصارى أن تخترق فرقة المتطوعة بكاملها، والبالغ عددهم - كما ذكرنا - ستين ألفا ومائة ألف مقاتل، وقد وصلوا إلى قلب الجيش الموحدي النظامي الذي استطاع أن يصد تلك الهجمة، لكن كانت قد هبطت وبشدة معنويات الجيش الإسلامي نتيجة قتل الآلاف منهم، وارتفعت كثيرا معنويات الجيش النصارى لنفس النتيجة.

وحين رأى ألفونسو الثامن ذلك أطلق قوات المدد المدربة لإنقاذ مقدمة النصارى ، وبالفعل كان لها أثر كبير وعادت من جديد الكرّة للنصارى.

في هذه الأثناء حدث حادث خطير في جيش المسلمين، فحين رأى الأندلسيون ما حدث في متطوعة المسلمين واستشهاد الآلاف منهم، إضافة إلى كونهم يقاتلون مرغمين مع الموحدين - كما ذكرنا قبل ذلك - وأيضا كونهم يعتقدون بالعدد وليس في الثقة بالله عز وجل كل هذه الأمور اعتملت في قلوبهم، ففروا من أرض القتال.

وحين فرت ميمنة المسلمين من أرض الموقعة التف النصارى حول جيش المسلمين وبدأت الهلكة فيهم، فقتل الآلاف من المسلمين بسيوف النصارى في ذلك اليوم، والذي سُمّي بيوم العقاب أو معركة العقاب.

قُتل سبعون ألفا من مسلمي دولة الموحدين ومن الأندلسيين.. قُتلوا على يد النصارى، وفر الناصر لدين الله من أرض الموقعة ومعه فلول الجيش المنهزم المنكسر والمصاب في كل أجزاء جسده الكبير. وقد قال الناصر لدين الله وهو يفر صدق الرحمن وكذب الشيطان. حيث دخل الموقعة وهو يعلم أنه منصور بعدده، فعلم أن هذا من إلقاء الشيطان وكذبه، وصدق الرحمن [وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] {التوبة25}. فولى الناصر لدين الله مدبرا.

ومما زاد من مررارة الهزيمة أنه ارتكب خطأ آخر لا يقل بحال من الأحوال عن هزيمته المنكرة السابقة وفراره من أرض المعركة، وهو أنه لم يمكث بعد موقعة العقاب في المدينة التي تلي مباشرة مدينة العقاب، وهي مدينة بيّاسة، بل فر وترك بيّاسة ثم ترك أوبدّة، ترك كلتيهما بلا حامية وانطلق إلى مدينة أشبيليّة، وما زالت قوة النصارى في عظمها وما زالت في بأسها الشديد.

الفواجع بعد العقاب
انطلقت قوة النصارى بعد عقاب وهزيمة المسلمين تلك في موقعة العقاب فحاصرت بيّاسة، وكانت مأوى للمرضى والنساء والأطفال، فجمعوهم في المسجد الجامع الكبير في المدينة وقاموا بقتلهم جميعهم بالسيف، ثم انطلقوا إلى مدينة أوبدة، وهناك حاصروها ثلاثة عشر يوما، ثم أعطوا أهلها الأمان على أن يخرجوا منها، وعند خروجهم أمر القساوسة الملوك بقتلهم وعدم تركهم، فقتل من المسلمين في مدينة أوبدّة وفي أعقاب موقعة العقاب وفي يوم واحد ستون ألف مسلم
.

وقد تدهور حال المسلمين كثيرا في كل بلاد المغرب والأندلس على السواء، حتى قطع المؤرخون بأنه بعد موقعة العقاب ما كنت تجد شابا صالحا للقتال لا في بلاد المغرب ولا في بلاد الأندلس. فكانت موقعة واحدة قد بددت وأضاعت دولة في حجم وعظم دولة الموحدين.

ثم إنه قد انسحب الناصر لدين الله أكثر مما كان عليه، فانسحب من أشبيلية إلى بلاد المغرب العربي، ثم قد اعتكف في قصره واستخلف ابنه وليا للعهد من بعده وهو بعد لم يتجاوز العشر سنين.

وفي عمل قد يعد أمرا طبيعيا ونتيجة حتمية لمثل هذه الأفعال، فقد توفي الناصر لدين الله بعد هذا الاستخلاف بعام واحد في سنة عشر وستمائة من الهجرة، عن عمر لم يتجاوز الرابعة والثلاثين، وتولى حكم البلاد من بعده ولي عهده وابنه المستنصر بالله، وعمره آنذاك إحدى عشرة سنة فقط.

ومن جديد وكما حدث في عهد ملوك الطوائف تضيع الأمانة ويوسّد الأمر لغير أهله وتتوالى الهزائم على المسلمين بعد سنوات طويلة جدا من العلو والسيادة والتمكين لدولة الموحدين.

متابعة المأساة بعد موقعة العقاب
في موقف مدّ في عمر الإسلام في بلاد الأندلس بضع سنوات ظهرت بعض الأمراض في الجيوش القشتالية، الأمر الذي اضطرهم إلى العودة إلى داخل حدودهم.

وفي سنة أربعة عشرة وستمائة من الهجرة، وبعد موقعة العقاب بخمس سنين، ونظرا لتردي الأوضاع في بلاد المغرب، وتولي المستنصر بالله أمور الحكم وهو بعد طفل لم يبلغ الرشد، ظهرت حركة جديدة من قبيلة زناته في بلاد المغرب واستقلت عن حكم دولة الموحدين هناك، وأنشأت دولة سنية هي دولة بني مارين، والتي سيكون لها شأن كبير فيما بعد في بلاد الأندلس.

وفي سنة عشرين وستمائة من الهجرة سقطت جزر البليار، وقتل فيها عشرون ألفا من المسلمين على يد ملك أراجون بمساعدة إيطاليا.

وفي نفس العام أيضا استقل بنو حفص بتونس، وانفصلوا بها عن دولة الموحدين.. وهو ذلك العام الذي توفي فيه أمير الموحدين المستنصر بالله عن إحدى وعشرين سنة فقط.

وعلى إثر هذا فقد دار صراع شديد على السلطة؛ حيث لم يكن المستنصر بالله قد استخلف بعد، فتولى عم أبيه عبد الواحد من بعده، إلا أنه خلع وقتل، ثم تولى من بعده عبد الله العادل، وعلى هذا الحال ظل الصراع، وأصبح الرجل يتولى الحكم مدة أربع أو خمس سنوات فقط ثم يُخلع أو يُقتل ويأتي غيره وغيره، حتى سارت الدولة نحو هاوية سحيقة.

وفي سنة خمسة وعشرين وستمائة من الهجرة استقل رجل يسمى ابن هود بشرق وجنوب الأندلس، وكان كما يصفه المؤرخون مفرطا في الجهل، ضعيف الرأي، لم يُنصر له على النصارى جيش.

وفي سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة من الهجرة استقل بنو جيّان بالجزائر، وفي نفس هذا العام حدث حادث خطير ومروع. إنه حادث سقوط قرطبة حاضرة الإسلام






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:24 AM رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

المأساة الكبرى وسقوط قرطبة

في موقف لا نملك حياله إلا التأسف والندم، وفي سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة من الهجرة، وبعد حصار طال عدة شهور، وبعد استغاثة بابن هود الذي استقل بدولته جنوب وشرق الأندلس، والذي لم يعر اهتماما لهذه الاستغاثات بسبب كونه منشغلا بحرب ابن الأحمر، ذلك الأخير الذي كان قد استقل أيضا بجزء آخر من بلاد الأندلس، في كل هذه الظروف سقطت قرطبة، وسقطت حاضرة الإسلام في بلاد الأندلس.

وكان أمرا غاية في القسوة حين لم يجد أهل قرطبة بدا من الإذعان والتسليم والخروج من قرطبة، وكان الرهبان مصرون على قتلهم جميعهم، لكن فرناندو الثالث ملك قشتالة رفض ذلك؛ خشية أن يدمر أهل المدينة كنوزها وآثارها الفاخرة، وبالفعل خرج أهلها متجهين جنوبا تاركين كل شيء، وتاركين حضارة ومنارة ومجدا عظيما كانوا قد خلفوه.

سقطت قرطبة التي أفاضت على العالم أجمع خيرا وبركة وعلما ونورا، سقطت قرطبة صاحبة الثلاثة آلاف مسجد، وصاحبة الثلاث عشرة ألف دار، سقطت قرطبة عاصمة الخلافة لأكثر من خمسمائة عام، سقطت قرطبة صاحبة أكبر مسجد في العالم، سقطت وسقط أعظم ثغور الجهاد في الإسلام.

سقطت قرطبة في الثالث والعشرين من شهر شوال لسنة ثلاثة وثلاثين وستمائة من الهجرة.. سقطت وفي يوم سقوطها تحوّل مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة، وما زال كنيسة إلى اليوم، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

تتابع المآسي
بعد سقوط قرطبة وفي سنة خمسة وثلاثين وستمائة من الهجرة استقل بنو الأحمر بغرناطة بعد موت ابن هود في نفس السنة، وسيكون لهم شأن كبير في بلاد الأندلس على نحو ما سنبينه، وفي سنة ستة وثلاثين وستمائة من الهجرة وبعد استقلال ابن الأحمر بغرناطة بسنة واحدة وبعد حصار دام خمس سنوات متصلة سقطت بلنسية على يد ملك أراجون بمساعدة فرنسا، وكان حصارا شديدا كاد الناس أن يهلكوا جوعا، وكان خلاله عدة مواقع أشهرها موقعة أنيشة سنة أربع وثلاثين وستمائة من الهجرة، والتي هلك فيها الكثير من المسلمين من بينهم الكثير من العلماء.

وكان بنو حفص في تونس قد حاولوا مساعدة بلنسية بالمؤن والسلاح لكن الحصار كان شديدا حتى اضطروا لترك البلد تماما في سنة ستة وثلاثين وستمائة، وهُجّر خمسون ألفا من المسلمين إلى تونس، وتحولت للتّو كل مساجد المسلمين إلى كنائس، وكانت هذه سياسة متبعة ومشهورة للنصارى في كل البلاد الإسلامية التي يسيطرون عليها، إما القتل وإما التهجير.

وفي سنة إحدى وأربعين وستمائة من الهجرة سقطت دانية بالقرب من بلنسية، وفي سنة ثلاثة وأربعين وستمائة سقطت جيّان. وهكذا لم يبق في بلاد الأندلس إلا ولايتان فقط، ولاية غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، وولاية أشبيلية في الجنوب الغربي، وهما يمثلان حوالي ربع بلاد الأندلس.

هذا مع الأخذ في الاعتبار أن كل ولايات إفريقيا قد استقلّت عن دولة الموحدين، فسقطت بذلك الدولة العظيمة المهيبة المتسعة البلاد المترامية الأطراف.

دولة الموحدين وعوامل السقوط.. وقفة تحليلية
قد يفاجأ البعض ويتعجب باحثا عن الأسباب والعلل من هول هذا السقوط المريع لهذا الكيان الكبير بهذه الصورة السريعة المفاجئة، وحقيقة الأمر أن هذا السقوط لم يكن مفاجئا؛ فدولة الموحدين كانت تحمل في طياتها بذور الضعف وعوامل الانهيار، وكانت كثيرة، نذكر منها ما يلي

أولا تعاملها بالظلم مع دولة المرابطين، وقتلها الآلاف ممن لا يستحقون القتل.. وإن طريق الدم لا يمكن أبدا أن يثمر عدلا، يقول ابن تيمية إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.

ثانيا العقائد الفاسدة التي أدخلوها على منهج أهل السنة، وبالرغم من أن يعقوب المنصور رحمه الله قاومها بشدة، إلا أن أشياخ الموحدين ظلوا يعتقدون في عصمة محمد بن تومرت وفي صدق أقواله، حتى آخر أيام دولة الموحدين.

ثالثا الثورات الداخلية الكثيرة التي قامت داخل دولة الموحدين، وكان أشهرها ثورة بني غانية، والتي كانت في جزر البليار، وأيضا في بلاد الأندلس وفي تونس.

رابعا الإعداد الجيد من قبل النصارى في مقابل الإعداد غير المدروس من قبل الناصر لدين الله ومن تبعه بعد ذلك.

خامسا وهو أمر هام وجد خطير، وهو انفتاح الدنيا على دولة الموحدين وكثرة الأموال في أيديهم والتي طالما غرق فيها كثير من المسلمين، وكذلك أيضا الترف والبذخ الشديد الذي أدى إلى التصارع على الحكم وإلى دعة الحكام وإلى الحركات الانفصالية كما ذكرنا.

سادسا بطانة السوء المتمثلة في أبي سعيد بن جامع وزير الناصر لدين الله ومن كان على شاكلته بعد ذلك.

سابعا إهمال الشورى من قبل الناصر لدين الله ومن بعده من الأمراء.

هذا وغيره الكثير من العوامل التي اجتمعت لتسقط هذا الكيان الكبير، والذي لم يبق منه في بلاد الأندلس إلا ولايتان فقط هما غرناطة وأشبيلية، ومع ذلك - وسبحان الله - ظل الإسلام في بلاد الأندلس لأكثر من خمسين ومائتي سنة من هذا السقوط المروع لدولة الموحدين.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:24 AM رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

سقوط الأندلس
الوضع الآن هو سقوط دولة الموحدين على إثر موقعة العقاب، ثم سقوط مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، حتى سقطت قرطبة حاضرة الإسلام وعاصمة الخلافة، وسقطت جيان في سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة.
هذا ولم يبق في الأندلس إلا ولايتان فقط كبيرتان نسبيا، الأولى هي ولاية غرناطة، وتقع في الجنوب الشرقي، وتمثل حوالي خمس عشرة بالمائة من بلاد الأندلس، والثانية هي ولاية أشبيلية، وتقع في الجنوب الغربي، وتمثل حوالي عشرة بالمائة من أرض الأندلس.

هاتان الولايتان هما اللتان بقيتا فقط من جملة بلاد الأندلس، وكان من العجيب كما ذكرنا أن يظل الإسلام في بلاد الأندلس بعد هذا الوضع وبعد سقوط قرطبة، وبعد هذا الانهيار الكبير لمدة تقرب من خمسين ومائتي سنة، فكانت هذه علامات استفهام كبيرة، ولا بد من وقفة معها بعض الشيء.

ابن الأحمر وملك قشتالة ومعاهدة الخزي والشنار
في نفس العام التي سقطت فيه جيان، وفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، وحماية لحقوق وواجبات مملكة قشتالة النصرانية وولاية غرناطة الإسلامية، يأتي فرناندو الثالث ملك قشتالة ويعاهد ابن الأحمر الذي يتزعم ولاية غرناطة، ويعقد معه معاهدة يضمن له فيها بعض الحقوق ويأخذ عليه بعض الشروط والواجبات.

وقبل أن نتحدث عن بنود هذه الاتفاقية وتلك المعاهدة، نتعرف أولا على أحد طرفي هذه المعاهدة وهو ابن الأحمر، فهو محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر، والذي ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن شتّان بين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا، وبين سعد بن عبادة الخزرجي، وقد سُمّي بابن الأحمر لاحمرار لون شعره، ولم يكن هذا اسما له، بل لقبا له ولأبنائه من بعده حتى نهاية حكم المسلمين في غرناطة.
وفي بنود المعاهدة التي تمت بين ملك قشتالة وبين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا أو محمد الأول كان ما يليأولا أن يدفع ابن الأحمر الجزية إلى ملك قشتالة، وكانت خمسين ومائة ألف دينار من الذهب سنويا، وكان هذا تجسيدا لحال الأمة الإسلامية، وتعبيرا عن مدى التهاوي والسقوط الذريع بعد أفول نجم دولة الموحدين القوية المهابة، والتي كانت قد فرضت سيطرتها على أطراف كثيرة جدا من بلاد الأندلس وإفريقيا.

ثانيا أن يحضر بلاطه كأحد ولاته على البلاد، وفي هذا تكون غرناطة تابعة لقشتالة ضمنيا.

ثالثا أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علانية، وبهذا يكون ملك قشتالة قد أتم وضمن تبعية غرناطة له تماما.

رابعا أن يسلمه ما بقي من حصون جيّان- المدينة التي سقطت أخيرا- وأرجونه وغرب الجزيرة الخضراء حتى طرف الغار، وحصون أخرى كثيرة جدا تقع كلها في غرب غرناطة، وبذلك يكون ابن الأحمر قد سلم لفرناندو الثالث ملك قشتالة مواقع في غاية الأهمية تحيط بغرناطة نفسها.

خامسا وهو أمر في غاية الخطورة، وهو أن يساعده في حروبه ضد أعدائه إذا احتاج إلى ذلك، أي أن ابن الأحمر يشترك مع ملك قشتالة في حروب ملك قشتالة التي يخوضها أيا كانت الدولة التي يحاربها.

قمة التدني والانحطاط وسقوط أشبيليةفي أول حرب له بعد هذه الاتفاقية قام ملك قشتالة بالزحف نحو أشبيلية، وبالطبع طلب من ابن الأحمر أن يساعده في حربها وفق بنود المعاهدة السابقة، والتزاما صاغرا بها، ودوسا بالأقدام لتعاليم الإسلام وشرائعه، وضربا عرض الحائط لرابطة النصرة والأخوة الإسلامية، وموالاة للنصارى وأعداء الإسلام على المسلمين، ما كان من ابن الأحمر إلا أن سمع وأطاع، وبكامل عدته يتقدم فرسان المسلمين الذين يتقدمون بدورهم جيوش قشتالة نحو أشبيلية، ضاربين حصارا طويلا وشديدا حولها.
وإنه لمما يثير الحيرة والدهشة ويدعو إلى التعجب والحسرة في ذات الوقت هو أنه إذا كان ابن الأحمر على هذه الصورة من هذه السلبية وذاك الفهم السقيم، والذي لا يُنبئ إلا عن مصلحة شخصية ودنيوية زائلة، فأين موقف شعب غرناطة الذي هو قوته وجيشه؟! وكيف يرتضي فعلته تلك ويوافقه عليها، ومن ثم يتحرك معه ويحاصر أشبيلية المسلمة المجاورة، وهما معا (أشبيلية وغرناطة) كانا مدينة واحدة في دولة إسلامية واحدة هي دولة الأندلس؟!

أليس الجيش من الشعب؟! أوليس هم مسلمون مثلهم وأخوة في الدين لهم حق النصرة والدفاع عنهم؟! فإنه ولا شك كان انهيارا كبيرا جدا في أخلاق القادة وأخلاق الشعوب.

يتحرك الجيش الغرناطي مع الجيش القشتالي ويحاصرون المسلمين في أشبيلية، ليس لشهر أو شهرين، إنما طيلة سبعة عشر شهرا كاملا، يستغيث فيها أهل أشبيلية بكل من حولهم، لكن هل يسمع من به صمم؟!
المغرب الآن مشغول بالثورات الداخلية، وبنو مارين يصارعون الموحدين في داخل المغرب، والمدينة الوحيدة المسلمة في الأندلس غرناطة هي التي تحاصر أشبيليّة، ولا حول ولاقوة إلا بالله.

وهناك وفي السابع والعشرين من شهر مضان لسنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة، وبعد سبعة عشر شهرا كاملا من الحصار الشديد، تسقط أشبيليّة بأيدي المسلمين ومعاونتهم للنصارى، تسقط أشبيليّة ثاني أكبر مدينة في الأندلس، تلك المدينة صاحبة التاريخ المجيد والعمران العظيم، تسقط أشبيليّة أعظم ثغور الجنوب ومن أقوى حصون الأندلس، تسقط أشبيليّة ويغادر أهلها البلاد، ويهجّر ويشرّد منها أربعمائة ألف مسلم، وواحسرتاه على المسلمين، تفتح حصونهم وتدمر قوتهم بأيديهموَمَا فَتِئَ الزَّمَانُ يَدُورُ حَتَّى مَضَى بِالْمَجْدِ قَوْمٌ آخَرُونَوَأَصْبَحَ لَا يُرَى فِي الرَّكْبِ قَوْمِي وَقَدْ عَاشُوا أَئِمَّتُهُ سِنِينًاوَآلَمَنِي وَآلَمَ كُلَّ حُرٍّ سُؤَالُ الدَّهْرِ أَيْنَ الْمُسْلِمُونَ؟أين المسلمون؟! إنهم يحاصرون المسلمين! المسلمون يقتلون المسلمين! المسلمون يشرّدون المسلمين!

وعلى هذا تكون أشبيلية قد اختفت وإلى الأبد من الخارطة الإسلامية، وما زال إلى الآن مسجدها الكبير الذي أسسّه يعقوب المنصور الموحدي بعد انتصار الأرك الخالد، والذي أسسّه بغنائم الأرك، مازال إلى اليوم كنيسة يعلّق فيها الصليب، ويُعبد فيها المسيح بعد أن كانت من أعظم ثغور الإسلام، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

غرناطة ولماذا يعاهدها ملك قشتالة؟
لم يتبق في الأندلس في سنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة بلادا إسلامية غير غرناطة وما حولها فقط من القرى والمدن، والتي لا تمثل كما ذكرنا أكثر من خمس عشرة بالمائة من أرض الأندلس، وهي تضم ثلاث ولايات متحدة هي ولاية غرناطة، وولاية ملقة، وولاية ألمرية، ثلاث ولايات تقع تحت حكم ابن الأحمر، وإن كان هناك شيء من الاستقلال داخل كل ولاية.

ولنا أولا أن نتساءل ونتعجب لماذا يعقد فرناندو الثالث اتفاقية ومعاهدة مع هذه القوة التي أصبح القضاء عليها أمرا ميسورا خاصة بعد هذا الانهيار المروّع لدولة المسلمين؟! لماذا يعقد معاهدة مع ابن الأحمر؟! ولماذا لم يأكل غرناطة كما أكل غيرها من بلاد المسلمين ودون عهود أو اتفاقيات؟!

والواقع أن ذلك كان للأمور التالية
أولا كانت غرناطة بها كثافة سكانية عالية؛ الأمر الذي يجعل من دخول جيوش النصارى إليها من الصعوبة بمكان، وقد كان من أسباب هذه الكثافة العالية أنه لما كانت تسقط مدينة من مدن المسلمين في أيدي النصارى فكان النصارى كما ذكرنا ينتهجون نهجا واحدا، وهو إما القتل أو التشريد والطرد من البلاد
.

فكان كلما طُرد رجل من بلاده عمق واتجه ناحية الجنوب، فتجمع كل المسلمون الذين سقطت مدنهم في أيدي النصارى في منطقة غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، فأصبحت ذات كثافة سكانية ضخمة، الأمر يصعب معه دخول قوات النصارى إليها.

ثانيا كانت غرناطة ذات حصون كثيرة ومنيعة جدا، وكانت هذه الحصون تحيط بغرناطة وألمرية وملقة.

ثالثا أنها (غرناطة) كانت تقع في الجنوب الشرقي وعلى البحر المتوسط، أي أنها قريبة من بلاد المغرب العربي، وكانت قد قامت في بلاد المغرب العربي كما ذكرنا نواة دولة إسلامية جديدة هي دولة بني مارين، وكانت دولة سنية تقوم على التقوى، فكانت بين الحين والآخر تساعد بلاد غرناطة؛ ومن جراء ذلك استطاعت غرناطة أن تصمد بعض الشيء وتقف على أقدامها ولو قليلا أمام فرناندو الثالث ومن معه من النصارى في مملكة قشتالة.

ومن هنا وافق فرناندو الثالث على عقد مثل هذه المعاهدة، وإن كانت كما رأينا معاهدة جائرة ومخزية، يدفع فيها ابن الأحمر الجزية، ويحارب بمقتضاها مع ملك قشتالة، ويتعهد فيها بألا يحاربه في يوم ما.

غرناطة وموعد مع الأجل المحتوم
كعادتهم ولطبيعة متأصلة في كينونتهم، ومع كون المعاهده السابقة والتي بين ابن الأحمر وملك قشتالة تقوم على أساس التعاون والتصالح والنصرة بين الفريقين، إلا أنه بين الحين والآخر كان النصارى القشتاليون بقيادة فرناندو الثالث ومن تبعه من ملوك النصارى يخونون العهد مع ابن الأحمر، فكانوا يتهجمون على بعض المدن ويحتلونها، وقد يحاول هو (ابن الأحمر) أن يسترد هذه البلاد فلا يفلح، فلا يجد إلا أن يعاهدهم من جديد على أن يترك لهم حصنا أو حصنين أو مدينة أو مدينتين مقابل أن يتركوه حاكما على بلاد غرناطة باسمهم، ولاحول ولا قوة إلا بالله
.

فلم تؤسَّس غرناطة على التقوى، بل أسسها ابن الأحمر على شفا جرف هارٍ، معتمدا على صليبي لا عهد له ولا أمان [أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {البقرة100} .

وقد ظل ابن الأحمر طيلة الفترة من سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، ومنذ أول معاهدة عقدها مع ملك قشتالة، وحتى سنة إحدى وسبعين وستمائة ظل طيلة هذه الفترة في اتفاقيات ومعاهدات.

وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة من الهجرة بدأ ملك قشتالة وكان في ذلك الوقت ألفونسو العاشر بالمخالفة الصريحة لبنود المعاهدة المبرمة بينهما، وبدأ في تجييش الجيوش لدخول غرناطة، ومن ثم إنهاء الوجود الإسلامي تماما من أرض الأندلس.
هنا وجد ابن الأحمر نفسه في مأزق، وحينها فقط علم أنه عاهد من لا عهد له، فماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن يمّم وجه شطر بلاد المغرب حيث بنو مارين، وحيث الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين، والتي كان عليها رجل يُسمّى يعقوب بن منصور الماريني، الماريني تمييزا بينه ويعقوب بن منصور الموحدي في دولة الموحدين، وكلاهما كانا على شاكلة واحدة، وكلاهما من عظماء المسلمين، وكلاهما من أكبر القواد في تاريخ المسلمين.

يعقوب بن منصور الماريني رجل الشدائد
في وصف بليغ ليعقوب بن منصور الماريني يحدث المؤرخون المعاصرون له أنه كان صوّاما قوّاما، دائم الذكر، كثير الفكر، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرا، وفي أكثر ليله قائما يصلي، مكرما للصلحاء، كثير الرأفة والحنين على المساكين، متواضعا في ذات الله تعالى لأهل الدين، متوقفا في سفك الدماء، كريما جوّادا، وكان مظفرا، منصور الراية، ميمون النقيبة، لم تهزم له راية قط، ولم يكسر له جيش، ولم يغزو عدوا إلا قهره، ولا لقي جيشا إلا هزمه ودمّره، ولا قصد بلدا إلا فتحه، وكان خطيبا مفوها، يؤثّر في نفوس جنوده، شجاعا مقداما يبدأ الحرب بنفسه.

وإنها والله لصفات عظيمة جدا لهؤلاء القادة المجاهدين الفاتحين، يجب أن يقف أمامها المسلمون كثيرا وكثيرا، ويتمثلونها ولو في قرارة أنفسهم، ويجعلون منها نبراسا ولو في حياتهم العامة.

وفي تطبيق عملي لإحدى هذه الصفات وحين استعان محمد بن الأحمر الأول بيعقوب بن منصور الماريني ممثلا في دولة بني مارين، ما كان منه إلا أن أعد العدة وأتى بالفعل، وقام بصد هجوم النصارى على غرناطة.

بلاد الأندلس واستيراد النصر وقفة عابرة
لقد تعودت بلاد الأندلس استيراد النصر من خارجها كانت هذه مقولة ملموسة طيلة العهود السابقة لبلاد الأندلس، فلقد ظلت لأكثر من مائتي عام تستورد النصر من خارج أراضيها، فمرة من المرابطين، وأخرى من الموحدين، وثالثة كانت من بني مارين وهكذا، فلا تكاد تقوم للمسلمين قائمة في بلاد الأندلس إلا على أكتاف غيرهم من بلاد المغرب العربي وما حولها.

ومن الطبيعي ألا يستقيم الأمر لتلك البلاد التي تقوم على أكتاف غيرها أبدا، وأبدا لا تستكمل النصر، وأبدا لا تستحق الحياة، لا يستقيم أبدا أن تنفق الأموال الضخمة في بناء القصور في غرناطة مثل قصر الحمراء الذي يعد من أعظم قصور الأندلس ليحكم منها ابن الأحمر أوغيره وهو في هذه المحاصرة من جيوش النصارى، ثم يأتي غيره ومن خارج الأندلس ليدافع عن هذه البلاد وتلك القصور.
ولا يستقيم أبدا لابن الأحمر أن يُنشئ الجنان الكثيرة (أكثر من ثلاثمائة حديقة ضخمة في غرناطة، وكان يطلق على كل حديقة منها اسم (جنّة) لسعتها وكثرة الثمار والأشجار فيها) وينفق كل هذا الإنفاق والبلاد في حالة حرب مع النصارى، ثم حين يأتي وقت الجهاد يذهب ويستعين بالمجاهدين من البلاد المجاورة.

وعلى كلٍ فقد أتى بنو مارين كما ذكرنا واستطاعوا أن يردوا الهجوم عن غرناطة، وحفظها الله من السقوط المدوي
وفاة محمد الأول وولاية محمد الفقيه
في ذات العام الذي رُدّ فيه جيش النصارى، وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة يموت محمد بن الأحمر الأول وقد قارب الثمانين من عمره، وقد استخلف على الحكم ابنه، ومثل اسمه واسم معظم أمراء بني الأحمر كان اسم ابنه هذا محمد، فكان هو محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر، وكانوا يلقبونه بالفقيه؛ لأنه كان صاحب علم غزير وفقه عميق.

لما تولى محمد الفقيه الأمور في غرناطة نظر إلى حال البلاد فوجد أن قوة المسلمين في بلاد الأندلس لن تستطيع أن تبقى صامدة في مواجهة قوة النصارى، هذا بالإضافة إلى أن ألفونسو العاشر حين مات ابن الأحمر الأول ظن أن البلاد قد تهاوت، فما كان منه إلا أن أسرع بالمخالفة من جديد وبالهجوم على أطراف غرناطة، ما كان أيضا من محمد الفقيه إلا أن استعان بيعقوب المنصور الماريني رحمه الله.

وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة من الهجرة يجهز المنصور جيشا قوامه خمسة آلاف رجل فقط، ويضع نفسه على رأسه، ويعبر به إلى بلاد الأندلس حتى يساعد محمد الفقيه في حربه ضد النصارى.

وهناك وفي مكان خارج غرناطة وبالقرب من قرطبة يلتقي المسلمون مع النصارى، المسلمون تعدادهم عشرة آلاف مقاتل فقط، خمسة آلاف من جيش بني مارين، ومثلهم من جيش غرناطة، وفي مقابلتهم تسعون ألفا من النصارى، وعلى رأسهم واحد من أكبر قواد مملكة قشتالة يدعى دون نونيو دي لارى ( تعمدنا ذكر اسمه لأن الموقعة التي دارت بين المسلمين والنصارى في هذا المكان عُرفت بموقعة الدونونيّة؛ نسبة إلى اسمه).

موقعة الدونونيّة ونصر مؤزر
في سنة أربع وسبعين وستمائة من الهجرة تقع موقعة الدونونية، وكان على رأس جيوش المسلمين المنصور الماريني رحمه الله، وقد أخذ يحفز الناس بنفسه على القتال، وكان مما قاله في خطبته الشهيره في تحفيز جنده في هذه الموقعة، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها وجِدُّوا في طلبها، وابذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإنّ الجنّة تحت ظلال السيوف [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة111} . فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ فمن مات منكم مات شهيدا، ومن عاش رجع إلى أهله سالما غانما مأجورا حميدا، فـ [اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {آل عمران200} .

كان من جراء هذا أن عانق الناس بعضهم بعضا للوداع، وبكوا جميعا،وبهؤلاء الرجال الذين أتوا من بلاد المغرب، وبهذه القيادة الربانية، وبهذا العدد الذي لم يتجاوز العشرة آلاف مقاتل حقق المسلمون انتصارا باهرا وعظيما، وقتل من النصارى ستة آلاف مقاتل، وتم أسر ثمانية آلاف آخرون، وقتل دون نونيو قائد قشتاله في هذه الموقعة، وقد غنم المسلمون غنائم لا تحصى، وما انتصر المسلمون منذ موقعة الأرك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة إلا في هذه الموقعة، موقعة الدونونية في سنة أربعة وسبعين وستمائة من الهجرة.






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:24 AM رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

الفتوحات بعد الدونونية، وسنن تتكرر
بعد موقعة الدونونية انقسم جيش المسلمين إلى نصفين، توجه النصف الأول إلى جيّان وكان على رأسه ابن الأحمر، ففتح جيّان وانتصر عليهم، وتوجّه النصف الآخر وعلى رأسه المنصور الماريني إلى أشبيلية، فإذا به يحرر أشبيليّة ويصالح أهلها على الجزية.

وإنه والله لأمر عجيب هذا، أمر هؤلاء الخمسة آلاف رجل، والذين يذهب بهم المنصور الماريني ويحاصر أشبيلية، فيحررها ويصالح أهلها على الجزية، تماما كما قال صلى الله عليه وسلم نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. فكان هذا مثال حي على صلاح الرجال وصلاح الجيوش.
وبعد ثلاث سنوات من هذه الموقعة، وفي سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة ينتقض أهل أشبيلية فيذهب إليهم من جديد يعقوب الماريني رحمه الله، ومن جديد وبعد حصار فترة من الزمن يصالحونه على الجزية، ثم يتجه بعد ذلك إلى قرطبة ويحاصرها، فترضخ له أيضا على الجزية.

أمر والله في غاية الغرابة والعجب، يحرر قرطبة وجيّان وأشبيلية وقوام جيشه لا يتعدى الخمسة آلاف مقاتل! وإنه ليستحق وقفات ووقفات، وإن كان هذا ليس بغريب في التاريخ الاسلامي، بل إنه قد تحقق أن الغريب هو أن يحدث عكس ذلك كما ذكرنا من قبل.

الغريب هو أن يُهزم جيش مثل جيش المنصور الماريني بهذا العدد القليل الذي يعتمد فيه على الله ويأمل فيه الشهادة، والغريب هو أن ينتصر جيش مثل جيش الناصر لدين الله في موقعة العقاب حين كان قوامه خمسمائة ألف مقاتل وهم يعتقدون في عدتهم وقوتهم، وهي سنن الله الثوابت التي تتكرر في تاريخنا الإسلامي، ولنا فيها العبرة والعظة.
ومثل تلك السنن التي تتكرر كثيرا، فما أن يحقق المنصور الماريني كل هذه الانتصارات ويجمع مثل هذه الغنائم التي لا حصر لها، حتى يعطي وفي غاية الورع ومنتهى الزهد يعطي كل الغنائم لأهل الأندلس من غرناطة ويعود إلى بلاد المغرب ولا يأخذ معه شيئا، تماما كما فعل يوسف بن تاشفين رحمه الله بعد موقعة الزلاقة، وبحق كان هؤلاء هم الرجال المنصورون.

ابن حاكم ألمرية وصورة سامية ومحمد بن الأحمر الفقيه والخيانة العظمى
في أثناء رجوع يعقوب الماريني رحمه الله يموت حاكم ألمرية (من ضمن الولايات الثلاث في منطقة غرناطة، والأخريان هما ولاية ملقة وولاية غرناطة)، ومن بعده يتولى عليها ابنه وكان شابا فتيا، وقد أُعجب بأفعال ابن يعقوب الماريني وانتصاراته المتعددة إعجابا كبيرا، فعرض عليه حكم ألمرية بدلا منه، استجاب المنصور الماريني رحمه الله لطلبه، فخلّف عليها قوة صغيرة من المسلمين يبلغ قوامها ثلاثة آلاف رجل، ثم استجلب ثلاثة آلاف آخرين من بلاد المغرب، ووضعهم في جزيرة طريف حتى يكونوا مددا قريبا لبلاد الأندلس إذا احتاجوا إليهم في حربهم ضد النصارى، ثم عاد هو إلى بلاد المغرب.

هنا نظر محمد بن الأحمر الفقيه إلى ما فعله حاكم ألمرية فأوجس في نفسه خيفة ابن الأحمر، وقال إن في التاريخ لعبرة، وهو يقصد بهذا أنه حينما استعان المعتمد على الله ابن عبّاد من ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، فما كان من الأخير إلا أن أخذ البلاد وضمها كلها إلى دولة المرابطين، وها هو الآن يعقوب المنصور الماريني يبدأ بمدينتي طريف وألمريّة، إن في التاريخ لعبرة، ففكر عازما على أن يقف حائلا وسدا منيعا حتى لا تُضم بلاد الأندلس إلى دولة بني مارين.

ويا لهول هذا الفكر الذي كان عليه ذلك الرجل الذي لُقب بالفقيه الذي ما هو بفقيه، فماذا يفعل إذن لكي يمنع ما تكرر في الماضي ويمنع ما جال بخاطره؟ بنظرة واقعية وجد أنه ليست له طاقة بيعقوب بن منصور الماريني، ليست له ولا لشعبه ولا لجيشه ولا لحصونه طاقة به، فماذا يفعل؟!

ما كان من محمد ابن الأحمر الفقيه إلا أن أقدم على عمل لم يتخيله أحد من المسلمين، ما كان منه إلا أن ذهب إلى ملك قشتالة واستعان به في طرد يعقوب بن منصور الماريني من جزيرة طريف، يذهب إلى ملك قشتالة بعد أن كان قد انتصر عليه هو والمنصور الماريني في موقعة الدومونية وما تلاها في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة من فتح أشبيلية وجيّان وقرطبة، يذهب إلى الذي هو عدوٌّ لهما (لابن الأحمر والمنصور الماريني) ويستعين به على طرد الماريني من جزيرة طريف.
وعلى موعد مع الزمن يأتي ملك قشتالة بجيشه وأساطيله ويحاصر طريف من ناحيتين، فناحية يقف عليها ابن الأحمر الفقيه، والأخرى يقف عليها ملك قشتالة.

وما إن يسمع بذلك يعقوب المنصور الماريني رحمه الله حتى يعود من جديد إلى جزيرة طريف، وعلى الفور يجهز الجيوش ويعد العدة، ثم يدخل في معركة كبيرة مع النصارى هناك في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة، فينتصر يعقوب المنصور الماريني رحمه الله على النصارى، ويفرون من أمامه فرّا إلى الشمال، ويجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة مع يعقوب المنصور الماريني.

المنصور الماريني وعلو المقاصد والهمم وابن الأحمر الفقيه والخسة والدناءة
ما كان من محمد بن الأحمر الفقيه حين وجد نفسه في مواجهة مع الماريني إلا أن أظهر الندم والاعتذار، وتعلل وأبدى الأسباب (الغير مقبولة بالطبع)، وبأمر من حكيم وبصورة لا تتكرر إلا من رجل ملَكَ قَلْبَه، يعفو عنه يعقوب بن منصور الماريني ويتوب عليه، بل ويعيده إلى حكمه.

وإن ما فعله محمد بن الأحمر الفقيه ليفسر لنا لماذا سقطت بلاد الأندلس بعد ذلك؟ ولماذا لا تستحقّ هذه البلاد النصر والحياة؟ وإن ما فعله ابن الأحمر هذا لم يقم به بمفرده، بل كان معه أمته وشعبه وجيشه، يحاربون الرجل الذي ساعدهم في حرب النصارى وتخليصهم من أيديهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

وفي سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة يأتي من جديد يعقوب بن منصور الماريني ليساعد ابن الأحمر في حرب جديده ضد النصارى، وهكذا كان يعقوب بن منصور الماريني قد وهب حياته للجهاد في سبيل الله، والدفاع عن دين الله، وفي هذه السنة ينتصر المسلمون على النصارى، ويعقدون معهم عهدا كانت له شروط أملاها وفرضها عليهم يعقوب بن منصور الماريني رحمه الله.

في هذه المعاهدة لم يطلب يعقوب بن منصور الماريني مالا ولا قصورا ولا جاها، إنما طلب منهم أن يأتوا له بكتب المسلمين، والتي هي في قرطبة وأشبيلية وطليطلة، وغيرها من البلاد التي سقطت في أيدي النصارى، هذا هو الذي طلبه واشترطه في معاهدته.

وبالفعل أتوا إليه بكميات ضخمه من كتب المسلمين، الأمر الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن من الضياع، وما زالت وإلى الآن الكتب التي أخذها يعقوب بن منصور الماريني في الموقعة التي تمت في سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة ما زالت في مكتبة فاس في المغرب وإلى هذه اللحظة، وهكذا كانت علو المقاصد وعلو الهمم عند يعقوب بن منصور الماريني، وكانت الخسة والدناءة عند ابن الأحمر وأولاد ابن الأحمر.

تكرار الخيانة من ابن الأحمر الفقيه وسقوط طريف
بعد الموقعة السابقة بعام واحد وفي سنة خمس وثمانين وستمائة من الهجرة يموت المنصور الماريني رحمه الله ويخلفه على إمارة بني مارين ابنه يوسف بن المنصور، ومن حينها يذهب ابن الأحمر الفقيه إليه ويعرض عليه الولاء والطاعة وما شاء من أرض الأندلس ويقدم له ما يريد، طلب منه يوسف بن المنصور رحمه الله أن يأخذ الجزيرة الخضراء وجزيرة طريف؛ حتى تكون قاعدة له في حربه مع النصارى، وقد هدأت الأمور نسبيا هناك في غرناطة
.

لكن حين أخذ يوسف بن المنصور الجزيرة الخضراء وطريف، كانت قد اعتملت الوساوس من جديد في قلب ابن الأحمر، ومن جديد يذهب ابن الأحمر الفقيه إلى النصارى ويستعين بهم في حرب يوسف بن المنصور وطرده وطرد بني مارين من طريف.

وكسابقه وعلى موعد أيضا مع الزمن يأتي بالفعل جيش النصارى ويحاصر طريف كما فعل في السابق، لكن في هذه المرة يستطيعون أن يسقطوا طريف.

وقد كان الاتفاق بين ابن الأحمر الفقيه وبين النصارى أنهم إذا استولوا على جزيرة طريف من بني مارين أن يعطوها إلى ابن الأحمر الفقيه، لكن النصارى بعد أن استولوا عليها لم يعيدوها إليه، وإنما أخذوها لأنفسهم، وبذلك يكونون قد خانوا العهد معه، وتكون قد حدثت الجريمة الكبرى والخيانة العظمى وسقطت طريف.
وكان موقع طريف هذه في غاية الخطورة، فهي تطل على مضيق جبل طارق، ومعنى ذلك أن سقوطها يعني انقطاع بلاد المغرب عن بلاد الأندلس، وانقطاع العون والمدد من بلاد المغرب إلى الأندلس تماما.

أبو عبد الله بن الحكيم وأمور يندى لها الجبين
في سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة يموت ابن الأحمر الفقيه ويتولى من بعده محمد الثالث، والذي كان يلقب بالأعمش، وهذا كان رجلا ضعيفا جدا، وقد تولى الأمور في عهده الوزير أبو عبد الله بن الحكيم الذي ما هو بحكيم، حيث كانت له السيطرة على الأمور في بلاد غرناطة، وكان على شاكلة من سبقه في مراسلة ملك قشتالة والتحالف معه
.

لم يكتف أبو عبد الله بن الحكيم بذلك، لكنه زاد على السابقين له في هذه المحالفات وغيرها بأن فعل أفعالا يندى لها الجبين، كان منها أنه جهّز جيشا وذهب ليقاتل، تُرى يقاتل من؟ أيقاتل النصارى الذين هم على حدود ولايته وقد فعلوا الأعاجيب، أم من يقاتل؟كانت الإجابة المخزية أنه سلم منه النصارى، وذهب بجيشه واحتلّ سبتة في بلاد المغرب، ذهب إلى دولة بني مارين واحتلّ مدينة سبته حتى يقوي شأنه في مضيق جبل طارق.

وفي سبيل لزعزعة الحكم في بني مارين، وبعد اعتماده في حكمه تماما على ملك قشتالة، فقد فعل ما هو أشدّ من ذلك، حيث راسل رجلا من بني مارين وأمدّه بالسلاح ليقوم بانقلاب على يوسف بن المنصور، وقامت فتنة في بني مارين.

وإنه ولا شك غباء منقطع النظير، أمر لا يقره عقل ولا دين، لكن هذا ما حدث، فكانت النتيجة أنه بعد ذلك بأعوام قليلة سقط جبل طارق في أيدي النصارى، وذلك سنة تسع وسبعمائة من الهجرة، وعُزلت بالكلية بلاد الأندلس عن بلاد المغرب، وتركت غرناطة لمصيرها المحتوم.

انقطع الآن النصر الذي كان يأتي ويستورد ويعتمد ولسنوات طويلة على بلاد المغرب، انقطع عن شعب وحكام غرناطة الذين كثيرا ما ألفوه بينهم، وتُركوا لحالهم ولشأنهم.
وطيلة قرابة مائتي عام، ومنذ سنة تسع وسبعمائة وحتى سنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة ظل الحال كما هو عليه في بلاد غرناطة، معاهدات متتالية من أبناء الأحمر وملوك غرناطة مع ملك قشتالة، تسليم وجزية، وخزي وعار، سنوات طويلة لكنها وسبحان الله لم تسقط.

وكان السر في ذلك والسبب الرئيسي والذي من أجله حفظت هذه البلاد (وهي من غير مدد ولا عون من قبل بلاد المغرب)، هو وجود خلاف كبير وصراع طويل كان قد دار بين مملكة قشتالة ومملكة أراجون (المملكتان النصرانيّتان في الشمال)؛ حيث تصارعا سويا بعد أن صارت كل مملكة منهم ضخمة قوية، وكانتا قد قامتا على أنقاض الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس، وكانت قوة غرناطة قد أصبحت هزيلة جدا، الأمر الذي لا يبعث على الخشية منها على الإطلاق؛ ومن ثم صرفوا أنظارهم عنها، وقد شغلوا بأنفسهم وتركوا المسلمين






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:21 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator